تفسير البسملة (1 )
هل البسملة آية من سورة الفاتحة ؟
فضل البسملة
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قول:
بسم الله الرحمن الرحيم :
هل البسمة آية من آيات الفاتحة أم أنها ليست آية ؟
لاشك أن عدد آيات سورة الفاتحة سبع آيات بنص القرآن ، وبنص حديث النبي عليه الصلاة والسلام
أما القرآن فقوله عز وجل :
{ وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ } الحجر87
وأما في السنة :
فقوله عليه الصلاة والسلام – وهو الثابت عند البخاري : (( الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ))
ومن ثم :
فإن العلماء اختلفوا : هل البسملة آية من سورة الفاتحة أم لا ؟
ومن ثم :
فمن أسقطها فإن صلاته لا تصح :
بمعنى أن من استفتح قراءته بقوله : { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2}} فإن صلاته لا تصح
لم ؟
لأنه أسقط آية من سورة الفاتحة على هذا القول
وذلك أن سورة الفاتحة يجب أن يؤتى بها بجميع آياتها وحروفها
فلو أسقط حرفا واحدا فإنها لا تصح ومن ثم لا تصح معها الصلاة
وعلى هذا القول تكون البسملة الآية الأولى :
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ{1} )
الآية الثانية : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
الآية الثالثة : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }
الآية الرابعة : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }
الآية الخامسة : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }
الآية السادسة : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ }
الآية السابعة : { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) }
ويستدل على ذلك ما جاء عن أبي هريرة :
أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال : (( إذا قرأتم الحمد لله رب العالمين فاقرءوا : { بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ{1} } فإنها إحدى آياتها ))
هذا هو القول الأول
ولكن القول الراجح :
أن البسملة ليست آية من سورة الفاتحة
والأدلة على ذلك كثيرة :
منها :
ما جاء في صحيح مسلم :
أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( قال الله عز وجل : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ( والصلاة هنا الفاتحة ) فإذا قال العبد : { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2}} لم يقل : بسم الله الرحمن الرحيم
ولذا قال شيخ الإسلام في الفتاوى قال :
(( إن أحد الوضاعين الكذابين أضاف إلى هذا الحديث قول : ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ{1} ) لكنها مفتراة مختلقة على النبي عليه الصلاة والسلام
فإذا قال العبد : ( الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2})
قال الله : حمدني عبدي
وإذا قال العبد : ( الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} )
قال الله عز وجل : أثنى علي عبدي
وإذا قال العبد : (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{4} )
قال الله عز وجل : مجَّدني عبدي
وإذا قال العبد : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{5} )
قال الله عز وجل : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل
وإذا قال العبد : { اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7} }
قال الله عز وجل :هذا لعبدي ولعبدي ما سأل
ولم تذكر البسملة هنا
وأما حديث أبي هريرة فإنه لا يصح
ولذا :
لو كان هذا الحديث ثابتا لما اختلف العلماء في كون البسملة آية من سورة الفاتحة أو ليست بآية
ويقول شيخ الإسلام كما في الفتاوى يقول :
” إن : { بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ } آية تبتدأ بها كل سورة وليست من السورة نفسها
فإذا قرأت : { الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2} }
تقول : { بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ } في مقدمتها
إذا قرأت سورة البقرة تقول : بسم الله الرحمن الرحيم : { الم{1} }
إذا قرأ سورة آل عمران تقول : بسم الله الرحمن الرحيم : { الم{1} }
إذا ابتدأت سورة النساء تقول : ((بسم الله الرحمن الرحيم : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ }
وليست البسملة سورة من السورة نفسها لكنها آية مستقلة
هي آية مستقلة
والدليل على هذا :
ما جاء في سنن الترمذي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( إن هناك سورة ثلاثون آية شفعت لصاحبها وهي سورة تبارك ))
لو تأملت هذه السورة لوجدت آياتها ثلاثين آية من غير البسملة
فدل على أن البسملة ليست آية من السورة نفسها ولكنها آية تبتدأ بها السورة ما عدا سورة التوبة :
إذ جاء في السنن :
أن ابن عباس حاور عثمان : لمَ لمْ تجعلوا البسملة في ابتداء سورة التوبة ؟
وقد ذكرنا هذا الأثر
والدليل على أنه يبتدأ بها :
أن النبي عليه الصلاة والسلام – كما في صحيح مسلم – كان بين أصحابه ذات يوم فأغفى إغفاءة فاستيقظ عليه الصلاة والسلام من إغفائته فقال : (( لقد أنزلت عليَّ سورة آنفا ثم قال : بسم الله الرحمن الرحيم – ابتدأ السورة بالبسملة – ثم قال : بسم الله الرحمن الرحيم :
{ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ{1} فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ{2} إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ{3} }
ولذا جاء في سنن أبي داود عن ابن عباس أن رسول الله عليه الصلاة والسلام ما كان يعرف الفواصل بين السور حتى نزلت : ( بسم الله الرحمن الرحيم )
إذًا :
البسملة ليست من الفاتحة
ولذا : لو لم يقرءوها المصلي في صلاته فإن صلاته صحيحة
فتكون الآيات كالتالي :
الآية الأولى: ( الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2} )
الآية الثانية: ( الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} )
الآية الثالثة : ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{4} )
الآية الرابعة : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{5} )
الآية الخامسة : ( اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} )
الآية السادسة : (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ )
الآية السابعة : ( غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7} )
فتكون الآيات سبعا بهذا العدد
ومما يدل على أنها ليست آية :
أن السياق اللفظي يأبى أن تكون البسملة من الفاتحة
والسياق المعنوي يأبى أن تكون البسملة من الفاتحة
كيف ؟
السياق اللفظي :
لو قيل إن البسملة آية ما هي الآية السابعة : { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7} }
ما أطولها!
بينما الآيات التي قبلها متناسبة
فإذا قيل : إن البسملة آية صارت الآية السابعة طويلة لا تتناسب من حيث اللفظ مع الآيات التي سبقتها
أما من حيث السياق المعنوي :
فإنه لو قيل : إن البسملة آية فتكون الفاتحة قسمين بين الله عز وجل وبين العبد :
بسم الله الرحمن الرحيم ـــ لله
{ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2} } لله
{ الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3} } لله
هذه ثلاثة
{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{4} } لله
هل تكون بين العبد وبين الله ؟
لا يمكن
فالسياق المعنوي يأبى أن تكون البسملة آية من سورة الفاتحة .
والبسملة سلاح ضد الشياطين :
والنبي عليه الصلاة والسلام وردت عنه نصوص كثيرة تدل على ذلك فهي مطردة للشياطين :
من بين ما ورد :
أن النبي عليه الصلاة والسلام قال-كما في صحيح مسلم – قال :
(( إن الشيطان ليستحل الطعام الذي لا يذكر اسم الله عليه ))
إذا لم تذكر اسم الله على طعامك فإن الشيطان يستحله ويشاركك هذا الطعام
ولذا :
القول الصحيح :
التسمية قبل الأكل واجبة وليست سنة
لقوله عليه الصلاة والسلام لعمر بن أبي سلمة : ((يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ))
فإذا لم تقل بسم الله عند مطعمك فإن الشيطان يستحل هذا الطعام
ولذا :
جاء في صحيح مسلم :
أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( إن العبد إذا دخل بيته فقال : بسم الله ، وإذا قال عند طعامه : بسم الله قال الشيطان لأعوانه : لا مبيت لكم في هذا البيت ولا عشاء ، وأما إذا لم يذكر اسم الله عند مدخله ولا عند مطعمه قال الشيطان : أدركتم المبيت والعشاء ))
ومما ورد من نصوص :
أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( إذا أتى أحدكم أهله فليقل : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن قدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا ))
فهذه نصوص
والنصوص في هذا المعنى كثيرة : من أن البسملة سلاح ضد الشيطان
ولذا:
يسن لنا إذا دخلنا المسجد أن نقول كما ثبت عند ابن ماجه وحسنه الألباني أن نقول :
(( بسم الله ))
وكذلك نقول كما جاء عند أبي داود :
(( أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ))
والقرطبي رحمه الله ذكر عن ابن مسعود : أن بسم الله الرحمن الرحيم حافظة للعبد من خزنة جهنم
من أحب أن يتسلح من ملائكة جهنم فليقل : بسم الله الرحمن الرحيم
هذا قول ابن مسعود
لم ؟
قال : لأن عدد حروف البسملة تسعة عشر حرفا
وعدد ملائكة جهنم : تسعة عشر ملكا
فبكل حرف يكون سلاح ضد هذا الملك
ولتعلم ولتفهم أن خزنة جهنم ليسوا محصورين في تسعة عشر:
قال تعالى : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ{30} } وذكر بعدها : { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ }
وجاء في صحيح مسلم :
أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال :
(( يؤتى بجهنم يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ))
ولكن لا ينبني على هذه أحكام
يعني : لا يكن هذا الأمر ديدنا للإنسان لأن البعض قال : إن النبي عليه الصلاة والسلام كما جاء عند البخاري:
أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لما سمع رجلا يقول بعد سمع الله لمن حمده : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه قال عليه الصلاة والسلام :
(( لقد ابتدرها بضع وثلاثون ملكا ))
لو حسبت حروف هذه الكلمات لوجدتها بضعا وثلاثين
وقال بعض العلماء :
إن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين
دليلها :
من كتاب الله من سورة القدر
كيف ؟
قالوا : لأن كلمة هي خير :
هي :
تكون السابعة والعشرين من الكلمات من بداية السورة
{ إِنَّا } هذه كلمة
{ أَنْزَلْنَاهُ } كلمة
لو عددت لوجدت أن لفظ وعدد سبعة وعشرين ينتهي عند كلمة هي
فاستدل بها على أن ليلة القدر :
هي سبع وعشرون
ولكن لا ينبني على هذه أحكام
لأن مثل هذه الأشياء لا تثبت إلا بنص شرعي إما من كتاب وإما من سنة النبي عليه الصلاة والسلام
أما تفسير البسملة فسيأتي لها حديث إن شاء الله في الدرس القادم