تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 128 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ …… }
سورة البقرة ( 102 ـ 103 ) / الجزء الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معنا في هذه الليلة تفسير قوله تعالى :
{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) }
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أنه مر معنا بالأمس أن الشياطين ذللت لسليمان ، وسليمان عليه السلام أوثق هذه الشياطين أوثق بعضا منها كما ذكر جل وعلا في سورة { ص} { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ }
من بين هذه الشياطين التي أوثقت وقيدت شياطين في البحر كما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه في مقدمة صحيح مسلم من باب تنبيه الأمة في آخر الزمن على ألا ينقلوا خبرا وألا يعتمدوا ويطمئنوا إلى أي خبر ولا سيما مع توسع الناس واتصال بعضهم البعض حتى عبر هذه الأجهزة قال ” إن في البحر شياطين أوثقها سليمان يوشك أن تخرج فتقرأ عليكم قرآنا “
قال النووي : هم لا يقرءون القرآن ولا يأتون بقرآن وإنما يأتون بأشياء يدلسون بها على الناس يزعمون أنها قرآن وليست بقرآن
ولذلك نرى مع وسائل التقنية والتواصل وأنتم ترون هذا أن هناك أخبارا تذاع وتنشر ثم سرعان ما يقال الخبر غير صحيح ، إشاعة
ولذلك في الحديث الآخر عند مسلم : ( يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم ) تحذير
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أن قوله جل وعلا {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ}
“ما ” هنا التي سبقت كلمة { كَفَرَ } ما نوعها ؟ ” ما ” هنا نافية
فنفى الله جل وعلا الكفر عن سليمان ؛ لأن تعلم السحر وتعليمه كفر
فقال : {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ }
وفي هذا تزكية وتبرئة لسليمان عليه السلام
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
بيان خبث اليهود وأنه لا يطمأن إليهم بتاتا ولو أظهروا الحب والوئام فإذا كان هذا حال اليهود مع أنبياء الله عليهم السلام قتلوا بعضا وكذبوا بعضا وكفروا بعضا أفيطمئن المسلم إليهم ؟ الجواب : لا
رسل الله أعظم الخلق ومع ذلك اقرأ كتاب الله وتعرف خبث طوية هؤلاء اليهود فلا يطمأن إليهم
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أنه جل وعلا لما نفى الكفر عن سليمان أثبته لمن ؟ للشياطين
{وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا }
انتبه : ماذا قلت ؟
نفى الكفر عن سليمان وأثبته للشياطين
ما الذي أدرانا ؟
{ وَلَكِنَّ } : سبحان الله ! إذن بإمكانك أن تعرف معنى ” لكن “
ما معنى ” لكن ” ؟
إثبات الحكم لما بعدها ونفيه عما قبلها {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} هنا إثبات الكفر في الشياطين ونفيه عن سليمان
” لكن ” : معناها إثبات الحكم لما بعدها ونفيه عما قبلها
هذا النفي وهذا الإثبات مأخوذ من مفردات ” لكن ” كما قال القرطبي في التفسير فعندنا في ” لكن “عندنا ثلاثة أشياء : اللام لا نافية ، الكاف كاف خطاب ، إن للتوكيد
فلا للنفي ، وإن للإثبات ، فحذفت همزة إن من باب التخفيف فأصبحت لكن انظروا النون تدل على الإثبات ، لا تدل على النفي
{ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا }
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أن الكفر وقع هنا على من ؟ على الشياطين
حديث النبي عليه الصلاة والسلام عند مسلم قال : ( ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن إلا أن الله أعانني عليه فأسلمَ ) ويصح إن صح أن تنطق ( فأسلمُ ) ما الفرق بين العبارتين ؟
( فأسلمَ ) وتضبط ( فأسلمُ ) ، ( فأسلمَ ) هو من ؟ الجني القرين
( فأسلم ُ ) من ؟ يعني أنا
فيكون على الضبط ( إلا أن الله أعانني عليه فأسلمُ ) يعني أسلم من شره مع بقائه على الكفر
لكن ( فأسلم َ ) يعني أسلم هذا القرين
والصحيح وهو النطق الصحيح ( إلا أن الله أعانني عليه فأسلمَ ) يعني أسلم هذا الجني
بدليل : أنه قال ( فلا يأمرني إلا بخير )
إذًا : لو قال قائل : لماذا أتيت إلينا بهذا الحديث ؟
علاقته أنه إذا ذكرت الشياطين فإن الشياطين كفار قال هنا {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} إذا ذكر الجن فالجن منهم مسلمون ومنهم كفار ومنهم مبتدعة ، ولذلك قال تعالى في سورة الجن { وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} طرائق يعني فرقا منتشرة
الغريب أنه صح كما قال ابن كثير بسنده للأعمش : أنه قال تروح إلينا جني يعني أتى في الرواح في الزوال بعد الظهر ، فقلنا ما هو أحب الطعام إليكم ؟ قالوا : الأرز ، فقدم إليه أرز فلم يبق منه حبة ، قالوا : أهذه الأهواء التي فينا الفرق أهي فيكم ؟ قال : نعم ، قالوا : ما شرها ؟ قال : الرافضة
شرار فرق الجن الرافضة كما أن شرار فرق الإنس الرافضة
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
قوله جل وعلا : { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا } ما سبب ونوعية هذا الكفر ؟
{ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } الآن نأتي إلى اللغة العربية حتى تفهم القرآن : {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا } ما سبب هذا الكفر ؟ { يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} جملة { يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } جملة حالية من واو الجماعة من الفاعل في { كَفَرُوا } {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} يعني هم كفروا حالة تعليمهم للناس السحر
ويصح جملة استئنافية يعني جملة جديدة { يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ }
إذا كانت استئنافية فهي تبين نوعية هذا الكفر ، إذن إذا قلنا { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} سبب هذا الكفر هو السحر
إذا قلنا{ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } جملة استئنافية جديدة تبين هذا الكفر
ما هو هذا الكفر ؟ الإنسان يكفر بأشياء كثيرة من بينها السحر
هل السحر كفر ؟
النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين (( اجتنبوا السبع الموبقات الشرك بالله )) ما الذي بعدها ؟ (( والسحر ))
السحر كفر بصريح الآية { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ }
ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ))
لكن هذا السحر أنواع :
فيه أنواع ذكرها أبو عبد الله الرازي في تفسيره :
ولا ينصح بالقراءة في تفسيره الا من لديه علم
السحر أنواع : من بين السحر :
بعض السحرة يسحر بالنجوم يوهم الناس أن النجوم لها تصرفات في الكون وأن له ارتباطا بها فيفعل هذا الفعل وهو السحر
فيه ما يسمى بسحر التوهم : توهم القلوب ، كيف ؟
توهم القلوب : أنه يحرك قلبه من أجل أن ينحصر هذا القلب في أشياء يظن أنه بها يحصل تأثير على الغير فلما يقوى هذا القلب بهذه الخزعبلات وهذه التخيلات يظن أن هذا القلب الذي حشاه بهذه التخيلات أن له تأثيرا على الغير
فيه سحر ما يسمى بسحر تخيل في العبيون :
يعمل أعمالا الناظر إليه يقول هي في الحقيقة صواب يرى مثلا أن هذه الأعمدة قد سقطت ولم يسقط
{سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}
هناك سحر ما يسمى بسحر الأدوية والعزائم :
من شعور من أظافر يعملونها فيحصل ما يحصل
هناك سحر يستعان به بالأرواح الأرضية يعني بالشياطين
هناك سحر يسمونه سحر الهندسة :
ذكره العلماء السابقون
مثل ما يصنع الآن في بعض البرامج
مثل إنسان يخرج من رأسه نارا أو يخرج من أذنه حمامة ليست حقائق
هذه بعض الأشياء الحركات الهندسية أو الأدوات التي يعمل بها فيظن بعض الناس أنها حقيقة ولكنها غلط
اشتهر بعض الناس أن عنده بعض اللعب هذه كلها لا تجوز ولا يجوز مناظرتها
ولذلك جندب :
كان عند الوليد بن عقبة ، أتى إليه رجل من أظن من العراق أو من المشرق فكان قد ربط حبلا في سارية وإذا معه فيل وهذا الفيل يسير بسرعة قوية عظيمة على هذا الحبل ويدخل في دبرالحمار ويخرج من فمه
هذا لعب بعقول الناس
وكان هذا الرجل يقتل الإنسان ثم يحييه ، تلبيس على الناس فقام جندب وأخذ سيفه وقتله وقال أحي نفسك إن كنت صادقا {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ }
ومن أنواع السحر : سحر العطف :
كيف العطف ؟ أن يعطف الرجل على امرأته حتى يصاب بالهذيان والجنون فلا يرتاح إلا إذا رآها هذا يسمى بالعطف
وهذا خطير قد يهلك الإنسان بسببه ؛ لأن القلب كلما عظمت محبة الله فيه كلما كان حرا لكن تحل محبة مخلوق مهما كان هذا المخلوق من آدمي من رجل امرأة مال منصب من أي شيء فإنه يكون عبدا له
وبقدر ما تعظم محبة ذلك المخلوق في قلبك كلما صرت أشد وأعظم عبودية له
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري ( تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد الخميلة تعس عبد الخميصة )
هناك ما يسمى بالصرف سحر الصرف :
مذكور هنا {يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} هذا ما يسمى بالصرف
فيلحذر المسلم من هذه الأنواع
الثامن : هو سحر البلاغة
ولذلك لما أتى رجلان من المشرق ، المشرق فيه ما فيه من البلاء الفتن تخرج من المشرق ، الفرق الضالة خرجت من المشرق ، حتى السحر في البيان من المشرق
أتى رجلان من المشرق فتكلما فأنصت الناس لهما فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن من البيان لسحرا ) بعض الناس لما يتحدث يستميل قلبك يجذب قلبك ، هل هذا مذموم ؟
ينظر : إن كان البيان والبيان نوعان :
النوع الأول : نعمة من الله وهو أن تفصح عما في قلبك فيجري على لسانك فلست أخرس هذه نعمة من الله {الرَّحْمَنُ {1} عَلَّمَ الْقُرْآنَ {2} خَلَقَ الْإِنْسَانَ {3} عَلَّمَهُ الْبَيَانَ {4}} هذه نعمة من الله أن خلقك متكلما ولم تكن أخرس
النوع الثاني : ما زاد عن هذه بحيث إذا تكلم إذا بالجميع ينصت إليه إنصاتا عظيما هنا : إن كان بيانه للحق الفصاحة والبلاغة لا تمدح ولا تذم وإنما تمدح وتذم باعتبار ما يتعلق بها ، إن كان البيان في الحق لتوضيح الحق هذا يمدح عليه الإنسان ، وإن كان في الباطل بحيث يقلب يسحر الناس بحيث الكلام الباطل المخالف لللشرع بأسلوبه وبتعبيره يقلبه إلى حق
هنا هذا هو النوع الثامن من أنواع السحر
فهي ثمانية أنواع