تفسير سورة البقرة الدرس ( 140 ) [ ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب .. ] الآية ( 105 ) الجزء الثاني

تفسير سورة البقرة الدرس ( 140 ) [ ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب .. ] الآية ( 105 ) الجزء الثاني

مشاهدات: 485

تفسير سورة البقرة  ــ الدرس ( 140 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) }

سورة البقرة ( 105 ) ــ الجزء الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فنكمل في هذه الليلة ما تبقى من فوائد تحت قوله تعالى :

{ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) }

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أن رزق الله لا يجلبه حرص حريص ولا يرده كراهية كاره

فإن هؤلاء اليهود يتمنون بل من خالص المحبة في قلوبهم ألا يكون هناك خير منزل على هذه الأمة لكن الأمر ليس بالأماني ، هو أمر الله وقضاؤه وقدره ، فمن أراد الله له خيرا أتاه ، ومن لم يرد الله له خيرا لن يأتيه ولو سعى إليه بشتى الوسائل .

وبالتالي فإن على المسلم أن يطمئن وأن يفوض أمره إلى الله ويكون بذلك فاعلا للأسباب

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أن من كره أن تأتي نعمة أو كره إتيان نعمة لمسلم فإن به شبها بالكفار وباليهود لأن من لا يرغب في وصول الخير إلى المسلم هم من ذكروا في هذه الآية

على المسلم أن يحذر مما وقع فيه اليهود ووقع فيه هؤلاء الكفار فلا يحسد أخاه المسلم  ، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كما عند ابن ماجه قال  :

(( خير الناس ذو القلب المخموم )) من خممت البيت إذا كنسته

قال : (( خير الناس ذو القلب المخموم ، قالوا يارسول الله ومن هو ذو القلب المخموم ؟ قال : الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حقد ))

احرص على أن تنظف قلبك من الخمم من الأوساخ والأدران

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أنه قال هنا : { مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } ثم ربما يبدر في الذهن أن ما سوى اليهود من الكفار الآخرين عبدة الأوثان قد يبدر إلى الذهن أنهم يريدون لنا خيرا فمن باب الاحتراس حتى لا يظن ظان هذا يسمى في البلاغة بالاحتراس عطف بذكر المشركين قال{ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ } يعني انظر حتى المشركون هم لا يريدون لك الخير ، عبدة الأوثان كحال اليهود لا يريدون لنا خيرا وإن كان هذا بارزا في اليهود أكثر من عبدة الأوثان

هذا يسمى بالاحتراس

وله أمثلة :

أقرب لكم مثالا لأن تقريب المثال يبين لك فضل اللغة العربية :

النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها في مسامرة بينه وبينها ذكر أن إحدى عشرة امرأة في الجاهلية اجتمعن وتعاقدن على أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا ، كل واحدة أخذ عليها العهد أن تبوح بما في زوجها من صفات

وهن إحدى عشرة امرأة هذا يسمى بحديث أم زرع

امرأة قالت :  ” زوجي المس مس أرنب “ يعني مثل جلد الأرنب ناعم يعني معاشرته معي فيها نعومة

” والريح ريح زرنب “  نوع من أنواع الطيب ، الطيب إذا شم يجلب بإذن الله السعادة والراحة فكذلك تقول أنا معه في راحة

قالت : ” وأنا أغلبه  “

لكن قد يقول قائل : في قولها ” وأنا أغلبه “ يدل على أنه ضعيف

قالت : ” زوجي المس مس أرنب والريح ريح زرنب وأنا أغلبه والناس يغلب ” هذه جملة احتراسية  ، تقول لهن ” وأنا أغلبه “ لعظم شمائله يسمح لي أن أغلبه لكن لا يظن أنه لضعف لأنه إذا خرج إلى الناس فهو قوي شجاع لكن هو يتسامح معي

هذه جملة احتراس كما هنا

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أنه ذكر هنا أهل الكتاب وذكر المشركين  ، أليس أهل الكتاب كفارا مشركين ؟ بلى ، لماذا ذكر المشركين مع ذكر أهل الكتاب ؟

وهناك أدلة كثيرة من بينها : { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ } ذكرهما معا  ، فلماذا ؟ بينهما عموم وخصوص

هم يشتركون في حكم الكفر لكن بينهما خصوص ، كيف ؟

المشركون متواصلون في عبادة الأوثان بينما اليهود يقع منهم الشرك أحيانا وأحيانا فيكون الشرك الأكبر أنواع من بينه عبادة الأوثان ومن بينه جحد وإنكار ما جاءت به الشريعة مثل حال اليهود

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أنه ذكر الصنفين هنا : أهل الكتاب وذكر المشركين من أجل ؟

أن يبين أن كل كافر لا يريد للمسلمين خيرا بقطع النظر عن نوع ذلكم الكفر   لم ؟  لأنه ذكر أهل الكتاب

لذا كل من لديه كتاب وهو كافر لا يريد خيرا ، كل من هو مشرك من عباد الأوثان عباد النجوم الأشجار قل ما تشاء كل هؤلاء يشتركون في هذا الوصف وفي هذا الصنف

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أن من لديه علم حري وخليق به أن يكون أبعد الناس عن الحسد

ولذلك لم يقل هنا اليهود والنصارى من باب التشنيع على هؤلاء ، أعطوا الكتاب وفهموا الكتاب ومع ذلك ما طبقوه  { مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} لم يقل اليهود والنصارى من باب التقبيح لهم وأنهم أعطوا ما لم يعط غيرهم من العلم لكن ما نفع ، وهذا شامل لكل عالم حتى من علماء هذه الأمة

ولذلك قال بعض السلف قال : ” من عصى الله من علماء هذه الأمة ففيه شبه باليهود ، ومن عصى الله من عباد هذه الأمة ففيه شبه بالنصارى “

ولذلك نحن أمرنا في كل ركعة أن نقول  :

{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) }

المغضوب عليهم هم اليهود ، والضالون هم النصارى

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أنه قال : { مَا يَوَدُّ } { يَوَدُّ } : فعل مضارع

خذها قاعدة إذا أردت أن تعرف المضارع من الماضي أدخل عليه ” لم ” إن استقام لك اللسان فمضارع إن لم يستقم فليس بمضارع

ولذلك قال ابن مالك : فعل مضارع يلي لم كيشم

{ مَا يَوَدُّ } أيصح أن نقول لم يود ؟ نعم

ذهب لم ذهب إذن ليس بمضارع ، علامة الفعل المضارع أدخل عليه [ لم ]

إذن هنا فعل مضارع ، الفعل المضارع يدل على التجدد والاستمرار

فقوله تعالى : { مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ } أن هذا الأمر مستمر إلى قيام الساعة من أنهم لا يتمنون للمسلمين خيرا

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا هنا : { أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ }

هنا مشددة أم مخففة { يُنَزَّلَ } ؟

التشديد يختلف عن التخفيف ، ولذلك جاءت قراءة بالتخفيف

ما الفرق في التشديد في الإنزال والتخفيف  ؟ التخفيف هو نزول الشيء جملة واحدة ، التشديد هو نزول الشيء شيئا فشيئا

يعني : هؤلاء لا يريدون أن يقع بكم خير لا خير دفعة واحدة ولا تدرجيا

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أنه قال هنا : { أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ } { خَيْرٍ } نكرة في سياق النفي

النكرة في سياق النفي تعم  ، لما مثلا نقول : لا إله إلا الله

” إله ” نكرة في سياق النفي يعني نفي كل معبود من دون الله

هنا :  { أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ } { خَيْرٍ } نكرة في سياق النفي تدل على العموم

يعني ما يريدون أي خير قل أو كثر ، ولذلك أتى بـ { مِنْ } الزائدة تنصيصا على العموم من باب التأكيد على أن هؤلاء لا يريدون لهذه الأمة أي خير قل أم كثر ، وإلا فالأصل لو كان في غير القرآن : أن ينزل عليكم خير ، فأتت { مِنْ }  زائدة من حيث الإعراب ويسميها بعض العلماء كالبغوي صلة من باب تخفيف اللفظ هي زائدة من حيث الإعراب لكن لها معنى عظيم