تفسير سورة البقرة الدرس ( 23 ) [ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل .. الآية ( 30 ) ] الجزء الأول

تفسير سورة البقرة الدرس ( 23 ) [ وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل .. الآية ( 30 ) ] الجزء الأول

مشاهدات: 545

تفسير سورة البقرة  ـ  الدرس الثالث والعشرون

تفسير قوله تعالى :

{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) }

البقرة30/  الجزء الأول

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) }

 

من فوائد هذه الآية الكريمة :

أن كلمة ” إذ ” تدل على فعل محذوف

وهذه إذا مرت بك في القرآن فخذها قاعدة :

{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ }

معنى الكلام : واذكر قول ربك

فـ” إذ “ تتضمن فعلا مقدرا بمعنى : اذكر

يعني  : اذكر يا محمد إذ قال ربك للملائكة

اذكر يا محمد قول ربك للملائكة .

 

ومن الفوائد :

أن كلمة ” إذ ” تختلف عن كملة ” إذا “

إذ : ظرف للماضي

إذا : ظرف للمستقبل

كيف  تتذكر هذا ؟

اقرأ قوله تعالى :

{ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) }

 

ومن الفوائد :

إثبات صفة القول والكلام لله وأنه جل وعلا يتكلم بنوعي الكلام

ما نوعا الكلام ؟

المناجاة والمناداة

المناجاة : بصوت خفيض

والمناداة : بصوت رفيع

ولذا قال تعالى عن موسى : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } مريم52

على ما يليق بجلاله وعظمته

ولذا :

يتكلم جل وعلا بحروف ومعاني وبكلام مسموع

خلافا لمن عطل الله عن هذه الصفة وقال : إنه لا يتكلم أو يتكلم لكن كلامه في القلب نفساني من حيث  المعنى

وهذا كلام باطل :

لأن صفة الكلام صفة كمال

فهو جل وعلا يتكلم بما شاء متى شاء .

 

ومن الفوائد :

أن كلمة ” الرب “ إذا وردت في القرآن في سياق النبيين أو في سياق أولياء الله فالمراد منها الربوبية الخاصة

وهنا الربوبية الخاصة

وهناك ربوبية عامة :

وهي لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم

بمعنى : أنه عز وجل يربيهم ويرزقهم ويعافيهم ويشفيهم المؤمن والكافر

بينما الربوبية الخاصة هي للمؤمنين

يغذي قلبوهم

بماذا ؟

بتقواه وبالخشية منه

 

ومن الفوائد :

أن الملائكة خلق من خلق الله عز وجل

والإيمان بهم واجب

وهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون

وليسوا إناثا كما زعم ذلك الكفار

وهم لا يفترون عن الطاعة

{ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ }الأنبياء20

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لكن لو قال قائل :

قال هنا : الملائكة

والتاء تدل على التأنيث والله عز وجل أنكر على الكفار لما زعموا أن الملائكة إناث

فيا ترى ما هو الجواب ؟

الجواب أن يقال :

إن التاء في الملائكة للمبالغة

فقد تدخل التاء على المذكر للمبالغة كما لو قلت لشخص : هذا علامة

الأصل : علام

لكن أتي بالتاء هنا للمبالغة يسمونها : تاء المبالغة

أو أن التاء هنا للتأنيث

تأنيث ماذا ؟

ما هو تأنيث الملائكة ، لا ، تأنيث  طائفة الملائكة

الملائكة يعني  : طائفة الملائكة

كما قال عز وجل لما أقسم بالملائكة قال :

{ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) }

فلماذا هذه التاء ؟

لجماعة الملائكة

ولا يراد منها الملائكة

فالملائكة ليسوا بإناث

 

ومن الفوائد :

بيان فضل الملائكة إذ اخبرهم الله بما  سيكون من خليفة في هذه الأرض

فامتن الله عليهم بأنه كلمهم وكلموه

ولكن لو قال قائل :

أيهما أفضل الملائكة أم صالحوا البشر ؟

صالحوا البشر يخطئون يذنبون

الملائكة لا

{ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } التحريم6

قال ابن أبي العز الحنفي :

يعني مثل هذه المسألة لا يشتغل الناس بها وإنما يشتغلون بما يفيد عبادتهم

يعني  : عرفنا أن الملائكة أفضل أو صالحي البشر أفضل ما الذي يعود عليك لما تعلم بهذه المسألة ما الذي يعود عليك في عبادتك لا يعود عليك بمزيد فائدة لعبادتك ؟

إذا كان هذا الكلام من أهل العلم فيما يخص شيئا من نبذ  العلم فما ظنكم بالكلام الفارغ الذي لا  يعود على الناس بخير إنما يعود عليهم بشر؟

ولذا اختلف العلماء :

أصالحوا البشر أفضل أم الملائكة أفضل ؟

قيل بهذا  وقيل بهذا

ولكل أدلة

من أدلة من يقول بأن صالحي البشر أفضل ما جاء بعد هذه الآية :

{ وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

وبعضهم قال : إن الملائكة أفضل

ولكن أحسن ما يجمع هذين القولين قول شيخ الإسلام

ما هو قول شيخ الإسلام ؟

يقول :

” إن الملائكة أفضل باعتبار أولوية الأمر

وصالحوا البشر أفضل باعتبارية آخر الأمر

ما معنى هذا الكلام ؟

معنى هذا الكلام :

أن الملائكة أفضل من صالحي البشر في هذه الدنيا لأنهم  لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون

لكن في نهاية الأمر لما يدخل صالحوا البشر الجنة هم أفضل من الملائكة

ولذلك قال تعالى :

{ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)  }

فباعتبار الأولية الملائكة أفضل وباعتبار النهاية صالحوا البشر أفضل

وهؤلاء الملائكة خلقهم الله من نور كما جاء في صحيح مسلم

وهم أعداد كثر لا يحصيهم إلا الله

ولذلك :

النبي عليه الصلاة والسلام لما عرج به إلى السماء ورأى البيت المعمور وهو بمثابة الكعبة السماوية لأهل السماء كما أن الكعبة الأرضية لنا نحن البشر

ولذلك في حديث حسنه الألباني :

أن البيت المعمور يسمى بالضراح هذا البيت في السماء بمحاذاة الكعبة لو سقط لسقط على الكعبة

قال النبي عليه الصلاة والسلام  :

(( يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة ))

كل يوم { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ }

ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام :

(( أطت السماء ))

يعني  : صار لها صوت مثل ما يوضع الرحل على البعير يسمع له صوت (( أطت السماء وحق لها أن تئط ، ما فيها موضع شبر إلا وملك ساجد أو قائم لله عز وجل ))

 

ومن الفوائد

انه عز وجل لما خلق الأرض  كما مر في الآية السابقة

{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا }

بين أن الأرض لا يمكن أن تصلح إلا بأمير

ولذلك قال :

{ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً }

ولذا :

لو ان الأرض  لا يكون فيها رئيس ، ولا مرءوس وأمير وأمور فإنها تفسد ولا تستقيم للناس حياة

ولا يقر لهم قرار ولا يحصل لهم أمن ولا تؤمن لهم سبل ولا يتوفر لهم معيشة

ولذلك :

من ضروريات صلاح البشر دين ونيا :

أن تكون هناك ولاية

ولذا :

جاءت الأحاديث الكثيرة في تحريم منازعة ولي الأمر الأمر لما ينجم من ذلك من فساد

قال القرطبي رحمه الله :

” ولم تختلف الأمة ولا الأئمة عن وجوب تنصيب إمام للناس إلا ما روي عن الأصم إذ قال : إذا استقامت أمور الناس من غير أمير ووزعوا الأرزاق فيما بينهم واستقر لهم قرار فيقول : لا يلزم من تنصيبهم

قال القرطبي:

” ولم يخالف في  وجوب تنصيب إمام للناس لم تخالف في الأمة ولا الأئمة لم يخالف في ذلك إلا الأصم لأنه عن الشرعية أصم “

لماذا أصم ؟

لأنه لم يتفطن لما جاءت به النصوص الشرعية

ولذلك :

النبي عليه الصلاة والسلام قال كما عند مسلم :

” من بايع إمام فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع  فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر “

وجاء في رواية : ” فاقتلوا الآخر منهم “

قال بعض العلماء :

إن قتله بأن يعزل لأنه  إذا عزل قتل معنويا “

والصحيح :

أنه يضرب عنقه “

ولذا :

الأئمة يقولون :

لو أن الإمام فسق وأسرف في الفسق فإنه لا يجوز أن يخرج عليه إلا بكفر بواح

لما عند مسلم :

قوله عليه الصلاة والسلام :

” لما ذكر قدر الأئمة قال : ” إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان “

وجاء عند مسلم :

قالوا :

يا رسول الله – لما ذكر الأئمة أصحاب الجور – قالوا : (( يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف قال : لا ما أقاموا فيكم الصلاة ))

وفي رواية : ” ما صلوا “

أما بفسقهم  فلا يجوز أن يخرج عليهم

بل قال العلماء :

يحرم على ولي الأمر الذي يستطيع أن يقوم بشئون الولاية يحرم عيه أن  يعزل نفسه “

بل عليه أن يبقى إلا إذا كان لديه عذر أو كان لا يصلح ويرى من نفسه أنه لا يصلح أو أن لديه عذرا

كما صنع الحسن :

الحسن بن علي  رضي الله عنه:

تنازل عن الإمامة لمعاوية رضي الله عنه من أجل  أن يجمع كلمة المسلمين

فسمي ذلك العام بعام الجماعة

 

ولذلك :

ما ذكر الله عز وجل الخليفة هنا :

{ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } إلا من أجل أن هذه الأرض لا يمكن أن تصلح إلا بولي إلا بخليفة

بل قال العلماء :

لا يجوز أن ينصب في الأرض أكثر من إمام

طبعا لما فعل الغرب فعلته ولما فعل الكفار فعلتهم في تقسيم الدول الإسلامية فأصبحت لا تتجاوز من دولتك إلى دولة أخرى إسلامية إلا بجواز سفر وما شابه لك وقع ما وقع

وإلا فالأصل :

الأئمة يرون أئمة الدين علماء السلف لا يرون أن يكون هناك إمام للمسلمين إلا إماما واحدا وله أن يضع أمراء في الدول الأخرى

لكن لما تفرق الناس وحصل ما حصل فالواقع هو الذي يتعين فعله الآن

لكن من حيث الأصل الأمور لا تستقر إلا بولاية

ولذلك من يرى بعين ثاقبة بعض الدول التي حصل فيها ما حصل يجد فيها  من القتل والنهب والسلب ما لا يحصى وما لا يوصف .

 

ومن الفوائد :

قوله عز وجل : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً }

خليفة من ؟

خليفة الله في أرض الله ؟

لا

الخليفة لا يكون خليفة إلا لمن يغيب عن خلافته والله لا يغيب

ولذلك لم يقل هنا : خليفتي

ولذلك :

قال شيخ الإسلام رحمه الله في حديث عند ابن ماجه في قصة المهدي يخرج في آخر الزمان قال :

” فإذا رأيتموه فبايعوه فإنه خليفة الله المهدي “

قال : هذه الجملة ليست صحيحة وهي ليست صحيحة من حيث  السند

على كل حال:

{ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً }

يعني  :يخلف بعضهم بعضا

 

ومن الفوائد :

بيان فضل البشر

كيف ؟

ذكرهم الله في الملأ الأعلى فهي فضيلة لبني البشر لكن هذه الفضيلة لا تبقى إلا إذا أبقاها ابن آدم بفضل من الله إذا أطاع الله

وإلا فالفضل له

فمن أراد أن يبقى على الدرجة الفضلى التي  جعلها الله له في الملأ الأعلى يوم أن خلق آدم عليه أن يحرص عيها

كيف يكون الحرص عليها ؟

بطاعة الله عز وجل

فيكون معنى الخليفة هنا :يخلف بعضهم بعضا

ولذلك قالت الملائكة :

{ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ }

يعني : أن هناك أشخاصا يخلف بعضهم بعضا