تفسير سورة البقرة ــ الآية ( 120 ) / الجزء الأول
قوله تعالى : { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنفسر في هذه الليلة قول الله عز وجل :
{ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــ
بيان أن اليهود والنصارى لن ترضى عن النبي عليه الصلاة والسلام في زمنه ولن ترضى عن أمته أو عن أحد من أمته حتى يدخلوا في دين اليهودية أو في دين النصرانية ، فلو أظهروا للمسلمين الحب والاحترام إلا أن هؤلاء لن يكون لهم رضا تام إلا أن يتبع أفراد هذه الملة ملتهم ، ولذا أتى هنا بحرف ” لن ” لن : أداة نصب ونفي واستقبال تنصب الفعل المضارع وهي للمستقبل تدل على أنهم مهما كانوا في أي عصر لن يحصل منهم رضا على هذه الأمة إلا بشرط أن يدخلوا في اليهودية أو في النصرانية
ونفي ، ولذلك كلمة ” لن ” نافية لكن هل تفيد النفي المؤبد بمعنى أنه يستحيل أن يحصل هذا أم لا ؟
يعني : لو قلت لا يقوم زيد نفي نفينا عنه القيام لكن ليس مؤكدا لكن لما تأتي وتقول لن يقوم زيد هنا أعظم في النفي لكن ألا يمكن أن يقوم زيد ؟
بلى يمكن ، ويمكن أن لا يقوم ، فهنا تكون ” لن ” عند بعض العلماء لتأكيد النفي وليس لتأبيده
ولذلك قال ابن مالك :
ومن رأى النفي بلن مؤبدا فقوله وارد وسواه فاعضدا
لم ؟ لأن الله عز وجل قال عن اليهود { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا } يعني الموت ومع ذلك نفى عنهم أن يتمنوا الموت في الدنيا ، لكنهم سيتمنونه في الآخرة { وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ }
بعض العلماء يقول هي لتأبيد النفي ، يعني إذا أتت كلمة ” لن ” فإنه لن يقع هذا الشيء أبدا
والصواب ما ذهب إليه الشنقيطي صاحب كتاب أضواء البيان أن ” لن ” لتأبيد النفي إلا إن دل دليل يخرجها ، ولذلك قوله تعالى لموسى عليه السلام { لَنْ تَرَانِي } يعني ما يرى الله أبدا ؟ لا ، { لَنْ تَرَانِي } يعني في الدنيا لكنه سيراه في الآخرة لأن الأحاديث متواترة جاءت بإثبات أن المؤمنين يرون الله يوم القيامة ، ولم ينكر ذلك إلا أهل الأهواء من المعطلة ومن شابههم
إذن هنا { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ } لتأبيد النفي ، لا يمكن أن يحصل منهم رضا عليك إلا إذا اتبعت ملتهم
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــ
أن الواجب على المسلم أن يلتمس رضا الله وألا ينظر إلى رضا المخلوق ولا إلى سخط المخلوق مهما كان ذلك المخلوق ، فإنه إن أرضى الله كما جاءت بذلك الأحاديث عند الترمذي وغيره رضي الله عنه وتولاه ، وإن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه ووكله إلى الناس
وجاء عند العقيلي ولعله يكون ثابتا باعتبار الشواهد قال ( عاد حامده ذاما )
انتبه ، ولاسيما من يكتب في وسائل التواصل ويكون له أتباع انتبه لا تذهب في تغريداتك أو في كتاباتك إلى ما يروق للمتابعين أو ما يطلبه المتابعون ، كلا ، اكتب الحق ، ارض الله عز وجل ، من قبل الحق فليقبله ومن لم يقبله فالإثم عليه ، لا تنظر لأنك إن كتبت وهذا شيء شاهدناه فيما مضى من سنوات ونحن نراه في مثل هذه السنوات إن كتبت ما يروق للمتابعين سيذمك هؤلاء المتابعون لأن من يتابعك كل له مشرب ورغبة فلا تكن مسيرا من قبل هؤلاء ، لا ، لا تكن متأثرا ، كن مؤثرا ، مؤثرا بماذا ؟ بالحق ، قل الحق ، والله تبعك أحد أو لم يتبعك أحد هذا لا تنظر إليه ولذلك حتى الرغبة الشديدة العظمى من بعض الناس في كثرة من يتابعه بل ويفتخر بذلك أو ليتباهى أو أنه يتلقى التهاني هذا خطير على دين المسلم لأنه من باب الشهرة ، والسلف ، آثار بالمئات يحذرون من الشهرة وكانوا لا يريدونها ولا يرغبون فيها
والدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام عند الترمذي قال ( ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لهما من حرص المرء على المال والشرف لدينه )
سبحان الله ! ذئبان جائعان ، وفي غنم ضعيفة ، كيف يفسد هذا الذئبان في هذا الغنم ؟ حرصك على الشهرة وعلى المال أشد إفسادا لدينك من إفساد هذين الذئبين في هذه الغنم ، ولعلكم تلحظون هذه طبيعة ابن آدم إلا إن قاوم الإنسان نفسه لو كان لدى الإنسان مال ما يقتنع يريد أن يشتهر وإن اشتهر أراد المال ، هذان مطمعان لابن آدم يريد مالا ويريد أن يشتهر والإشكال أن يشتهر على حساب الدين
ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام ( لما سجد ذات يوم وسجد كل من معه لم يسجد معه اثنان ) لعلهما من المنافقين أرادا الشهرة من أجل أن يشتهرا
إذن تخالف الدين من أجل الشهرة
انتبه قضية أنك تكتب ، لا تكتب إلا ما يرضي الله ، أسخط الناس أو لم يسخط الناس لأنهم والله لن ينفعوك وسيتبرؤون منك في الدنيا كما هو مشاهد قبل الآخرة
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ( الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة )
الراحلة هي الناقة التي تصلح للركوب انتقاؤها من بين الإبل صعب
فيقول ( الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة ) لا تغرنك كثرة الأعداد أو كثرة من يعرفك ، لا ، لو أردتهم ما وجدتهم
هذا حديث النبي عليه الصلاة والسلام بل سيكون هؤلاء وبالا عليك
فالشاهد من هذا : الإنسان يحرص على رضا الله ، والله في مجلس أنا تحدثت عن وسائل التواصل لأنها هي التي سيطرت على عقول الناس في هذا الزمن
كنت في مجلس في أي مكان في وسائل التواصل قل الحق والله إن قلت الحق والله سيرفعك الله ولو قل أتباعك ولو قل أتباعك
أتدرون وهذا كمثال شيخ الإسلام وجد في بيئة مظلمة بالخرافات وبالبدع وبالمنكرات وصدع رحمه الله بالحق وعودي حتى من أناس ينتسبون إلى العلم ، عودي في ذلك الزمن حتى إن كتبه لم تنشر بينما كتب غيره انظروا سبحان الله ! كتب غيره من الأشاعرة ونحو هؤلاء سوق لها عبر الآفاق
والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي بقي ؟ لأنه قال الحق
هل يظن نحسبه والله حسيبه هل يظن شيخ الإسلام في وقته مثلا أن هناك أشخاصا من بينهم فلان وفلان سيذكرون اسمه في المساجد وأنه سيكون بهذه الشهرة
عليك أن تقول الحق ، والله عز وجل ناصر الحق ومن أخذ بالحق نصره الله ولا تنظر إلى البشر ، البشر والله لن ينفعوك .