تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 52 )
تفسير قوله تعالى :
{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) }
البقرة 55 ـ 57
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } :
هل هؤلاء هُم السبعون الذين اختارَهم موسى في قوله تعالى :
{ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا }
قيل بهذا ، وقيل إنّهم طائفة أخرى
[ وسيأتي الحديث إن شاء الله تعالى عن ذلك في سورة الأعراف ]
{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } :
وهذا مِن باب التعنُّت مِن هؤلاء ؛ لأنّ قلوبهم قاسية ، إذ رَبَطوا إيمانهم بأن يَرَوْا الله عزّ وجلّ جَهْرَةً { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً } قال { جَهْرَةً } مع أنّ الرؤية السابقة قد يُظنّ أنّها تكفي ، لكن أتى بكلمة
{ جَهْرَةً } ؛ لِيُبيّن أنّ تلك الرؤية رؤيةً بصريّةً ؛ لأنّ مِن أنواع الرؤية ، الرؤية القلبيّة العِلميّة ، مِن باب التأكيد على أنّهم طلبوا أن يَرَوْا الله عزّ وجلّ جَهْرَةً يعني عَيَانًا .
{ فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ } :
بسبب هذا الطلب المتعنِّت
{ فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } :
تنظرون إلى هذه الصاعقة ، وينظر بعضكم إلى بعض إذ أخذته هذه الصاعقة .
{ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم } : دلّ على أنّهم ماتوا
{ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ } :
وهذا يدلّ على أنّ هذا مِن القِسم ، أو مِن أصناف البشر الذين أماتهم الله عزّ وجلّ في الحياة الدنيا ثُمَّ أحياهم فيها .
{ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } :
فمِن شُكره ، وواجب عليكم ، واجب عليكم أن تشكروا الله عزّ وجلّ إذ أحياكم بعد هذه المَوتة . والأمر بالشكر هُنا ، وذكر الشكر هُنا يدلّ على أنّ التكليف لم يسقط عنهم ، خِلافًا لمن ذهب إلى ذلك ، إذ قال : هُم رَأَوْا الموتَ عَيانًا ، بل حَصَل لهم الموت ، ثمّ رَجَعوا مرّةً أخرى ، فيَسقُط عنهم التكليف ، وهذا قولٌ لا دليل عليه ، بل تَرُدّه الأدلّة ، فهم مكلَّفون بعد أن أحياهم الله عزّ وجلّ .
فمازال الحديث في ذكر ما جرى من بني إسرائيل بعدها ذكر عز وجل قوله تعالى عن بني إسرائيل :
((وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{57} ))
لو قال قائل :
ما مقام هذه الآية ؟
وأين موطنها ؟
بعد أن ذكر أن هؤلاء ذهبوا لكي يعتذروا إلى الله من عبادة العجل وقالوا تلك المقولة الشنيعة فعاقبهم الله بالموت ثم أحياهم ليستكملوا آجالهم ليشكروا الله على هذه النعم
لأن من أعظ النعم أن تموت وأنت قد حسنت خاتمتك
ثم قال :
((وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{57} ))
ما مقام هذه الآية ؟
مقام هذه الآية : ((وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ )))
هذا في التيه لما تاهوا في الصحراء ومعلوم قصة تيه هؤلاء في تلك الصحراء التي بين مصر وبين فلسطين ذكرها عز وجل في سورة المائدة :
قال عز وجل :
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ } المائدة20
أتى بهذه المقدمة لكي يقوي نفوسهم على أن ينفذوا أمر الله بالجهاد ذكرهم بعظيم نعم الله ((إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء )) والأنبياء كثر في بني إسرائيل ((وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً )) بعد أن كنتم خدمة وأذلاء عند فرعون يسومونكم سوء العذاب نجاكم الله و أعطاكم الملك ولذلك قال : ((وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً )) قال هناك (( إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً )) كأن هذه الكلمة توحي بأن الجميع صار ملكا ؟
كيف يكون كل شخص ملكا ؟
يملك نفسه فإن من أعظم ما يملكه الإنسان الحرية إضافة إلى ذلك أن عبد الله بن عمرو بن العاص أتاه رجل فقال : ألسنا من فقراء المهاجرين ؟
فقال عبد الله له : ألك امرأة ؟
قال : نعم
قال : ألك بيت تأوي إليه ؟
قال : نعم
قال : أنت من الأغنياء
قال : بل عندي خادم
قال : بل أنت من الملوك
فإذاً :
لو طبقت حالنا على كلام عبد الله بن عمرو بن العاص كلنا ملوك الخدم موجودون في البيوت بيوت نأوي إليها زوجات إضافة إلى أموال
إذاً :
من ملك بيتا وتزوج بامرأة وكان عنده خادم كيف وعنده سائق وربما أكثر من خادم فإنه من الملوك
أعطاهم هذه المقدمة ثم بعدها :
((يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ ))
الأرض المقدسة ما هي ؟
فلسطين
أي موقع من فلسطين ؟
قال بعض العلماء : إنها أريحاء
وبعضهم قال : بيت المقدس
وبعضهم قال : مصر
قال ابن كثير : من قال إنها أريحاء فهذا خطا لأن أريحاء ليست في طريقهم إذا ذهبوا إلى فلسطين
ومن قال : إنها مصر فقد أبعد بعدا عظيما
إذاً :
هي بيت المقدس
((يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ ))
لأنها إرث أبيهم من ؟
إسرائيل
إسرائيل من هو ؟ يعقوب عليه السلام
أنتم الآن خرجتم من مصر وكنتم أذلاء عند فرعون فنجاكم الله من بطش فرعون ومن الغرق أنتم الآن تريدون موطن أبيكم الذي هو إسرائيل
((يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ{21}))
أتى الكلام من النفوس الضعيفة :
((قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ{22} ))
غفلوا عن أن هؤلاء بشر مثلهم لكن النفوس إذا ضعفت ضعفت معها الأبدان ولذلك يقول ابن القيم كما في كتابه الداء والدواء :
يقول عن الذنوب : ” إنها توهن البدن “
كيف ؟
قال : ” تأمل قوة فارس والروم خانتهم قواهم أحوج ما يحتاجون إليها لما عصوا الله ففتح المسلمون الروم وفارس مع أن هؤلاء أقوياء
فما الذي جرى ؟
((قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ ))
يعني : بمجرد ما يدخلون الباب فإن الله ينصرهم عليهم
((فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{23} ))
أتى الخطاب الآخر :
((قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ{24} ))
سبحان الله ! فيما مضوا لما أتوا واعتذروا إلى الله طلبوا أن يروا الله فقلنا إن هناك فرقا بين صحابة النبي عليه الصلاة والسلام وبين من صحب موسى عليه السلام
هنا :
هو صلى الله عليه وسلم لما استشار الصحابة في غزوة بدر قال : أشيروا علي
هو لم يأمرهم فقط مجرد إشارة
أما موسى هنا فقد أمرهم بينما هو عليه الصلاة والسلام مجرد إشارة فقام المقداد بن الأسود فقال : أنقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : ((فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ{24} )) بل نقول : اذهب أنت وربك فإنا معكما مقاتلون
فسر وجه النبي عليه الصلاة والسلام
فانظر لحم وعظم ودم
وهؤلاء نفوس لكن القلوب تختلف
فماذا قال موسى :
((قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ{25} ))
افصل بيننا وبين القوم الفاسقين
((قَالَ فَإِنَّهَا ))
بيت المقدس ((قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ ))
لا يسيرون في تلك الأرض يريدون مكانا إلا وجدوا أن هذا المكان لا يوصلهم إلى ما يريدون
((ثم بما أن موسى لاقى قلبه شيئا من عذاب هذه الكلمات
قال ((فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ{26} ))
فلا تحزن
فظلوا أربعين سنة في تلك الصحراء يتيهون ولعل والعلم عند الله أنهم بقوا هذه المدة حتى يموت أكابرهم الذين تربت قلوبهم على العنت والخصام والجدال فتأتي ذرية بعدهم فيفتحوا بيت المقدس
وسيأتي إن شاء الله حديث عن ذرية هؤلاء كيف فتحوا بيت المقدس الذي تخاذل عن فتحه آباؤهم وأجدادهم
فما الذي جرى ؟
كانوا في التيه
التيه فيه حرارة الشمس
صحراء لا طعام فيها ولا شراب
فما هو السبيل ؟
الله بكرم منه ظلل عليهم السماء بالسحاب الأبيض الذي هو الغمام حتى يقيهم حرارة الشمس
انظروا إلى لطف الله ، موسى وهارون معهم لكن ذلكم التيه ليس عقوبة لموسى وهارون وإنما عقوبة لأولئك
ولذلك مات موسى وهارون عليهما السلام في التيه وما فتح بيت المقدس إلا يوشع فتاه كما سيذكر إن شاء الله في الآية التي تلي هذه الآية (( وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية ))
وأنزل الله عز وجل عليهم الطعام
ما هو الطعام ؟
طير إما السماني أو الحمام فهو طير يشبه الحمام
وأنزل الله عليهم المن من بين المن : شيء يشبه العسل
وقال بعض المفسرين : هو الخبز الرقيق
إذاً :
من أعظم النعم وهو ألذ ما يكون للنفس أن ترى سحابا وأجواء طيبة ثم هناك المشوي والخبز الرقيق مع العسل
هذا من ألذ ما يكون
انظر إلى فضل الله على هؤلاء مع أنهم عصوا أمرهم
أين الماء ؟
يريدون الماء في صحراء ؟
{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ }البقرة60
سبحان الله ! ليست عينا واحدة يجتمعون عليها بل كل سبط لأنهم اثنا عشر سبطا
يعني : قبيلة إذاً كل قبيلة وكل سبط له عين يشرب منها
فقال عز وجل عن هؤلاء :
((وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{57} ))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه المقدمة نأتي إلى فوائد هذه الآية :
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بيان فضل الله على بني إسرائيل فإنهم عصوا أمره ومع ذلك أنعم عليهم بهذه النعم ومن بين هذه النعم الغمام الذي هو السحاب الأبيض الذي يعطي النفس هدوءا وسكينة وانبساطا ولذلك يفرح الناس بالغمام أي بالسحب
ومن فوائد هذه الآية :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الله أنزل عليهم المن والسلوى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المن ؟
هو كل ما يصل إلى الإنسان من غير تعب ولا مشقة مثل :
العسل
مثل : الخبز الرقيق
مثل : الكمأة الفقع
هل نبت الفقع لبني إسرائيل في التيه ؟
النبي عليه الصلاة والسلام يقول كما في الصحيحين : (( الكمأة من المن ))
من المن الذي يتحصل الإنسان عليه من غير تعب ولا مشقة لكن أهو موجود في ذلك الوقت ؟
إذاً :
كل ما تتحصل عليه مما لا تعب فيه ولا مشقة هذا من المن من الله به عليك دون تعب أو مشقة
لكن هل الفقع كان موجودا أم لا ؟
كان موجودا لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما عند مسلم :
(( الكمأة من المن الذي أنزله الله على بني إسرائيل في التيه )
وفي رواية : ((الذي أنزله على موسى ))
إذاً :
الفقع كان موجدا في عهد بني إسرائيل
ومن الفوائد :
أن السلوى هو طائر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعضهم قال : هو الحمام
بعضهم قال : هو السماني
المهم انه طائر لحمه لذيذ
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال : ((كلوا )) الأمر هنا ((كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ )
هنا فيه اختصار فيه إيجاز
((وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ــ قلنا : كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{57} ))
كلمة قلنا غير موجود هذا يسمى بالإيجاز
وهذا موجود في القرآن
ومن الفوائد:
أن تخزين هذا الطعام على بني إسرائيل في التيه محرم وجريمة لا تخزن طعامك بل تأكله من حينه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا تخزن طعاما ولا لحما من هذا الطير
ليس هناك ضيق في العيش
((كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا ))
دل على أنهم ظلموا
لكن ما نوعية هذا الظلم ؟
نوعية هذا الظلم أنهم يبقون بعض اللحم وبعض العسل وبعض المن إلى يوم غدهم
فهذه هي جريمتهم
ما دليلنا ؟
ما جاء في الصحيحين : قوله عليه الصلاة والسلام (( لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم ولم يخبث الطعام ))
تصور لو أن بني إسرائيل حبسوا الطعام لو تركت الطعام هكذا أياما وشهورا ما فسد ولا نحتاج إلى ثلاجات
(( لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم ولم يخبث الطعام ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها ))
حواء هي زوج آدم هي لم تخن آدم خيانة الزنا والفاحشة لا ، الخيانة هنا لأنها هي التي أمرته وحثته وشجعته على أن يأكل من الشجرة
لاشك أن خيركم خيركم لأهله واستوصوا بالنساء خيرا
لتكن سائرا خلفها ولكن فيما أباح الله
ولذلك :
يقول معاوية : (( يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام ))
يقول : اللئيم هو الذي يغلب المرأة ولكن الكريم هو الذي تغلبه لدماثة خلقه لكن فيما ماذا ؟
في حدود المباح
لأن المرأة في حاجة إلى العطف ولذلك هي خلقت منك
والذي خلق منك لتحرص عليه
تصور هذه الأصابع خلقت منك تحرص عليها
كذلك المرأة خلقت منكم فلتحرص عليها
ولذلك :
تلك المرأة لما مدحت زوجها في حديث أم زرع قال :
(( زوجي المس مس أرنب والريح ريح زرنب وأنا أغلبه والناس يغلب ))
تقول : المس مس أرنب تقول : إن علاقتي به علاقة ناعمة مثل جلد الأرنب ناعم
والريح ريح زرنب : يعني أنه يحب العطر رائحته فواحة
وأنا أغلبه : لحسن أخلاقه
والناس يغلب : يعني أنا أغلبه لا لضعف فيه لا ، لكن لكرمه وتنازله يغلبني ، وإذا خرج إلى الناس يغلبهم ليس ضعيفا
فإذاً :
قال عليه الصلاة والسلام ( ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها ))
ومن الفوائد :
أن عاقبة الذنب وخيمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وخيمة على من ؟
على صاحبه
ولذلك قال تعالى : (( وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ))
لأنه عز وجل لا تضره معصية العاصي ولا تنفعه طاعة المطيع
((وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ))
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال عز وجل : ((وما ظلمونا ))
ظلموا فعل ماض في آخر الآية قال : ((وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{57} ))
بصيغة الفعل المضارع هذا يؤكد ويقرر أن هؤلاء ظلمة حال ما فعلوا وأنهم لن يزالوا ظلمة لما انطوت عليه قلوبهم من الخبث ومن إضمار ما يغضب الله عز وجل ولذا قال : ((وَمَا ظَلَمُونَا )) هذا هو الفعل الماضي ( يظلمون ) هذا هو الفعل المضارع
الماضي يدل على المضي المضارع يدل على الحال وعلى الاستقبال فهؤلاء ظلمة في سائر أزمانهم الماضية والحاضرة والمستقبلية
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال عز وجل ( (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{57} ))
لم يقل : (( نفوسهم )) (( ولكن كانوا أنفسهم ))
جمع التكسير في اللغة العربية نوعان :
جمع قلة وجمع كثرة
أنفس على وزن أفعل وهي صيغة من صيغ جمع التكسير الذي هو القلة
لماذا لم يقل نفوسهم ؟
لأن عدد القلة يناسب هذه النفوس القليلة الضعيفة التي أذنبت فمتى ما أذنبت النفوس فهي قليلة بل هي أقل من القلة
لم ؟
لأنها أوقعت حالها وأنفسها في خسارة كما قص الله عز وجل في آيات كثيرة