تفسير سورة البقرة (التفسير الوجيز) من الآية( 177 )حتى الآية ( 203 ) الدرس (7)

تفسير سورة البقرة (التفسير الوجيز) من الآية( 177 )حتى الآية ( 203 ) الدرس (7)

مشاهدات: 643

التفسير الوجيز ـ تفسير سورة البقرة

الدرس ( 7)

من الآية ( 177 ) حتى الآية ( 203 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ:  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} {لَيْسَ الْبِرَّ} والبر اسم جامع لخصال الخير {أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} يعني أن تصرفوا وجوهكم نحو المشرق ونحو المغرب {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ} يعني الكتب {وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ} لما ذكر أصول الإيمان ذكر بعدها ما يزيد هذا الإيمان {وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} يعني على حب هذا المال، وهو أيضا يحب الله، فصرفه ابتغاء محبة الله عز وجل.

{وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} يعني أعطى هذا المال مع حبه لهذا المال {وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} يعني القرابة له {وَالْيَتَامَى} وهو الذي مات أبوه قبل أن يبلغ {وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ} يعني من يسأل الناس {وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} يعني في فك الرقاب، وهو عتق العبيد والإماء، {وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} يعني من حين ما يوفون بالعهد، فإنهم يوفون بهذا العهد {وَالصَّابِرِينَ} ولم يقل: “والصابرون” عطفا على ما مضى، وذلك من باب التخصيص والمدح لهؤلاء الصابرين؛ لأن تلك الأعمال لا يوفق لها إلا من أعطاه الله الصبر {وَالصَّابِرِينَ} في ماذا؟ {فِي الْبَأْسَاءِ} يعني ما يحصل للإنسان من بؤس كالفقر {وَالضَّرَّاءِ} أي ما يضر الإنسان من مرض {وَحِينَ الْبَأْسِ} يعني وحين القتال {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} يعني من اتصف بالصفات السابقة {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ} يعني فرض عليكم {الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} يعني يقتل الحر بالحر {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} أي تقتل الأنثى بالأنثى، وقد جاءت السنة ببيان أن الذكر يقتل بالأنثى، وأن الأنثى تقتل بالذكر {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ} يعني من عفي له {لَهُ} هنا القاتل {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} أخوه هو من؟ هو ولي المقتول {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} ووصفه بأنه أخ له دل هذا على ماذا؟ على أن العبد مهما فعل من الكبائر، ومن الكبائر قتل النفس، فإنه لا يخرجه عن ملة الإسلام خلافا للخوارج {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} يعني على ولي المقتول أن يتبع هذا القاتل بالمعروف يعني في طلب الدية {وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} يعني أن القاتل يؤدي إليه الدية بإحسان دون مماطلة {ذَلِكَ} يعني الحكم السابق {تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ} بأن قتل شخصا آخر من القبيلة، أو من شابه ذلك {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}

{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} حياة القصاص به حياة، فإذا علم الإنسان أنه إذا قتل إنسانا سيقتل هنا سيحجم عن القتل، فيبقي نفسه، ويبقي من أراد قتله {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} يعني أصحاب العقول {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)}

{كُتِبَ عَلَيْكُمْ} يعني فرض عليكم {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} يعني أسباب الموت {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} يعني إن ترك مالا {خَيْرًا} يعني مالا، وسمي المال بأنه خير باعتبار ما يصرفه الإنسان في وجوه البر {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} ما الذي كتب؟ {الْوَصِيَّةُ} يوصي لمن؟ {لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} الوالدان هنا المقصود اللذان لا يرثان، كأن يكون الوالدان كأن يكونا رقيقين أو كافرين {وَالْأَقْرَبِينَ} هنا المقصود من ذلك الأقرباء الذين لا يرثون، فإنه يوصي لهم {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} أي بما تعورف عليه دون أن يضر بالورثة {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} يعني هذا حق ومتأكد على من؟ على المتقين.

{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ} من بدل هذا الإيصاء لما تكلم الإنسان حينما حضره الموت {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} في هذا تحريم تبديل الوصية {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} تحذير لمن سيبدل الوصية.

{فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182)}

{فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا} يعني أنه سيخطئ في الوصية عن غير عمد {أَوْ إِثْمًا} يعني تعمد أن يفعل شيئا محرما في الوصية، وذلك بأن يوصي أكثر من الثلث أو أنه يوصي لبعض الورثة دون البعض {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ} يعني فأصلح بين من أوصي إليه، وبين الورثة، وعدل الوصية إلى طريق الحق {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} كذلك من حضر هذا الميت، وهو قد جنف في وصيته، فلينصحه بأن يغير وصيته، فقال الله عز وجل {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} لأنه أراد الإصلاح {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ} يعني فرض {عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} من أجل ماذا شرع الصيام؟ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ثم قلل هذه الأيام، وهي أيام رمضان {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ} يعني فأفطر {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} يقضيها بعد رمضان {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} وذلك في أول الإسلام كان القادر له مع أنه قادر على الصيام كان له أن يفطر، وأن يطعم عن كل يوم مسكينا، فقال الله عز وجل {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} يعني أطعم أكثر من مسكين {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يعني في أول الإسلام كان الصيام أفضل من الإطعام، ثم نسخ بعد ذلك بالآية التي ستأتي معنا {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.

{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)}

{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ} وأنزل في ليلة القدر، وأنزل جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم بعد ذلك نزل مفرقا على النبي عليه الصلاة والسلام على حسب الأحداث {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ} يعني جملة {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ}  ما صفة هذا القرآن؟ {هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} فيه البينات، فيه العلم، فيه الهدى، فيه ما يفرق بين الحق والباطل {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} يعني من حضر منكم الشهر، وثبتت الرؤية {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}  وجوبا {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} هنا أعيد مرة أخرى؛ لأنه قد يظن أن هذا الحكم، وهو أحقية الفطر من أجل المرض، ومن أجل السفر قد يظن أنه نسخ مع الحكم السابق، فأتى بها مرة أخرى {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} فيما شرعه لكم من هذه الأحكام التي خففها عنكم {وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} يعني عدة رمضان، وأيضا من أفطر، فقضى تلك الأيام بعد رمضان ليكمل العدة {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} أي تعظموا الله على ما هداكم، فتعظمون الله؛ لأنه هداكم ويدخل في ذلك التكبير المطلق الذي يكون ليلة عيد الفطر إلى صلاة العيد {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ودل هذا على أن من رزق الدين فإن الواجب عليه أن يشكر الله عز وجل.

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)}

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} لما قيل أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه، فنزلت هذه الآية {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} وأتت هذه الآية فيما يتعلق بالدعاء بين آيات الصيام ليبين فضيلة الدعاء أثناء الصوم، فقال الله {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} يعني ليستجيبوا لشرعي {وَلْيُؤْمِنُوا بِي} وذكر الإيمان؛ لأن أعظم ما يكون في الشرع هو التوحيد {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي} كما أن الله يجيب دعوه الداعي إذا دعاه إذن يلزمك أنت أيها العبد أن تستجيب لله، وأن تؤمن بالله {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} إلى طريق الحق.

{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)}

{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} {الرَّفَثُ} يعني الجماع، كان الأمر في أول الإسلام من أن الإنسان إذا غربت الشمس عليه، ثم نام قبل أن يفطر، ثم استيقظ، فإنه لا يجوز له أن يأكل، ولا أن يجامع، فشق ذلك على الصحابة، فنسخ هذا الحكم فقال الله عز وجل {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ} إلى الفجر {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} إذا جامع الرجل زوجته، فإنه يغطيها وتغطيه كما يغطي اللباس  البدن، وأيضا كل منكم يستر الآخر، حتى لا يقع في الفاحشة، وحتى إن بعضكم ليستر بعضا من أجل أنه لا يفشي ماذا؟ أسراره {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} يعني تراودون أن تقعوا في هذا الأمر قبل أن ينسخ هذا الحكم {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} ولذلك بعض الصحابة وقع في الجماع ليلة الصيام بعد أن نامت زوجته فقال الله {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ} يعني من حيث الجماع {وَابْتَغُوا} واطلبوا {مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} من ماذا؟ من العفة، ومن طلب الولد، وأيضا من طلب ليلة القدر، فلا تشغلكم النساء عن طلب ليلة القدر {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ} يتضح {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} {الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} بياض النهار {مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} ظلمة الليل {مِنَ الْفَجْرِ} فدل هذا على أنه يجوز الأكل والشرب وسائر المفطرات إلى طلوع الفجر الثاني {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ} يعني في النهار {إِلَى اللَّيْلِ} فإذا دخل الليل وغربت الشمس هنا يحل الفطر {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ} وأتى بالمباشرة هنا مرة أخرى حتى لا يظن أن المعتكف يجوز له أنه يجامع في ماذا؟ في ليل رمضان، لأن المعتكف لا يحق له أن يجامع لا بالليل ولا بالنهار {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ} أي ما مضى {حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} لأن من حام حول الحرام أوشك أن يقع فيه، فقال عز وجل {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ} يعني مثل ما بين لكم الأحكام السابقة يبين لكم أحكاما أخرى 0 {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ} من أجل ماذا؟ {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.

{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}

{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} بالوسائل المحرمة {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} يعني تدفعون الأموال للحكام يعني للقضاة رشوة حتى يحكموا لكم بالباطل، أو أنكم تجنون بفصاحة ألسنتكم من أجل أن توهموا القاضي من أن الحق  معكم {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} من أجل ماذا؟ {لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا} يعني نصيبا {فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)}

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} سألوه عليه الصلاة والسلام ما بال الهلال يبدو صغيرا، ثم يكبر، ثم بعد ذلك يصغر؟ فأجابهم عليه الصلاة والسلام {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ} يا محمد لهؤلاء {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ} يعني هذه الأهلة {مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} بمعنى أنهم يعرفون ما يجري بينهم من معاملات بدخول الأشهر، عدد النساء، وأيضا يعرفون أوقات الصلوات، وأوقات الصيام، وأيضا يعرفون زمن الحج {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} كانوا إذا أحرموا يقولون لا ندخل من باب البيوت، وإنما ندخل من الخلف، فبين عز وجل أن هذا ليس برا، فقال الله عز وجل {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)}

{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} هذا فيه تحريض على ماذا؟ على مقاتلة الأعداء الذين يريدون أن يصدوكم عن دينكم {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} بأي نوع من الاعتداء، والاعتداء هو التجاوز على الآخرين {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.

{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)}

{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} يعني حيث وجدتموهم {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} لأن الصحابة أخرجتهم قريش، فقال الله عز وجل {وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ} يعني أنهم يطلبون منكم أن تقعوا في الشرك {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} من قتالكم لهم {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ} يعني لا تبتدئوا بالقتال في الأشهر الحرم، وعند المسجد الحرام، لكن لو ابتدأوا فقاتلوهم {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ} أي هذا الجزاء {كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ}.

{فَإِنِ انْتَهَوْا} عن الشرك وعن الاعتداء {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)}

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} يعني لا يكون هناك شرك {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا} عن شركهم وعن ظلمهم {فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} فمن ظلم، فإن لكم أن تقاتلوه.

{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)}

{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ} وذلك لأن قريشا صدت النبي عليه الصلاة والسلام في الحديبية في السنة السادسة، فتفاوضوا معه على أنه يعتمر في السنة القادمة، وهي السنة السابعة، فقال الله {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ}  هذا مقابل هذا يعني إن لم تعتمروا في السنة فلكم أن تعتمروا في السنة السابعة {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} بمعنى أن من اعتدى عليكم حتى في الأشهر الحرم، فإن لكم أن تدفعوا ظلمه؛ لأن ذلك من القصاص {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} بمعيته الخاصة معية التوفيق والتسديد للمتقين.

{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)}

{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} يعني في وجوه الخير {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}  فلا يجوز للإنسان أن يلقي نفسه إلى التهلكة، وأن يعرضها للموت {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا} في أقوالكم، وفي أفعالكم، وفي كل شيء {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)}

{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} يعني من دخل في الحج والعمرة فيلزمه أن يكمل الحج والعمرة، ولا تبرأ الذمة إلا بإتمامهما، لكن لو حصل له مانع {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} يعني منعتم من عدو، أو من ضياع نفقة، أو من مرض، أو من شابه ذلك {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} يعني عليكم ما تيسر من الهدي وأقله شاة {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} يعني أنكم إذا منعتم من الدخول إلى الحرم، فإنكم لا تحلوا من الإحرام {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} حتى ينحر هذا الهدي، ونحره إن تيسر في الحرم فبها، بحيث يبعث بهذا الهدي إلى الحرم، فإن لم يتيسر ففي مكان الإحصار بعد ذلك يحلق رأسه {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} يعني أحرم في حج، أو عمرة، ثم بعد ذلك أصيب بمرض في رأسه، أو بمرض في بدنه، فأراد أن يرتكب محظورا من محظورات الإحرام فإن له ذلك لكن بشرط  ماذا؟ بشرط أن يدفع الفدية، ويكون هنا معذورا، ليس متعمدا، فلا إثم عليه فقال الله {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} فعليه ماذا؟ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} صيام ثلاثة أيام {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ} إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم، لكل مسكين نصف صاع {أَوْ نُسُكٍ} يعني ذبيحة شاة كما جاءت الأدلة بذلك {فَإِذَا أَمِنْتُمْ} يعني حصل لكم الأمان، فتمتع أحدكم بمعنى أنه أخذ عمرة وحجة {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} فماذا عليه؟ {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} وأقله شاة، وإن ذبح بقرة، أو ذبح بعيرا فهذا أفضل وأفضل {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} الهدي، لما كان متمتعا، أو وجده، لكن لم يجد مالا {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} يعني إلى أهليكم {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} وأكدها قال {كَامِلَةٌ} من باب التأكيد بحيث لا ينقص منها شيء { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ } يعني وجوب الهدي عن المتمتع إنما هو على الآفاقيين، أما من كان في الحرم، وكان في مكة، أو كان قريبا من مكة فإنه لا يلزمه هدي {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)}

{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} يعني الحج الذي يتقبل إنما يحرم بالحج في هذه الأشهر، وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} يعني من ألزم نفسه بالحج في هذه الشهر {فَلَا رَفَثَ} يعني أنه لا يجامع زوجته، ولا يداعبها، فممنوع عنه النساء {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ} وهو العصيان {وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}  لكن إن وجد الجدال الذي به إحقاق الحق وإبطال الباطل فلا يكون مذموما حال الحج {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} فيجازيكم على ذلك {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} لأن بعضهم كان يذهب من غير زاد، ويقول نحن متوكلون على الله، فأمرهم الله بأن يتزودوا بالطعام وبالشراب في السفر، وبيَّن لهم أن أعظم الزاد الذي يكون الإنسان به ناجيا يوم القيامة ماذا؟ التقوى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} يا أصحاب العقول.

{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)}

{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} يعني إثم {أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا} يعني مالا {مِنْ رَبِّكُمْ} وذلك لأنهم تحرجوا في الحج هل يتاجرون أم لا؟ فأذن الله لهم بذلك، فقال الله عز وجل {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ} يعني دفعتم {مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} وذلك في المزدلفة، وهو جبل وقد أزيل الآن ومكانه الآن مسجد مزدلفة، فقال عز وجل {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} بعد صلاة الفجر كما هي السنة يبقى ويذكر الله ويدعو الله، إذا أسفر جدا فإنه ينطلق إلى منى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} يعني لما تفضل عليكم بالهداية فاذكروه ذكرا كثيرا، لم؟ لأنه هداكم {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ} من قبل الهدى {لَمِنَ الضَّالِّينَ} {وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ}.

{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} الناس يفيضون من عرفة إلى مزدلفة بخلاف كفار قريش، فإنهم كانوا لا يخرجون من مزدلفة إلى عرفة، يقولون نحن أهل الحرم، فلا نخرج منى الحرم إلى الحل؛ لأن عرفة من الحل، فقال الله عز وجل {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)}

{فَإِذَا قَضَيْتُمْ}  يعني فرغتم {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} لأنهم كانوا في الجاهلية يبقون في تلك الأماكن، وإذا بهم يمجدون آباءهم، فقال الله {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا} بعد الأمر بالذكر وبالدعاء {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا} همه الدنيا فقط {وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} يعني من نصيب.

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ} يعني حظ {مِمَّا كَسَبُوا} من الأعمال التي عملوها {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} فهو عز وجل سريع الحساب فإنه يحاسب عباده عز وجل، فهو سريع الحساب، وأيضا ما وعدكم الله به يا أيها الكفار من مجيء يوم القيامة فإن هذا سريع وسيأتي لا محالة.

{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) }

{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} وهي أيام التشريق {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} يعني أنه بقي بعد يوم العيد اليوم الحادي عشر والثاني  عشر تعجل، ثم انطلق، فطاف طواف الوداع، ثم ذهب إلى أهله {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} يعني بقي إلى اليوم الثالث عشر {وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} وقيد {لِمَنِ اتَّقَى} لأن المعول عليه

ما هو؟ التقى، سواء تعجلت أو تأخرت، فإن اجتمع مع التقى التأخير كان أفضل {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} وذكر الحشر بعد الحج؛ ليذكر الناس لما رأى بعضهم بعضا، وقد اجتمع المسلمون في مكان واحد بالإزار وبالرداء ذكرهم بما يكون من الحشر العظيم يوم القيامة.