تفسير سورة البقرة ــ الدرس ( 149 )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله تعالى :
{ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) }
سورة البقرة ( 109 ) / الجزء الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قد توقفنا قبل رمضان في دروس التفسير عند قول الله عز وجل :
{ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) }
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
بيان خبث اليهود وكذلك النصارى لأنهم هم المذكورون هنا لما أضيفوا إلى الكتاب لأن أهل الكتاب من هم ؟ اليهود والنصارى فخبث هؤلاء واضح ولا يحتاج أحد في مثل هذا الزمن أن يؤكد على هذا لأن من قرأ كلام الله وجد هذا واضحا بينا
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أن أهل الكتاب في قلوهبم مودة { وَدَّ } الود هو درجة عالية من درجات المحبة ، درجات المحبة عشر ، في الدرجة الرابعة من المحبة الود يعني خالص المحبة في قلوب هؤلاء الذين هم أهل الكتاب شيء ، ما هو ؟
أن يردوا المسلمين إلى الكفر ، هذه أمنية ، إلى أي ملة ؟
لم يذكر شيء هنا ، أهم شيء أن هذا المسلم يخرج من دينه ولذلك أطلق هنا : {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا } أهم شيء أن يقع هذا المسلم في الكفر بقطع النظر عن نوعية هذا الكفر وبقطع النظر عن أي ملة ، هذه هي المودة ، لكن الرضا التام عند هؤلاء هو أن يكون المسلم ليس مرتدا فحسب وخارجا عن دينه ، لا ، بل أن يكون متبعا لملتهم كما قال تعالى في نفس السورة : {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
بيان العدد الكبير من ضلال أهل الكتاب لأنه قال هنا : { وَدَّ كَثِيرٌ } ليسوا قلة ، وقد ذكر ذلك عز وجل مبينا أن معظم أهل الكتاب ضلال قال عز وجل : {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ {66}}
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أن كلمة { لَوْ } وهذه قاعدة في اللغة ” لو ” إذا أتت بعد لفظة الود فتكون
{ لَوْ } هنا مصدرية
تكون مصدرية لأن ” لو ” أنواع فيه ” لو ” الشرطية فيه ” لو ” التي للتمني فيه ” لو ” المصدرية ، هنا ” لو ” المصدرية
قاعدة :
إذا أتتك كلمة ” لو ” وقبلها لفظة ود من فعل ماضي أو فعل مضارع أو بأي صيغة من الصيغ فلتعلم أن كلمة ” لو ” للمصدرية
هذه الأحكام اللغوية لا يقولها أهل اللغة جزافا مجرد معلومة تشحن بها الذهن ، لها مقصود ، لأن من يعرف اللغة العربية يسهل عليه أن يعرف معنى القرآن ومعنى السنة ومعنى الآثار التي وردت عن الصحابة
إذا كانت ” لو ” مصدرية فإن الفعل الذي بعدها وهو الفعل المضارع تسكب معه يعني تصهر معه إلى مصدر ، فيكون المعنى ” ود كثير من أهل الكتاب ردتكم ” [ لو ] مع الفعل المضارع صهر أو سكب أو جمع فصار مصدرا والمصدر هنا على لفظ الفعل المضارع ” يردوكم ” { يَرُدُّونَكُمْ } تكون ردة يعني يود هؤلاء ردتكم
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أنه ليس من العقل في شأن من ذاق طعم الإيمان أن يتخلى عنه ولذلك لو ارتد خرج من الإيمان :{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ } لماذا ذكرت كلمة الإيمان ؟
من باب تذكير المسلمين من أن لديهم أغلى نعمة وهي نعمة الإيمان
ولذلك نحن في كل ركعة ندعو الله عز وجل في كل ركعة ولذلك لا تصح أي صلاة إلا بقراءة الفاتحة ، في كل ركعة : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ {6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ {7}} من هم الذين أنعم الله عليهم ؟
هم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون ، فدل هذا على أن من أعظم النعم الإيمان ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : ( ما أعطي أحدا بعد اليقين خيرا من العافية ) اليقين هو العلم والإيمان ، ما فيه نعمة أعظم من نعمة الدين ، ولذلك قال {مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ} يعني تزحزكم اليهود والنصارى عن هذا الإيمان وعن هذه النعمة العظيمة
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أنه قال هنا : { حَسَدًا } ، { حَسَدًا } : ليست وصفا لكلمة كفارا
الآية : {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} هنا يتم المعنى ، يودون ماذا ؟ الردة لكم حتى تكونوا كفارا ، كفارا هنا مفعول ثاني لكلمة { يَرُدُّونَكُمْ } والكاف مفعول أول : { حَسَدًا } مفعول لأجله ، يعني يردوكم يردونكم من أجل ماذا ؟ الحسد فقط ، لا لشيء آخر
مجرد الحسد ، منبع هذا الحسد من ماذا ؟ من النفس ، ولذلك صرح به هنا من باب التأكيد : {حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} مثل قول الله عز وجل : {وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ }هم يقولون بأفواههم هذا من باب التأكيد وكما قال تعالى : {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ}
الطائر يطير من غير جناحين ؟ لا ، لكن يمكن أن يستفاد من هنا {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} من باب التأكيد على أن المقصود هنا هو الطير ذو الجناحين لأن هناك من يطير من غير جناحين ، ولذلك إذا أسرع الإنسان يقال طار ، وهذا موجود في اللغة العربية وفي السنة ووصفت بعض الخيول بأنها طارت ، وأن فلانا طار، والطيران هنا من غير أجنحة وإنما المقصود السرعة
على كل حال : هنا دل هذا على ماذا ؟
على أن هذا الحسد الحاصل من أهل الكتاب نابع من النفس لا من كتاب أمرهم بذلك ولا لشيء آخر إنما كل ذلك من النفس وهذا يدل على خطورة النفس البشرية ولذلك علينا أن نتعاهد نفوسنا لأن النفس إذا طابت والقلب إذا تنظف ظهر ذلك على الجوارح :
ألم يقل عليه الصلاة والسلام لما أشار قال : ( والتقوى هاهنا )
أشار إلى صدره ، لم ؟
لأن التقوى متى ما كانت عظيمة ومستقرة في النفس ظهرت على الجوارح
بعض الناس لما تكون عليه بعض المخالفات الشرعية الظاهرة من إسبال ثوب أو نحو ذلك قال : يا أخي ( التقوى هاهنا ) ، صحيح لكن لو كانت تقواك عظيمة وكبيرة لظهرت آثارها على جوارحك
ولذلك يقول شيخ الإسلام يقول : إن الجوارح مغاريف ما في القلوب
القلوب أوعية والجوارح مغاريف ما في القلوب ، ولذلك يقول الحسن البصري ” ما أسر أحد سريرة إلا ظهرت على وجهه وعلى فلتات لسانه “
كما قال الشاعر :
ومهما يكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلمِ
ولذلك علينا أن نتعاهد هذه النفوس ، ولذلك لما طابت نفس الصحابة صاروا بالمنازل العليا من الصديقية ، أبو بكر كما أثر عن الحسن أو عن غيره قال ” ما سبقكم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة وإنما شيء وقر في قلبه “
ولذلك : أبو بكر نافسه عمر بن الخطاب لما قال النبي عليه الصلاة والسلام آمرا الناس بالنفقة قال عمر : ” الآن أسبق أبا بكر إن سبقته “
( فأتى عمر كما عند الترمذي بنصف ماله فقال عليه الصلاة والسلام : ماذا أبقيت لأهلك ، قال : أبقيت لهم النصف ، فجاء أبو بكر بماله كله ، فقال عليه الصلاة والسلام : ماذا أبقيت لهم يا أبا بكر ؟ قال : أبقيت لهم الله ورسوله )
يقول شيخ الإسلام : ” مقام أبي بكر هنا ولاشك أنه أعظم من مقام عمر كيف؟
يتضح هذا في حديث يمكن أن يكون مشتبها على بعض الناس
النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في المسند يخرج عليكم من هذا الفج رجل من أهل الجنة فأتى رجل فقال عبد الله بن عمرو بن العاص وكان من العباد الزهاد قال : لأنظرن إلى حال هذا الرجل ماذا يصنع في بيته ؟
فبات عنده ثلاث ليال، يصلي العشاء وينام ، ينظر أهو يستيقظ لصلاة الوتر أو لصلاة الليل ؟ لم يستيقظ ، ينظر إلى نهاره أيصوم ؟ ما هناك صيام
فبات عنده ثلاث ليال فقال : ما شأنك فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال
: كذا وكذا وكذا ، فقال : إني أبيت وليس في قلبي حسد ولا غل على مسلم أعطاه الله خيرا ، فقال عبد الله بن عمرو بن العاص : وهذه التي لا نقدر عليها “
يعني ما يقدر الصحابة على ترك الحسد ؟
مستحيل ، إذن ما المعنى ؟
المعنى كما قال شيخ الإسلام : المعنى :” أن من ترك حسد الغبطة فإنه أعظم ممن حسد حسد غبطة “
فإن الحسد هو تمني زوال النعمة عن الغير ، هناك حسد غبطة يعني يتمنى أن يكون له مثل فلان ولكن من غير أن تزول من فلان ، هذا هو حسد الغبطة ، الأفضل منه هو ألا تحسد أبدا حتى لو حسد غبطة
ولذلك هذا الذي قال عنه عبد الله بن عمرو: ( وهذه التي لا نقدر عليها )
وليس معنى هذا أن الصحابة لا يقدرون على ترك الحسد هذا مستحيل ولا يليق بالصحابة ولذلك أبو بكر ارتفع على عمر ، لم ؟
لأنه لم يقع في قلب أبي بكر أن ينافس عمر بخلاف العكس