تفسير سورة البقرة الدرس ( 114 ) [ وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا … ] الآية ( 93 ) الجزء الرابع

تفسير سورة البقرة الدرس ( 114 ) [ وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا … ] الآية ( 93 ) الجزء الرابع

مشاهدات: 426

تفسير سورة البقرة ــ الدرس  { 114 }

ــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

 { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {93} }

سورة البقرة ـ الآية { 93 }  ــ الجزء الرابع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بقيت معنا بعض الفوائد المتعلقة بقول الله تعالى عن اليهود :

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {93} }

من الفوائد :

ــــــــــــــــــ

 

أن الله قال{ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ } ذكر القلوب هنا يدل على أن القلوب هي محل الانتفاع ومحل القبول ومحل الرفض

فخليق بالمسلم أن يعنى بقلبه وأن يعنى بسريرته أكثر من علانيته بل يجب أن يعتني بالأمرين كلاهما

ولذلك :

ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أن هناك ثلاثا منجيات منها خشيته جل وعلا في الغيب والشهادة

فالقلب والاعتناء به مما حثت عليه النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام

ولذا لو تأملنا القرآن لوجدنا أن محل العقوبة يوجه إلى القلب وأن محل النعيم يوجه إلى القلب هنا  قال :{ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ } لأن القلب هو المحرك الأول للأعضاء كما مر معنا في الدرس الماضي

ولذلك ألم يقل الله جل وعلا : {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} جعل الإثم وجعل محله في القلب لأنه هو محل القبول ومحل الرد

ولذلك القلب هو المحرك

{ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ } فلما تمكن حب العجل من قلوبهم ماذا صنعت أيهديهم ؟ صنعت هذا العجل فعبدوه من دون الله

فخليق بي وبكم أن نحرص على هذا القلب الذي قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين : (( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ))

وإذا ثبرت حال قلوب اليهود وجدت أنها ملئت من كل شر إذا رأيت الشرك بالله فهذه الآية تدل على أن في قلوبهم حبا للشرك والكفر

إذا رأيت الحسد المدمر والممرض للقلوب فهو عند اليهود  ، إذا وجدت الكبر رأيته في قلوب اليهود ، إذا وجدت الذل والمسكنة فقر القلوب

{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ } وجدتها عند اليهود

إذا رأيت الغيبة والقول الذي يسر به لإحزان الغير وجدته عند اليهود كما قال تعالى في سورة المجادلة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ {9} إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {10} }

لأن اليهود ومن معهم من سائر المنافقين كانوا إذا حضر بعض المسلمين تناجوا فيما بينهم

إذا وجدت علل وأمراض القلوب وجدت أنها مترسبة وراسخة وظاهرة في قلوب اليهود

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــ

أن حب العجل الذي أشرب في قلوبهم له سبب ما هو السبب ؟ الكفر

{ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ } فالباء هنا سببية بسبب الكفر  الذي عزموا عليه في قلوبهم فأظهرته جوارحهم ، وهذا يدل على أن عزيمة القلب على الفعل الذي توفرت فيه الأسباب ، ولكن وجد المانع أن صاحبه يجره إليه أن العزم الدال على الفعل إذا توفرت أسبابه وانتفت موانعه فإنه بريد إلى الفعل ، وبالتالي فإن علينا أن نتعاهد ما في نفوسنا من العزم فإن العزم إذا كان على خير وصار هذا القلب ملئيا بالحرص على فعل الخير  وإن لم يفعله فإنه بريد إلى أن يفعله

وكذلك العكس لو عزم على أن يفعل شرا وتوفرت أسبابه وانتفت موانعه فإنه خليق به أن يقع به مثل حال اليهود فإنهم عزموا في قلوبهم على أن يفعلوا هذا الفعل فصنعته أيديهم ، وهذا يدل على أن العزيمة على الشيء  كالفعل في الحكم  ، لا في الأثر

بمعنى  :

تصور لو أن إنسانا زنى فعل الزنى هذا إثم  ، إنسان مشى بقدميه وتوفرت له الأسباب وهو عازم عزما على أن يفعل الزنى فلما وصل إذا بالباب قد غلق مع أنه يريد فرده ذلك الباب المغلق ولم يرده وازع الإيمان والخوف من الله هذا كأنه فعل الزنا لكن لا يشتركان في العقوبة جرم هذا ليس كجرم هذا ، كلاهما مجرمان لكن هذا أجرم من هذا فمن باشر الشيء ليس كمن عزم على فعله ولم يفعل لما انغلقت أمامه الأبواب

ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح قال : ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا يارسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال لأنه كان حريصا على قتل صاحبه )

يعني لو تيسرت له السبل وتمكن منه لفعل ، لكن من باشر ليس كحال من لم يباشر هذا في أمر المعصية ، كذلك في أمر الطاعة  ، من يفعل الطاعة ويباشر فعلها يؤجر من عزم على فعلها ومنعه مانع شرعي يؤجر ولكن ليس أجره كأجر من باشر

والدليل :

قول الله تعالى : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا {95}}

المقصود هنا : وفضل الله المجاهدين الذين باشروا الجهاد على القاعدين الذين أرادوا الجهاد لكن منعهم العذر{وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا }

ففرق بين من باشر ومن لم يباشر ، أين الدليل هنا ؟

{ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ }

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أن قوله  { بِكُفْرِهِمْ } الباء هنا سببية فالباء تأتي في اللغة العربية ولها معان متعددة من بين معانيها السبب ، فسبب ما عزموا عليه من الشرك فعلوا الشرك ، فدل هذا على أن السبب له مكانته في الشرع

ولذلك كما أن المسلم مأمور بالتوكل على الله كذلك هو مأمور بفعل السبب وكما أن السبب بريد إلى ما يغضب الله هو بريد إلى ما يرضي الله

ولذلك قال عن أهل الجنة { جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } بسبب أعمالهم فدل على أن العلم سواء كان خيرا أو غير ذلك أنه سبب إما لدخول النار وإما لدخول الجنة

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أن الله أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يرد عليهم { قُلْ } يامحمد لهؤلاء

هؤلاء لم يتخذوا العجل ولم يؤمروا بأخذ التوراة فلماذا وجه الخطاب إليهم  مع أنهم لم يدركوا ذلك مع أن الذي وقع وقع من أسلافهم  ، لم ؟

لأنهم رضوا بما فعلته أسلافهم ولم ينكروا فعل أسلافهم فدل هذا على أن من رضي هو في الحقيقة كحكم من فعل ولذلك وجه الخطاب إليهم

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أنه قال : { قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }

بئس : فعل يراد منه الذم كما أن نعم فعل يراد منه المدح

فقال هنا { بِئْسَمَا }” ما ” هنا إما أن تكون موصولية بئس الذي يأمركم به إيمانكم أو تكون بمعنى شيئا أي بئس شيئا يأمركم به إيمانكم

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أنه أضاف الأمر إلى إيمانهم  ، لم ؟

{ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } لأن هذا ليس بإيمان حقيقي لأن الإيمان الحقيقي لا يأمر بالشرك بالله وإنما يأمر بالتوحيد

{ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } يعني إن كنتم مؤمنين هل هذا هو الإيمان الذي يدعوكم إن كنتم تقولون بألسنتكم أنكم مؤمنون أهذا هو الإيمان المحبوب المرضي عند الله أن تشركوا بالله جل وعلا ؟

وإنما الإيمان الحقيقي المرضي عند الله هو أن تعبدوه جل وعلا وأن لا تشركوا به شيئا

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــ

أن قوله { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }

{ إِنْ } شرطية

{ كُنْتُمْ } فعل الشرط

أين جواب الشرط ؟

جواب الشرط مر معنا إما أن يكون متقدما وإما أن يكون مقدرا

{ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} لو كان مقدرا أو كان متقدما أين المتقدم  ؟

{قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} يعني إن كنتم مؤمنين كما تزعمو%