تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدس التاسع من حديث ( 250 ) حتى ( 269 )

تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدس التاسع من حديث ( 250 ) حتى ( 269 )

مشاهدات: 439

تعليقات على سنن ( النسائي  ) ـ الدس التاسع

من حديث ( 250 ) حتى ( 269 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ذكر ما يكفي الجنب من إفاضة الماء على رأسه

حديث رقم – 250-

( صحيح )  أخبرنا قتيبة قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن سليمان بن صرد عن جبير بن مطعم قال :   تماروا في الغسل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعض القوم إني لأغسل كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنا فأفيض على رأسي ثلاث أكف  )

من الفوائد :

استحباب غسل الرأس للجنب ثلاث مرات ، والمقصود من الثلاث مرات ( ثلاث أكف ) فمحصل هذه الثلاث الأكف يكون مرة واحدة ، فإنه عليه الصلاة والسلام غسل بكفٍّ واحد شق رأسه الأيمن ثم الأيسر كذلك  ، ثم في الوسط صبَّ عليه كفَّاً واحدا ، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن التثليث في الرأس أمر مندوب إليه لهذا الحديث ، ولكن هذا الحديث مفسر في الأحاديث الأخرى ، ومن ثم فإن القول الراجح أن التثليث في الغسل لا يستحب ولا يقاس على الوضوء .

ومن الفوائد :

أن كلمة ( أمَّا ) يراد منها التفصيل ، فلابد أن تكون هناك جُمل في ثناياها ، وليس هنا ما يدل في ظاهره على أن هناك جملة ، فيكون المعنى ( أما أنتم فتفعلون هكذا ، أما أنا فأفيض ) فالجملة التي يراد منها التفصيل مبهمة أو مقدرة

ومن الفوائد :

جواز طرح مسألة من المسائل العلمية بين طلاب العلم أمام العالم ، فإنهم تماروا وتجادلوا في مسألة الغسل فبيَّن لهم عليه الصلاة والسلام الكيفية الشرعية الصحيحة .

باب ذكر العمل في الغسل من الحيض

حديث رقم – 251-

( صحيح )  أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن قال حدثنا سفيان عن منصور وهو بن صفية عن أمه عن عائشة رضي الله عنها :   أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض فأخبرها كيف تغتسل ثم قال خذي فرصة من مسك فتطهري بها قالت وكيف أتطهر بها فاستتر كذا ثم قال سبحان الله تطهري بها ، قالت عائشة رضي الله عنها فجذبت المرأة وقلت تتبعين بها أثر الدم  )

من الفوائد :

أن الصحابيات رضي الله عنهن ما كنَّ يستحيين من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عمَّا يحتجن إليه في أمور دينهن حتى ولو كانت هذه الأمور من الخفايا التي يمكن أن يستحيى منها .

ومن الفوائد :

أن المرأة الحائض إذا اغتسلت يستحب لها أن تنظف موضع الدم الذي هو الفرج ، وتنظفه بقطعة ، ولذلك قال هنا ( فِرْصة من مِسْكٍ  ) وضبط ( من مَسْكٍ ) فإن كان بالفتح فتكون هذه القطعة من جلد ، وهذا ما ذهب إليه بعض العلماء إذ قالوا إن فتح الميم يدل على أنها جعلت هذه القطعة مَسْكا أي جلدا ، لأن المسك باهظ الثمن في ذلك الوقت .

وذهب آخرون : وهو – الصواب – أن الميم مكسورة فيكون المعنى أنها تأخذ قطعة من قماش وتضع عليها طيبا ثم تغسل محل الدم ، وكل هذا يدل على عظم الإسلام وحرصه على أن يؤلف بين قلبي الزوجين ، فإن هذا الموطن بعد خروج هذا الدم قد لا يسلم من الرائحة المنتنة فكان من المناسب أن تطهر هذا الموطن الذي يشتاق زوجها إليه بعد هذا الحيض .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم استتر لأنها سألت عن دقائق الأشياء ، فقال ( سبحان الله ) تعجب من سؤالها ، بمعنى أن هذا الأمر ليس من الأشياء التي تجهل ، فهي واضحة ، فجذبتها عائشة رضي الله عنها وبينت لها كيف تفعل بهذه القطعة .

باب ترك الوضوء من بعد الغسل

حديث رقم – 252-

( صحيح )  أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم قال حدثنا أبي أنبأنا الحسن وهو بن صالح عن أبي إسحاق ح وحدثنا عمرو بن علي قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت :   كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل )

من الفوائد :

أن المسلم لا يشرع له بعد الغسل من الجنابة أن يتوضأ ، فإن وضوءه الذي فعله أثناء الغسل كافٍ ، فإن حال النبي صلى الله عليه وسلم كما جاءت بذلك الأحاديث أنه كان يتوضأ في أول الغسل ، فلا حاجة إلى أن يتوضأ مرة أخرى .

باب غسل الرجلين في غير المكان الذي يغتسل فيه

حديث رقم – 253-

( صحيح )   أخبرنا علي بن حجر قال أنبأنا عيسى عن الأعمش عن سالم عن كريب عن بن عباس قال حدثتني خالتي ميمونة قالت :   أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة فغسل كفيه مرتين أو ثلاثا ثم أدخل بيمينه في الإناء فأفرغ بها على فرجه ثم غسله بشماله ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكا شديدا ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم أفرغ على رأسه ثلاث حثيات ملء كفه ثم غسل سائر جسده ثم تنحى عن مقامه فغسل رجليه قالت ثم أتيته بالمنديل فرده )

 

من الفوائد :

أن الماء يطلق عليه ( غُسل ) فهذا مستساغ في اللغة

ومن الفوائد :

أن القول الصحيح من قولي العلماء : أن على المرأة أن تخدم زوجها بالمعروف ، خلافا لمن قال إنه لا يلزمها أن تخدم زوجها ، لأن العقد الذي تم بينهما عقد معاوضة على الفرج لا أقل ولا أكثر ، ومن ثم فإنه لو طالبها بشيء كأن تحضر ماء أو طعاما فأنه لا يلزمها .

والصواب : أنه يلزمها لأن ذلك مما جرت به عادة الصحابيات رضي الله عنهن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، بل إن هذا من المعاشرة بالمعروف ، ولذلك قدَّمت ميمونة رضي الله عنها الماء للنبي صلى الله عليه وسلم .

ومن الفوائد :

أن اليمنى هي التي تُدخل في الإناء ، ثم يغسل الفرج باليسار ، وقد ذكر في هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام ( دلكهما دلكا شديدا ) مبالغة في التنظف ، ولذا يستحب للإنسان بعد الاستنجاء أن يفعل كما فعل عليه الصلاة والسلام أو أنه يغسل يده بمنظفات ليزيل هذه الرائحة .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث نصَّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل رجليه مرة ثانية غير الغسلة التي في الوضوء ، لأنها ذكرت هنا أنه ( توضأ وضوءه للصلاة ) إذاً يكون هذا الحديث فاصلا لنزاع العلماء : هل يستحب أن يؤخر غسل القدمين إلى ما بعد الغسل ؟ بمعنى أنه يتوضأ لكن إذا بلغ غسل القدمين يؤخر غسل القدمين إلى ما بعد الغسل ؟

أو أن الأفضل أن يغسل قدميه مع وضوئه حتى يتم وضوؤه ولا يؤخر غسلهما إلى ما بعد الغسل ؟

أو أن له أن يفعل هذا ويفعل هذا ؟

خلاصة ما جاء في هذا الحديث يبين أن المسلم مخير بين هذه الأشياء ، إن شاء أن يغسل قدميه مع أعضاء الوضوء ولا يحتاج إلى أن يغسل قدميه بعد الغسل ، وإن شاء أن يؤخر غسل القدمين في الوضوء إلى ما بعد الغسل ، وإن شاء – كما نصت هذه الرواية – إن شاء أن يتوضأ وضوءا كاملا ثم بعد غسله له أن يغسل قدميه مرة أخرى .

مع أن بعض العلماء يقول : إن غسلهما مرة أخرى ربما لوجود طين فاحتاج إلى غسل القدمين مرة أخرى ، ولكن هذا التعليل لا يقبل .

وبعض العلماء قال : إن قولها ( توضأ وضوءه للصلاة ) المراد الأغلب ، بمعنى أنه لم يغسل قدميه ، ولكن الصواب : أن قولها ( توضأ وضوءه للصلاة ) وضوء كامل كما هي الحقيقة الشرعية ، فالأمر في ذلك سعة .

باب ترك المنديل بعد الغسل

حديث رقم – 254-

( صحيح ) أخبرنا محمد بن يحيى بن أيوب بن إبراهيم قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن الأعمش عن سالم عن كريب عن بن عباس :  أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل فأتى بمنديل فلم يمسه وجعل يقول بالماء هكذا  )

من الفوائد :

أن استعمال المنديل مباح ولا يكره ، فأعدل الأقوال في المنديل أنه يباح ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما أتي إليه بالمنديل إلا لكونه عليه الصلاة والسلام كان في بعض الأحيان أنه يتنشف ، فلعله عليه الصلاة والسلام لم يُرد هذا المنديل لعلة في هذا المنديل ، أو لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مشغولا .

ومن الفوائد :

أن ما ورد من أحاديث في النهي عن نفض الأيدي ، فإنها ليست صحيحة لفعله عليه الصلاة والسلام .

ومن الفوائد :

أن الماء المستعمل النازل من أعضاء الوضوء ليس بنجس وإنما هو طاهر .

باب وضوء الجنب إذا أراد أن يأكل

حديث رقم – 255-

( صحيح ) أخبرنا حميد بن مسعدة عن سفيان بن حبيب عن شعبة ح وحدثنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى وعبد الرحمن عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت :   كان النبي صلى الله عليه وسلم وقال عمرو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ زاد عمرو في حديثه وضوءه للصلاة )

من الفوائد :

أن المستحب في حق الجنب إذا أراد أن يأكل أو ينام أن يتوضأ .

ورواية ( توضأ وضوءه للصلاة ) تنفي ما ذهب إليه بعض العلماء من أن المراد بالوضوء هو ( غسل اليدين ) أو ( غسل الفرج فقط ) فهذه الرواية ترد هذا ، فالصواب أن السنة في حق الجنب إذا أراد أن يأكل أو أن ينام أن يتوضأ .

ومن الفوائد :

أن الوضوء يخفف الجنابة إذ لو لم يكن له أثر في التخفيف للجنابة لما كان في الوضوء أي فائدة .

 

 

باب اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل

حديث رقم – 256-

( صحيح ) أخبرنا محمد بن عبيد بن محمد قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها :   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وإذا أراد أن يأكل غسل يديه)

من الفوائد :

أن حال الأكل أهون من حال النوم ، فإنه عليه الصلاة والسلام إذا كان جنبا وأراد أن يأكل في بعض الأحيان يتوضأ كما سبق في الحديث الذي قبله ، وأحيانا يغسل كفيه .

ومن الفوائد :

أن غسل كفيه عليه الصلاة والسلام وهو جنب إذا أراد أن يأكل يدل على أنه ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم المستمرة أنه يغسل يديه قبل أن يأكل الطعام ، إذ لو كانت سنته جرت بذلك لما احتاج أن تبين حالة الجنابة ، فما جاء من حديث ( بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده ) فهو حديث غير صحيح ، لأن بعض العلماء حمل الوضوء في هذا الحديث الضعيف على غسل اليدين ، ولكنه حمل غير صحيح كما أن الحديث غير صحيح  ومن ثم فإن القول الفصل في غسل اليدين قبل الطعام أنها تغسل في حال الجنابة أو إذا كانت هناك قاذورات أو أذى في اليدين .

باب اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل أو يشرب

حديث رقم – 257-

( صحيح ) أخبرنا سويد بن نصر قال أنبأنا عبد الله عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة أن عائشة رضي الله عنها قالت :   كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وإذا أراد أن يأكل أو يشرب قالت غسل يديه ثم يأكل أو يشرب )

من الفوائد :

أن استحباب غسل اليدين يكون للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب .

وبعض العلماء لا يرى صحة حديث غسل اليدين للجنب في حالة الشُّرب ، ولكن فعل النبي صلى الله عليه وسلم يدل على ذلك .

باب وضوء الجنب إذا أراد أن ينام

حديث رقم – 258-

( صحيح ) أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث عن بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت :   إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام )

من الفوائد :

أن المقصود من الوضوء للجنب هو الوضوء الشرعي ، والوضوء الشرعي هو الذي يكون للصلاة ، ولا يحمل على وضوء آخر يسمى بالوضوء اللغوي ، كأن يحمل على غسل اليدين أو على غسل الفرج .

حديث رقم – 259-

( صحيح ) أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال حدثنا يحيى عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر قال :   يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب ؟ قال إذا توضأ  )

من الفوائد :

استحباب الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام ، والعلة في ذلك كما قال بعض العلماء : خيفة من أن تقبض روحه وهو على هذا الحدث الأكبر ، فإذا توضأ كان في هذا الوضوء أثرٌ بالغ في تخفيف هذا الحدث الأكبر .

باب وضوء الجنب وغسل ذكره إذا أراد أن ينام

حديث رقم – 260-

( صحيح )  أخبرنا قتيبة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال :   ذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة من الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ واغسل ذكرك ثم نم  )

من الفوائد :

أن الجنب إذا أراد أن ينام يسن له أمران :

أولا : ( الاستنجاء  ) وهو غسل الذكر .

ثانيا : ( الوضوء )

ومن الفوائد :

الرد على من حمل الوضوء في الأحاديث السابقة على الاستنجاء ، فإنه لو كان المقصود من الوضوء هو الاستنجاء لما كان في ذكر الجملة الثانية فائدة ، فدل على أن الوضوء السابق كما نصت الأحاديث دل على أنه وضوء الصلاة وأن المقصود منه هو  الوضوء الشرعي ، وأن من حمله على الاستنجاء فقد أبعد عن جانب الصواب .

ومن الفوائد :

أن ( الواو ) واو عطف ، وهي لمطلق الجمع ، ولا تقتضي ترتيبا ، ومن ثم فإنه لا يستدل بهذا على أن الوضوء يصح قبل الاستنجاء ، لأن ( الواو ) ليست للترتيب .

باب في الجنب إذا لم يتوضأ

حديث رقم – 261-

( ضعيف )  أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا هشام بن عبد الملك قال أنبأنا شعبة ح وأنبأنا عبيد الله بن سعيد قال حدثنا يحيى عن شعبة واللفظ له عن علي بن مدرك عن أبي زرعة عن عبد الله بن نجي عن أبيه عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :   لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب )  

من الفوائد :

هذا الحديث ضعيف ، ولو صح فإن الصورة المذكورة هنا محمولة على صور ذوات الأرواح .

و ( الكلب ) هو الذي لا يباح اقتناؤه ، أما ما يباح اقتناؤه فإنه خارج عن هذا الحكم .

وأما المقصود من ( الجنب ) فللعلماء في ذلك تفسيران :

التفسير الأول : أن المراد من الجنب هو الذي لا يتوضأ، فدل على أن الوضوء له أثر كبير في تخفيف الجنابة .

التفسير الثاني : هو الذي يتهاون في الغسل حتى يدخل عليه وقت الصلاة الأخرى وهو على جنابته ، فيكون محروما من أن تصحبه ملائكة الرحمة ، وملائكة الخير ، وإلا فإن الملائكة الذين يكتبون حسناته وسيئاته موجودون لا يفترقون عنه { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18 .

بابٌ في الجنب إذا أراد أن يعود

حديث رقم – 262-

( صحيح ) أخبرنا الحسين بن حريث قال حدثنا سفيان عن عاصم عن أبي المتوكل عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا أراد أحدكم أن يعود توضأ )

من الفوائد :

أن المستحب في حق من أراد معاودة الجماع أن يتوضأ مرة أخرى .

والصواب من قولي العلماء : أن هذا الوضوء ليس بواجب إنما هو سنة ، لما ورد عند البيهقي وغيره ( فإنه أنشط للعَوْد ) فجعل العلة هي إعادة النشاط ، ولذلك قال بعض العلماء : لعل في ذلك تيسيرا له إلى فعل ما هو أكمل من الوضوء وهو الغسل ، لأنه إذا دنا من الماء ولامسه قد يهون عليه الغسل فيتدرج من الوضوء إلى الغسل الذي هو أكمل في حقه كما كان يفعل عليه الصلاة والسلام ( لما طاف على زوجاته كلما جامع إحداهن اغتسل ) .

ومن الفوائد :

الرد على من حمل الوضوء على الاستنجاء ، لأن بعض العلماء قال : لا يستحب له أن يتوضأ ، لأنه لا فائدة من هذا الوضوء ، إذ لو قلنا له باستحباب هذا الوضوء إذاً لقلنا له يستحب لك الوضوء قبل الجماع الأول .

ولكن الصواب : أنهم غفلوا عن تلك العلة ( فإنه أنشط للعَوْد ) فيكون الوضوء هو الوضوء الشرعي

باب إتيان النساء قبل إحداث الغسل

حديث رقم – 263-

( صحيح )  أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ويعقوب بن إبراهيم واللفظ لإسحاق قالا حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن حميد الطويل عن أنس بن مالك :   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في ليلة بغسل واحد  )

حديث رقم – 264-

( صحيح )  أخبرنا محمد بن عبيد قال حدثنا عبد الله بن المبارك قال أنبأنا معمر عن قتادة عن أنس :   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في غسل واحد )

من الفوائد :

بيان ما أعطاه الله سبحانه وتعالى من القدرة الجنسية للنبي صلى الله عليه وسلم ، جاء عند البخاري من حديث أنس ( أعطي قوة ثلاثين رجلا ) وجاءت رواية ( أنه أعطي قوة أربعين ) والرجل في الجنة يعطى قوة مائة رجل ، إذاً يكون النبي صلى الله عليه وسلم مضعفا له في الجنة ، كم يكون ؟ ثلاثة آلاف .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدث غسلا بين الجماعين ، لكن هل أحدث وضوءا ؟

محتمل ، ومحتمل أنه لم يحدث وضوءا ، ومن ثم فإنه إن توضأ على الاحتمال الأول بقيت السنية المؤكدة ، وإن لم يتوضأ فإن فيه ردا على من أوجب الوضوء .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم – كما قال بعض العلماء – لم يكن القسْم عليه واجبا ، فإن المتعدد يجب عليه أن يقسم بين زوجاته ولا يجوز له أن يجامع إحداهن في ليلة الأخرى ، فقالوا إن القسم لا يجب عليه .

والأقرب أن القسم لا يجب عليه لقوله تعالى { تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ }الأحزاب51 ، لكنه عليه الصلاة والسلام كان حريصا على أن يقسم بينهن لأنه كان يطلب الأكمل والأفضل ، فيكون هذا الحديث لكونه عليه الصلاة والسلام قدم من سفر فطاف عليهن ثم ابتدأ القسْم بينهن .

لكن لا شك أن الأفضل بين الجماعين الغسل ، لأنه عليه الصلاة والسلام لما طاف على نسائه اغتسل بعد جماع كل امرأة وقال ( هذا أزكى وأطيب ) لما سئل عن ذلك ، فإن لم يستطع الإنسان فعليه بالوضوء ، فإن لم يستطع فلا جناح عليه .

باب حجب الجنب من قراءة القرآن

حديث رقم – 265-

( ضعيف )  أخبرنا علي بن حجر قال أنبأنا إسماعيل بن إبراهيم عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال أتيت عليا أنا ورجلان فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من الخلاء فيقرأ القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة ) 

حديث رقم – 266-

( ضعيف )  أخبرنا محمد بن أحمد أبو يوسف الصيدلاني الرقي قال حدثنا عيسى بن يونس قال حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي قال :   كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن على كل حال ليس الجنابة ) 

من الفوائد :

أن الأكثر من العلماء على أن هذا الحديث ثابت ، وأن أسانيده يقوي بعضها بعضا حتى ترتقي إلى درجة الحديث المقبول الحسن ، بينما يرى الألباني رحمه الله ضعف هذا الحديث ، ومن ثم فإنه لا يرى أن الجنب يمنع من قراءة القرآن ، لقول عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه )

والصواب : ما ذهب إليه الجمهور من أن الجنب لا يجوز له أن يقرأ القرآن لا من ظهر قلب ولا من المصحف .

ومن الفوائد :

أن الحدث الأصغر لا يمنع الإنسان من قراءة القرآن عن ظهر قلب ، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يخرج من الخلاء ولا يمنعه أن يقرأ القرآن ، فلو قيل لك ما الدليل على أن المحدث حدثا أصغر يجوز له أن يقرأ القرآن ؟ فقل هذا الحديث .

ومن الفوائد :

أن ( ليس ) وهي في الأصل فعل ماضي ناقص من أخوات كان ، لها مواقع متعددة من حيث اللغة ، فقد تخرج عن كونها فعلا ناقصا إلى معنى لغوي آخر ، فإن ( ليس ) هنا هي ( ليس ) ( الاستثنائية ) بمعنى ( غير ) .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثن في ترك قراءة القرآن إلا الجنابة فدل على أن حال المسلم فيما سوى ذلك يندب له أن يقرأ القرآن ، سواء كان محدثا حدثا أصغر ، سواء كان يأكل أو يشرب ، أو كان مضطجعا أو كان قاعدا أو قائما .

باب مماسِّة الجنب ومجالسته

حديث رقم 267-

( صحيح ) أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا جرير عن الشيباني عن أبي بردة عن حذيفة قال :   كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي الرجل من أصحابه ماسحه ودعا له قال فرأيته يوما بكرة فحدت عنه ثم أتيته حين ارتفع النهار فقال اني رأيتك فحدت عني فقلت إني كنت جنبا فخشيت أن تمسني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المسلم لا ينجس )

من الفوائد :

أن على الصاحب إذا كان مع صاحب له عليه ألا يفارقه حتى يشعره بمفارقته له ، لأن حذيفة رضي الله عنه اجتهد وظن حكما شرعية فحاد واختفى من النبي عليه الصلاة والسلام ففقده فسأل عنه ، فكان من الأدب وحسن المعاشرة إذا كان الرجل مع أخيه وأراد أن يذهب لأمر ما عليه أن يعلمه حتى لا يشغل قلب صاحبه عليه .

ومن الفوائد :

بيان ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام ، فظن حذيفة رضي الله عنه أنه وهو جنب لا ينبغي له أن يجالس النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا يفيدنا بفائدة أن على المسلم أن يلتزم المروءة وهي ” فعل ما يزينه واجتناب ما يقبحه ” حتى لو لم يأت في الشرع شيء من ذلك فإن المروءة مطلوبة شرعا ، فلا يقدم الإنسان على شيء ينسب إليه الذنب أو يجرح في عرضه لأنه ليس من المروءة .

ومن الفوائد :

أن ما ظنه حذيفة رضي الله عنه ليس بصحيح ، هو يظن أن الجنب لا يجالس ولا يُمس ، ولكن هذا الظن ليس بصحيح وهذا يفيدنا بفائدة وهي أن هذا الشرع لا يؤخذ بالعقول ولا بالآراء ، وإنما يؤخذ مما جاء في الكتاب وفي السنة ، فأبو هريرة رضي الله عنه اجتهد ولكن اجتهاده ليس على صواب .

ومن الفوائد :

أن الاجتهاد من الصحابة رضي الله عنهم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كان مقبولا ، ولكن يبين لهم من قِبل النبي صلى الله عليه وسلم ما كان موافقا للشرع وما كان مخالفا ، لكن هل يجوز لهم أن يجتهدوا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أو أنهم يجوز لهم الاجتهاد في غيبة النبي صلى الله عليه وسلم ؟

الأحاديث تدل على هذا وعلى هذا ، فمن اجتهد من الصحابة رضي الله عنهم فأصاب أُقر وإن لم يصب أنكر عليه .

ومن الفوائد :

أن المؤمن طاهر طهارة معنوية وطهارة حسية ، فهو طاهر من حيث البدن وطاهر من حيث القلب لأن قلبه مليء بتوحيد الله عز وجل وبالإيمان بالله ، وهو طاهر من حيث البدن ، ومن ثم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن المؤمن لا ينْجُس ) وضبط ( لا يَنْجَس ) بفتح الجيم وبضمها ، ففهم من ذلك أن ما عدا المؤمن ليس كذلك ، يعني من ليس بمؤمن يكون نجسا ، ومن ثم فإن هذا المفهوم معتبر من وجه وغير معتبر من وجه ، بمعنى أن الكافر نجس نجاسة معنوية ، يعني هو نجس القلب { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا }التوبة28 ، فهم أنجاس نجاسة قلبية لما في قلوبهم من الشرك والكفر بالله عز وجل ، لكن أبدانهم طاهرة ، ولذا لو أن الكافر أعد طعاما أو لامس ثوبا رطبا للمسلم فإنه ليس بنجس ،لم ؟ لأن الله عز وجل أباح لنا أن نأكل من طعام اليهود والنصارى ، وأكل النبي صلى الله عليه وسلم من طعام اليهود ، فدل على أن أبدان الكفار طاهرة ، لكن النجس منهم هي النجاسة الباطنية القلبية .

ومن الفوائد :

أن قوله عليه الصلاة والسلام عن المؤمن ( لا ينجس ) هنا ( لا ) النافية دخلت على الفعل ، والقاعدة الأصولية تقول [ إن الفعل المنفي يدل على العموم ] فدل هذا على أن المؤمن من ذكر أو أنثى بجميع أحواله طاهر ، طاهر حال الحيض ، طاهر بعد الممات ، طاهر العرق ، طاهر البدن ، ففي كل أحواله يكون طاهرا ، فإذا كان المسلم طاهرا من هذا الاعتبار وبتشريف النبي صلى الله عليه وسلم له عليه أن يحرص على أن يطهر باطنه ، لأن المؤمن ما وصل إلى هذه المرتبة الشريفة في هذا الثناء إلا لكونه مؤمنا ، فعليه أن يتعاهد إيمانه وقلبه بطاعة الله عز وجل .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمازح أصحابه إذا قابلهم ، بل كان يضيف إلى ذلك الدعاء لهم ، ولا شك أن هذا مما يزيد المسلمين ألفة ومحبة .

حديث رقم – 268-

( صحيح )  أخبرنا إسحاق بن منصور قال أخبرنا يحيى قال حدثنا مسعر قال حدثني واصل عن أبي وائل عن حذيفة :   أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جنب فأهوى إلي فقلت إني جنب فقال إن المسلم لا ينجس  )

من الفوائد :

أن كلمة ( أهوى ) تختلف عن ( هوى )

فكلمة ( أهوى ) مد يده لمن هو قريب .

و( هوى ) مد يده لمن هو بعيد  .

لو قال قائل : يمكن أن أنسى هذا الفرق كيف أتذكره ؟

قال تعالى { وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى }طه81 يعني سقط من بعد .

حديث رقم – 269-

( صحيح ) أخبرنا حميد بن مسعدة قال حدثنا بشر وهو بن المفضل قال حدثنا حميد عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة :   أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في طريق من طرق المدينة وهو جنب فانسل عنه فاغتسل ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاء قال أين كنت يا أبا هريرة قال يا رسول الله إنك لقيتني وأنا جنب فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل فقال سبحان الله إن المؤمن لا ينجس )

من الفوائد :

أن هذا الواقعة حصلت لأبي هريرة وحصلت لحذيفة رضي الله عنهما ، وكل منهما اجتهد ، ولكنه لم يصب في اجتهاده .

ومن الفوائد :

أن تأخير الغسل تأخيرا لا يذم فيه الإنسان لا يعد محرما ولا تصدق عليه تلك الأحاديث التي بينت أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب أو أن الملائكة لا تحضر جنازة الجنب ، فهذه الأحاديث إن صحت فإن المقصود منها في حق الجنب المتهاون الذي يؤخر غسله إلى أن يأتي وقت الصلاة الأخرى ، أما التأخير اليسير الذي لا يترتب عليه ترك واجب من صلاة ونحو ذلك فلا يؤثر ، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم لما طاف على نسائه بغسل واحد ، ولفعل هذين الصحابيين رضي الله عنهما .