الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
[ باب الدليل على أن لا توقيت في الماء الذي يغتسل فيه ]
حديث رقم – 410-
( صحيح ) أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار قال حدثني إسحاق بن منصور عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل في الإناء وهو الفرق وكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد )
( من الفوائد )
بيان حسن معاشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجاته إذ كان يغتسل معهن كما ذكرت عائشة رضي الله عنها .
( ومن الفوائد )
بيان فضل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم إذ نقلن لنا ما يخفى على الأمة من الأحكام التي يصنعها صلوات ربي وسلامه عليه في بيته ومع أهله
( ومن الفوائد )
أن هذا الحديث يضعف الحديث الوارد عنها – وقد مر معنا – إذ قالت رضي الله عنها
( ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مني ولا رأيت منه )
فحديث الباب يضعف هذا الحديث .
( ومن الفوائد )
أن الرسول صلى الله عليه وسلم يستبق مع عائشة في الغسل من هذا الإناء المسمى بـ
( الفَرَق )
و ( الفرق ) ثلاثة أصواع كما جاءت رواية مسلم بهذا .
( ومن الفوائد )
أن اشتراكهما في الغسل من هذا الإناء يدل على أنه ليس هناك تحديد مقدَّر للماء في الغسل ، إذ قد تأخذ أكثر منه أو يأخذ أكثر منها ، فدل على أنه لا تحديد لمقدار الماء الذي يغتسل به .
( ومن الفوائد )
أنهما كانا يغتسلان من ( الفرق )
وهو يسع ثلاثة أصواع ، وقد ثبت في الصحيحين :
( أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد )
فهذا يؤكد ما سبق من أن الغسل لا يحدد بقدر من الماء ، وأن المقدار يختلف ، فمرة يغتسل بالصاع ومرة بما يزيد على الصاع بمدٍّ ، ومرة يشترك معها رضي الله عنها في الاغتسال من هذا الإناء الذي يسع ثلاثة أصواع ، هذا إن قدرنا أن ( الفرق ) كان مملوءاً ، أما إذا كان أقلَّ فلا يورد إشكال حول الزيادة على خمسة أمداد .
فنخص من هذا : إلى أن أقل الواجب في الماء الذي يغتسل به أن يعمم البدن ، فإن زاد فلا جناح شريطة ألا يصل إلى حدٍّ الإسراف .
[ باب اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناء واحد ]
حديث رقم – 411-
( صحيح الإسناد ) أخبرنا سويد بن نصر قال حدثنا عبد الله عن هشام ح وأخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل وأنا من إناء واحد نغترف منه جميعا وقال سويد قالت كنت أنا )
( من الفوائد )
أن اللغة العربية تتنوع مواردها ومشاربها في السياق ، فمرة ذكرت أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المغتسل وتشاركه
( كان يغتسل وأنا )
ومرة تذكر أنها تغتسل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاركها .
( ومن الفوائد )
أن الاغتراف من المحدثين من إناء واحد لا يؤثر ، بينما لو اغتسل أحدهما وحده ثم بقيت فضلة فإنه قد ورد حديث ينهى عن ذلك ، وهذا النهي من باب الكراهة ، وهو حديث
( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل وليغترفا جميعا )
أما إذا اشتركا سويا فلا نهي .
حديث رقم – 412-
( صحيح ) أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا خالد قال حدثنا شعبة قال أخبرني عبد الرحمن بن القاسم قال سمعت القاسم يحدث عن عائشة قالت كنت أغتسل : أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة )
( من الفوائد )
أن عائشة رضي الله عنها ذكرت الضمير وهو ضمير الرفع ، ومعلوم أن ضمير الرفع يجب أن يستتر في مواطن من بينها هذا السياق
( أغتسل )
فلا يذكر ضمير الرفع ، فيكون ضمير الرفع واجب الاستتار ، قال ابن مالك رحمه الله :
ومن ضمير الرفع ما يستتر
كافعل أوافق نغتبط إذ تشكر
فما كان على وزن ( أفعل ) لا يظهر ضمير الرفع ، فماذا أظهرت الضمير هنا ؟
قال بعض العلماء : إن هذا ليس ضمير الرفع وإنما هو توكيد لضمير الرفع واجب الاستتار ، فهذا تأكيد على تأكيد .
وقال بعض العلماء : إن الإتيان بضمير الرفع وإظهاره من باب التسهيل لأن يعطف شيء على شيء أو أن تعطف جملة على جملة ، قالت ( كنت أغتسل أنا ورسول الله )
كقوله تعالى { اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ }البقرة35 ، فهنا ظهر الضمير على ما رأى بعض العلماء من أجل أن يعطف جملة على جملة .
( ومن الفوائد )
أنه مر معنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الماء الراكد قال :
( ولا يغتسل فيه من الجنابة )
فهذه الصورة تخرج هنا ، لم ؟ لأنه ليس هناك انغماس وإنما فيه اغتراف .
( ومن الفوائد )
أن فيه دليلا – مع أدلة أخرى كثيرة على أن الجنب طاهر ، فلو كان نجس العين لتنجس الماء حال اغترافهما منه .
حديث رقم – 413-
( صحيح ) أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبيدة بن حميد عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : لقد رأيتني أنازع رسول الله صلى الله عليه وسلم الإناء أغتسل أنا وهو منه )
( من الفوائد )
بيان الملاطفة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين عائشة رضي الله عنها ، فكانت تتنازع معه الماء ، بمعنى أن كلا منهما يحرص على أن يسبق الآخر من الأخذ من الإناء، وهذا أسلوب من اساليب المداعبة والملاطفة بين الزوجين ، وهذا الفعل مستعظم عند كثير من الناس ، بل إنهم لا يستسيغونه بناء على أن عرفهم وعادتهم لم تجر بذلك ، ولكن ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع وأجمل الأمثلة في حسن المعاشرة ، فقد سابق عائشة رضي الله عنها ، ومازحها ، واغتسل معها ، وشرب بعد أن شربت من الإناء من موضع فمها ، ويتعرق العظم من الموضع الذي نهست منه وكانت حائضاً ، فمثل هذه المداعبة لا يأنف الإنسان من أن يفعلها إذا يتسر له ذلك وأعانه الله .
[ باب الرخصة في ذلك ]
حديث رقم – 414-
( صحيح ) أخبرنا محمد بن بشار عن محمد حدثنا شعبة عن عاصم ح وأخبرنا سويد بن نصر قال أنبأنا عبد الله عن عاصم عن معاذة عن عائشة قالت كنت أغتسل : أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد أبادره ويبادرني حتى يقول دعي لي وأقول أنا دع لي قال سويد يبادرني وأبادره فأقول دع لي دع لي )
( من الفوائد )
أن هذا الاغتسال يظهر منه أنه تعدد من حيث الحالات ، وليس حاصلا مرة واحدة ، لأنها صدَّرت كلامها بـ (كان ) وهي تدل على الاستمرار ما لم يأت دليل يصرفها عن ذلك ، ومن الأمثلة على ذلك آيات كثيرة ، منها { إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء23، أي لا يزال غفورا رحيما ومستمرة رحمته ومغفرته .
( ومن الفوائد )
أن المنازعة المذكورة في الحديث السابق بينت هنا ( كان يبادرني وأبادره حتى يقول ” دعي لي ، وأقول أنا دع لي ) يعني اتركي لي شيئا من الماء .
( ومن الفوائد )
أن الحديث والكلام أثناء الاغتسال جائز ، لأن كلا منهما يقول ( دع لي ، دعي لي ) ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ قبل الاغتسال .
فإذاً ما ذكره بعض فقهاء الحنابلة : ” من أنه يكره الحديث أثناء الوضوء “
نقول / هذا لا دليل عليه ، ومما يضعف هذا القول هذا الحديث ، لأن الوضوء داخل ضمن الاغتسال ، وقد ذكرت في ضمن ما ذكرت أنه اغتسال من الجنابة .