تفسير سورة البقرة ــ الدرس { 104 }
ــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ ………. }
سورة البقرة ـ الآيات { 89 ، 90 ، 91 } الجزء الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ {89} بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ {90} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {91}}
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أن الله بين حال اليهود قبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم لما كانوا في المدينة وكانوا بين الأوس والخزرج والأوس والخزرج كفار في ذلك الوقت ، فكانت اليهود تقول : إنا نقرأ في كتبنا أنه سيبعث نبي فإذا بعث هذا النبي كنا تحت لوائه فقاتلنا معه ضدكم
فأوضح الله هذه الحال : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ } ما الذي جري ؟ كفروا به
سبب الكفر وهو أنهم استغربوا بل استعظموا واستفظعوا الأمر من أن يكون هذا النبي من العرب ولم يكن منهم
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أن قوله { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ } الضمير في { جَاءَهُمْ } يعود إلى اليهود
هذا الكتاب ما هو ؟
القرآن
ما صفة هذا القرآن ؟ أنه { مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ }
ما تصديق القرآن لما معهم ؟
أن القرآن أتى ليبين أو بيّن أن ما في التوراة صدق وإذا كان هذا القرآن أتى بصدق ما جاء في التوراة وما جاء في التوراة نعته وصفته صلى الله عليه وسلم كما قال عز وجل في صفته في التوارة والإنجيل : { يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ }
وقول عيسى عليه السلام : {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ }
لما جاءهم هذا الكتاب الذي هو القرآن مصدق لما في التوارة هنا كفروا به وكفرهم بالقرآن كفرهم بالتوراة ، كيف ؟
كفرهم بالقرآن هو كفرهم بالتوراة التي بين أيديهم ، لم ؟
لأن القرآن جاء يصدق ما في التوراة وما في التوراة صفته صلى الله عليه وسلم فإذا لم يؤمنوا بهذا القرآن إذًا هم لم يؤمنوا في الحقيقة بالتوراة لأن ما في هذه التوراة هو هو ما في القرآن فيلزمهم على ذلك إذا لم يصدقوا بالقرآن يلزمهم أن لا يصدقوا بالتوراة التي بين أيديهم وإلا وقعوا في التناقض
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أن على المسلم أن يحمد الله على الهدى بقطع النظر عن أن يكون في زمن سواء في زمن سابق أو يتمنى أن يكون في زمن مستقبل
فإذا وفقك الله للهدى في أي زمن فأنت الموفق
والدليل :
أن هؤلاء أتاهم هذا القرآن الذي ينتظرونه ويتمنونه ولما جاءهم كفروا به
ولذلك قال رجل للمقداد قال ” هنيئا لكم أدركتم رسول الله وقاتلتم معه
فقال : احمد الله على نعمة الإسلام فلقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم أقوام وقاتلوه “
أدركه أبو جهل أدركه أبو لهب ومع ذلك لم يستفيدوا
فكون الإنسان يكون في زمن ما وقد هداه الله عز وجل فهذا من أعظم النعم التي أنعم الله بها عليه
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أن الهداية والخير والبركة من الله
فانظروا كيف انقلب الحال ؟
هؤلاء ينتظرون هذا القرآن وهذا الرسول بينما الأوس والخزرج خائفون من هؤلاء اليهود ومن يأتي معهم وهو هذا النبي صلى الله عليه وسلم
فما الذي جرى ؟
انقلبت الأحوال ليس كل ما يخطط له الإنسان أو يفكر فيه لا يظن أن ما يكون في فكره هو الذي يقع ، لا ، كل شيء بقدر الله
هؤلاء اليهود ينتظرون هذا الخير ، هؤلاء الأوس والخزرج يخشون من هذا النبي ومن هذا الكتاب
فما الذي جرى؟
انقلب الحال ، هؤلاء خابوا وخسروا وأعرضوا ، وأولئك أقبلوا وأسلموا
ولذلك لم يكتف لهم باسم الإسلام بل الأنصار
أنصار من ؟
أنصار الرسول صلى الله عليه وسلم لأن هناك من آمن به ولم يكن حاله كحال الأوس والخزرج من النصرة للرسول صلى الله عليه وسلم
بل ظفروا بأعظم المناقب قال : ( الأنصار شعار والناس دثار ، لو سلك الأنصار شعبا ، وسلك الناس شعبا لسلكت شعب الأنصار ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار )
وقال : ( حب الأنصار إيمان ، وبغضهم نفاق )
أحاديث كثيرة في فضل هؤلاء الذين وصفهم الله عز وجل قبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم وصفهم بأنهم كفار { وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا }
ولذلك :
الحديث الصحيح لفظه ( الأنصار شعار والناس دثار) الدثار هو الذي يغطي بدنك وبين بنك وبين هذا الغطاء حائل
لكن الأنصار شعار يعني أن هؤلاء الأنصار قريبون مني كقرب اللحاف من جسدي الذي لم يحل بيني وبينه شيء ، يدل على قربهم من النبي صلى الله عليه وسلم
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
خيبة اليهود وخيبتهم مستمرة الأصول والفروع فما يقع من هؤلاء في زمننا وما سيأتي من أزمان هذا هو حالهم
فإنهم سائرون على ما سار عليه أسلافهم { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا } يفترض آمنوا ما أعظم من المعرفة المعرفة الحقيقة اليقينية ليست كالخبر الطائر الذي لا أصل له
{ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } وهذا هو شأنهم حتى مع التوراة
ولذلك قال تعالى : { فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ {48} قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {49} }
ودل هذا على أن أعظم كتاب بعد القرآن هو التوراة ويلي ذلك الإنجيل
فانظروا إلى حال اليهود { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ }
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
بيان استحقاق اليهود للعنة الله
واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله والله كما حكم عليهم باللعنة قد حكم عليهم بالغضب
إذًا عقوبتان لليهود بسبب الاستكبار
الغضب واللعنة ، وطريق هاتين العقوبتين هو النار
قال صلى الله عليه وسلم ( لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار )
تنظر إلى هذه الآيات التي في القرآن نجد أن الله حكم عليهم بالنار كما مر معنا
حكم عليهم باللعنة كما هنا { فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ }
وحكم عليهم بالغضب كما في سورة الفاتحة وفي سورة المائدة جمع بينهما في سورة المائدة :{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ {60} }
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أنه جل وعلا هنا أظهر في مقام الإضمار هذا يسمى عند البلاغين بالإظهار في مقام الإضمار
لو كان في غير القرآن فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله عليهم
لكن قال هنا { فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ } لما أظهر في مقام الإضمار ؟
لأسباب :
السبب الأول : وهذه من هي فوائد الإظهار في مقام الإضمار
بيان حكم الله فيهم بأنهم كفار
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أن قوله { فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ } أن الكفر سبب للعنة الله إذًا فكل كافر ملعون {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ }
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا هنا : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } كفروا بماذا ؟
بالقرآن وبمن جاء به وهو النبي صلى الله عليه وسلم
ولذلك هذا الكفر ما سببه ؟ مع أنهم يعرفون أنه نبي : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } لأنه من العرب لأنهم لا يرون العرب شيئا ، ولذلك هم في هذا الزمن لا يرون العرب شيئا ، والعرب في هذا الزمن جعلوا أنفسهم ليسوا بشيء لأن العروبة والقومية والشعارات هذه لا تجدي ولا تفيد ، ما يجدي ولا يفيد الا الدين
لاشك أن العرب أفضل من العجم كما جاءت بذلك النصوص الشرعية لكن عربية من غير إسلام ساقطة ، ولذلك أسقطت أبا لهب وأبا جهل ورفعت سلمان الفارسي ، لكن لو اجتمع الأمران فخير عظيم
ولو فاق العجمي العربي بالإسلام لكان العجمي أفضل عند الله لكن لو استويا العربي والعجمي في الدين فالعرب أفضل ، لا لكون النبي صلى الله عليه وسلم منهم كما قال شيخ الإسلام ، لا ، وإنما هم في أصلهم في نبتتهم هم شرفاء
لكن هذا الشرف سلاح ذو حدين إن ربط بالدين فهو رفعة { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ
لَكَ وَلِقَوْمِكَ} يعني شرف لك ولقومك يعني تذكرون به
ولذلك العرب الذين تمسكوا بهذا القرآن بقي لهم ذكر هو ذكر لهم في حياتهم وهو ذكر لهم بعد مماتهم الآن نذكر الأنصار والمهاجرين وغيرهم
{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ }
لأن الشرف به يذكر الإنسان وأي شرف ما هو ؟ شرف دنيا ؟ لا ، شرف دين لأن الشرف في الدنيا يزول بزوال الحياة ، الذي يبقى من الشرف هو التمسك بالدين ، ولذلك هم لا يرون العرب شيئا وازداد العرب بأنهم ليسوا بشيء لما أعرضوا عن كتاب الله وعن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولذلك هم يقولون نستحل أموال الأميين كما قال تعالى : { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ }يعني بعض أهل الكتاب فيه خير وانظر إلى الإنصاف من الله بعض الناس غير منصف مع إخوانه
كيف أنصف القرآن{ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ}
شيء من الذهب لا يقدر بقدر { يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا } تقوم خلفه يا فلان سدد هذا الدينار وأنت ملازم له {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } يقول عندنا برهان من الله ودليل على أن هؤلاء العرب ليسوا بشيء وأن لنا السلطة
وهم الآن يفعلون هذا الفعل وهم الآن ما يقرب من ستين سنة في فلسطين والعرب يتفرجون وهذا يدل على ضعف العرب لما أعرضوا عن كتاب الله
ولذلك قال تعالى : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ } قال { بِئْسَمَا } بئس فعل للذم فعل مستغرق للذم كما أن نعم فعل مستغرق للمدح
{ بِئْسَمَا } ما هنا موصولية بئس الذي ويصح أن تكون نكرة موصوفة يعني بئس شيئا
{ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ }
لما تأتي بئس أو نعم
بئس للذم ، نعم للمدح
تقول : نعم الرجل زيد ، نعم للمدح
من هو المخصوص بالمدح ؟ زيد
لو قلت بئس الرجل زيد ، من هو المخصوص بالذم ؟ زيد
أين المخصوص هنا بالذم ؟
{ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ }
إذًا من هو المخصوص بالذم هنا جملة { أَنْ يَكْفُرُوا } كيف يقدمون على هذا