تفسير البسملة [ 13 ]
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مازال الحديث عند لفظ الجلالة الله
يقول ابن القيم :
إن هذا الاسم يدل على جميع الأسماء والصفات التي لله عز وجل
لكن هذا الاسم لصفات الجمال والكمال أخص من غيره
بينما اسم الرب لصفات الفعل والمشيئة أخص من غيره
بينما اسم الرحمن أخص بصفات اللطف والإحسان والرفق من غيره
بينما الملك هو أخص بصفات العدل والقضاء والحكم
ولذا قال تعالى : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }
لما ذكر يوم الدين ذكر اسمه الملك
وهناك قراءة : ” ملك “
والقراءة المشهورة عندنا { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }
فهذا الاسم أخص بصفات الجمال والجلال فهو أخص من غيره
وذلك لأن الله جميل :
قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم قال :
(( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ))
قالوا : يا رسول الله إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة
فقال عليه الصلاة والسلام :
((إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس ))
فهو جميل عز وجل في أسمائه
جميل في صفاته
جميل في أفعاله
جميل في ذاته
ومن جماله :
أنه نور السموات والأرض :
{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }
والأرض يوم القيامة تشرق بنور ربها { وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا }
ولحبه جل وعلا للجمال قال عن كتابه :
{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا } النساء174
قال تعالى :
{ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
{ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } التغابن8
لحبه للجمال والنور وصف النبي عليه الصلاة والسلام بأنه نور
كما قال تعالى :
{ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ } المائدة15
النور هنا في هذه الآية هو النبي عليه الصلاة والسلام
لحبه للجمال والنور :
حجابه النور
جاء في صحيح مسلم :
عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله هل رأيت ربك؟
قال : (( نور أنى أراه ))
في حديث آخر عند مسلم :
قال :
(( حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ))
يعني :
بهاء الوجه وعظمة وجهه جل وعلا (( لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه “))
لمحبته عز وجل للنور والجمال :
قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم :
(( الصلاة نور ))
ولا شك أنها نور :
نور في قلب العبد نور في وجهه
نور في قبره
نور في بعثه :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ }
النبي عليه الصلاة والسلام ماذا قال في القبر عن المؤمن ؟
قال : (( وينور له فيه ))
ماذا يقول جل وعلا عما يكون يوم القيامة ؟
{ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا }
سألت عائشة رسول الله عليه الصلاة والسلام
كما في صحيح مسلم :
لما يطوي الله عز وجل الأرض : أين يكون الناس ؟
قال عليه الصلاة والسلام :
(( في الظلمة دون الجسر ))
فدل على أن هناك ظلمة دون جسر جهنم ، لكن إذا وصل المؤمنون إلى هذا المكان فإنهم يستنيرون بنور منه عز وجل
لكن لتعلم :
أن الجمال في الباطن هو أعظم عند الله من الجمال في الظاهر
ما أحسن جمال الباطن!
ألم يقل عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم :
(( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ))
ولذا يقول ابن القيم :
ترى الرجل جميل الباطن يشرق وجهه ويستنير وجهه ولو كان أسودا أو دميما ولاسيما إذا أضاف إلى هذا الجمال في الباطن إذا أضاف إليه صلاة بالليل يشرق وجهه
ولذا النبي عليه الصلاة والسلام ماذا كان يقول في دعائه ؟
(( اللهم كما حسنت خَلْقي ــ يعني : صورته الظاهرة ــ فحسنْ خُلُقي ))
ولذا يوسف عيه الصلاة والسلام :
ماذا قالت النسوة : { مَا هَذَا بَشَرًا }
النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أنه أعطي نصف الحسن
فلما رأته النسوة ماذا قلنا ؟
{ مَا هَذَا بَشَرًا }
هذا هو الجمال في الظاهر
لكن ما هو الجمال في الباطن ليوسف عليه الصلاة والسلام ؟
قالت امرأة العزيز :
{ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ }
لجمال باطنه امتنع واستعصم بالله من أن يقع في الفاحشة
فجمع الله له بين الجمالين جمال الباطن وجمال الظاهر
وكل هذا من محبته عز وجل للجمال
ماذا قال عز وجل عن أهل الجنة ؟
{ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) }
لقاهم نضرة في وجوههم
وسرورا في بواطنهم
ثم قال : { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) }
فجمل وجوههم بالنضرة وبواطنهم بالسرور وأبدانهم بالحرير
قال بعد ذلك :
{ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ }
هذا في الجمال الظاهر
ما هو الجمال في الباطن ؟
قال : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا }
ماذا قال عز وجل في قصة آدم عليه الصلاة والسلام قال : { إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) }
جمع بين العري ، والجوع
وبين الظمأ والضحى
لم ؟
لأن الجوع ذل وكآبة في الباطن
تعرى كآبة في الظاهر
{ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى }
تظمأ كآبة في الباطن
تضحى كآبة في الظاهرة
فجمع جل وعلا بين الجمالين لأهل الجنة :
جمال الباطن وجمال الظاهر
والناظر في كتاب الله جل وعلا وفي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام يجد كثيرا من هذا
وهذا غيض من فيض وإلا فالنصوص كثيرة
شاهِدُنا :
أن الله جميل يحب الجمال
ولذا :
كما أن اسم الله أخص بصفات الجمال والجلال من غيره
لتعلم : أن اسم الله
هذا الاسم ( الله ) لم يتسم به أحد :
قال عز وجل : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } مريم65
على أحد وجهي التفسير أنه اسم الله
فالله هذا الاسم لم يتسم به أحد كما حفظ الله اسم أحمد للنبي عليه الصلاة والسلام
ماذا قال عيسى ؟
{ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ }
لم يتسم أحد في الجاهلية بهذا الاسم
وكذلك محمد لم يتسم به أحد في الجاهلية إلا حينما سُمع أن هناك نبيا سيُبعث في العرب سُمِّى ستة أولادهم بهذا الاسم قبيل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام علهم أن يظفروا بهذه المنقبة
ولذا قال السخاوي رحمه الله :
” هم ستة لا سابع لهم “
بينما الاسم أحمد قد حفظه عز وجل
فهذا الاسم : الله لم يتسم به أحد
كذلك اسم الرحمن لم يتسم به أحد
ولذا قال بعض المفسرين : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }
قال : اسم الله هنا هو الرحمن
ولذا لما تطاول مسيلمة الكذاب وسمى نفسه بهذا الاسم : رحمن اليمامة ألصق الله به وصفا لا يفارقه أبدا وُصف : بالكذاب
حينما يذكر اسمه يقال : مسيلمة الكذاب
لا نقول : مسيلمة ونسكت وإنما نقول :
مسيلمة الكذاب
وهذا جرى على ألسنة المسلمين
وهنا مسألة :
وهي مسألة التسمية :
الآن حينما نقول حينما نلج أمرا ذا بال نقول : بسم الله
ما رأيكم في قول البعض حينما يكون في اجتماع أو حفل يقول : باسمكم جميعا نرحب بفلان
أو باسم هذا القطاع أو باسم هذه الدائرة نرحب بهؤلاء الضيوف
هل هذا يجوز أم لا ؟
الجواب عن هذا:
إن كان المقصود بهذا القول أنه نيابة عن هؤلاء الحاضرين نرحب بفلان فهذا جائز
أما إن كان المقصود التبرك فهذا لا يجوز
لأنه يضاهي اسم الله
أما إذا كان القول :
باسمكم جميعا
أو باسم هذه الدائرة أو باسم هؤلاء الأشخاص نرحب بهؤلاء الضيوف ويراد من ذلك النيابة فقط فإن هذا جائز
هذا ما يتعلق بهذا الاسم العظيم
وهو اسم الله
عندنا : الرحمن
وعندنا الرحيم
قد جرت عادتنا أننا نقف عند العشر الأواخر حتى يتسنى للمسلم أن ينتهز كل فرص لقراءة كتاب الله وللتعبد كما هو شأن النبي عليه الصلاة والسلام
ولم يبق إلا ليلة واحدة لدخول هذه العشر ، ولو شرعنا في اسم الرحمن والرحيم لطال بنا الحديث ولو طال بنا الحديث ربما نتجاوز الشهر .
ولو تحدثنا ربما نختصر والاختصار لا يتناسب
وذلك لأن أسماء الله تحتاج إلى تأمل فحينما يقف المسلم عند هذه الأسماء يجد العظمة
وكنت أريد أن أقف عند كل آية ذكر فيها أسماء الله
وما وجه ارتباط هذا الاسم بهذه الآية:
كما قال عز وجل : { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } التوبة104
لماذا قال في ختام الآية : { وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }
قال عز وجل : { وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة106
لماذا أوتي بهذين الاسمين ؟
لماذا لم يؤت باسمين آخرين ؟
ولماذا جمع جل وعلا بين الحكمة والعلم هنا ؟
حينما تتأمل تجد العظمة :
عظمة الله عز وجل
وعظمة القرآن
ولعلنا إن شاء الله نستلحق إن أطال الله في أعمارنا في السنة القادمة
ونرجئ الحديث عن الرحمن والرحيم في السنة القادمة إن أطال الله في أعمارنا
ونسأل الله أن يطيل أعمارنا على الخير :
لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما عند الترمذي :
(( خيركم من طال عمره وحسن عمله ))
والنبي عليه الصلاة والسلام ثبت عنه كما في الأدب المفرد عند البخاري أنه قال لأنس :
(( اللهم أطل عمره ))
فقول الإنسان :
أطال الله عمرك
ينبغي أن يقيدها : على طاعته ولا يطلقها ولاسيما أن هذين الاسمين سيأتيان معنا في سورة الفاتحة : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) }
فنرجئ هذا إلى السنة القادمة إن شاء الله تعالى
وهذا هو آخر درس نلقيه في هذا الشهر المبارك
نسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا
وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه
وأن يرزقنا العلم النافع والعلم الصالح
وأن يجعل ما نقول ونسمع حجة لنا لا حجة علينا