تفسير سورة البقرة الدرس 172 (وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ) الآية 118 الجزء الأول

تفسير سورة البقرة الدرس 172 (وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ) الآية 118 الجزء الأول

مشاهدات: 483

تفسير سورة البقرة ــ الآية ( 118) / الجزء الأول

قوله تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

من هو هذا القائل لهذا القول ؟

قال بعض المفسرين : إن القائل هم النصارى باعتبار أن السياق جاء في بيان شأن النصارى لما زعموا أن لله ولدا

وهذا يرجحه ابن جرير الطبري

وقال بعض المفسرين إن المراد كفار قريش ، وهذا يرجحه ابن كثير

والصواب :

أن هذا القول صادر من الجميع من اليهود ومن النصارى ومن كفار قريش  للعموم

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أن القول يسير على كل شخص ، كل يمكن أن يقول وأن يتكلم لكن هذا القول وهذا الكلام لا يلتفت إليه ويجب ألا نلتفت إليه ولاسيما في هذا العصر مع وجود وسائل التواصل ، الذي كثر فيه القائلون والكاتبون في وسائل التواصل كل يكتب والكتابة بمثابة القول

فيجب ألا يقبل أي قول إلا إذا كان هذا القول صادرا عن علم ، وإلا فكل بإمكانه أن يقول ، ولذلك ماذا قال عز وجل عن هؤلاء { وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } إذن قولهم نابع عن جهل ليس عن علم ، وإذا كان القول ناشئا عن غير علم فإنما مصدره الظن والتخرص ( ما لهم به من علم ) ( 3و 4 ) { وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ }  ما الذي بها { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا }

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أن من لم ينقد إلى الحق فهو جاهل وسيبقى جاهلا هو من حيث الأصل ليس بعالم هو جاهل ثم هو سيبقى جاهلا ، وهذا يمكن أن يحصل في مثل هذا الزمن ، ربما يحصل نقاش أو حوار في مجلس أو في وسائل التواصل وإذا ببعضهم يعلم أن الحق ليس معه ، وإنما يجادل وما أكثر الجدل العقيم الذي يملأ الصدور غيظا وحقدا ولا يصل الطرفان أو الأطراف إلى الحق

ولذلك ماذا قال عيله الصلاة والسلام كما في المسند ( ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل )

إذا دخل الجدل الذي ليس بحسنى { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } فاعلم بأن الأمة وأن هؤلاء المجادلين في ضلال  ، وبعضهم يتجاوز ، بعضهم شديد الجدل ، الحق أمامه تعرض له الأدلة الشرعية التي جاءت من الحق جل وعلا وإذا به لا يقبلها وهذا ضال مضل وبغيض عند الله بغيض عند الله ، والدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين ( إن أبغض الناس عند الله الألد الخصم ) يعني خصيم من غير ما فائدة ، ولذلك سيبقى هؤلاء جهالا وهم في أصلهم جهال ، إذا أردت العلم فكن متواضعا لله عز وجل ، كن كالملائكة ماذا قالوا { سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا } لما لم يعرفوا تلك الأسماء التي عرضها الله عليهم { قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }

ولذلك ماذا كان يقول ابن مسعود رضي الله عنه كما في الصحيحين ( إن من العلم ) انبته ( إن من العلم أن تقول لما لا تعلم الله أعلم )

سبحان الله ! كيف والحق أمامك ، يا أخي تقول لهذا الشخص هذا دليل من القرآن ومن السنة وقال السلف كذا وكذا وإذا به يجادل ويماري من غير ما فائدة من أجل أن يحقق له هدفا معينا ، وهذا ولا شك كما أسلفنا ليس  متواضعا

والنبي عليه الصلاة والسلام يقول كما عند مسلم ( ما تواضع أحد لله إلا رفعه )

هذا فيه كبر ولو كان عالما ولو يقال إنه دكتور أو أنه ينسب إلى العلم الشرعي ، فهو متكبر وجاهل به شبه من اليهود ؛ لأن اليهود متكبرون عندهم العلم والحق لكنهم ما انصاعوا وأذعنوا له

ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم ( الكبر بطر الحق دفع الحق وغمط الناس )

بطر الحق : يدفع الحق بأي وسيلة كانت بل إن من به خير عظيم ومليء القلب من خشية الله والله إذا أتاه الحق وإن كان مخالفا لما يراه يقبله بل إنه يثني على الذي بلغه الحق وبلغه الصدق ؛ لأنه بلغه الخير، لأنه يقول الحمد لله الذي أنقذني الله بهذا الرجل ، لا أن يجادل أو أن يماري

وأنا أقول بهذه الكلمات لأننا ابتلينا بوسائل التواصل ولاسيما التويتر المعروف ، الناس يتجادلون وللأسف عليهم سمى الخير من غير ما فائدة

يا أخي إذا جاءك الحق { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ } سبحان الله ! تجد أن الشخص عليه سما الخير إعفاء اللحية وقد يكون مقصر الثوب وقد يكون من المحافظين على الصلاة لكن قلبه قاسي لم يقبل الحق ولم يذعن إليه

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } ليس لك خيار ، ولذلك هؤلاء سيبقون جهالا ، إذن من عاند الحق فهو جاهل وليس خاصا بالكفار ، لا ، كل من عاند الحق فإنه جاهل ، ولذلك قال تعالى هنا { وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } نفى عنهم العلم بل نفى عنهم عموم العلم ، والله إذا ما كان لديك تواضع لما جاء به الشرع وليس لديك قبول لما جاء به الشرع فإنه لا علم عندك ولو كنت من أحفظ الناس

ولذلك نفى العلم عنهم على وجه العموم { وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } خذها قاعدة في أصول الفقه تستفيد منها في أدلة الكتاب وفي أدلة السنة

إذا أتاك الفعل منفيا فاعلم بأنه للعموم ، هنا منفي { لَا } نافية

{ يَعْلَمُونَ }  فعل ، هذا عند جمهور الأصوليين وهو الراجح ، ولذلك لأن الفعل المنفي يتضمن مصدرا المصدر نكرة والنكرة في سياق النفي تعم

يعني لو قال شخص فلان لا يعلم علما أكده بالمصدر يعني في اتفاق الأصوليين أنه لا علم عنده ، لكن لو قال فلان لا يعلم أيضا على قول الجمهور على أن العلم ينفى عنه على وجه العموم

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أنه قال هنا { لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ }

{ لَوْلَا } ما معناها ؟ { لَوْلَا } هنا بمعنى هلا يعني للتحضيض يحضون النبي عليه الصلاة والسلام على أن يكلمهم الله

إذا أتتك لولا فهي بمعنى هلا إذا كان بعدها فعل فاعلم بأنها بمعنى : هلا

لكن إن كان بعدها اسم فهي تفيد امتناع شيء لوجود شيء

أعطيكم مثالا عليها : لولا الله لضللنا ، لولا أتى بعدها اسم وهو الله لم يأت بعدها فعل ، لولا الله لضللنا انتفى عنا الضلال لوجود هداية الله ، هذه ليس لنا بها علاقة ، علاقتنا بهذه ، هذه أتى بعدها فعل وإذا أتى بعدها فعل فاعلم بأنها بمعنى هلا التي للتحضيض يحض على فعل الشيء

ولذلك قال البغوي ولعله يقصد لولا التي بمعنى هلا التي بعدها الفعل

يقول كل لولا في القرآن بمعنى هلا إلا في آية واحدة { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ } يعني أصلها فلو لم يكن من المسبحين وليس معناها أن يحض على التسبيح لأنه كان يسبح { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ } يعني فلو لم يكن يونس عليه السلام من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أن كفار قريش أثبتوا أن الله يتكلم ، وكما أسلفنا صفة الكلام بحروف ومعاني وأنه يسمع ليس الحروف دون المعاني ولا المعاني دون الحروف بل الحروف والمعاني يتكلم جل وعلا وكلامه صفة ذاتية وفعلية يتكلم متى شاء إذا شاء بما يليق بجلاله وعظمته

سبحان الله ! إذا كان هؤلاء الكفار مع أنهم كفار ما بعد الكفر ذنب ، لكن مع هذا انظروا الكفار أثبتوا صفة الكلام ، وهناك ممن ينتسب إلى أمة محمد عليه الصلاة والسلام ينفون الكلام عن الله كالجهمية والمعتزلة وأشباه هؤلاء

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أنهم طلبوا من النبي عليه الصلاة والسلام أن يكلمهم الله ، بماذا ؟ أن يكلمهم الله إما كلاما عاما وإما كلاما يصدقك يا محمد على أنك نبي { أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ } نريد آية وعلامة ظاهرة على أنك صادق فيما قلته من النبوة

سبحان الله ! هم طلبوا الكفار طلبوا ، وهذا يدل على أن الكفر ملة واحدة

يعني هنا طلبوا مثل هذا الأمر ، في سورة الإسراء { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا }

الأمم السابقة التي قبل كفار قريش قالت أيضا ، الآية التي قرأناها { يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً }

فدل هذا على أن طرق الكفر والضلال واحدة ولو تنوعت الأساليب واختلفت فإنهم والحالة هذه سواء