تفسير سورة البقرة الدرس ( 38 ) { واستعينوا بالصبر والصلاة .. } الآيتان ( 45 46 ) الجزء الثاني

تفسير سورة البقرة الدرس ( 38 ) { واستعينوا بالصبر والصلاة .. } الآيتان ( 45 46 ) الجزء الثاني

مشاهدات: 455

تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 38 )

تفسير قوله تعالى :

{ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ{45} الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ{46} } البقرة 45 و 46

الجزء الثاني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مازلنا في ذكر فوائد عند قوله تعالى آمرا اليهود ولاسيما العلماء منهم قال ((وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ {45} الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ{46}  ))

فمن فوائد هاتين الآيتين الكريمتين :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

أنه عز وجل أمر علماء اليهود وهو أمر لهذه الأمة كي يستفيدوا مما وقع فيه أولئك فلا يقعوا فيه أمرهم بالاستعانة بالصبر وبالصلاة وهما أمران أساسيان تحدثنا في الليلة الماضية عن الصبر ((وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ  ))

وبماذا ؟

((وَالصَّلاَةِ ))

الصلاة :

هي  في ذاتها تمدك بأمر الله تمدك بالصبر لكن تحتاج هذه الصلاة إلى صبر منك عليها كلما صابرت على هذه الصلاة كلما أمدتك هذه الصلاة صبرا على صبرك

كيف تصابر عليها ؟

قال الله تعالى :

((وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ))

تحتاج إلى صبر  :
ــ أن تقوم من نومك اللذيذ للصلاة

ــ أن تترك تجارتك المربحة من أجل الصلاة

ــ أن تترك ذلك المجلس التي تتجاذب فيه أطراف الحديث مع غيرك من أجل الصلاة

هذه تحتاج إلى مجاهدة إلى صبر

لما تجاهد نفسك وتدخل في هذه الصلاة تمدك هذه الصلاة بالصبر فإذا وقعت بك بلية أو محنة فصليت رفعت تلك الصلاة همومك

لذلك :

عند أبي داود (عندما حزبه أمر وهمه وغمه عليه الصلاة والسلام أمر قال : ( أرحنا بالصلاة يا بلال )

إلى درجة من مصابرته عليه الصلاة والسلام للصلاة إلى درجة أنه جعل الصلاة قرة عين له

ما معنى قرة عين ؟

قرة عين : أن ترى ولدك تقر به عينك وتسعد لأن القرة عبارة عن الدمع البارد

والدمع البارد يخرج من الفرح والسرور بينما الدمع الحار يخرج من الحزن وعدم السرور

قرة عين : لأن البرد يسمى قر

قرة عين يأنس بها عليه الصلاة والسلام

عند النسائي قال : ( وجعلت قرة عيني في ا لصلاة )

مجاهدة

كل يجاهد مع نفسه

إذا دخل في هذه الصلاة هذه قرة عين له يتلذذ بها ويتمنى أن لا تنتهي مثل ما يرى الإنسان ابنا له صالحا أو يرى له زوجة جميلة يسعد كلما رأها

هل هو في الصلاة تقر عينه بحيث يتمنى أن الإمام لا يسلم

هذه تحتاج إلى أجوبة من كل شخص

 ولذلك:

يقول  بعض العلماء يقول :

 ” والله لو أن الإنسان دخل إلى الصلاة بقلب خاشع لخرج بقلب غير القلب الذي دخل به “

وهذا شيء مشاهد أحيانا يوفق الإنسان بركعتين يصليهما فيتلذذ بهما

لكن متى يكون هذا ؟

عسى يكون في السنة مرة واحدة

تصور لو أن حال الإنسان هكذا والله لا يهمه شيء فمتى ما دخل الإنسان بهذه الطريقة أمدته الصلاة بالصبر

بينما لو أن لإنسان نزلت به محنة أو بلية تجد أن العبادة ثقيلة عليه تجد أن الصلاة ثقيلة عليه

يفترض أن يحرص على الصلاة لتخفف آلامه

لكن لماذا لا يحرص ؟

لأنه لم يصابر نفسه على القيام بها

لو صابر نفسه على القيام بها نفعته بإذن الله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن بعض العلماء فسر الصبر بالصوم

كأن الآية استعينوا بالصوم وبالصلاة

ولا شك أنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه سمى رمضان بشهر الصبر

هو شهر الصبر لكن الصبر عام من بينه : أن يصابر على الصيام

لماذا يصابر على الصيام ؟

كيف يستعين بالصيام ؟

النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين :

 ” يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع “

  ــ كيف تصبر على الشهوة التي أمامك والمغريات  والمتاعب وما عندك قدرة على الزواج قال :  ( ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء )

ولماذا  الصوم ؟

لأن الصوم يرفعك إلى مرتبة الإحسان والإخلاص

في الليلة الماضية قلنا : لماذا اعتبر يوسف من المحسنين :

لأنه أخلص لله فنجاه الله من امرأة عرضت نفسه عليه وهي من أجمل الناس وغلقت الأبواب : (قال معاذ الله )

فماذا قال عز وجل :

((كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء ــ لم ؟ ــ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ )) يوسف24

في آخر السورة لما انتهت محن يوسف ورفعه الله درجات قال : ((إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )) يوسف90

والإحسان هو الإخلاص

وكيف يتحصل على الإخلاص ؟

بالصوم

كيف يكون الصوم إخلاصا ؟

قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه كما في الصحيحين قال :

(( كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ))

لم هو لله ؟

لأنه تحقق  فيه الإخلاص

بإمكان الإنسان أن يصلي ويكون مرائيا لشخص

قد تكون صائما وتختفي وتأكل لكن لما لم تأكل دل على أنك مراقب لله ولذلك قال : ((إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ))

فهاتان الجملتان أفادتا من أن الإنسان إذا أراد أن يستريح في هذه الدنيا لأن هذه الدنيا لا يمكن أن تبقى لك على حال والله لو اجتمعت عندك الثروات لا يمكن أن تخلص نفسك من همومها وأتعابها إلا بالصبر وبالشرع الذي هو عبادة الله

الصبر والصلاة التي هي عبادة

وكما قال ابن القيم كما في زاد المعاد :

قال : ” لو فتشت العالم كله كل من في الكون والله لا ملك ولا أمير ولا وزير ولا غيره يقول لو فتشت العالم كله لوجدت أن الكل مصاب إما بفوات محبوب أو حصول  مكروه “

بعض الناس تحصل له مصيبة هذا مصاب

بعض الناس ما تحصل له مصيبة يعني لا يأتيه ما لا يلائمه لكن يفوته شيء محبوب لديه فهو مصاب إما بفوات محبوب أو بحصول مكروه

ولذلك :

مهما كان الإنسان في رغد من العيش بعض الناس يهتم ويقلق نفسه والنهاية ماذا ؟

النهاية إما مرض في آخر حياتك

كبار سن كانوا من أنشط الناس هم الآن من أقربائنا ومن مجتمعاتنا ونراهم أنهم متعبون مرضى هذه هي نهايتك

ما ينتظر السليم إلا المرض ولا الحي إلا الموت

إن فاتك المرض ما هناك فوت من الموت

فلماذا التعب ؟

 ولماذا القلق ؟

يذكر الذهبي:

 في سير أعلام النبلاء عن أمير من أمراء بني أمية يقال له : ” الناصر لدين الله هذا من خلفاء بني أمية في قلب الدولة العباسية

الدولة العباسية لما سيطرت ، وأنهت حكم الدولة الأموية قتلت أمراءها ، فذهب الذي هو عبد الرحمن الداخل يسمى بصقر قريش لأنه دخل الأندلس أسبانيا فر من حكم الدولة العباسية ومن إرادتهم قتله لهم فر بنفسه ودخل وحده الأندلس حتى اجتمع له من اجتمع  له فصارت الأمارة في الدولة الأموية في الأندلس في أسبانيا

ومن أحفاده واحد يقال له : الناصر لدين الله

كان ذكيا فتولى الخلافة وهو صغير جلس في الخلافة خمسا وخمسين سنة ونصف السنة

عمر طويل

ما هو عمره ؟

لا

عمر خلافته خمس وخمسون سنة ونصف السنة

كم يوم ؟

أكثر من مائة وثمانين ألف يوم

رجل نصر الله به أهل السنة وقمع أهل البدعة لكن الرجل كان مترفا يحب الترف بنى له في الأندلس أسبانيا لو لم تبن شيئا ففيها من الجمال الطبيعي ما الله به عليم

بعض الشعراء أسرف حتى في وصفه لها عظمها حتى جعلها أعلى من الجنة مما فيها من الخيرات لكن هذا وصف لا يجوز ولا يمكن

بنى له مدينة تسمى بمدينة الزهراء

وعنده اثنا عشر ألف خادم، وبنى القصور فيها من الذهب والزبرجد والياقوت

جلس خمس وخمسين سنة ونصف السنة كان ذلك الرجل يحسب كل يوم يمر عليه ولم يتكدر خاطره فيه

أكثر من مائة وثمانين ألف يوم

كم يوم مر عليه ولم يتكدر خاطره ؟

أربعة عشر يوما

 

إذاً :

 لا يمكن أن تقاوم هذه الدنيا ومتاعبها ومصاعبها إلا بطاعة الله والصبر على طاعة الله

حكام وملوك في أواخر حياتهم لو رأيت ما رأيت ما هم فيه من الثراء والنعمة في النهاية مرض يقعده ويتعبه

مرض ينسيه ذلك النعيم كله

فتصغر الدنيا أمام عينيه

إذاً :

 لا سعادة للإنسان إلا بطاعة الله

الشيخ ابن باز:

 أدركناه ليس من أهل الدنيا نحسبه والله حسيبه

ومع ذلك لما مرض انظروا كيف :

كان يدرس ولم يتوقف بل قال : أخرجوني من المستشفى وكان فيه السرطان في المريء وحج ولكن في السنة الأخيرة منع فبقي لكن في السنة الأخيرة بقي وخرج من المستشفى يريد أن ينفع الناس

لأنه في سعادة قاوم المرض

الشيخ ابن عثيمين:

 في الليلة الأخيرة من شهر رمضان السرطان قد فعل بجسمه ما فعل في مكة في الليلة الأخيرة قال : ولعلها الليل الأخيرة التي أتحدث معكم فيها وكان الأكسجين في فمه

هل هو صاحب ترف أو صاحب نعمة ؟

فلنعرف أنفسنا ولنعرف حالنا ولنرجع إلى ربنا فإنه لا سعادة لك إلا بطاعة الله  (( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ))

ما قال : جاه أو مال

لا

 عام

حياة سعيدة حتى لو وقع في شيء يرفع الله عنه هذا الشيء حياة طيبة يسعد بها الإنسان

((فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ))

بعض  السلف :

كان عمره أكثر من مائة سنة فيفتي وعقله معه وهو القاضي أبو الطيب  كما ذكر ابن كثير في البداية كان في سفينة فقفز ووثب وثبة انتبه يا أيها الشباب (( اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك ))

نعم هذه تسأل عنها يوم القيامة ( عن شبابه فيما أفناه )

هذا الرجل قفز قفزة ما يقفزها إلا الشباب ، قالوا : كيف ما هذه القوة ؟

قال : هذه جوارح حفظناها في الصغر فحفظها الله لنا في الكبر “

حديث ابن عباس عند الترمذي  : ( يا غلام ـ كان رديفا خلفه ـ قال : يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك )

هل الله بحاجة إلى أن نحفظه ؟

لا يمكن

ما معنى احفظ الله ؟

يعني احفظ حدود الله ( احفظ الله يحفظك “)”

يحفظك من أي شيء ؟

عام

ولذلك قال تعالى :

((وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ{31} هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ{32} ))

حفيظ ماذا ؟

حفظ طاعة الله

فنسأل الله أن يعينني وإياكم على ذكره وشكره وعلى حسن عبادته وأن يستعملنا في طاعته وأن يتوفانا وهو راض عنا وأن يجعلنا من عباده المخلصين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ))