تفسير سورة البقرة ــ الآية ( 123 )
قوله تعالى : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفسير قوله تعالى :
{ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } [البقرة:123]
هذه الآية كررت فإن الله ثنى بذكرها هنا لأنها سبقت ولعل المقصود من التكرار مع تنوع الأسلوب في هذه الآية مما يجعل الإنسان على استمرار بتذكر ذلك اليوم العظيم ، لأن من تذكر الآخرة زاده ذلك إقبالا على الله
ولذلك : تلحظون أنه في النصوص الشرعية يذكر الإيمان بالله مع الإيمان باليوم الآخر ؛ لأن اليوم الآخر يتضمن الترغيب والترهيب الرجاء والخوف وذكره عز وجل لأنه محبوب جل وعلا محبوب عباده فيكون في هذا الذكر لهذين الأصلين من أصول الإيمان الستة لأن أصول الإيمان ستة الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره
فهنا اجتمعت أركان العبادة ، ما هي أركان العبادة ؟
محبة الله ، خوف الله ، رجاء الله
ولذلك في قوله عز وجل { إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ } في أحاديث كثيرة ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر …. )
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــ
أن الله أمر بأن يتقى هذا اليوم ، ما الذي يتقى فيه ؟ يتقى فيه الهول والعذاب ، وإلا فاليوم زمن من الأزمنة لكن المقصود ما قدره الله عز وجل فيه من العذاب والأهوال ، ومن لم يتق الله كما قال بعض العلماء فإنه سيتقي غيره
انتبه : المخلوق لابد أن يكون متقيا لابد أن يكون متقيا إن لم تتق الله اتقيت غيره
ما هي التقوى ؟
هي اتخاذ وقاية من عذاب الله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه يعني فيه خوف ورجاء إن لم ترج الله إن لم تخف الله فإنك في مثل هذه الحال لن تنفك من التقوى فإنك ستخاف المخلوق وترجو المخلوق والمخلوق ضعيف
فإذن هذا فيه دعوة لنا إلى أن نجعل تقوانا لله عز وجل
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــ
أنه قال عز وجل هنا { لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا } يعني ما من نفس تجزي عن نفس شيئا أبدا إلا إذا كان هناك عمل صالح ، ولن ينفع نسب
سبحان الله ! يقول ابن القيم أعظم الوصال وصال الأبوة والبنوة والزوجية ومع ذلك إذا عدم الإيمان معها فلن تنفع { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا }
إذن وصال الزوجية ما نفع ما عدم الإيمان ، ما نفع نوح ولوط أزواجهما
إبراهيم ما نفع أباه ، ما نفعت وصلة الأبوة ، نوح لم ينفع ابنه
النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين نادى قال( يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا ، يا عباس عم رسول الله عليه الصلاة والسلام ، يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أغني عنكم من الله شيئا )
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــ
أنه قال عز وجل { وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ } عدل يعني فداء
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ }
وإنما سمي الفداء الذي يدفع عدل ؛ لأنه يساوي الشيء بالشيء لما تفدي شيئا من أجل شيء فإنك جعلته مساويا له ، وإن لم يكن من جنسه ولذلك لعل الكلمة الدارجة عندنا يسمون الشخص الذي تزوج بامرأة وتزوجت أختها بشخص يسمونهه عديلي
المثل قلنا عدل يعني الفداء بفتح العين إذا قلت بالكسر عِدل هذا هو المساوي للشيء
إذن لعل هذه اللفظة تنطق عِديلي ما هو بالفتح من باب أنه سواه في أخذ أخت زوجته ، فصارا متساويين
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــ
أن الشفاعة لا تنفع إلا بشرطين ، الشفاعة لا تنفع إلا بشرطين :
ــ إذن الله للشافع أن يشفع ـــ ورضاه عن المشفوع له بأن يكون من أهل التوحيد
ولذلك جمع الله بين هذين الشرطين في قوله تعالى { وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى }
ولذلك : أنكرت المعتزلة الشفاعة يقولون لا شفاعة ، لم ؟ لأنهم يرون أن صاحب الكبيرة كافر ، ولذلك الزمخشري في تفسيره ماذا قال ؟
قال ” فقطعت هذه الآية وقنطت العبد فقطعت عنه كل المطامع ؛ لأنه لا نصرة ولا شفاعة ولا فداء ” هذا القول الذي قاله بناء على معتقده الزمخشري معتزلي من المعتزلة وإن كان بارعا في تفسير اللغة ولذلك قال شيخ الإسلام قال من قرأ تفسير الزمخشري فعليه أن يتقي عباراته لأنه يبث اعتزاله بحسن بلاغته وأسلوبه ولذلك من ليس متخصصا فلا يقرأ
ولذلك ماذا يقول هنا ؟ يقول هذه الآية قنطت كل عبد وقطعت عنه كل المطامع من باب أن ينفي الشفاعة ، فسرها بأن العبد لن ينتفع يوم القيامة إذا أذنب بأي شيء من هذه الأشياء ، وهذا خطأ ، لم ؟ لأن العصاة تحت رحمة الله ، إن كان كافرا فهو مخلد في نار جهنم لكن أي عاصي مهما اقترف من الذنوب ولو عظمت فإنه تحت مشيئة الله ، إن شاء الله عذبه بقدر ذنبه ، وإن شاء الله رحمه ، وإن شاء جل وعلا أذن لمن شاء أن يشفع له حتى لا يدخل النار أو أنه إذا دخلها يأذن عز وجل لمن يشفع له بأن يخرج منها
هم يقولون : لا
ولذلك الخوارج تبعت المعتزلة في هذا ، ولذلك صاحب الكبيرة عندهم كافر مخلد في نار جهنم
لكن هم يقولون الخوارج تبعت المعتزلة هنا قالوا صاحب الكبيرة خالد مخلد في نار جهنم ، ولذلك يرون تكفير حكام المسلمين ويرون أنهم ليسوا بمسلمين ولذلك ما يجري من هذه الأحداث إنما هي نابعة من هذا المعتقد الفاسد ، وكما قلت لكم كما قال ابن عمر رضي الله عنهما أخذوا آيات من الكتاب هي في شأن الكفار فأنزلوها على المسلمين
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــ
أنه قال عز وجل هنا { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } ينصرون بماذا ؟ قلت بالأمس حذف المعمول يدل على العموم ، لا ينصرون بأي شيء ، ولذا من أراد النجاة فليأت الله وهو على ما يريد الله حتى ينجو
ولذلك انظر : ” ابن آدم إذا أراد التخلص من شيء إما أن يتخلص منه بدفع مال ، إما بدفع مال ، وهذا مذكور في كلمة { عَدْلٌ } وإما أن يتخلص منه بجاه وهذا مذكور في { شَفَاعَةٌ } وإما أن يتخلص منه بقوة وهذا مذكور في { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } إذن لا مال ينفع يوم القيامة ولا جاه ينفع
إلا من أذن الله بأن يشفع ويشفع لمن ؟ يشفع للمسلمين،أما الكفار فلا شفاعة
ولا قوة تدفع عذاب الله { وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ } إن أراد الله شيئا كان .