تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس التاسع والعشرون من حديث ( 410 ) حتى ( 414 )

تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس التاسع والعشرون من حديث ( 410 ) حتى ( 414 )

مشاهدات: 451

تعليقات على سنن ( النسائي  ) ـ الدرس التاسع والعشرون

من حديث ( 410 ) حتى ( 414 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

[ باب الدليل على أن لا توقيت في الماء الذي يغتسل فيه ]

حديث رقم – 410-

( صحيح ) أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار قال حدثني إسحاق بن منصور عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت :   كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل في الإناء وهو الفرق وكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد  )

( من الفوائد )

بيان حسن معاشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجاته إذ كان يغتسل معهن كما ذكرت عائشة رضي الله عنها .

 

( ومن الفوائد )

بيان فضل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم إذ نقلن لنا ما يخفى على الأمة من الأحكام التي يصنعها صلوات ربي وسلامه عليه في بيته ومع أهله

( ومن الفوائد )

أن هذا الحديث يضعف الحديث الوارد عنها – وقد مر معنا – إذ قالت رضي الله عنها

( ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مني ولا رأيت منه )

فحديث الباب يضعف هذا الحديث .

( ومن الفوائد )

أن الرسول صلى الله عليه وسلم يستبق مع عائشة في الغسل من هذا الإناء المسمى بـ

( الفَرَق )

و ( الفرق ) ثلاثة أصواع كما جاءت رواية مسلم بهذا .

( ومن الفوائد )

أن اشتراكهما في الغسل من هذا الإناء يدل على أنه ليس هناك تحديد مقدَّر للماء في الغسل ، إذ قد تأخذ أكثر منه أو يأخذ أكثر منها ، فدل على أنه لا تحديد لمقدار الماء الذي يغتسل به .

( ومن الفوائد )

أنهما كانا يغتسلان من ( الفرق )

وهو يسع ثلاثة أصواع ، وقد ثبت في الصحيحين :

( أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد )

فهذا يؤكد ما سبق من أن الغسل لا يحدد بقدر من الماء ، وأن المقدار يختلف ، فمرة يغتسل بالصاع ومرة بما يزيد على الصاع بمدٍّ ، ومرة يشترك معها رضي الله عنها في الاغتسال من هذا الإناء الذي يسع ثلاثة أصواع ، هذا إن قدرنا أن ( الفرق ) كان مملوءاً ، أما إذا كان أقلَّ فلا يورد إشكال حول الزيادة على خمسة أمداد .

فنخص من هذا : إلى أن أقل الواجب في الماء الذي يغتسل به أن يعمم البدن ، فإن زاد فلا جناح شريطة ألا يصل إلى حدٍّ الإسراف .

 [ باب اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناء واحد ]

حديث رقم – 411-

( صحيح الإسناد ) أخبرنا سويد بن نصر قال حدثنا عبد الله عن هشام ح وأخبرنا قتيبة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة :   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل وأنا من إناء واحد نغترف منه جميعا وقال سويد قالت كنت أنا )

( من الفوائد )

أن اللغة العربية تتنوع مواردها ومشاربها في السياق ، فمرة ذكرت أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المغتسل وتشاركه

( كان يغتسل وأنا )

ومرة تذكر أنها تغتسل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاركها .

( ومن الفوائد )

أن الاغتراف من المحدثين من إناء واحد لا يؤثر ، بينما لو اغتسل أحدهما وحده ثم بقيت فضلة فإنه قد ورد حديث ينهى عن ذلك ، وهذا النهي من باب الكراهة ، وهو حديث

( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل وليغترفا جميعا )

أما إذا اشتركا سويا فلا نهي .

حديث رقم – 412-

( صحيح ) أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا خالد قال حدثنا شعبة قال أخبرني عبد الرحمن بن القاسم قال سمعت القاسم يحدث عن عائشة قالت كنت أغتسل :   أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة )

( من الفوائد )

أن عائشة رضي الله عنها ذكرت الضمير وهو ضمير الرفع ، ومعلوم أن ضمير الرفع يجب أن يستتر في مواطن من بينها هذا السياق

( أغتسل )

فلا يذكر ضمير الرفع ، فيكون ضمير الرفع واجب الاستتار ، قال ابن مالك رحمه الله :

ومن ضمير الرفع ما يستتر  

                     كافعل أوافق نغتبط إذ تشكر

فما كان على وزن ( أفعل ) لا يظهر ضمير الرفع ، فماذا أظهرت الضمير هنا ؟

قال بعض العلماء : إن هذا ليس ضمير الرفع وإنما هو توكيد لضمير الرفع واجب الاستتار ، فهذا تأكيد على تأكيد .

وقال بعض العلماء : إن الإتيان بضمير الرفع وإظهاره من باب التسهيل لأن يعطف شيء على شيء أو أن تعطف جملة على جملة ، قالت ( كنت أغتسل أنا ورسول الله )

كقوله تعالى { اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ }البقرة35 ، فهنا ظهر الضمير على ما رأى بعض العلماء من أجل أن يعطف جملة على جملة .

( ومن الفوائد )

أنه مر معنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الماء الراكد قال :

( ولا يغتسل فيه من الجنابة )

فهذه الصورة تخرج هنا ، لم ؟ لأنه ليس هناك انغماس وإنما فيه اغتراف .

( ومن الفوائد )

أن فيه دليلا – مع أدلة أخرى كثيرة على أن الجنب طاهر ، فلو كان نجس العين لتنجس الماء حال اغترافهما منه .

حديث رقم – 413-

( صحيح ) أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبيدة بن حميد عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت :   لقد رأيتني أنازع رسول الله صلى الله عليه وسلم الإناء أغتسل أنا وهو منه  ) 

( من الفوائد )

بيان الملاطفة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين عائشة رضي الله عنها ، فكانت تتنازع معه الماء ، بمعنى أن كلا منهما يحرص على أن يسبق الآخر من الأخذ من الإناء، وهذا أسلوب من اساليب المداعبة والملاطفة بين الزوجين ، وهذا الفعل مستعظم عند كثير من الناس ، بل إنهم لا يستسيغونه بناء على أن عرفهم وعادتهم لم تجر بذلك ، ولكن ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع وأجمل الأمثلة في حسن المعاشرة ، فقد سابق عائشة رضي الله عنها ، ومازحها ، واغتسل معها ، وشرب بعد أن شربت من الإناء من موضع فمها ، ويتعرق العظم من الموضع الذي نهست منه وكانت حائضاً ، فمثل هذه المداعبة لا يأنف الإنسان من أن يفعلها إذا يتسر له ذلك وأعانه الله .

 [ باب الرخصة في ذلك ]

حديث رقم – 414-

( صحيح ) أخبرنا محمد بن بشار عن محمد حدثنا شعبة عن عاصم ح وأخبرنا سويد بن نصر قال أنبأنا عبد الله عن عاصم عن معاذة عن عائشة قالت كنت أغتسل :   أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد أبادره ويبادرني حتى يقول دعي لي وأقول أنا دع لي قال سويد يبادرني وأبادره فأقول دع لي دع لي )

( من الفوائد )

أن هذا الاغتسال يظهر منه أنه  تعدد من حيث الحالات ، وليس حاصلا مرة واحدة ، لأنها صدَّرت كلامها بـ (كان ) وهي تدل على الاستمرار ما لم يأت دليل يصرفها عن ذلك ، ومن الأمثلة على ذلك آيات كثيرة ، منها { إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء23، أي لا يزال غفورا رحيما ومستمرة رحمته ومغفرته .

( ومن الفوائد )

أن المنازعة المذكورة في الحديث السابق بينت هنا ( كان يبادرني وأبادره حتى يقول ” دعي لي ، وأقول أنا دع لي ) يعني اتركي لي شيئا من الماء .

( ومن الفوائد )

أن الحديث والكلام أثناء الاغتسال جائز ، لأن كلا منهما يقول ( دع لي ، دعي لي ) ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ قبل الاغتسال .

فإذاً ما ذكره بعض فقهاء الحنابلة : ” من أنه يكره الحديث أثناء الوضوء “

نقول / هذا لا دليل عليه ، ومما يضعف هذا القول هذا الحديث ، لأن الوضوء داخل ضمن الاغتسال ، وقد ذكرت في ضمن ما ذكرت أنه اغتسال من الجنابة .