تفسير الاستعاذة ( 2 )

تفسير الاستعاذة ( 2 )

مشاهدات: 488

تفسير الاستعاذة 

تتمة شرح مفردات الاستعاذة

وأسباب الوقاية من الشيطان

فضيلة الشيخ  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ذكر ابن القيم أسبابا بها يُحفظ العبد بإذن الله من هذا الشيطان

السبب الأول الذي به تحفظ من الشيطان:

الاستعاذة بالله جل وعلا :

قال تعالى :

{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }

وقد وردت في سورة الأعراف في آخر السورة

{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

وفيه فرق بين هاتين الآيتين :

الآية الأولى :

قال : { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ }

أتى بـ ” هو ” و ” هو  “ضمير فصل يفيد التوكيد

{هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } أتى بـ  “ال  “

بينما في سورة الأعراف :

قال : { إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

بدون ضمير الفصل الذي هو وبدون ” ال ”  في ((سَمِيعٌ عَلِيمٌ))

لماذا ؟

لأن الآية التي في سورة فصلت : { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }

لأن هذه الآية أتى قبلها أمر عظيم أمر يصعب على كثير من النفوس أن تعمل به

ما هو ؟

قال جل وعلا :

{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) }

فإذا أساء إليك شخص يأتي الشيطان ويزين لك أن تسيء إليه فإذا لم يستطع رغب الشيطان أن لا تسيء وأن لا تحسن

لكن لا يريد إذا عجز عن أن توصل إليه الإساءة لا يريد منك أن تحسن إلى من أساء إليك

إنسان يسيء إليك وتحسن إليه هذا شيء عظيم

يدل على عظم النفوس

 

ولذلك : مسطح رضي الله عنه لما تكلم في عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك وكان فقيرا  وقريبا لأبي بكر ، وكان أبو بكر ينفق عليه

فلما قال ما قال في عائشة رضي الله عنها قال : والله لا أنفق على مسطح بعد هذا اليوم

فأنزل الله عز وجل :

{ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

فقال أبو بكر : بلى أحب أن يغفر الله لي

فأعاد إلى مسطح النفقة مرة أخرى

كيف ترفع بنفسه العظيمة على هذه الإساءة هو أسدى إلى من أساء إليه أسدى إليه الإحسان

وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : (( أفضل الصدقة : الصدقة على ذي الرحم الكاشح ))

يعني  : المبغض

يعني  : قريب لك أخ / ابن / أخ / عم يبغضك ويظهر لك العداوة والحقد

أفضل الصدقة أن تتصدق عليه :

(( أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح ))

فلما كان هذا الأمر أمرا عظيما جليلا قد لا تصل إليه كثير من النفوس أكد جل وعلا هذه الآية بضمير الفصل

هذا ضمير الفصل يسمى عند أهل اللغة بضمير فصل يفيد التوكيد والاختصاص

ثم قال ” ال ” و ” ال ” تؤكد زيادة على ضمير الفصل

قال : { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } فصلت36

هذا هو السبب الأول الذي به يتحصن العبد من مزالق ومن مكايد الشيطان

وقد ثبت في صحيح البخاري :

أن النبي عليه الصلاة والسلام – وهذا يدل على عظم أثر الاستعاذة وأنها بإذن الله تصرف العبد عن شرور –

قال  سليمان بن صرد رضي الله عنه كما جاء في صحيح البخاري :

(( كنت جالسا مع النبي عليه الصلاة والسلام  وإذا برجلين يستبان حتى إن أحدهما قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال عليه الصلاة والسلام :

(( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال  : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ))

فهذا الغضب قد يودي به إلى أن يؤذي صاحبه

ولذا الشيطان قد يحسن له أن يقتله

ولذا :

ترون أن غالب أسباب ما يجري من قتل إنما هو لأمور تافهة قد تكون على شبر من الأرض قد تكون على ريال واحد

ولكن يأتي الشيطان ويقول :

كيف تترك هذا الرجل يأخذ حقك ؟

كيف  تدعه يتهجم عليك ؟

كيف تدعه يتلفظ عليك بقول ؟

فيأتي الشيطان ويزين له ثم يوقعه في القتل  ، ولما يوقعه في القتل يتخلى عنه :

{ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }

فالاستعاذة لها أثرها العظيم في صرف وفي إبعاد الشيطان عنك

قال عليه الصلاة والسلام : (( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال  : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ))

فلما قيل للرجل : إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول هذا الأمر قال : أترى بي جنون ؟

انظروا :

قيل : إن هذا الرجل ليس بصحابي وإنما فيه نفاق

وقيل : إن الغضب غلب عليه فلم يستطع أن يتمالك نفسه فرد بهذا الجواب فقال : أترى بي  جنون ؟

ولاشك أن من كظم غيظه نال خيرا عظيما

وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( من كظم غيظه وهو قادر على أن ينفذه بعثه الله جل وعلا على رءوس الخلائق يوم القيامة يخيره من الحور العين ما شاء ))

 

ولما جاء رجل قال : (( يا رسول الله أوصني

فهو عليه الصلاة والسلام يعرف النفوس

يأتي هذا فيقول : أوصني

فيقول  :عليك بالجهاد

ويقول لهذا الرجل الذي سأله أن يوصيه

قال : عليك بالحج ))

فتجد أنه عليه الصلاة والسلام يعرف لكل شخص ما يناسبه

فرأى أن هذا الشخص فيه شيء من الغضب ومن الحدة

فقال عليه الصلاة والسلام : ((  لا تغضب قال : أوصنيقال : لا تغضب قال : أوصني قال : لا تغضب ))

جاء في رواية حسنها  الألباني رحمه الله انه قال في الثالثة قال :

(( لا تغضب ولك الجنة  ))

فهذا هو السبب الأول :

وهو :

أن نكثر من الاستعاذة بالله عز وجل من الشيطان الرجيم

فمن ابتلي بوساوس وبتلبيس  وبتزيين هذا العدو فعليه أن يكثر من هذه الاستعاذة

 

السبب الثاني :

أن تكثر من المعوذتين

وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام قبل أن تنزل هاتان السورتان كان يتعوذ بالله من الجان يعني  من الجن ومن عين الإنسان

فلما نزلت هاتان السورتان أخذ بهما وترك ما عداهما

ولهذا لما سحر عليه الصلاة والسلام

وأخبر انه مسحور في  مشط ومشاطة في بئر واستخرج هذه الشعور قرأهما- كانت هذه الشعور إحدى عشرة عقدة وعدد آيات المعوذتين إحدى عشرة آية – فقرأ عليه الصلاة والسلام على هذه العقد هاتين السورتين فكلما قرأ آية انحلت عقدة حتى انحلت العقد كلها

فإذا رأى أحدكم شيئا معقودا من سحر وما شابه ذلك فليقرا هاتين السورتين

وهاتان السورتان لهما مزايا عظيمة

ولذا قال عليه الصلاة والسلام لعقبة بن عامر :

(( ما تعوذ أحد بمثلهما ))

إذا تأملت تأملا بسيطا يسيرا في قوله تعالى :

{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ{1} }

الفلق :

يعني  :  الصبح { فَالِقُ الْإِصْبَاحِ }

{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ{1} مِن شَرِّ مَا خَلَقَ{2} }

من شر ما  : ما موصولة

جميع ما خلق الله مما به شر

ثم قال : { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ{3} }

الغاسق  هو القمر :

وقال  بعض  العلماء :

هو الليل ولا تنافي بينهما لأن القمر يكون في الليل

والنبي عليه الصلاة والسلام:  أخذ  بيد عائشة ذات يوم كما في سنن الترمذي قال : (( تعوذي بالله من هذا وأشار إلى القمر فقال : إنه الغاسق إذا وقب ))

{ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ{4} } :

يعني اللاتي ينفثن في العقد ويسحرن الناس

{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ{5} }

الله عز وجل  ذكر السحرة وذكر الحساد وذكر الليل

مع أن هذه الأمور تدخل في ضمن أول آية : { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ{2} }

لكن لما ذكر هذه الأشياء  وهي تدخل في شر ما  خلق  دل على عظم خطر هذه الثلاث

يقول ابن القيم  رحمه الله :

وانظر كيف أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يستعيذ بالله الذي هو رب الصبح رب النور رب الإشراق لكي يقهر الظلمة وأهلها لأن الشياطين تفعل أفاعيلها غالبا بالليل

ولذا قال عليه الصلاة والسلام :

(( إذا اصفرت الشمس أو كادت الشمس أن تغرب قال عليه الصلاة والسلام : (( احفظوا أبناءكم فإن للشياطين خطفة وانتشارا ))

فيقول : وانظر كيف أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يستعيذ برب النور الذي يقهر الظلمة وأهلها

ولذا : تجدون أن الشر أكثر ما يكون بالليل

إذا نظرت إلى قوله تعالى :

{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ{1} }

وجدت أن فيه استعاذة بالله الذي له الربوبية الذي له الملك الذي له التعبد والتأله

قال :

{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ{1} مَلِكِ النَّاسِ{2} إِلَهِ النَّاسِ{3} مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ{4} }

الوسواس : الذي يوسوس إذا غفل العبد

الخناس : الذي يخنس ويذهب ويبتعد عنك إذا ذكرت الله جل وعلا

{ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ{5} }

انظروا :

{ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ{5} }

مباشرة من الشيطان إلى الصدر

يعني  :لا تمر هذه الوسوسة على السمع وإنما مباشرة

هذا يدل على خطر هذا الشيطان

فهو يوسوس مباشرة تصدر منه الوسوسة إلى الصدر

{ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ{4} الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ{5} مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ{6} }

ففيه أيضا استعاذة بالله من شر شياطين الإنس والجن

هذا هو السبب الثاني :

وهو أن نكثر من الاستعاذة بالله عز وجل

ولذا :

كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ المعوذتين في صلاة المغرب

لأنها بداية الظلام

وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام :

أنه قرأ بهما أي المعوذتين في السفر في صلاة الفجر

 

السبب الثالث الذي به يتحصن العبد من مكر وكيد الشيطان :

أن يقرأ آية الكرسي

وآية الكرسي لها فضل كبير:

قد ثبت في صحيح البخاري :

أن النبي عليه الصلاة والسلام قد وكَّل أبا هريرة على صدقة الفطر

لكي يحفظها فجاءه رجل فادعى أنه ذو عيال وأنه فقير وأتى هذا الرجل لكي يأخذ ويسرق من هذه الصدقة

فأمسك به أبو هريرة وقال : لأرفعنَّك إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام

فادعى أنه فقير وادعى أنه ذو عيال فتركه

أبو هريرة

فلما أتى أبو هريرة إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال عليه الصلاة والسلام : يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟

قال : يا رسول الله ادعى فقرا وعيالا فتركته

فقال عليه الصلاة والسلام : أما إنه قد كذبك وسيعود

فيقول أبو هريرة : علمت أنه سيعود لقول النبي عليه الصلاة والسلام

فأتى هذا الرجل في الليلة الثانية وادَّعى ما ادعاه في الليلة الأولى ثم لما رجع إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال عليه الصلاة والسلام : ما فعل أسيرك البارحة يا أبا هريرة ؟

قال : يا رسول الله ادعى عيالا وفقرا ورحمته

فقال عليه الصلاة والسلام : أما إنه قد كذبك وسيعود

فلما أتاه في المرة الثالثة قال : لأرفعنك إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام

فقال : ألا أعلمك شيئا وتتركني

فقال أبو هريرة : أفعل

فقال هذا الرجل : إذا آويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح

فقال عليه الصلاة والسلام لما رجع أبو هريرة : ما فعل أسيرك البارحة ؟

قال : يا رسول الله زعم أنه يعلمني شيئا فذكر أبو هريرة ما ذكره هذا الرجل

فقال عليه الصلاة والسلام : تدري يا أبا هريرة من تُكلِّم منذ ليال ؟

فقلت : لا يا رسول الله

فقال : ذاك الشيطان أما إنه قد صدقك وهو كذوب

هو في أصله من الكذابين بل هو عمدة الكذب لكنه صدقك في هذا الأمر ، وأن آية الكرسي :

(( من قرأها حفظه الله جل وعلا ولا يقربه شيطان حتى يصبح ))

وهذه الآية كما ثبت في الصحيح :

هي أعظم آية في كتاب الله جل وعلا

حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر أنَّ من قرأها دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت

لكن فيه تنبيه على البعض من الناس حينما يقرأ هذه الآية دبر كل صلاة إذا به يقرأ بل ربما يقول : هذا ويضيف إليه ما سيذكره وما سيقوله عند منامه

فإذا قرأ آية الكرسي قرأ ما بعدها قال : { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } إلى آخر الآيات وهذا خطأ

لأننا أمة الاتباع :

نحن نتبع النبي عليه الصلاة والسلام وهو عليه الصلاة والسلام لم يقرأ إلا آية الكرسي فنقتصر على هذه الآية فقط

 

{ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } البقرة255

ونقف لا نزيد

وهذه الآية ما وصلت إلى هذا الفضل وإلى هذه العظمة إلا لأن هناك سببا جعلها أعظم آية في كتاب الله

ترى ما هو هذا السبب ؟

هذا السبب :

هو أن هذه الآية اشتملت على أسماء الله جل وعلا وعلى صفاته وعلى أفعاله العظيمة

{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ }

حتى قال بعض العلماء :

إن اسم الله عز وجل الحي  :

هو يدل على الصفات الذاتية لله

وأن اسمه القيوم :

يدل على جميع الصفات الفعلية له جل وعلا

ولذا :

قال عليه الصلاة والسلام : (( اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في قوله تعالى : { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ }

لما اشتملت عليه هذه الآية من أسمائه وصفاته جل وعلا حصلت على هذه المزية

والله قال كما في سورة الأعراف : { وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }

إذًا :

هي من أعظم الأسباب التي يتحصن بها المسلم من مكايد ومن مزالق الشيطان

 

السبب الرابع :

قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة :

قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين :

(( من قرأ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة كفتاه ))

قيل  : كفتاه عن العمل في تلك الليلة

وقيل وهو الأقرب : أنهما تكفياه عن الشرور وعن الآفات

وقد جاء في صحيح مسلم :

أنه عليه الصلاة والسلام كان عنده جبريل فإذا به عليه الصلاة والسلام يسمع نقيضا يعني صوتا

فقال جبريل : أتدري يا محمد ما هو هذا النقيض؟

فقال  :لا

فقال : هذا باب فتح من السماء لم يفتح من قبل وهذا ملك نزل لم ينزل من قبل ثم قال : (( أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب  وخواتيم سورة البقرة ))

البعض من الناس يقرأ :

{ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ }

وهذا خطأ

إذا أردت أن تقرأ الآيتين  فمن قوله جل وعلا : { آمَنَ الرَّسُولُ } إلى آخر السورة

هاتان هما الآيتان

أما الابتداء بالآية التي قبلها : { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ }

فالابتداء بهما خطأ في هذا الموضع

فالنبي عليه الصلاة والسلام  يقول : (( من قرأ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة كفتاه ))

 

من الأسباب أيضا :

قراءة سورة البقرة :

قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم

قال : (( لا تجعلوا بيوتكم قبورا إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ))

وقال عليه الصلاة والسلام في مزية وفضل هذه السورة :

قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم قال :

(( اقرءوا البقرة فإن في أخذها بركة وفي  تركها حسرة ولا تستطيعها البطلة ))

يعني  : السحرة

ولذا :

إذا قرئت هذه السورة في بيت لم يقربه شيطان

وما امتازت به هذه  السورة من هذه المزايا : إلا لأنها اشتملت على آية الكرسي وعلى آخر آيتين من هذه السورة

وأيضا الآيات الأخرى التي احتوتها هذه السورة

 

من الأسباب التي يتحصن بها المسلم من كيد الشيطان :

قول :

(( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،  له الملك وله الحمد  وهو على كل شيء قدير مائة مرة في اليوم ))

قال عليه الصلاة والسلام :

(( من قالها في يوم ))

ما هي الثمرات ؟

ولا يلزم أن تقولها في ساعة معينة بل لك أن تقولها ولو مجزأة من طلوع الفجر يعني : من أذان الفجر إلى غروب الشمس يعني:  من أذان المغرب

يعني :

هذا الوقت لقول هذا الذكر

فلو قلت هذا الذكر مجزَّأ في وقت قلت بعضه وفي وقت آخر قلت بعضه فلا بأس بذلك

كما أشار بذلك النووي رحمه الله

لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( من قال في يوم ))

أهم شيء أن تقول هذا الذكر في يوم وسواء كان مجموعا في جلسة واحدة أو في  عدة جلسات أو في مقامات متعددة

قال عليه الصلاة والسلام :

(( كانت له كعدل عشر رقاب ))

ما معنى :

(( له كعدل عشر رقاب )) ؟

النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء في سنن ابن ماجه قال :

(( من اعتق رقبة أعتق الله بكل عضوا منه عضوا من النار ))

الرقاب عتقها تحريرها ليس موجودا في هذا الزمن

فإذا  أردت أن تعتق من النار وأن تحوز على فضل من أعتق رقبة بل من أعتق عشر رقاب فقل هذا الذكر مائة مرة في اليوم تحصل على ثواب من أعتق عشر رقاب

قال عليه الصلاة والسلام  – أيضا من فوائدها :

(( له مائة حسنة وتمحى عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ))

لماذا هذا الذكر ؟

لأنه اشتمل على التوحيد

والشيطان ينفر من سماع كلمات التوحيد

ولذا :

سُنَّ لنا أول ما يأتي المولود لا ينتظر به إلى اليوم السابع كما يظنه البعض  بل  من حين ولادته :

أن يؤذن في أذنه لكي يسمع أول  ما يسمع كلمات التوحيد

وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين : (( أن المؤذن إذا أذن أدبر الشيطان وله ضراط  ))

وفي رواية مسلم له (( حُصَاص  ))

يعني  : سرعة

شبه النبي عليه الصلاة والسلام سرعته بالضراط تنفيرا وتقبيحا له فإذا فرغ المؤذن رجع

فإذا ثوَّب للصلاة :

يعني  للإقامة أدبر الشيطان حتى يكون بمكان الروحاء

الروحاء :

قال الراوي : تبعد عن المسجد النبوي ستة وثلاثين ميلا

ما هو كيلو

ستة وثلاثين ميلا

لا يريد أن يسمع كلمات التوحيد

 

ومن الأسباب أيضا التي يتحصن بها  المسلم من كيد الشيطان :

أن يكثر من الذكر

ــــــــــــ

عموم الذكر :

فقد جاء في سنن الترمذي :

أن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها فتأخر يحيى

فأوحى الله جل وعلا إلى عيسى أن مر يحيى يأمر بها أو مر بها أنت

فأتى عيسى إلى يحيى وقال له : إما أن تأمر بها وإلا أمرت بها بني إسرائيل

فقال :  أنا أأمر بها حتى لا أُعذب أو يُخسف بي

فقام يحيى عليه الصلاة والسلام وجمع بني إسرائيل في بيت المقدس ثم أمرهم بهذه الخمس

ما هي هذه الخمس ؟

قال : (( آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا فإن مثل من عبد غير الله كمثل رجل اشترى عبدا بخالص ماله بذهب أو فضة ثم قال  : اعمل في  داري فإذا به يعمل في دار غيره ويؤدي إلى غيره

فأيكم يحب أن يكون عبده كذلك

هذا الأمر الأول

الأمر الثاني :

قال : (( آمركم بالصلاة فإن الله جل وعلا ينصب وجهه لوجه العبد في صلاته ما لم يلتفت

وآمركم بالصدقة فإن مثل الصدقة كمثل رجل أسره العدو وغلُّوا يده إلى عنقه وقدموه لكي يضربوا عنقه فقال : أنا أفتدي لنفسي بمالي فجعل يفدي نفسه بماله القليل والكثير ففكوا أسره

وآمركم بالصيام فإنما مثل الصيام كمثل رجل في عصابة في مجموعة ومعه صرة مسك فجعلوا يتعجبون من رائحتها وإن ريح فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك

الخامسة وهي موضع الشاهد:

قال : (( وآمركم بذكر الله فإنما مثل من ذكر الله كمثل ر جل اتبعه العدو حتى دخل في حصن حصين فأحرز نفسه منه فكذلك العبد بذكر الله يحرز نفسه من الشيطان ))

ثم قال عليه الصلاة والسلام للصحابة :

(( أنا آمركم بخمس : بالسمع والطاعة ))

أي لمن ولاه الله أمرنا

(( والجهاد والهجرة والجماعة فإن من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع ))

فكثرة الذكر سبب وحصن حصين يتحصن به المسلم من مكايد الشيطان

 

من الأسباب أيضا التي يتحصن المسلم من كيد الشيطان :

الوضوء :

وقد جاء في حديث بعض العلماء يصححه وبعض العلماء  يضعفه لكن فيه كثير من أهل العلم يأخذ به :

(( إن العبد إذا غضب فليتوضأ فإن الشيطان خلق من نار ولا يطفئ النار إلا الماء ))

وأيضا إذا غضب :

أخبر النبي عليه الصلاة والسلام كما في سنن الترمذي :

(( أنه إذا قام فليقعد فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ))

وفي رواية أخرى قال في سنن الترمذي :

(( فليلصق جسمه بالأرض  ))

لماذا ؟

لان الإنسان إذا غضب : حالة القيام حالة تكبر وترفع لكن إذا قعد نزل من كبريائه

لأن حالة التكبر والترفع هذه من خصال ومن صفات الشيطان فحتى تراغم الشيطان وتدحر كيده في نحره وتتحصل على العبودية التي ذكرها ابن القيم وهي عبودية المراغمة :

فيقول رحمه الله :

((من تعبد الله بمراغمة عدوه كان له حظ وافر من مرتبة الصديقين ))

فإذا قاومت نفسك فغضبت وأنت قائم فاقعد إن لم ينفع فاضطجع

بهذا تراغم عدو الله

وكلما ازدادت مرتبة الإنسان في العبودية كلما آذاه

ولكن العاقبة للمتقين

الحرب سجال

لكن العاقبة للمتقين

لكن النصر مع الصبر

حتى إنه يأتي الإنسان كما قال عليه الصلاة والسلام قال :

((العطاس من الله ))

لأن العطاس إشارة إلى أن الإنسان نشيط وإذا كان نشيطا كانت نفسه مقبلة على الطاعة

(( والتثاؤب من الشيطان ))

مع أن الكل من الله

لكنه نسب إلى الشيطان لأنه أمر غير محمود تأدبا مع الله عز وجل

كما قال أيوب :

{ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ }ص41

تأدبا مع الله

قال عليه الصلاة والسلام :

(( التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع ))

يعني : يكظم بفمه

يعني  :يحاول ألا تخرج

(( فإن لم يستطع فليضع يده على فيه فإن أحدكم  إذا قال  :هاه ضحك منه الشطان )

وفي رواية :

(( إذا قال : هاه وفتح فاه دخل الشيطان في فيه ))

لكن إذا راغمته فكظمت هذا التثاؤب ووضعت يدك على فمك  هنا فيه مراغمة لعدو الله

النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( الرؤيا من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم ما يكره

ماذا قال عليه الصلاة والسلام ؟

إذا أردت أن تراغم الشيطان حتى لا يدخل الحزن على نفسك

قال عليه الصلاة والسلام :

(( فليتسعذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاث مرات ولينفث عن يساره ثلاث مرات ، وليستعذ بالله من شر ما رأى  ، وليتحول عن الموضع الذي كان نائما عليه إلى الموضع الآخر

قال : ولا يحدث بها أحدا فإنها لا تضره ))

فإذا فعلت هذه الأمور وراغمت عدو الله

 

السبب الأخير :

أن يمسك الإنسان :

عن فضول الأكل

وعن فضول النوم

وعن فضول المخالطة

وعن فضول الحديث

هذه هي الأسباب التي من تمسك بها تحصن من الشيطان الرجيم بإذن الله

وهذا الدرس هو آخر الدرس في هذا الشهر المبارك

وقد أمضينا الحديث في معظم لياليه عن هذه الاستعاذة

وكان الود أن نتحدث عن البسملة وأن نشرع في  سورة الفاتحة

لكن لعل الله أن يمد في أعمار الجميع في السنة القادمة ونتحدث عن البسملة

ونسأل الله أن يعيد علينا رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة ونحن في صحة وخير وعافية وصلاح وتقى واستقامة وأن يتقبل منا  سائر الأعمال