تفسير سورة البقرة الدرس ( 27 ) [ قالوا لا علم لنا إلا ما علمتنا .. الآية ( 32 )]

تفسير سورة البقرة الدرس ( 27 ) [ قالوا لا علم لنا إلا ما علمتنا .. الآية ( 32 )]

مشاهدات: 497

تفسير قوله تعالى ـ الدرس ( 27 )

{ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴿٣٢﴾

البقرة﴿٣٢﴾ }

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال عز وجل    ﴿﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ آية من أعظم الآيات في إذلال النفس وبيان عجزها  ﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾.

من فوائد هذه الآية :

أن الملائكة تواضعوا , ما مكمن التواضع ؟

الجواب: أنهم نسبوا العلم إلى الله و نسبوا إلى أنفسهم عدم العلم .

ولذلك من لا يعرف (لا أعلم) فإنه اتصف بصفة إبليس لأن من لا يعرف

(لا أعلم) يريد الكبر والعلو والرفعة مثل ما صنع إبليس لكن من يعرف

(لا أعلم) يكون بمثابة الملائكة الذين تواضعوا وهذه توارثها الناس وتوارثها السلف رحمهم الله .

النبي صلى الله عليه وسلم لما سئُل عن تُبع

أهم خير أم قوم تُبع

قال (لا أعلم) بعد حين لما أعلمه الله عز وجل قال كما في المسند ( لا تسبوا تُبْعاً فإنه قد أسلم ).

أبو بكر رضي الله عنه لما أتته الجدة توفي شخص وله جده وطلبت ميراثها قال (لا علم لي اذهبي وسأسأل الناس) .وهو مَنْ ؟

أبو بكر رضي الله عنه .

فسأل الناس فأُخبر بأن الجدة فرضَ لها النبي صلى الله عليه وسلم السدس سواءً كانت واحدة أو أكثر يشتركن في السدس .

علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما جاءه رجلٌ يسأله فقال (لا أعلم)

قال لما ولى الرجل قال علي رضي الله عنه (ما أبردها على الكبد ما أبردها على الكبد ما أبردها على الكبد) .

قيل ما هي قال (أن يقول الإنسان فيما لا يعلم لا أعلم) .

ابن عمر رضي الله عنهما لما سأل عن مسألة فقال ( لا أعلم ) فلما ولى الرجل قال ابن عمر رضي الله عنهما (نعم ما قاله ابن عمر ) .

ما الذي قاله ابن عمر ؟ ( لا أعلم) .

الإمام مالك رحمه الله سئل في ثمانية و أربعين مسألة قال في اثنتين وثلاثين مسألة (لا أدري )

ابن عبد البر في كتابه فضل العلم ذكر عن الإمام مالك رحمه الله أن رجلاً سأله والناس حول الإمام مالك وقال الإمام مالك رحمه الله (لا أدري) فكرر السؤال عليه مرة أخرى قال (لا أدري).

فقال الرجل إن أهل قريتي بعثوني إليك لكي أسألك فماذا أقول لهم قال قل لهم إن الإمام مالك (لا يدري)

وذكر ابن عبد البر رحمه الله عن أحد السلف أنه لما جاءه رجل و سأله عن مسألة فقال (لا أعلم) فكرر عليه فقال (لا يغرنك طول لحيتي و اجتماع الناس حولي والله لا أدري )

ولذلك الإنصاف في العلم أن تقول لشيء الذي تجهله لا أعلم .

بعض الناس سبحان الله من شاء أن يتكلم في الدين تكلم ويعرض نفسه للاثم لأنه يريد أن يظهر للناس أنه عالم و أنه لا يخفى عليه شيء و أن لديه من العلم ما لم يسبقه أحد هذا خطأ .

لأنه كما قال ابن مسعود رضي الله عنه (إن من العلم أن تقول لما لا تعلم الله أعلم ) هذا من العلم .

أبو بكر رضي الله عنه لما سأل عن ( وَأَبًّا )  قال ( أي سماء تظلني و أي أرض تقلني أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم ) .

يقول شيخ الإسلام رحمه الله كما في مقدمة التفسير (إنَّا أبا بكر يعلم أنه طعام للبهائم لكن ماهية هذا الطعام كان يجهله ).

لا يظن أحد أن أبا بكر لا يعلم أنه نوع من أنواع طعام البهائم لكن ماهية هذا الطعام لا يدري .

ولذلك يقول الإمام مالك رحمه الله

اسمعوا كلام يخالف واقعنا بل نعزي فيه أنفسنا يقول الإمام مالك رحمه الله كما نقل القرطبي رحمه الله في التفسير (ما أقل الإنصاف في واقعنا (ما الإنصاف) أن يقول لما يجهل لا أعلم)

قال القرطبي رحمه الله: ( كيف لو رأى زماننا ممن طلب العلم للرئاسة و الوجاهة وأصبح كل واحد يطعن في الآخر فعظمَّ الحقد وعظم الضغينة في النفوس فتلاشت التقوى والخوف من الله عز وجل في القلوب) .

هذا يسب هذا وهذا يقدح في هذا.

هذا عصر مَنْ ؟  عصر القرطبي رحمه الله.

ما ظنكم بعصرنا مع وجود وسائل التواصل كلٌ يطعن في الآخر ذهابٌ للأوقات وذهابٌ للحسنات وتضيعٌ للخير وجلبٌ للشر .

ولذلك العاقل هو الذي ينقذ نفسه لا تقل إن فلانا فعل أو أن فلانا صنع انج بنفسك

إذا وجدت معارضة انتبه

هذه قاعدة إذا وجدت معارضة بين أن تصلح الغير وتخسر أنت لا تقدم انعزل .

ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن يقول (عليك بخويصة نفسك) الله عز وجل لما ذكر أصحاب البحر و أصحاب الحيتان من بني إسرائيل وحصل ما حصل من الموعظة ( وَاسأَلهُم عَنِ القَريَةِ الَّتي كانَت حاضِرَةَ البَحرِ إِذ يَعدونَ فِي السَّبتِ إِذ تَأتيهِم حيتانُهُم يَومَ سَبتِهِم شُرَّعًا وَيَومَ لا يَسبِتونَ لا تَأتيهِم كَذلِكَ نَبلوهُم بِما كانوا يَفسُقونَ ﴿١٦٣﴾ وَإِذ قالَت أُمَّةٌ مِنهُم لِمَ تَعِظونَ قَومًا اللَّـهُ مُهلِكُهُم أَو مُعَذِّبُهُم عَذابًا شَديدًا(ما الجواب أول جواب) قالوا مَعذِرَةً إِلى رَبِّكُم (أهم شيء أننا نبرأ الذمة)

وَ لَعَلَّهُم يَتَّقونَ ) إن اتقوا الله فهذا خير لكن أهم شيء أني أنقذ نفسي .

بعض الناس يقول اجعل بين وبين النار مطوع

هذه مقولة مستقاة من كلام لابن عمر رضي الله عنهما أحد أصحابه كما قال ابن عبد البر في كتابه فضل العلم صحبة ابن عمر رضي الله عنهما  شهورا فكثيرا ما أسمعه يقول (ما ادري) ثم يلتفت إلي ويقول أتدري ماذا يريد هؤلاء ؟ (يريدون أن يجعلوا ظهورنا جسوراً لهم على متن جهنم) .

أنقذ نفسك

قالوا عالم ويشار إليه بالبنان و ….و…. ثم أثني عليك اليوم سنة سنتين ثم ماذا كلام يذهب في الهواء و لذلك في المسند لما أتى ذلك الأعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في حجرته فقال يا محمد اخرج فإن مدحي زين وذمي شين يعني إذا مدحتُ أحداً أرتفع وإذا ذممت أحداً انخفض فقال صلى الله عليه وسلم     ( ذاك هو الله ) ما هو أنت.

طيب لو مدحت ثم ماذا

لو ذممت ثم .. (ذاك هو الله ) الذي مدحه زين وذمه شين ولذلك لما تواضعت الملائكة مدحوا هنا , ولذلك ما يقدم على الترفع وعلى عدم قول لا أعلم في ما يجهل إلا من في نفسه كبر .

الدليل ( الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّـهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ  ) يريد أن يعلو لكن يسقط ويريد أن يرتفع ويريد أن تكون له مكانة وأن يثبت له قدرٌ عند الناس .

فخلاصة القول : علينا أن نكون ملائكيين أصحاب علو ونفوس عالية كما قال ابن القيم رحمه الله ( بعض الناس نفسه نفسٌ ملائكية وبعض الناس نفسه نفس إبليسية ) فالإنسان يتعاهد نفسه ويتعاهد ما بها من شوائب .

 

من فوائد هذه الآية :

مر معنا بيان فضيلة أن يقول الإنسان لما لا يعلم ( لا أعلم ) أو (الله أعلم) وذكرنا الأدلة الشرعية في هذا والآثار الواردة عن الصحابة وعن سلف هذه الأمة .

من فوائد هذه الآية :

أن  كلمة (سبحان): كما قال بعض أهل اللغة قال (هي كلمة تغني عن كلمتين أو هي اختصار لكلمتين بدل أن تقول نسبحك تسبيحا تقول (سبحان الله))

فكلمة (سبحان الله) تغني عن هاتين الكلمتين .

التسبيح : هو تنزيه الله عز وجل عن ما لا يليق به ولا يكون التسبيح تاماً وافياً إلا إذا كان الانسان مستمراً فيه .

وذكرنا الدليل في آية سابقة (إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا).

يعني جرياً في الذهاب للبحث عن معيشتك فدلت كلمة التسبيح على أن التسبيح التام لا يكون إلا و الإنسان جارياً على هذا المبدأ فينزه الله عز وجل عن ما لا يليق به .

من فوائد هذه الآية :

قال بعض العلماء : إن تلك الأسماء التي عرضت على الملائكة فلم يجيبوا عنها (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا) يدل على أن الاجتهاد في حق الملائكة ممنوع  لم يجتهدوا لم يقولوا كذا أو كذا , بينما بنوا آدم جاءت النصوص الشرعية في جواز الاجتهاد لهم لمن عنده آلة الاجتهاد ليس لكل شخص .

من لا توجده عنده آلة الاجتهاد فلا يجوز له أن يجتهد .

ففيه دليل على أن الاجتهاد في حقهم ممنوع لم يقولوا أن هذا هو الشيء  الفلاني أو أن هذا الشيء الفلاني .

من فوائد هذه الآية :

أن صيغ الحصر أربع كما قال البلاغيون أعظمها النفي والاستثناء وهنا موجود ( لَا عِلْمَ  ) ( لا) نافيه , (  إِلَّا) أداة الاستثناء.

مما يدل على ماذا ؟

الجواب : مما يدل على عظم تواضع الملائكة و أن مِن التواضع للعلم أن تقول لما تعلم (لا أعلم) وأن هذا هو الإنصاف للعلم .

إذا سألت من هو المنصف للعلم ؟

فقل من يقول ( لا أعلم) في ما لا يعلم .

من فوائد هذه الآية :

أن الملائكة عليهم السلام مع ما بلغوا من الدرجة العالية إلا أنهم محتاجون لتعليم الله عز وجل لهم فما ظنكم ببني آدم فهم بأمس الحاجة إلى تعليم الله عز وجل وتفقيهه .

ولذلك ماذا قال عز وجل !! (وَما أوتيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَليلًا) فمهما بلغ الإنسان مبلغاً من العلم فإنه لا يكون شيئًا

من فوائد هذه الآية :

أن علم الله عز وجل لا يحاط به فمع أنهم ملائكة وهم مقربون وقريبون من الله ومع ذلك لم يحيطوا بعلم الله عز وجل .

ولذلك قالوا (لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا) ولذلك قال عز وجل (وَلا يُحيطونَ بِهِ عِلمًا)  فهو جل وعلا لا يحاط به وكذلك هو جل وعلا لا يحاط بعلمه .

لكن لو قال قائل

هل آدم يعلم هذا الشيء من نفسه من اجتهاده ؟

الجواب : لا

ولذلك قال قبلها (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) فدل هذا على أن تعليم الله عز وجل منحة منه لمن يشاء .

فآدم عليه السلام لم يصل إلى هذا العلم وبمعرفة هذه الأشياء من تلقاء نفسه وإنما بتعليم الله عز وجل وهذا فضل الله عز وجل يأتيه من يشاء .

ولذلك في الصحيح لما أتى فقراء المهاجرين إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا يا رسول الله إن إخواننا من أهل الأموال و الدثور بلغوا الدرجات العلى فقال صلى الله عليه وآله وسلم بم ؟

قالوا يا رسول الله يتصدقون ويعتقون ونحن فقراء .

فماذا قال صلى الله عليه وسلم قال (ألا أدلكم على أمرٍ تسبقون به غيركم) قالوا ما هو يا رسول الله قال (تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثة وثلاثين) ففعلوا فرجعوا فقالوا يا رسول الله إن إخواننا من أهل الأموال علموا بما فعلنا ففعلوا فقال صلى الله عليه وسلم (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) .

فلا تقل لما هذا أحسن مني ولما هذا أفضل ؟ لا .

ولذلك لو رضي الإنسان بقدر الله عز وجل لما سخط .

من فوائد هذه الآية :

بيان أن الملائكة ولا شك في ذلك  أنهم مؤمنون بقضاء الله عز وجل وقدره ففاقهم آدم عليه السلام ولم يصلوا إلى ما وصل إليه ومع ذلك آمنوا وسلموا .

من فوائد هذه الآية :

أن الملائكة لهم عقول لأن العلم وتعليم الله عز وجل لهم إنما لأن لديهم عقولا .

الذي لا عقل له لا يعلم و أصرح من هذا قوله تعالى (قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ ) فهم يعقلون مراد الله عز وجل صدر الآية أو في ثناياها (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) والعقل في القلب على الصحيح وهو ما يراه الكثير من السلف (من أن العقل في القلب وليس في الدماغ).

وإنما الدماغ بمثابة الموصل للأشياء للقلب يعني كما يقال عندنا (سكرتير) وإلا في الحقيقة أن العقل هو في القلب .

ولذلك قال عز وجل (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ) فسره المفسرون القلب هنا (العقل) .

المجنون له قلب أو لا ؟

يدخل في ضمن هذه الآية ( لا ) (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ) يعني عقل.

ولذلك قال تعالى (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ ) .

من فوائد هذه الآية :

أن الملائكة أثنوا على الله عز وجل مع أنهم لم ينالوا هذه المرتبة وهو علمهم بهذه الأشياء ولذلك ختام الآية (إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) .

ولم تأت هذه الجملة هكذا وإنما أكدت بـ ( أنَّ) المؤكدة و بالضمير المنفصل ( أنت ) تأكيد جازم على أنك أنت يا الله (العليم الحكيم) .

سبحان الله ما يأتي اسم في آخر الآية ألا وله ارتباط بما في ثنايا الآية أو بما في أول الآية بل إن ما في آخر الآية فيه تعلق وعلاقة بالآية .

من الأمثلة الله عز وجل لما ذكر المحاربين الذين يفسدون في الأرض ماذا قال عز وجل (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )

يعني لو تاب هؤلاء المحاربون وسلموا أنفسهم لولي الأمر قبل أن يقبض عليهم مجيء هذين الأسمين يدل على أنه يعفى عنهم عفوا مطلقاً إلا في ما يخص الآدميين لأن حقوق الآدميين ما يدخلها العفو إلا إذا عفوا بأنفسهم .

كل ما فعلوه وأفسدوه .

لكن أفسدوا الأشياء المتعلقة بالمصالح العامة فإنهم لا يؤاخذون عليه إذا سلموا أنفسهم .

لكن فيما يخص الآدميين لو قتلوا شخصاً أو نهبوا مالاً فهذا لا يسقط عنهم .

انظروا : كيف أخذ العلماء هذا الحكم ؟ من آخر الآية (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .

هنا قالوا (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) ما الارتباط ؟

(العليم) : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا)

أخفيت عنا هذا العلم لأنه لا يحاط بعلمك فأنت تهبُ العلم لمن تشاء .

ثم ذكر (الحكيم):

الحكمة : هي وضع الشيء في موضعه المناسب ففيه اذعان وخضوع من الملائكة من ان الله عز وجل اقتضت حكمته أن يضع هذا العلم في آدم ولم يضعه فينا .

فلا اعتراض على أمر الله ولا حكمه .

من فوائد هذه الآية :

أن معتقد أهل السنة والجماعة اثبات ما اثبته الله عز وجل لنفسه من الأسماء والصفات فهنا اثبات لاسمْي ( العليم و الحكيم).

ولتعلم أن أي اسم من اسماء الله عز وجل يتضمن صفة.

( العليم) نقول اثبات صفة العلم.

(الحكيم) اثبات صفة الحكمة .

من فوائد هذه الآية :

أن (الحكيم) له معنيان صحيحان:

اما بمعنى (الحاكم العادل الذي يقضي بالشيء) .

كما قال عز وجل (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴿١٩﴾ وَاللَّـهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) فلا يكون  في كونه إلا ما يشاء عز وجل .

و تأتي بمعنى: (المحكم يعني المتقن للأشياء) .

من فوائد هذه الآية :

ذكر (الحكيم) مع (العليم) اثبات كمال على كمال , لاشك أن العلم صفة كمال والحكمة صفة كمال فاجتمعت معاً كمال مع كمال .

نحن البشر ولله المثل الأعلى لو كان الإنسان عالماً ولكنه ليس بحكيم  , لو ان الإنسان كان حكيماً ولكنه ليس بعالم ما اكتمل .

ولذلك ماذا قال عز وجل عن بعض الأنبياء (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) ليس الهدف أن تجمع معلومات فقط لا بد أن تكون حكيماً .

ولذلك قال عز وجل (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) لمَّ ؟

لأن (الحكمة مأخوذة من المنع) .

الحكمة تمنع صاحبها من أن يقع فيما يدنسه أو يشينه .

ولذلك تسمي العرب (لجام الفرس ):بالحكمة لمَّ ؟

لأنه يمنع الفرس من أن يسير في طريق من غير هدى لكنها لما يمسك بها صاحبها يسيُّرها لكن !! حيث يشاء .

ولذلك تمنع الحكمة صاحبها أن يقع فيما يدنسه أو يشينه.

الله عز وجل ماذا قال (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سورة فَإِذَا أُنزِلَتْ سورة مُّحْكَمَةٌ)

لم  وصفت السورة محكمة ؟ ألم نقل بأن الحكمة هي المنع .

الجواب : لأنه يمتنع أن تُبدل أو تُغير .

ولذلك قال عز وجل عن القرآن بجميع سوره (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) .

ولذلك وصف الله عز وجل آيات القران (تِلكَ آياتُ الكِتابِ الحَكيمِ)

(كِتابٌ أُحكِمَت آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَت مِن لَدُن حَكيمٍ خَبيرٍ) .

ثمَّ هي أيضاً تمنع الممتثل بها تمنعه من أن يقع فيما يغضب الله .

سبحان الله يقول العلماء : ( ان ذكر السورة المحكمة يدل على أنه لم يقع فيها نسخٌ )

النسخ ما هو في اللغة ؟

التبديل والتغيير , امتنعت حتى من النسخ الشرعي .

ولذلك تسمى السورة التي لم يحصل فيها نسخ من الله عز وجل لبعض آياتها تسمى بأنها سورة محكمة .

من فوائد هذه الآية :

أن أعظم ما يثنى به على الله عز وجل أن يثنى عليه بذكر أسمائه وصفاته عز وجل.

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري وغيره قال ( إن لله تسعة وتسعين اسماً من احصاها دخل الجنة ) .

ما معنى احصاها ؟

حفظها وفهم معناها وعمل بمقتضاها .

سبحان الله

كيف اعمل بمقتضى هذين الاسمين الواردين في هذه الآية (إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) ؟

اعمل به !!  حفظها وفهمها واضح لكن كيف اعمل ؟

الجواب : (العليم) لما أُقدم على ذنب فيعظم ايماني بهذا الاسم لأنه جل وعلا (عليم) لدقائق وخفايا الأمور ما اقدم .

لما أريد أن اقدم على ترك واجب اعلم بأن من اسمائه (العليم) .

الحكيم ؟

الحكيم : لو أن الإنسان فاته خير أو حل به شر كيف يعمل بمقتضاه ؟

الجواب : نقول من اسمائه (الحكيم) فله عز وجل الحكمة حيث منعك هذا الخير أو أوقع بك هذا الضر .

ولذلك قوله عليه الصلاة والسلام ( إن لله تسعة وتسعين اسماً من احصاها دخل الجنة )

هو جل وعلى له أكثر من تسعة وتسعين اسماً كما جاء في المسند من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ( أو استأثرت به في علم الغيب عندك) لكن المذكور في الكتاب والسنة تسعة وتسعون

فعلى المسلم أن يجتهد فيها .

إذاً هي أكثر من تسعة وتسعين اسماً ولذلك يخطىء

بعض الناس لما يقرأ هذا الحديث (ان لله تسعة وتسعين اسماً …من احصاها دخل الجنة) لأنه لو وقف دل على أن اسمائه جل وعلى محصورة في تسعة وتسعين اسماً .

لا

لابد أن تكمل المبتدأ بالخبر ( ان لله تسعة وتسعين اسماً مَنْ احصاها دخل الجنة )

وللحديث تتمة إن شاء الله تعالى و صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .