تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 40 )
تفسير قوله تعالى :
(( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ{47} وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ{48}}
البقرة 47 ، 48
الجزء الأول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفسيرنا في هذه الليلة لقوله عز وجل :
((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ{47} وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ{48} ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فمن فوائد هاتين الآيتين :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الله عز وجل خاطب اليهود الذين هم في عصر النبي عليه الصلاة والسلام خاطبهم وأمرهم بشكر نعمته عز وجل على أجدادهم .
مع أنهم لم يدركوا تلك النعم التي أنعم الله بها على بني إسرائيل .
لكن لماذا كان المخاطب هنا هم اليهود ممن كان في عصره عليه الصلاة والسلام ؟
خوطبوا بما منحه الله لأسلافهم
لم ؟
لأن النعمة على الآباء هي نعمة على الأبناء
ولذلك :
لهذا نظائر :
قال تعالى :
{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ }الحاقة11
طغى الماء : يعني زاد الماء هذه قصة نوح لما طغى الماء حملناكم في الجارية يعني في السفينة {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } الحاقة12
المخاطب هنا لم يدركوا نوحا ولم يحملوا في السفينة فلماذا قال :{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ } الحاقة11
لأن تلك النعمة وهي بقاء أسلافهم هي نعمة عليهم إذ لو ذهبت الأسلاف لما وجد هؤلاء
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الله عز وجل ناداهم فقال (( يا بني إسرائيل ))
الابن مأخوذ من البناء لأن الابن مع أبيه مثل البناء : البناء بعضه على بعض فينبني بعضه على بعض
كيف يكون البناء بناء من جهة الأب ومن جهة الابن ؟
لما يأتي الابن يكون بناء لأبيه وعونا لأبيه هذا هو المفترض
ولذلك :
يتقوى الآباء في القدم بأبنائهم وتقر أعينهم بهذا
ولذلك :
الوليد بن المغيرة كما في أول سورة المدثر ذكره الله عز وجل بمنة عظيمة عليه قال :(( وبنين شهودا ))
يعني هؤلاء الأبناء يشهدون معه كل محفل
ولذا لما وصف الله الصحابةفي الإنجيل قال :
((وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ))
يعني صغاره
النخل كما تجدون أن هناك نخلا صغيرا ينبت هذا هو الشطأ ((كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ )) يعني قواه ((فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ ))
يعني على ساقه ((يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ))
بمعنى أن الصحابة مثل اللحمة قد التحم الصغير بالكبير فكذلك الابن يكون لحمة وبناء مع أبيه ثم هو في نفس الحال يكون عبئا على أبيه لأنه إذا لم يصلحه الله فهو عبء عليه كالبناء الثقيل يثقل الأصل
ولذلك هذا الابن يعد جزءا منك ماذا قال تعالى منكرا على من جعل لله أولادا ؟
((وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً ))
دل على أن الابن جزء من الأب فأنكر الله عليهم ((وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً ))
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الله في هذه المناداة أضافهم إلى إسرائيل
إسرائيل من هو ؟
يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام
وإسرائيل معناها عبد الله يعني : أنتم يا يهود تذكروا أنكم من سلالة عبد صالح فواجب عليكم أن تكونوا كأبيكم
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن ما يقال : هذا إسرائيلي في هذا العصر كلمة خاطئة لأنه لو كان إسرائيليا حقا لعبد الله ولذلك الوصف الحقيقي لهم حينما يوصفون أو ينادون يقال : يهودي أو يقال : اليهود
ولا يقال : إسرائيل
كما هو الشأن في النصارى بعض الناس إذا قال نصراني
قال : هذا مسيحي
خطأ
لأنه لو كان مسيحيا لعبد الله لأن المسيح يعبد الله
ولذلك قال تعالى مبينا أن الاسم المناسب لهم هو النصارى
((وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ))
هم يقولون بأنفسهم نحن نصارى
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــ
أن الله عز وجل أمرهم أن يذكروا نعمته
الذكر بالقلب ضده ماذا ؟
النسيان
الذكر باللسان ضده ماذا ؟
السكوت
فيكون الأمر هنا بقوله (( اذكروا )) يتضمن الذكرين
يعني : اذكروا الله بقلوبكم واذكروا الله بألسنتكم ولا برهان واضح وساطع على تحقيق الذكر باللسان والذكر بالقلب إلا إذا أتى ذكر العمل
فيكون الأمر هنا بقوله ( اذكروا ) يتضمن الذكر بالقلب والذكر باللسان والذكر بالجوارح
ولذلك قال : (( اذكروا نعمتي ))
هل قال اذكروها بقلوبكم بألسنتكم بجوارحكم أطلق
وهنا قاعدة في التفسير :
إذا حذف المعمول دل على العموم النسبي
قال : ” اذكروا “
لو قال : اذكروا بقلوبكم صار فيه حصر
هذه القاعدة لها أمثلة ومفيدة للمسلم :
قال تعالى في شأن الصلاة :
((فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً )
يعني : إذا خاف الإنسان ولم يتمكن من أن يركع على صفة الركوع المعروفة وعلى صفة السجود المعروفة فيصلي رجالا أو ركبانا يعني :لو كان يمشي على قدمين أو كان راكبا على دابة أو على آلة قال (( فإن خفتم ))
خفتم من ماذا ؟
أطلق
فدل على العموم
إذاً :
من خاف من عدو ولم يتمكن من الصلاة إلا وهو يركض فليفعل
من خاف من سبع
من خاف من سيل
من خاف من ضياع ماله
من خاف من الاعتداء على أهله على نفسه
هذه فائدة هذه القاعدة التفسيرية
حذف المعمول يدل على العموم
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن فيه تفضيل أمة محمد عليه الصلاة والسلام في هذا الذكر على بني إسرائيل فيما يخص ذكر النعمة
كيف ؟
هو قال عز وجل : (( اذكروا نعمتي )) إذا ذكروا نعمة الله تعلقت قلوبهم بالمنعم الذي هو الله
بينما أمة محمد عليه الصلاة والسلام أمرت بأن تذكر المنعم ليتفضل عليها بالنعمة
هذا أعلى :
(( فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون ))
ففرق بين الأمتين :
هم أمروا بذكر النعمة ليذكروا بها الله
بينما أمة محمد عليه الصلاة والسلام أمرت بذكر الله لما له من الإنعام والفضائل على خلقه
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال عز وجل هنا (( نعمتي )) مفردة وهل أنعم الله على بني إسرائيل بنعمة واحدة ؟
لا ، بنعم عظيمة
من بين هذه النعم :
أن الله نجاهم من فرعون
أن الله أنزل عليهم التوراة
أن الله رفع عنهم العذاب عذاب القمل والجراد والطوفان
أنهم لما كانوا مستذلين صاروا ملوكا
نعم كثيرة
لماذا قال هنا ( نعمتي ) مفردة ؟
لتعلموا :
أن المفرد إذا أضيف إلى معرفة صار عاما
نعمتي هنا : عامة ليست مفردة
هي من حيث اللفظ مفردة لكن من حيث المعنى : عامة
والدليل :
قوله عز وجل : (( وإن تعدوا نعمة )) مفرد (( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ))
أيعد الواحد ؟
أيحصى الواحد ؟
تعداده لا يمكن
فدل على أن هذه نعم كثيرة
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن النعمة من الله نوعان :
إحداهما أعلى من الأخرى
نعمة دنيوية
ونعمة دينية
وأفضل هذه النعم النعمة الدينية
لم ؟
لأن النعمة الدنيوية قد تكون وبالا للشخص
قد ينعم الله على الإنسان بمال فيصرف هذا المال فيما يسخط الله
قد ينعم الله على الإنسان بنعمة قوة البدن فيصرف هذه القوة في مساخط الله
لكن النعمة الحقيقية :
هي نعمة الدين
ولماذا في كل ركعة ماذا نقول ؟
(( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ))
أنعم الله عليهم بماذا ؟
بالدين
وإذا أنعم عليك بالدين أتتك نعم الدنيا
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام عند الترمذي :
” من كانت الآخرة همه جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة “