الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب استخدام الحائض
حديث رقم – 270-
( صحيح ) أخبرنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى بن سعيد عن يزيد بن كيسان قال حدثني أبو حازم قال قال أبو هريرة : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ قال يا عائشة ناوليني الثوب فقالت إني لا أصلي قال إنه ليس في يدك فناولته )
من الفوائد :
هذا الحديث مر معنا ما يشابهه في قوله عليه الصلاة والسلام ( ناوليني الخُمْرة من المسجد ) فتعللت بأنها حائض ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حيضتك ليست في يدك ) وسيأتي بعد هذا الحديث .
ومن الفوائد :
أن هذه القصة إما أن تكون قصة متحدة فيطلق على الخُمْرة بأنها ثوب ، وإما أن تكون قصة أخرى .
ومن الفوائد :
أن المرأة الحائض طاهرة ، وأن دمها الذي يخرج منها لا يتعدى إلى ما سوى ذلك من بدنها ، فهي طاهرة بالبدن .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء أخذ منه أن المرأة الحائض لها أن تعبر المسجد ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تناوله عائشة رضي الله عنها الخمرة من المسجد وهذا ما عليه كثير من الأئمة ، فكلمة ( من المسجد ) هل هي متعلقة بقوله عليه الصلاة والسلام ( قال ) أو بقوله ( ناوليني ) ؟
فإن كانت كلمة من المسجد مرتبطة بقوله ( ناوليني ) فحينها يكون ما ذهب إليه كثير من الأئمة هو الصواب ، يعني تكون المناولة من المسجد ، بمعنى أنها تدخل المسجد ثم تناوله عليه الصلاة والسلام .
لكن لو كانت كلمة ( من المسجد ) متعلقة بقوله ( قال) فيكون المعنى – وهذا ما ذهب إليه بعض العلماء من نهي المرأة الحائض من الدخول إلى المسجد – يكون المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وطلب منها وهي خارج المسجد أن تناوله الخمرة دون أن تدخل .
حديث رقم – 271-
( صحيح ) أخبرنا قتيبة بن سعيد عن عبيدة عن الأعمش ح وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا جرير عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ناوليني الخمرة من المسجد قالت إني حائض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست حيضتك في يدك )
حديث رقم – 272-
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش : بهذا الإسناد مثله .
باب بسط الحائض الخمرة في المسجد
حديث رقم – 273-
( حسن ) أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان عن منبوذ عن أمه أن ميمونة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن وهي حائض وتقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد فتبسطها وهي حائض )
من الفوائد :
أن فيه دلالة ظاهرة- كما بوَّب المصنف رحمه الله – من أن المرأة الحائض لها أن تدخل المسجد للمرور أو لوضع شيء من الأشياء .
بينما من لا يرى جواز ذلك يقول لا يبعد أن تبسط إحداهن الخمرة في المسجد وهي خارج المسجد ، ولكن هذا بعيد .
ومن الفوائد :
أن المعتكف لو خرج بعض بدنه فلا يؤثر على اعتكافه ، فلا يكون خارجا عن وصف الاعتكاف إلا إذا خرج قدميه كما نصَّ على ذلك ابن حجر رحمه الله ، أما إذا أخرج عضوا من المسجد كأن يخرج يده أو رأسه فإن لا أثر لهذا الإخراج ، إنما الأثر أن يكون بالقدمين ، وإنما نُصَّ على القدمين لأن القدمين هما آلتا المشي والخروج .
ومن الفوائد :
أن المرأة الحائض طاهرة ، ومما يدل على طهارتها أن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن في حِجر إحداهن وهي حائض .
ومن الفوائد :
أن قراءة القرآن من المواطن التي هي نجسة لا بأس بها ، وذلك لأن حجر إحداهن قريب من موضع خروج الدم ، فتكون قراءة القرآن قُرب الأماكن النجسة لا بأس بذلك ، ولذلك نص فقهاء الحنابلة – ولعل هذا مستندهم – نص فقهاء الحنابلة على ” أن قراءة القرآن لا يمنع منها متنجس الفم “ فلو كان الإنسان في فمه نجاسة فقرأ القرآن لا يمنع من ذلك .
ومن الفوائد :
المعتكف لا يمنع من يتجمل وأن يتهيأ كما فعل عليه الصلاة والسلام فإنه كان يحرص على أن يرجِّل شعره وهو معتكف ، ولذا ما ذهب إليه بعض فقهاء الحنابلة من أن المعتكف في العشر الأواخر يخرج بثياب اعتكافه إلى المصلى لا دليل عليه ، وحجتهم ” لأن الوسخ أثر الاعتكاف الذي هو عبادة فليوصل عبادة بعبادة “
ولكن الصواب : أن يتهيأ كما فعل عليه الصلاة والسلام .
ومن الفوائد :
أن على المعتكف إذا أراد أن يعتكف عليه أن يهيأ أموره وشؤونه كلها ، بحيث يستعد فيأتي بما يلزمه من ثياب أو من منظفات بحيث لا يلجئه ذلك إلى أن يخرج من المسجد .
بابٌ في الذي يقرأ القرآن ورأسه في حجر امرأته وهي حائض
حديث رقم – 274-
( حسن ) أخبرنا إسحاق بن إبراهيم وعلي بن حجر واللفظ له أنبأنا سفيان عن منصور عن أمه عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر إحدانا وهي حائض وهو يتلو القرآن )
من الفوائد :
بيان طهارة المرأة الحائض كما سلف في الأحاديث الماضية.
باب غسل الحائض رأس زوجها
حديث رقم – 275-
( صحيح ) أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى قال حدثنا سفيان قال حدثني منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يومئ إلى رأسه وهو معتكف فأغسله وأنا حائض )
من الفوائد :
هذا الحديث يبين ما أُبهم فيما سبق من إخراج رأسه عليه الصلاة والسلام ، فإنه لم يذكر فيه نص على الاعتكاف ، لكن هذا الحديث يبين ما سبق من الإبهام .
ومن الفوائد :
أن المرأة الحائض طاهرة لأنها ستلامس رأس النبي صلى الله عليه وسلم وستغسله وهو رطب ، فلو كانت نجسة تنجس شعره عليه الصلاة والسلام ، لأن الترجيل يختلف عن الغسل ، الترجيل مجرد تسريح الشعر ، بينما الغسل يختلف .
ومن الفوائد :
بيان ما كانت عليه أمهات المؤمنين رضي الله عنهن من خدمة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذا على المرأة أن تخدم زوجها بالمعروف ، لا كما ذهب إليه بعض الحنابلة من أن المرأة لا تلزم بخدمة زوجها ، إنما العقد الذي بينهما هو عقد معاوضة على البِضع يعني على الجماع ، والصواب خلاف ذلك ، لأن هذا ليس من المعاشرة بالمعروف ، فمن المعاشرة بالمعروف أن تخدم زوجها .
حديث رقم – 276-
( صحيح ) أخبرنا محمد بن سلمة قال حدثنا بن وهب عن عمرو بن الحرث وذكر آخر عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلي رأسه من المسجد وهو مجاور فأغسله وأنا حائض )
من الفوائد :
أن هذه الحالة كانت حالة اعتكاف ، لأنها قالت ( وهو مجاور ) ، ولذلك لم تقل ( وهو خالٍ بربه ) ولذلك نص بعض فقهاء الحنابلة على أنه ” يكره أن يقال في حق المعتكف أنه خلا بربه ” .
وبعضهم قال : يحرم .
ولكن الذي يظهر أن السنة جاءت بلفظ المجاورة ، إذا أردنا أن تطلق على الاعتكاف وصفا نطلقه بالمجاورة ، ولذلك في بعض الأحاديث قال عليه الصلاة والسلام ( جاورت هذه العشر ) فينبغي للمسلم أن يتحاشى إطلاق لفظ الخلوة على الاعتكاف .
حديث رقم -277-
( صحيح ) أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض )
حديث رقم – 278-
( صحيح ) أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك ح وأنبأنا علي بن شعيب قال حدثنا معن قال حدثنا مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها : مثل ذلك
باب مؤاكلة الحائض والشرب من سؤرها
حديث رقم – 279-
( صحيح ) بن شريح بن هانئ عن أبيه عن شريح عن عائشة رضي الله عنها : سألتها هل تأكل المرأة مع زوجها وهي طامث قالت نعم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوني فآكل معه وأنا عارك وكان يأخذ العرق فيقسم علي فيه فاعترق منه ثم أضعه فيأخذه فيعترق منه ويضع فمه حيث وضعت فمي من العرق ويدعو بالشراب فيقسم على فيه قبل أن يشرب منه فآخذه فأشرب منه ثم أضعه فيأخذه فيشرب منه ويضع فمه حيث وضعت فمي من القدح )
من الفوائد :
أن المرأة الحائض طاهرة ، ولا أدل من هذه المعاشرة منه عليه الصلاة والسلام مع زوجته عائشة رضي الله عنها ، إذ كان يأكل عقيبها في نفس الموضع من موضع اللحم ، ومن الإناء كذلك ، فهذا يدل على أن سؤرها وما بقي منها وأن لعابها طاهر .
ومن الفوائد :
أن الحيض له أسماء من بين أسمائه ( طامث وعارك ) .
ومن الفوائد :
أن ( التعرق ) هو أخذ اللحم الذي يكون على العظم بأطراف الأسنان ، ويسمى ( بالنهس ) ومن ثمَّ فإن بعض عادات الناس يرون أن هذا من القبيح أن يحمل الإنسان عظما أثناء الطعام فيأكله ظنا منه أن هذا يشبه حال البهائم ، وهذا موجود في عرف بعض الناس ، وهذا ليس بصحيح فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع العظم وكان يأكل منه عليه الصلاة والسلام .
ومن الفوائد :
بيان ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها .
ومن الفوائد :
أن الزوج لو قبَّل زوجته مع شفتيها فإن هذا لا يعاب على الإنسان بل له أصل كما تدل عليه كلمة عائشة رضي الله عنها هنا ، وقد جاء حديث وفيه شيء من الضعف ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمص لسان عائشة رضي الله عنها ) ولعموم قوله تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ }المؤمنون6 ، فعموم هذا النص يدل على جواز مثل هذا الأمر .
حديث رقم – 280-
( صحيح ) أخبرنا أيوب بن محمد الوزان قال حدثنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا عبيد الله بن عمرو عن الأعمش عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع فاه على الموضع الذي أشرب منه فيشرب من فضل سؤري وأنا حائض )
باب الانتفاع بفضل الحائض
حديث رقم – 281-
( صحيح ) أخبرنا محمد بن منصور قال حدثنا سفيان عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه قال سمعت عائشة رضي الله عنها تقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناولني الإناء فأشرب منه وأنا حائض ثم أعطيه فيتحرى موضع فمي فيضعه على فيه )
من الفوائد :
حسن معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجته عائشة رضي الله عنها ، فإن هذا من باب المداعبة للزوجة والتلطف معها .
حديث رقم – 282-
( صحيح ) أخبرنا محمود بن غيلان قال حدثنا وكيع قال حدثنا مسعر وسفيان عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أشرب وأنا حائض وأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في فيشرب وأتعرق العرق وأنا حائض وأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في )
من الفوائد :
أن ابتداء المرأة في الطعام أو الشراب قبل زوجها ليس مما يُخل بالمعاشرة ، لأن هناك طائفة من الناس ترى أن المرأة لو تقدمت على زوجها بالأكل أو بالشرب ترى أن هذا عيب عظيم وفعل شنيع ، وليس في ذلك ما ذهبوا إليه ، بل إن صنيع النبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة رضي الله عنها يدل على التسامح في مثل هذا الأمر ، وكلما كان الإنسان متسامحا وسلسا في جميع أحواله كلما كان أريح لنفسه وأريح لغيره ممن يعاشره ، فلا يدقق الإنسان على كل شيء لا مع الزوجة ولا مع الأولاد ولا مع الأقرباء ولا مع الأصدقاء، وإنما يأخذ مما تيسر ولا يشدد ، ولن تطيب هذه الحياة إلا بذكر الله سبحانه وتعالى ثم بالمعاشرة الطيبة الحسنة ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر – وهذا من أمثلة جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام فقد أعطي جوامع الكلم قال ( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها ) هذا هو الدين الذي يعطيك السعادة ، ثم في جانب آخر ( وخالق الناس بخلق بحسن )
باب مضاجعة الحائض
حديث رقم – 283-
( صحيح ) أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال حدثنا خالد قال حدثنا هشام ح وأنبأنا عبيد الله بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم قالا حدثنا معاذ بن هشام واللفظ له قال حدثني أبي عن يحيى قال حدثنا أبو سلمة أن زينب بنت أبي سلمة حدثته أن أم سلمة حدثتها قالت : بينما أنا مضطجعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفست قلت نعم فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة )
من الفوائد :
أن المرأة الحائض تخالط زوجها في اللحاف ، وما نسمعه في هذا العصر عما كان يحدث من القدامى في عصر الأجداد من أن بعضهم لا يعاشر المرأة أبدا ولا ينام معها في فراش أبدا سواء كانت حائضا أو كانت طاهرة فهو خلاف المعاشرة بالمعروف ، وقد حدثني بعض الأشخاص من أنه لا ينام مع زوجته أبداً ، قال من العيوب الشنيعة التي يراها ، وهذا خلاف صنيع النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان يعاشر المرأة وهي حائض .
ومن الفوائد :
أن ( الحيض ) يطلق عليه ( نفاس ) ومن ثم فإن أحكام النفاس كأحكام الحيض إلا في بعض الاستثناءات التي ذكرها العلماء .
ومن الفوائد :
أن بعض من كان في ذلك العصر النبوي من النساء يخصص لباسا حال الحيض ، ولذلك قامت رضي الله عنها لتأخذ ثياب حيضتها، ففهم من ذلك أنهن يخصصن ثيابا في حالة الحيض .
ومن الفوائد :
أن على الأم أن تبين لابنتها ما تحتاج إليه فيما يتعلق بأحكام النساء ، فإن أم سلمة رضي الله عنها لم تأنف أو تترفع عن أن تبين لابنتها زينب ما كانت تصنعه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الحال .
ومن الفوائد :
أن على المرأة العاقلة أن تحرص على ألا يرى منها زوجها ما لا يعجبه فتكون في أحسن حال ، ولذلك قامت أم سلمة رضي الله عنها فانسلت يعني ذهبت على خفية ، حتى لا يرى منها هذا الدم الذي يأنف منه الأزواج ، ففيه دعوة لنسائنا أن يحرصن على ألا يبدين لأزواجهن إلا ما هو حسن وألا تخرج أمامه إلا بالمظهر الطيب الذي يقرب بين قلبيهما .
حديث رقم – 284-
( صحيح ) أخبرنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى بن سعيد عن جابر بن صبح قال سمعت خلاسا يحدث عن عائشة قالت كنت : أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث أو حائض فإن أصابه مني شيء غسل مكانه ولم يَعْده وصلى فيه ثم يعود فإن أصابه مني شيء فعل مثل ذلك ولم يعده وصلى فيه )
من الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب أروع الأمثلة في المعاشرة ، إذ كيف كانت تبيت معه عائشة رضي الله عنها في اللحاف الواحد ويصيبه من دمها ما يصيبه ولم يأنف من ذلك .
وفيه دعوة لنا أيضا نحن الأزواج ألا ندقق على كل ما يصدر من المرأة فيما يتعلق بهيئتها أو لباسها ، صحيح أن الزوج لا يرغب في ما ليس بحسن ولكن إن استمر هذا الأمر عليه أن ينبه ، لأن المرأة قد تغفل ولاسيما إذا كان هناك أولاد أو هناك شؤون في البيت ، قد تغفل عن هذا الجانب ، فعلى الزوج أن يكون مذكرا لها وموضحا لها ، لأن بعض الأزواج قد يبقى على صمته وتسوء العشرة بين الزوجين ، فقد تكون زوجته من أجمل النساء ولكن لبعدها عما هو حسن من الثياب والرائحة الطيبة قد يأنف منها ، فإذا رأى الإنسان على زوجته ما هو غير مناسب فليجلس معها جلسة مناصحة ويبين لها أن هذا الأمر لا يعجبه سواء كان في لباس أو في فراش أو ما شابه ذلك ، ثم لو كانت المرأة حريصة على أن تكون متهيئة لزوجها فحصل منها ما حصل من تقصير فلا يدقق ، لأن الكمال عسير ولاسيما في جانب النساء .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتشدد كتشدد الموسوسين ، فإن هذا الدم الذي أصابه إذا غسله لم يتجاوز موضعه ، ولذا قالت ( لم يَعْدُه ) لم يتجاوز إلى ما هو أعظم وأكثر من هذا الموضع ، فلا يأتي إنسان ويقول ربما أن هذا الدم قد وصل إلى موضع آخر ، وربما أني لم أره ، هذه كلها وساوس يجب على المسلم أن يسد أبوابها حتى يؤدي العبادة الشرعية على أحسن الوجوه .
باب مباشرة الحائض
حديث رقم – 285-
( صحيح ) أخبرنا قتيبة قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عمرو بن شرحبيل عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تشد إزارها ثم يباشرها )
من الفوائد :
أن الزوج لا يمنع من معاشرة زوجته الحائض ، وذكر ( الإزار ) هنا استفاد منه بعض العلماء أن الزوج لا يباشر زوجته إلا بما فوق السُّرة ودون الركبة ، لأن محل الإزار من السُّرة إلى الركبة ، فما كان دون الركبتين وأعلى من السُّرة فله أن يباشر ، وأما هذا الموطن فلا ، لم ؟ لأن هذا الموطن لو وصل إليه – كما ذهبوا إلى ذلك – ولو وصل إليه ربما يفضي به أن يقع في المحظور ولاسيما إذا كان قوي الشهوة .
ولكن الصواب : أن الزوج له أن يباشر زوجته في أي موطن في حالة الحيض ماعدا الدُّبر والفرج ، لأن الجماع الدبر حرام ففي جميع الأحوال كما هو معلوم ، وأما الفرج ففي حال الحيض يحرم ، وأما ما عدا ذلك فله أن يباشرها .
حديث رقم – 286-
( صحيح ) أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبانا جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : كانت إحدانا إذا حاضت أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزر ثم يباشرها )
حديث رقم – 287-
( صحيح ) أخبرنا الحرث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن بن وهب عن يونس والليث عن بن شهاب عن حبيب مولى عروة عن بدية وكان الليث يقول ندبة مولاة ميمونة عن ميمونة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار يبلغ أنصاف الفخذين والركبتين في حديث الليث محتجزة به )
من الفوائد :
أن هذا الإزار كما قال بعض العلماء : إما أنه يبلغ في بعض الأوقات إلى أنصاف الفخذين وربما يكون عليها إزار يبلغ إلى الركبتين ، ففهم من ذلك الرد على من قال بأنها لا تُباشر بما فوق الركبتين ، لأنه هنا باشرها وعليها إزار إلى أنصاف الفخذين .
باب تأويل قول الله عز وجل : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ }
حديث رقم – 288-
( صحيح ) أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس : قال كانت اليهود إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوهن ولم يشاربوهن ولم يجامعوهن في البيوت فسألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ؟ فأنزل الله عز وجل {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى } الآية ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤاكلوهن ويشاربوهن ويجامعوهن في البيوت وأن يصنعوا بهن كل شيء ما خلا الجماع )
من الفوائد :
أن التأويل منه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم ، فالتأويل المحمود على نوعين :
النوع الأول : أن يصرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى معنى مرجوح بدليل ، مثاله قول النبي صلى الله عليه وسلم ( الجار أحق بالشفعة ) من ظاهره أن بيتي المجاور لجاري لو أردت أن أبيعه يجب علي أن أعرضه عليه ولو بعته على شخص آخر فلجاري أن ينزعه من ذلك الشخص ، هذا هو الظاهر ، لكن الحديث لا يعني أن الجار هو الجار الملاصق في البيت وإنما المقصود منه الشريك ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم ( إذا وضعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة ) .
النوع الثاني : التفسير ، كما هنا ، ولذلك ابن جرير الطبري في تفسيره يقول ( تأويل قول الله تعالى ) يعني تفسير قول الله تعالى ، كما قال جابر رضي الله عنه في صحيح مسلم في حجة الوداع ، قال ( وفينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن ويعلمنا تأويله ) يعني تفسيره .
أما التأويل المذموم : هو أن يصرف اللفظ من معناه الراجح إلى معناه المرجوح من غير دليل ، هذا في الحقيقة لا يسمى تأويلا ، ولكن أهل البدع من باب أن يلطفوا هذا القول على مسامع الناس حتى يروجوا بدعتهم قالوا تأويل ، مثال ذلك : قول الله سبحانه وتعالى { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }طه5 ، قالوا إن معنى { استوى } يعني استولى ، فصرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى مرجوح من غير دليل ، فهذا هو التحريف حقيقا ولا يسمى تأويلا .
ومن الفوائد :
أن فيه دليلا لمن قال إن الرجل يباشر زوجته وهي حائض ما عدا الفرج ، لأنه قال ( ما خلا الجماع ) فإن المنهي عنه هو الجماع فقط ، أما ما عدا ذلك فله أن يباشر امرأته وهي حائض في أي موطن من المواطن ما عدا الدبر في جميع الأحوال .
ومن الفوائد :
أن السنة تبين وتوضح القرآن فلا غنى عن السنة في توضيح كلام الله سبحانه وتعالى { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }النحل44 ، فإن الآية في إطلاقها تدل على أنه يجب على الزوج أن يعتزل زوجته اعتزالا كليا مطلقا وهي حائض { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ } فظاهر الآية أن النساء الحِيَّض يُعتزلن حال الحيض ، لكن جاءت السنة وبينت أن الاعتزال المقصود منه هو الجماع ، لقول صلى الله عليه وسلم ( ما خلا الجماع )
ويكون هناك رد على طائفة تسمي نفسها بالقرآنيين ، يقولون ما أتى به القرآن أخذنا به وما لم يأت به لا نلتفت إليه ، وقد وضَّح النبي صلى الله عليه وسلم – وهذا من معجزاته – أن هناك طائفة ستأتي قال صلى الله عليه وسلم ( ألا لا يوشك رجل أن يتكئ على أريكته ويقول ما جاءنا من هذا القرآن أخذنا به ، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه )
ومن الفوائد :
بيان سماحة الإسلام وأنه مخالف لما جاءت به اليهود من نبذ المرأة وعدم احترامها ، لا كما يزعمونه من أعطوا المرأة حقوقها وأن الإسلام لم يعطها حقها ، ولذا في هذا العصر يلمزون ببلاد المسلمين ولاسيما البلاد المحافظة ، فيقولون إنها هضمت حق المرأة ، والناظر لمثل هذه النصوص الشرعية يدرك أن الإسلام أعطى المرأة قدرا خلافا لما يتفوه به هؤلاء الطغاة من اليهود والنصارى ، فإن اليهود إذا حاضت المرأة لم يجامعوهها في البيوت ، يعني أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ، فهي منبوذة لديهم ، لكن الإسلام بين أن لها حقا عظيما بل تجاوز إلى ما هو أعظم من ذلك وهو أن الزوج يعاشرها معاشرة طبيعة لكن يستثنى من ذلك موضع الدم .
ومن الفوائد :
أن الله سبحانه وتعالى ذكر في هذه الآية أن المحيض أذى ، فيستنبط من كلمة الأذى أن دم الحيض دم أسود يختلف عن الدم الطبيعي ، وأن رائحته كريهة تختلف عن الدم الطبيعي وأنه غليظ يختلف عن الدم الطبيعي ، فإذا قيل ما الدليل على هذه العلامات ؟ فقل إن الآية هنا جمعت كل الأوصاف في قوله تعالى { قُلْ هُوَ أَذًى } .
باب ما يجب على من أتى حليلته في حال حيضتها بعد علمه بنهي الله – عز وجل – عن وطئها
من الفوائد :
أن ( الحليلة ) هي الزوجة ، لأن الزوجة تحلُّ لزوجها ، كما قال تعالى { وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ }النساء23 ، يعني زوجات الأبناء ،إما لأنها تحل له أو لأنه يحل إزارها كناية عن الجماع وإباحته له
حديث رقم – 289-
( صحيح ) أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى عن شعبة عن الحكم عن عبد الحميد عن مقسم عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : في الرجل يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار )
من الفوائد :
أن الشرع لما نهى عن إتيان المرأة الحائض جماعا ، بين أن من وقع في الجماع إما عن عمد وإما عن ضعف شهوة فإن عليه كفارة ، ما هي هذه الكفارة ؟ ( يتصدق بدينار أو بنصف دينار )
الدينار يساوي من جرامات الذهب ( أربعة جرامات وربع )
وذهب كثير من العلماء إلى أن هذا الحديث ضعيف ، ولذلك قال النووي مجازفا ” اتفق الحفاظ على ضعفه ” مع أن هناك من صححه ولذلك لا يرون أن من أتى امرأة وهي حائض لا يرون أن عليها كفارة ، قالوا لأن الحديث مضطرب ، فإنه قد وقع في كبيرة وعليه أن يستغفر الله وليس عليه شيء سوى الاستغفار .
ولكن الصواب : أنه يلزمه أن يتصدق بدينار أو نصف دينار .
وبعض العلماء قال : إن كان الدم عبيطا فدينار وإن لم يكن فنصف دينار .
وقال بعضهم : إن كان أثناء الدم فدينار وإن كان بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال فنصف دينار .
وقال بعضهم : إن هذا مبني على اليسر والعسر ، فمن كان موسرا فدينار ومن كان معسرا فنصف دينار .
ولكن الصواب :أنه مبني على التخيير .
باب ما تفعل المحرمة إذا حاضت
حديث رقم – 290-
( صحيح ) أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرى إلا الحج فلما كان بسرف حضت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال مالك أنفست فقلت نعم قال هذا أمر كتبه الله عز وجل على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر )
من الفوائد :
أن المرأة الحائض كما تُمنع من الصلاة والصيام أيضا تمنع من الطواف .
ومن الفوائد :
أن الحيض يطلق عليه نفاس .
ومن الفوائد :
أن الحيض لا يفسد الإحرام ولا يمنع من الإحرام ، ولذا ما تفعله بعض النساء من تأخير الإحرام إلى ما بعد الميقات لكونها حائضا خطأ، فالإحرام يصح منها وهي حائض ولا يجوز لها أن تتجاوز المقيات وهي مريدة للنسك من غير أن تحرم .
ومن الفوائد :
تلطف النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته ، وتعليمه لأهله عليه الصلاة والسلام أحكام النساء ، فأتى إليها وهي تبكي ظنا منها أن عبادتها تكون ناقصة فأتى إليها وتلطف معها بهذه الكلمات .
ومن الفوائد :
أن بعض العلماء استدل به على أن استثناء النبي صلى الله عليه وسلم الطواف دون ما سواه أن ما سوى الطواف يجوز للمرأة الحائض أن تفعله ، فلها أن تقرأ القرآن ولها أن تذكر الله ، لأنه لم يستثن فقط إلا الطواف ، ومعلوم أن المحرم في نسكه يقرأ القرآن ويذكر الله وما شابه ذلك ، بل إن الطهارة من الحدث الأصغر أو من الحدث الأكبر لا يلزم من أداء المشاعر كالوقوف بعرفة ومزدلفة أو رمي الجمار كل هذه لا يؤثر فيها الحدث .
ومن الفوائد :
أن الحيضة مكتوبة على بنات آدم ، ومن ثم فإن الأنسب والأفضل في حق المرأة ألا تتعاطى حبوب منع الدورة من أجل الصيام أو من أجل أداء النسك بل تدع هذا الأمر لله سبحانه وتعالى ، ولذا يلحظ أن المرأة إذا تعاطت هذه الحبوب اضطربت عندها دورتها وعادتها فأحرجت نفسها وأحرجت المفتين معها .
ومن الفوائد :
أن هذا مكتوب على بنات آدم ، ولكن جاء في مصنف عبد الرزاق أن ابن مسعود رضي الله عنه قال ( كانت نساء بن بني إسرائيل يصلين مع الرجال وكنَّ يبزرن ويظهرن للرجال فسلَّط الله عليهن الحيض فمنعن من الدخول إلى أماكن العبادة ) فكأن هذا يفهم منه أن بداية نزول دم الحيض إنما هو في بني إسرائيل ؟
ولكن الصواب : أن يقال في هذا الأثر ما قاله بعض العلماء من ” أنه ضعيف ” فلا يلتفت إليه .
وقال بعض العلماء : إنه ثابت ولكن يحمل على أن دم الحيض زاد مع نساء بني إسرائيل بسبب هذا الفعل وهو التبرج في أماكن العبادة زاد معهن أكثر من غيرهن عقوبة لهن ، بدليل أن هذا الحيض موجود في زمن إبراهيم عليه السلام كما قال بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى { وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ }هود71 ، قال بعض المفسرين ( حاضت ) ولذلك يسمون الحيض ( بالضاحك ) .
لو قال قائل : هل حواء داخلة في هذا الحكم ، بمعنى أنها كانت تحيض أو لا ؟ لأن الحديث نص على بنات آدم عليه السلام ؟
محتمل أنها تكون داخلة ومحتمل أنها غير داخلة ، لأن ظاهر النص يدل على أنها غير داخلة .
ولكن يمكن أن نقول : هي داخلة باعتبار أن كل أنثى يطلق عليها أنها ابنة آدم ، والعلم عند الله .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم ( ضحى عن نسائه بالبقر ) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ذبح الإبل في حجته ، وذبح الغنم ، وهذا يدل على كرمه عليه الصلاة والسلام ، فكان رجلا معطاءً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، وهذا يعطينا فائدة أن على المسلم ولاسيما في المشاعر عليه أن يفعل العبادات المتعدي نفعها ولاسيما أن الناس بحاجة إلى الطعام والشراب في تلك المواقف ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ( لما سئل عن بر الحج ؟ قال طيب الكلام وإطعام الطعام ) هذا أحوج ما يحتاج إليه الناس في تلك المشاعر أن يحفظ لسانه فيما لو أخطئ عليه إما سهوا وإما جهلا وإما عمدا ، فعليه أن يصبر على ذلك ، وكذلك إطعام الطعام ، ولا يعني أن الإنسان يخرج من هذا المدح إذا لم يقدم – كلا – يمكن أن يقدم بأسلوب آخر أن يكون معينا لأصحاب الثروات المنفقين في توزيع هذه الصدقات فيكون له أجر .