تفسير سورة البقرة الدرس ( 129 ) [ واتبعوا ما تتلو الشياطين .. ] الآيتان ( 102 103 ) الجزء الثالث

تفسير سورة البقرة الدرس ( 129 ) [ واتبعوا ما تتلو الشياطين .. ] الآيتان ( 102 103 ) الجزء الثالث

مشاهدات: 799

تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 129 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ …… }

سورة البقرة  ( 102 ـ 103 } / الجزء الثالث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معنا في هذه الليلة  تفسير قوله تعالى :

{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) }

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أننا تحدثنا في أواخر ما تحدثنا عنه في الدرس الماضي عن أنواع السحر

والسحر كما ذكر لكم له أنواع وقد أدخل بعض العلماء نوعا من أنواع السحر وإن لم يكن سحرا حقيقا لكنه يفعل كفعل السحر

قلنا إن الفصاحة تسحر كذلك النميمة :

النبي عليه الصلاة والسلام قال : ((  أتدرون ما العضه ؟ القالة بين الناس  ))

العضه : يعني النميمة ، فالنميمة أدخلها العلماء ضمن السحر لأن صنيع النمام في التفرقة بين الأحباء كصنيع الساحر في سحره لما يفرق بين الأحباب

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

وهي فائدة لغوية قوله تعالى : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ } لما أتى بالحرف { عَلَى } لماذا لم يقل : ” في ملك سليمان ” ؟ قال { عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ } لماذا حرف { عَلَى }  ؟

قال بعض العلماء : إن{ عَلَى } بمعنى في يعني ” في ملك سليمان “

هذا قول لأهل اللغة يقولون إن الحروف يحل بعضها محل بعض

مثل { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا }

قال { بِهَا } هل العين يشرب بها  ؟

إذن ” الباء ” هنا بمعنى ” من  ” : عينا يشرب منها

يقولون : إن بعض الحروف ينوب بعضها عن بعض

القول الثاني  وهو الصحيح :

أن الحروف لا ينوب بعضها عن بعض وإنما يترك الحرف على ما هو عليه ونضمن الفعل فعلا آخر ، فنثري معاني القرآن ونثري معاني السنة ونثري معاني النصوص الأدبية

ما الحل هنا ؟

{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ}

يقولون : وهذا هو رأي شيخ الإسلام : أن الحروف لا ينوب بعضها عن بعض وهو الصواب

{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} قال يبقى الحرف على ما هو عليه

{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} استفدنا أن الشياطين تتلو الفعل { تَتْلُو } يضمن فعلا يناسب المقام

ما هو هذا الفعل ؟ تكذب  ، أنت لما تقول لشخص تكذب علي أم تكذب في ؟

تكذب علي

إذن فائدة حرف على هنا بقاؤه على ما هو عليه ونضمن فعلا يعني هؤلاء يتلون ويتبعون ما تتلو الشياطين ومع ذلك يزيدون الكذب

{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} نضمن فعلا وهو يرتوي فيه ري في الجنة

 

من الفوائد : 

ـــــــــــــــــــ

أن تعلم السحر كفر أن السحر كفر ، بجميع أنواعه ؟

ما مر معنا بالنسبة إلى الفصاحة والنميمة ليست كفر

لكن ما سواها : ليعلم :

أنه إذا كان هذا التعلم بالاستعانة بالشياطين فصريح الآية الكفر

أما ما عدا ذلك مما لم يستعن به بالشياطين وإنما هي رقا وأدوية وعزائم شيطانية يعني يمكن أن يحصل سحر من غير شياطين ؟

نعم

النفس الشيطانية التي في ابن آدم لما يزيد شرها تتكيف بتكيف معين فتأخذ مثلا الشعور والأظافر وإذا بتلك النفس تنفث نفثات ذلكم الريق الذي خرج من تلك النفس الشيطانية يؤثر ، ولا يلزم أن تكون هناك استعانة بالشياطين

مثل العائن :

كما قال ابن القيم لما تتكيف نفسه الخبيثة بايصال الضرر إلى الآخرين هنا ينقدح شر من عينيه إلى المعين

ولذلك يقول  :

العين لا تقع من العين  ، من أداة البصر ، لا ، من القلب ، ولذلك قد يعين الأعمى ، الأعمى لما يذكر له شيء فتكون نفسه خبيثة ولم يذكر الله يعين تصيب عينه وإنما البصر أداة لما في النفس

مثل ما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن ثعابين وهما ذو الطفيتين والأبتر

قال عليه الصلاة والسلام عن ذي الطفيتين وهو الثعبان الذي في ظهره خطان أبيضان والأبتر مقطوع الذنب

قال : (( إنهما يسقطن الحبلى ويلتمسان البصر ))

يعني نوع من أنواع الحيات بمجرد ما يحدق بصره ببصر الإنسان يعمى الإنسان ، لم يلدغه ، ولما ترى الحامل هذين النوعين تسقط حملها مع أنه لم يلدغها ؛ لأن النفس الخبيثة الشريرة في هذين النوعين من الثعابين يؤثر

كذلك ابن آدم لما تتكيف نفسه بهذه الصفة

ولذلك يقول : أنفع ما يكون أنه إذا لدغ الإنسان من عقرب أو من حية أحسن ما يكون أنه حتى يخف الألم أنه يقتل تخف نفسه لأنه يشفي غليله يقول مثل العائن لما يعين إنسانا وإذا به يقال له اغتسل ، الغسل هذا الذي ينحدر منه يخفف من الشر الذي وقع منه على هذا المعين

 

على كل حال :

إذا لم يكن السحر فيه استعانة بالشياطين فإن العلماء اختلفوا هل يكفر أم لا ؟

لكن هل يقتل ؟ يقتل ولو كان سحره ليس بكفر يقتل

ولذلك قال الإمام أحمد : ” صح عن ثلاثة قتل الساحر عن جندب الخير وعن حفصة وعن عمر  “

لماذا يقتل إذا حكمنا بأنه لم يستعن بالشياطين على القول الآخر من يقول إنه يكفر لا إشكال يقتل لأن الكافر يقتل لأنه ارتد لكن مثل هذا لماذا يقتل على القول الآخر ؟

لأنه أعظم من المحاربين ، المحاربون الذين يفسدون في الأرض هو أعظم منهم  : { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ

أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ }

مع أنهم ليسوا بكفار لأن شرهم عظيم فيقتل

لكن أتقبل توبته ؟ تقبل توبته فيما بينه وبين الله

لو أنه قبض على الساحر فقال تبت فنقول هذا لا ينفع ، حد الساحر ضربة بالسيف ، القتل حتى يستريح الناس من شره

وحتى لا ينفتح الباب كل من مسك وقبض عليه قال تبت فيطلق فينتشر الفساد في الأرض ، هنا يقال إذا كنت صادقا في توبتك فهذه بينك وبين الله يوم القيامة يعفو الله عنك لكن فيما يخص الحكم الشرعي يقتل ؛ لأن شره عظيم

قبل أن يمسك أتى وقال أنا ساحر وتبت إلى الله هنا لا ينفذ فيه الحكم لأنه تاب ، لكن إذا قبض عليه وهو متلبس بالسحر ولم يتب قبل أن يسلم نفسه هنا الحكم الشرعي ينفذ فيه

 

العائن يقتل ؟

نعم ، العائن إذا اشتهر عند الناس أنه عائن وعظم ضرره بعينه فيما يخص  المسلمين وتضرروا به  هنا الواجب أن يحبس ، يجب على ولي الأمر أن يحبسه ويدر عليه طعامه وشرابه حتى يتوفاه الله ، فلا يختلط بالناس كي لا يتضرروا به

لو أنه لم يفش ضرره إنسان مثلا عان شخصا بعينه فأفسد عليه سيارته وثبت عن طريق الشهود أنه هذا فلان فما أتلفه من شيء يلزم به

تصور : لو أنه عان شخصا فقتله قالوا ما قتله إلا فلان بعينه ، يقتل

هذا فيمن هو عائن على حسب الشيء العارض الطارئ لكن الذي عرف  من أن فلانا لا يقرب منه وأن فلانا عظم شره هنا يسجن ولا يختلط بالناس

 

من الفوائد : 

ـــــــــــــــــــ

أن قوله جل وعلا : {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}

{ يُعَلِّمُونَ } لها علاقة بما قبلها ، جملة  { يُعَلِّمُونَ } إما أن تكون جملة حالية هم كفروا حالة كونهم يعلمون الناس السحر ويمكن أن تكون جملة استئنافية يعني جملة جديدة الجملة الاستئنافية هذه توضح ما قبلها

{ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا }  لم ؟ ما نوع هذا الكفر  ؟ { يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ }

 

من الفوائد : 

ـــــــــــــــــــ

أن السحر في اللغة هو ما خفي ولطف سببه  ، ولذلك يسمون الرئة سحرا  لأنها خفية ، ولذلك الرئة وما يتبعها من أوعية

{بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ}

والآية الأخرى : { قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ }

قال بعض المفسرين { مِنَ الْمُسَحَّرِينَ } الذين يتعللون بالطعام لأن الطعام يختفي في الأمعاء يعني لست بنبي أنت بشر ، هم يظنون أن النبوة لا تكون إلا في الملائكة ولذلك في سورة الإسراء :

{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا {94} قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا {95}}

وقال جل وعلا : {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ {9}}

 الشاهد من هذا :

أن السحر في اللغة العربية هو ما خفي ولطف سببه وكان السحر فيما مضى عند اليهود في وقت موسى مدح أو ذم ؟

مدح  ، { وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ {49} }

هنا يمدحونه ساحر ماذا ؟ بمعنى العالم ، العالم الحذق عندهم يسمونه بالساحر