تفسير سورة البقرة الدرس ( 153 ) [ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة .. ] الآية ( 110 ) الجزء الأول

تفسير سورة البقرة الدرس ( 153 ) [ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة .. ] الآية ( 110 ) الجزء الأول

مشاهدات: 861

تفسير سورة البقرة ـــ الدرس ( 153 )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) }

سورة البقرة ( 110 ) / الجزء الأول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قول الله عز وجل :

{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) }

هذه الآية ذكرت بعد قول الله عز وجل الذي فسرناه فيما مضى : { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) }

بعدها :

{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) }

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أنه جل وعلا لما أمر المؤمنين بالعفو والصفح حتى يأتي أمر الله بالجهاد  أرشدهم إلى أمر مهم جدا ذلكم الأمر هو التهيئة والاستعداد لهذا الأمر القادم منه عز وجل وهو الجهاد

كيف تهيأ النفوس كيف يستعد المسلمون؟ يستعدون بتربية النفوس

وأعظم ما تربى به النفوس إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة

أما أن يتشوف المسلمون إلى الجهاد وهم في ضعف ثم إذا بهم لم يهيئوا أنفسهم

بعض الناس يقول التهبئة والإعداد والاستعداد بالقوة يظن أنها بالأمور الحسية مثل الأسلحة وما شابه ذذلك ، لاشك أن لها أهمية لكن لابد أن تعد النفوس إعدادا معنويا  كيف تعد ؟ بإقامة الصلاة وبإيتاء الزكاة

ولذلك هو جل وعلا ماذا قال في سورة النساء  : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) }

يقول ابن كثيرفي التفسير : ” إن هذه الآية وهي التي في سورة النساء كان بعض المسلمين لما رأى أنه في اضطهاد يتشوف إلى أن يؤمر بالجهاد  حتى يتشفى من الأعداء لكن من حكمة الله أنه لم يأمر بالجهاد في تلك المرحلة من أجل أنهم ضعفاء فيأتي عليهم العدو فيقضي عليهم ، ولذلك أمروا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة

لكن لما أمروا بالجهاد إذا ببعضهم من لم يرسخ الإيمان في قلبه إذا به ينكص عن الجهاد ، وهذه الآية كما قال جمهور المفسرين هي في حق المؤمنين ، قيل في حق المنافقين ، وقيل في حق اليهود ، ولكن الصحيح أنها في حق المؤمنين ممن لم يرسخ الإيمان في قلبه ، ولذا لا يتم نصر على الأعداء إلا بإقامة الصلاة وبإيتاء الزكاة  كما دلت عليه هنا هذه الآية والآية التي في سورة النساء

قوله تعالى : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) }

ما صفاتهم ؟

{ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ }

أما أن يتشوف الناس في مثل هذا الزمن إلى الجهاد والمساجد معطلة والصلاة مضيعة والزكاة لم تؤد ولم تخرج فأين محل الجهاد وأين النصر ؟

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

لو قال قائل : لماذا التنصيص على إقامة الصلاة وعلى إيتاء الزكاة ؟

لأن إقامة الصلاة حق لله وإيتاء الزكاة حق لعباد الله الفقراء فجمع بين حقين هنا ، فلا يمكن أن تقوم للمسلمين قائمة ولا يمكن أن تكون لهم  قوة إلا بتحقيق وتنفيذ أمر الله عز وجل أو حق المخلوق

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أنه قال عز وجل هنا : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } لم يقل : صلوا ولو قرأتم في كثير من الآيات { أَقِمِ الصَّلَاةَ } بالإقامة لأن المقصود ليس فعل الصلاة وإنما المقصود إقامة الصلاة بأن تقم على وجهها المطلوب حتى تؤثر على قلب ابن آدم فتظهر تلك التأثيرات على جوارحه لكن أن يؤدي المسلم الصلاة هكذا فإنه لم يقم بها حق القيام  ، والقيام بها يقوم بأركانها وواجباتها وشروطها وأن يحرص على الخشوع فيها

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أنه قال هنا : { وَآتُوا الزَّكَاةَ } نعطيها من ؟

” آتوا ” فعل ينصب مفعولين نصب المفعول الأول الزكاة المفعول الثاني  محذوف { وَآتُوا الزَّكَاةَ } مستحقيها أين المفعول الثاني ؟ مستحقيها

يعني نعطي هذه الزكاة ما لأي شخص وإنما لمستحقها ، من مستحقها ؟

هم المذكورون في قوله تعالى : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) }

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا هنا :{ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ }

ليس ما تخلفوا ولذلك إذا مات ابن آدم الناس ماذا يقولون ؟ ماذا خلف من التركة ؟ جاء في حديث أبي هريرة عند البيهقي وإن كان في سنده ضعف لكن النصوص العامة تشير إليه : ” ابن آدم إذا مات قال الناس ما خلف  وقالت الملائكة ماذا قدم “

ولذلك في حديث عبد الله عند البخاري قال عليه الصلاة والسلام ( أيكم مال وراثه أحب إليه من ماله  ، قالوا : يارسول الله ما منا من أحد إلا وماله أحب إليه من مال وارثه ، فقال عليه الصلاة والسلام : فإن  ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر )

يعني ما نرصده الآن في أرصدة ليس لنا إنما هو لوارثنا ، وإنما الذي لنا هو ما نقدمه ولذلك قال هنا : { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ }

ولذلك في المسند وسنن الترمذي : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كما قالت عائشة ذبحنا شاة فلما أتى عليه الصلاة والسلام قال ماذا صنعتم بها ؟ فقالت رضي الله عنها قسمناها فلم يبق إلا كتفها )

وفي حديث عند البزار حديث عائشة ( ما بقي إلا الذراع  ) حسنه ابن حجر

فقال عليه الصلاة والسلام : ( بقي كلها إلا كفها )

يعني هذا الذي بقي هو الكتف هو بقي من حيث لنا في الدنيا لكن الباقي الحقيقي هو جميع ما ذهب

ولذلك هذه الآية تدعو المسلم إلى أن ينزع الشح من نفسه وألا ينسى نفسه لاشك أن العبد مأمور كما جاء بذلك الحديث في الصحيحين : ( إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس  )

لكن لا ينسى الإنسان نفسه

بعض الناس نجد أنه بالليل وبالنهاريتعب ويجتهد في هذه الدنيا ويجمع المال فلا هذا المال أخرجه وأظهره على نفسه وعلى ذريته ولا هو قدمه لنفسه

وبالتالي يخسر ، ولذا على المسلم أن يكون نصفا : { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا }

ولذا قال تعالى : { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ } ما تقدمونه لأحد إن قدمت شيء قدمته لنفسك قال : { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ } يعني لن يذهب إلى غيركم