تفسير سورة البقرة الدرس ( 138 ) [ يا ايها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا .. ] الآية ( 104 ) الجزء الثاني

تفسير سورة البقرة الدرس ( 138 ) [ يا ايها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا .. ] الآية ( 104 ) الجزء الثاني

مشاهدات: 491

تفسير سورة البقرة  ــ الدرس ( 138 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) }

سورة البقرة ( 104 ) ــ الجزء الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معنا في هذه الليلة تفسير قوله تعالى :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) }

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أن قوله جل وعلا للمؤمنين : { وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا }

النظر : له ثلاثة معان على حسب تعديه :

إن عدي النظر بالحرف ” في ” صار معناه النظر والاعتبار وصار معناه الاعتبار والتفكر

مثاله :

ــــــــــــــــ

قول الله جل وعلا : {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا

خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ }

هنا النظر التفكر في ملكوت السموات والأرض

ما الذي أدرانا ؟

مجيء حرف” في ” بعد كلمة النظر

 

المعنى  الثاني :

يكون النظر بالبصر إذا عدي بالحرف  ” إلى “

مثاله :

ــــــــــ

قوله تعالى : {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ}

النظر هنا بالبصر بحاسة البصر

ــ ولذا قوله تعالى : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ {22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}

عدي النظر هنا بإلى يدل على أن المؤمنين يرون الله جل وعلا بأبصارهم

فلا تحريف لها بل مما يؤكد ذلك أنه أضاف الوجه إلى النظر

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ {22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}

وأين محل حاسة البصر ؟ في الوجه مما يؤكد على أنهم  يرون الله بأبصارهم

 

ــ إن لم تعد وهذا هو المعنى الثالث فالمقصود : الإمهال والترفق

إذا لم تعد بحرف ” في ” ولا بحرف ” إلى ” فالمقصود منها الترفق والتمهل

قال تعالى : {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} هل أتى بعدها حرف ؟ لا

ما معنى { انْظُرُونَا } ؟ يعني أمهلونا وترفقوا

إذن هنا : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} الترفق والتمهل حتى نعي ما  تقوله يا رسول الله ، هذا هو معنى الآية بالنسبة إلى الصحابة

فنحن الآن استفدنا أن النظر له ثلاثة معاني على حسب ما يتعدى به إن تعدى بـ ” في ” فالمقصود الاعتبار والتفكر ، إن تعدى بـ ” إلى ” فالمقصود النظر بحاسة البصر ، إن لم يتعد فالمقصود الترفق والتمهل

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أنه قال هنا : {وَاسْمَعُوا} هنا : بعد أن نهاهم عن شيء أمرهم بشيئين :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} هذا شيء واحد

لما أتى الأمر بتوجيه الخطأ في كلمة { رَاعِنَا } : {انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا}

{ انْظُرْنَا } مقابل { رَاعِنَا }

” اسمعوا ” مقابل ماذا ؟

نعود فنقول  : إن القرآن يفسر بعضه بعضا ، فإن هؤلاء اليهود لم يقتصروا على كلمة { رَاعِنَا } للذم بل كانوا يقولون ” اسمع ” وكانوا يزيدون { غَيْرَ مُسْمَعٍ } فأتت كلمة  ” اسمعوا “

يعني عليكم أن تفعلوا ” اسمعوا ” يعني استجابة ، خلافا لعدم استجابة اليهود

 

وهنا أمر وهي فائدة أخرى :

أنه لما أمرهم بأن يقولوا القول الحسن { انْظُرْنَا } أيضا أمرهم بالفعل

{ وَاسْمَعُوا } لأن كلمة { وَاسْمَعُوا } ليس المقصود منها السماع المجرد

المقصود منها السماع الذي يترتب عليه فعل ألم يقل الله جل وعلا في سورة الأنفال : {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا } هم أثبتوا لأنفسهم السمع قالوا سمعنا فنفاه الله عنهم  {وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} فدل هذا على أن السمع لمجرد الصوت ليس كالسمع الذي يزيد عن سماع الأصوات

وحتى ألخص لكم هذا وأحصر الأذهان :

ابن القيم قال كما في بدائع الفوائد: قال : السمع له أربعة معاني :

المعنى الأول : سمع إدراك للأصوات : قال تعالى : {  قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} ويتعدى بنفسه هل بعده حرف ؟ لا

{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ}

هنا : سماع إدراك للأصوات

 

النوع الثاني  من انواع السماع :

سماع تعقل وتفهم يأتي بعده عمل : {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } سماع تعقل وتفهم

أين هو ؟ هنا {انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا} { وَاسْمَعُوا } ماذا  ؟ سمع تعقل وتفهم هذا التعقل ليس المقصود سمع مجرد فقط ، بل سمع به تعقل وتفهم من أجل العمل ، ومنه قوله تعالى : {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} ولذلك هو لا يتعدى

 

النوع الثالث :

سماع استجابة لمن سأل وإعطاء سؤله أو ما سأل

( سمع الله لمن حمده ) ما معناها ؟ استجاب الله لمن حمده

ويتعدى باللام  ، سمع الله لمن حمده

 

النوع الرابع من أنواع السماع :

سمع قبول وانقياد : قال تعالى : {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ }هم يسمعون للكذب لكنهم ينقادون معه  ، مقبلون عليه {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } هذا عن اليهود ، عدي هنا باللام أيضا

 

فخلاصة القول

ـــــــــــــــــــــــ

أن السمع أربعة معان :

ــ سمع إدراك الأصوات

ــ سمع تعقل وتفهم للمعاني

ــ سمع استجابة وإعطاء من سأل

ــ سمع انقياد وقبول

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا هنا : {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

المقصود هنا من هم ؟ ليس عموم الكافرين وإنما المقصود اليهود الذين مر ذكرهم {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} لكن لماذا وصفوا بأنهم كافرون ولم يقل ولليهود عذاب أليم ؟

من باب الذم لهؤلاء مع أنهم أهل كتاب إلا أنهم كفار وهذا الكفر يترتب عليه عقاب ما هو هذا العقاب  ؟

عذاب أليم

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أن كلمة العذاب في اللغة معناها المنع إذا قلت : ماء عذب ،  لم ؟

لأنه يمنع الظمأ  ، العذاب يمنع هؤلاء من السرور والراحة ولذلك قال : {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أليم معناه مؤلم

فدل هذا على أن من يكون في النار ويدخل النار يتألم بها ، وفي هذا رد على أي  طائفة تقول وهناك طوائف قديمة ويمكن أن تظهر في هذا العصر مع وسائل التقنية والتواصل تبث وتنشر

يرد على من قال : إنهم لا يعذبون مجرد أنهم يقعون فيها وينتهي الأمر

ورد على من قال إنهم يتكيفون بها يعني تصبح أبدانهم معتادة وآلفة للنار

وأعظم من ذلك جرما من قال إنهم يتنعمون بها

ولكن ليعلم أن أهل التوحيد وهم أهل الكبائر الذين إذا دخلوا في النار فإنهم يعذبون على قدر أعمالهم ثم يميتهم الله إماتة كل على قدر ما يعذب به إذا عذب كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ( ثم يميتهم الله إماتة ولا تأكل النار أثر السجود ، فيشفع من يشفع فيهم من أهل الجنة فيخرجون ضبائر ضبائر ) يعني جماعات جماعات ( فيضعون في نهر الحياة فينبتون نباتا حسنا )

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

إثبات العذاب والحساب يوم القيامة