تفسير سورة البقرة الدرس ( 152 ) [ ود كثير من أهل الكتاب .. ] الآية ( 109 ) الجزء الرابع

تفسير سورة البقرة الدرس ( 152 ) [ ود كثير من أهل الكتاب .. ] الآية ( 109 ) الجزء الرابع

مشاهدات: 386

تفسير سورة البقرة  ــ الدرس ( 152 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) }

سورة البقرة ( 109 ) / الجزء الرابع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قد توقفنا قبل رمضان في دروس التفسير عند قول  الله عز وجل  :

{ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) }

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أن الله أمر المؤمنين بأن يعفوا ويصفحوا حتى يأتي أمر الله ،ما هو أمر الله ؟ أمر الله مبين في النصوص الأخرى وهو الأمر بالجهاد ، فدل هذا على أن الأمر المذكور هنا : حتى يأتي أمر الله {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} هو الأمر الشرعي لأن أمر الله نوعان : أمر شرعي ديني ــ وأمر كوني قدري

الأمر الشرعي الديني :

مثل ما ذكر هنا وهو الأمر بالجهاد ياتي الأمر بالجهاد وتتحقق شروطه وأسبابه وتنتفي موانعه فينكص البعض هذا أمر ديني شرعي لا يلزم منه أن يقع ، يعني يأمر الله الناس بالصلاة بعضهم يصلي وبعضعهم لا يصلي

فلا يلزم من أمره الديني الشرعي أن يقع

لكن لتعلم : أن  أمر الله الديني الشرعي هو يحبه ، فنخلص من هذا إلى أن الأمر الديني الشرعي : وهذه المسألة مهمة جدا في مثل هذا العصر لما تكثر الفتن والطوائف والمذاهب قد يدلس على المسلمين من حيث لا يشعرون بنصوص من الشرع وهم لا يعرفون ما معناها

فهنا أمر الله الشرعي الديني يحبه الله ولا يلزم أن يقع مثل ماذا ؟ مثل الصلاة

النوع الثاني : الأمر القدري الكوني ولابد أن يقع وقد يكون فيما يحبه الله وقد يكون فيما يبغضه الله ، قال عز وجل وهذا دليل على الأمر الكوني القدري  : {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } يلزم منه الوقوع لابد أن يقع ، إذا أمر الله بأمر كوني قدري فلابد أن يقع وإن كان هذا المأمور به محبوبا عند الله أو بغيضا عند الله

الآن الزنا يقع بأمر الله أم لا ؟ يقع بأمر الله

أمره ماذا ؟ القدري الكوني

ليس بأمره الشرعي الديني لأنه نهى عن الزنا {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى} ولذا تتضح هذه المسألة أكثر : لأن بعضا من الناس قد يسمع في بعض القنوات الفضائية أو في بعض وسائل التواصل التي  كثر فيها الإلحاد لأسباب منها :

أن كثيرا من طلاب العلم وللأسف صرفوا جهدهم في غير ما فائدة مما يفيد الناس في التوحيد إما أن يتكلموا في سياسية ويخاضون فيها وخاضوا في سنيتن ماضيتين ولم تثمر في شيء إنما خسرت الأمة بالليل والنهار قيل وقال والشباب يضيعون ولم يحصنوا التحصين القوي

وبالتالي أي رسالة تأتي من الرافضة من الصوفية إذا بها تعصف بهذا الشاب أو بتلك الفتاة لأنه لا علم عنده ولا علم عندها ، ولذلك كثر الإلحاد في وسائل التواصل يعني رأينا كتابات تسب الله عز وجل ، هذا إلحاد

بعضهم يكفر بالقرآن ،  لم ؟ لأنه لم تكن هناك قاعدة لدى الناس

القاعدة هي التوحيد  ، ولا يمكن أن يسلم لك دين ولاسيما في هذا العصر

نحن نقول فيما مضى نحن في بلد التوحيد لا بدع لا خرافات صحيح فيما مضى لكن الآن انفتح الباب الكل معه جهازه يدخل على وسائل التواصل وفيها كل الأطياف وكل المذاهب ولذلك ربما وأتت والله تأتي مسائل كثيرة وبدع من الرافضة والصوفية وإذا بنا نسأل عنها أهي صحيحة أم لا ؟ يفترض أن يعرف المسلم الحكم عليها

ففي هذا العصر : ربما يدلس على بعض الناس يقول كيف يقع الزنا أو يقع الربا ويبغضه الله ؟  فماذا عسانا أن نقول ؟ هذا أمره الكوني القدري

بعض الناس يقول : الله لم يكتب لي الهداية وإنما أضلني فماذا عسانا أن تقول ؟

نقول  : إن الله أمرك بأمره الديني الشرعي أن تعبده وأن تهتدي لكن لو وقع منك ما يغضب الله فهذا بأمره القدري الكوني

نجمع هذا في قوله تعالى : {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}

هل معنى الآية : وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها بالطاعة لكنهم فسقوا فيها ؟ هذا المعنى ؟ أم أن الله يأمر بالفسق ؟

{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}

هنا الآن أمر ، أمر بماذا ؟ أمر بالطاعة لكنهم فسقوا أم أمر لهم بالفسق  ففسقوا ؟

قولان ويصح الوجهان فيكون المعنى {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا } يعني بالطاعة هناك حذف فيكون الأمر هنا أمر ديني شرعي

لكن لو قلنا {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} ما هناك حذف ، الأمر هنا منصب على الفسق ، أمر كوني قدري

قد يقول قائل : إذا كان هنا أمر بالفسق {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا } أين نحن من الآية التي في سورة الأعراف : {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ؟

الجواب : أمر ماذا هنا  ؟

{قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} أمر ديني شرعي ، الله لا يأمر بالفحشاء أمر ديني شرعي  ، فانتبه الأمر إما أن  يكون قدريا كونيا وإما أن يكون دينيا شرعيا  ، الأمر القدري الكوني يكون فيما يحبه الله وفيما يبغضه ولكن يقع ، الأمر الديني الشرعي فيما يحبه الله ولكن  لايلزم أن يقع

نحن صلينا صلاة التراويح أي أمر ؟ الشرعي الديني ، وانتهينا منها لما انتهينا منها أمر قدري كوني

فإذن من يعمل الطاعة يجتمع فيه الأمران :

الأمر القدري والأمر الشرعي لأن الله أمره من حيث الشرع أن يصلي فلما صلى أمر كوني قدري لأن الله قد يأمر الإنسان لكنه لا يستطيع لأن الله لم يقدر ذلك يعني ليس بقدرتنا ولا بقوتنا ولا بحولنا

يعني إذا أمرنا بشيء أن نصلي أو أن نفعل إن لم تكن هناك إعانة من الله بأمره الكوني في إقامة الصلاة في الصوم في الحج ما استطعنا

يعني الطائع المؤمن الذي فعل الطاعة يجتمع فيه الأمران :

الأمر الكوني القدري والأمر الشرعي الديني

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا هنا : {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} هنا أكد قال : {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}{ إِنَّ } من أدوات التوكيد ، لماذا أكد هنا  ؟

لأن هناك من ينكر أن الله قادر على فعل العبد وهم القدرية وهذا يعود بنا إلى الأمر الكوني القدري ، أنا قدمت تلك المقدمة لهذا الأمر إذن قوله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } يعني كل شيء لا ينفرد شيء ولا يخرج شيء عن قدرة الله  {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ومن هذه الأشياء فعل العبد ؛ لأن هناك طائفة تسمى بالقدرية تقول إن العبد مستقل بفعله :

يعني لما أرفع هذا الجوال يقولون : ليس بقدر من الله وإنما لأنك رفعته أنت  فأنت انفردت بهذا الفعل منك وليس لله في ذلك قدرة تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، إذن يعني لو شاء الله ألا أرفع هذا الجوال ما رفعته

 ولذلك في صحيح مسلم :

لما كان هناك رجل يأكل بشماله فقال عليه الصلاة والسلام : ( كل بيمينك

فقال عليه الصلاة والسلام : لا استطعت ، فما استطاع أن يرفعها إلى فيه )

إذن لا يمكن لأي حركة لأي إنسان ولا لأي حركة في هذا الكون ولا سيكون في هذا الكون إلا بقدر الله

{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}هذه قاعدة

لماذا أقدموا على هذا الأمر ؟

أذكركم بالأمر القدري الكوني والأمر الديني الشرعي

يقولون : لو قلنا إن فعل العبد من قدر الله نسبنا إلى الله ما لا يليق به كيف ؟

قالوا : لو زنا العبد وقلنا إنه بقدر الله نسبنا إلى الله ما لا يليق به

وجهلوا ماذا ؟ جهلوا التفريق بين الأمر الكوني القدري والأمر الديني الشرعي

 

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

إثبات صفة القدرة لله عز وجل بما يليق بجلاله وعظمته

وهي قاعدة في أسماء الله وصفاته : أي اسم من أسمائه جل وعلا فهو يتضمن صفة من صفاته لا العكس ، يعني هنا  {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } إثبات صفة القدرة

لو كانت هناك صفة ما نشتق منها اسما لله : مثلا : { وَجَاءَ رَبُّكَ } صفة المجيء ، لا يصح أن نقول من أسماء الله الجائي ، لله مشيئة فلا يصح أن نقول : الله الشائي

فخلاصة القول  :

في ثبوت صفة من صفات الله : إما أن ينص القرآن على هذه  الصفة  {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} هذا طريق  من طرق إثبات الصفة لله

طرق إثبات صفات الله ثلاثة طرق :

أن ينص الدليل من القرآن أو من السنة عليها مثل {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ}

أو يأتي الفعل { وَجَاءَ رَبُّكَ } نثبت صفة المجيء  { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} صفة المشيئة

الطريق الثالث : كل اسم يتضمن صفة وليس كل صفة تتضمن اسما