تفسير سورة البقرة الدرس ( 162 ) [ ومن أظم ممن منع مساجد الله .. ] الآية ( 114 ) الجزء الأول

تفسير سورة البقرة الدرس ( 162 ) [ ومن أظم ممن منع مساجد الله .. ] الآية ( 114 ) الجزء الأول

مشاهدات: 533

تفسير سورة البقرة ــ الدرس ( 162 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

 { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) }

سورة البقرة ( 114 ) / الجزء الأول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معنا في هذه الليلة تفسير قوله تعالى :

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) }

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أن كلمة ” من ” هنا اسم استفهام ، وهذا الاستفهام يحمل معنى النفي ودلالة الاستفهام الذي يراد منه النفي أنك لو حذفت علامة الاستفهام وأداة الاستفهام ووضعت محله أداة نفي استقام اللفظ واستقام المعنى

لو كان في غير القرآن لا أظلم أو ما أظلم ممن منع مساجد الله

وليعلم :

أن الاستفهام معناه عند أهل اللغة أو عند البلاغيين هو طلب العلم عن الشيء المجهول بإحدى أدوات الاستفهام ، هذا هو الأصل في الاستفهام تستفهم عن شيء تعلمه أم تجهله ؟ تجهله بإحدى أدوات الاستفهام

فإن أتى الاستفهام كما هو الحال هنا إن أتى الاسفهام يستفهم به عن شيء هو معلوم وليس بمجهول فهنا خرج الاستفهام عن غرضه أو عن أصله الأساسي ، ما أصل الاستفهام ؟ أن يطلب العلم عن الشيء المجهول

وهنا : خرج الاستفهام عن معناه الأصلي لغرض

ما غرض هذا الاستفهام ؟

النفي المشرب بالتحدي فهو أبلغ يعني أعطيك مثالا آخر :

{ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ }هنا استفهام خرج عن أصله

الجواب : لا أحد وهذا فيه تحدي يتحدى أن يأتوا بأحد يشفع عند الله إلا بإذنه عز وجل

قوله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }

الجواب : لا حكم أحسن من حكم الله عز وجل

قوله جل وعلا : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } استفهام خرج عن معناه الأصلي يراد منه الأمر : انتهوا ، وعلى هذا فقس

فهنا الاستفهام يراد منه النفي المشرب بالتحدي

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أن كلمة { أَظْلَمُ } تدل على المبالغة لأن ” أظلم ” أفعل التفضيل فيقتضي  مفضلا ومفضلا عليه ، كما لو قلت : زيد أكرم من عمرو  ، هما اشتركا في صفة الكرم لكن زيدا أكثر كرما

نحن نقول : محمد عليه الصلاة والسلام أشرف الأنبياء ، ألا نقول هذا ؟

غيره من الأنبياء أليس شريفا ؟ بلى ، لكنه عليه الصلاة والسلام في المقام الأعلى من الشرف

وهذا هو الأصل في أفعل التفضيل أن يكون هناك مفضلا ومفضلا عليه

وهذا يدل على فائدة اللغة اللعربية ، ولكن هذا أفعل التفضيل الأصل فيه أن يأتي مفضل ومفضل عليه ، يمكن أن لا يأتي مفضل ولا مفضل عليه

أعطيكم مثالا :

وهذا مهم جدا بحيث بهذا نفهم كلام الله وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام

ولتعلموا : أن الصحابة ما كانوا يعرفون هذه الأشياء بهذه المصطلحات لا يعرفونها

ما يعرفون ” كان ” فعل ماضي ناقص ولا  ” إن ” أداة توكيد

سليقة وبهذا يفهمون القرآن

ولذلك : ابن عباس ماذا كان يقول ؟ يقول  : ” ما كنت أعرف معنى فاطر

{  فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ } حتى سمعت أعرابيين وهما في اللغة بلغا مبلغا من أعلاها  فقال أحدهم وهما يتنازعان على بئر فقال : أنا فطرتها يعني أنا خلقتها وشققتها

ذكرتني هذه وإن لم تكن في البال :

هناك بعض الرسائل تأتي ويقولون : لا تقل فاطر لأن فاطر اسم لله فلا تقل فاطر ، وإنما قل مفطر ، لاشك أن ما قالوه من أن الإنسان إذا لم يصم يقول مفطر ، هذا هو اللفظ السليم ، لكن لو قال فاطر لا إشكال لو نسب الفطر إلى المخلق لا إشكال والدليل ما استدل به ابن عباس هنا

فعلى كل حال :

اللغة العربية لها فائدتها في فهم كلام الله وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام

نرجع إلى أفعل التفضيل

الصفة  يجب أن تكون في المفضل والمفضل عيه

قد لا توجد الصفة في المفضل وإنما توجد في المفضل عليه فقط

مثاله : { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا }

أيفهم من ذلك أن أصحاب النار لهم خير مستقر لكن أقل أو مقيل حسن لكن أقل ؟ هنا درجة ثانية من درجات أفعل التفضيل : وهي أن الصفة تكون في المفضل دون المفضل عليه

قد لا توجد في المفضل ولا في المفضل عليه

أفعل التفضيل موجود لكن لا توجد تلك الصفة لا هنا ولا هنا

قول ابن مسعود ” لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا ” الصفة هنا المحبة ، هل هذه المحبة مقبولة في الحلف بالله كذب ؟

لا  ، ولا هي مقبولة في الحلف بغير الله ولو على وجه الصدق

وإنما قال ابن مسعود هذا القول : من باب بيان أن حسنة التوحيد أعظم من حسنة  الصدق وأن سيئة الشرك أعظم من سيئة الكذب ، وإلا فلا محبة في قلب ابن مسعود في الحلف بالله على وجه الكذب ولا في الحلف بغير الله على وجه الصدق

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أنه قال هنا : { أَظْلَمُ } هنا أفعل تفضيل يدل على أن الذنوب ليست على درجة واحدة وإذا لم تكن على درجة واحدة فصاحبها يتفاوت فيه الجرم والذنب بحسب ما اكتسبه من تلك الصفات ؛ لأنه قال : { أَظْلَمُ } وكيف يكون الإنسان أظلم ؟ إذا اقترف ما هو أعظم وأكثر كذلك يفهم من ذلك أن الإيمان يتفاوت ويزداد

ومعتقد أهل السنة والجماعة :

أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية  فهو يزيد والأدلة في هذا كثيرة ليس هذا المقام مقام ذكرها لكن هذا من ببا ذكر الشيء بتذكر الشيء الآخر

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أن الظلم معناه في اللغة النقص من يظلم ولو تحصل بظلمه على مال أو على منصب أو على جاه أو على أي غرض أو منفعة أو مصلحة دنيوية  إلا إن هذا الظلم نقصان عليه إذ يورده إلى غضب الله في الدنيا قبل الآخرة

ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام  : ((  ما من ذنب أجدر من أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره الله له من العقوبة يوم القيامة من البغي وقطيعة الرحم ))

فينقص الإنسان ، ما يعلو بالظلم  ، وهذا على مستوى الأفراد والحكومات ما تعلو أمة إلا بالعدل ، ولذلك قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى إن الله لينصر الدولة الكافرة العادلة على الدولة المسلمة الظالمة

العدل به تقوم الحياة

والدليل على أن الظلم نقصان : { كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا } يعني لم تنقص من ثمارها شيئا

والظلم اصطلاحا :  هو وضع الشيء في غير موضعه اللائق به