تفسير سورة البقرة الدرس ( 65 ) [ وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم … ] الآية ( 67 ) الجزء الثاني

تفسير سورة البقرة الدرس ( 65 ) [ وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم … ] الآية ( 67 ) الجزء الثاني

مشاهدات: 522

تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 65 )

قوله تعالى :

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }

 البقرة 67 (2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشيخ زيد بن مسفر البحري

              ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فمازلنا في ذكر فوائد حول قوله تعالى :

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }

 البقرة67 (3 )

من الفوائد :

وهي فائدة لغوية

فبعض الناس لا يعرف المواضع التي يكون بها كسر همزة إن وفتح همزة إن :

يعني هل ينطق ” إن ” أو ” أن ” ؟

هنا قال تعالى ((وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ ))

هنا كسرت همزة إن فاستفيد هنا فائدة وهي :

أن همزة إن يجب كسرها بعد القول

إذا أتتك كلمة إن بعد لفظ القول :

 قال     يقول      قل      قائل       فعليك أن تكسر همزة إن

(( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ))

وعلى هذا فقس

إذاً : بعد القول يجب كسر همزة إن

 

ومن الفوائد :

أن الله عز وجل أمرهم

هل استجابوا أول ما أمرهم بذبح البقرة ؟

لا

فالأمر كما هي القاعدة عند أهل الأصول الأمر يقتضي الوجوب

أي أمر يأتي من الشرع في كلام الله أو في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فهو يقتضي الوجوب إلا إن دلَّ دليل يصرفه من الوجوب إلى الاستحباب

وإلا فأي أمر يجب أن ينفذ  ، لكن هل ينفذ بعد حين من الزمن أو فورا ؟

قولان لكن الصواب أنه للفور

يعني متى ما أمرك الله بشيء أو أمرك الشرع بشيء يجب فورا أن تقوم به متى ما توافرت فيك شروط وجوب هذا الأمر

هنا :

هل نفذوا مباشرة ؟

لا ولذلك قال بعض العلماء يستدل بهذه الآية على أن الأمر يقتضي الوجوب وإنما يقتضي التراخي فلما تأخروا فلا إشكال في هذا

والصواب :

أن هذه الآية تدل على أن الأمر للفور بدليل أنه جل وعلا  ذمهم بتعنتهم وبسؤالهم ذم إبطاءهم في تنفيذ الأمر

ولذلك قال بعدها : ((فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ )) البقرة71

وهذا ذم لهم فدل على أن الأمر متى ما أتاك من الشرع فيجب أن تنفذ فورا متى ما توفرت فيك شروط الوجوب لهذا الأمر

ومن الفوائد:

أن النكرة في سياق الإثبات تدل على الإطلاق لا تدل على العموم

يعني :

قال تعالى عن العسل :

 ((وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ{68} ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ ))

شفاء نكرة في سياق الإطلاق لم يسبقها نفي لم يسبقها استفهام لم يسبقها شرط

لو سبقها نفي أو استفهام أو شرط كانت للعموم

إذاً :

((فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ )) هل العسل فيه شفاء لكل مرض أو لبعض الأمراض ؟

كما أسلفت فهم اللغة العربية يعين على فهم كلام الله عز وجل

مطلقة أصحاب السكر لو يأكل من العسل أتعبه

إذا كان لجميع الأمراض فالعسل لا يتناسب معه أصحاب السكر والسكري  مرض أيشفيه العسل ؟

لا،  يزيده

هنا النكرة في سياق الإثبات لم يسبقها نفي ولا ما يشبه النفي ـ انتبه : شبه النفي :  الاستفهام ، والشرط

هنا لم يسبقها

شفاء من بعض الأمراض

هنا لم يسبق كلمة بقرة لا نفي ولا شبه نفي (  إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً ) هذه النكرة في سياق الإثبات يعني مطلقة

يعني : يا بشر يا آدميون أي بقرة تأتون بها فتذبحونها تجزئ

نكرة في سياق الإثبات مطلقة أي بقرة

ولذلك هي مطلقة لكن لما سألوا بهذه الأسئلة  قيدوها كل ما سألوا سؤالا قيدوا هذه البقرة

ولذلك وردت هنا ثلاثة أسئلة عن هذه البقرة :

ــ سألوا عن سنها عن عمرها

ــ سألوا عن لونها

ــ سألوا عن عملها

كما سيأتي إن شاء الله

فإذاً : النكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق

 

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا : ((إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً ))

(( أن تذبحوا ))

لم يقل  : تنحروا

فدل على أن السنة في ذبح البقر هي السنة في ذبح الغنم

السنة في ذبح الغنم كما جاء فعل منه عليه الصلاة والسلام في الصحيحين :

أنه كان يذبح الشاة ، والحلق كله محل للذبح

ولكن السنة :

أن يكون الذبح قطعا للحلقوم والمريء والودجين

الودجان : هما عرقان محيطان بالعنق

الحلقوم مجرى النفس

المريء مجرى الطعام

ولذلك : يكون هذا الذبح

البقر تذبح كما هنا

ولذلك قال في أواخر الآيات (( فذبحوها وما كادوا يفعلون ))

أما السنة في الإبل : النحر أن تنحر

كما جاء عند البخاري  قائمة معقولة يدها اليسرى

ولذلك قال تعالى : ((وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ))

ما معنى صواف : أي قائمة معقولة يدها اليسرى

((فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا )) لما تنحر تسقط ((فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرّ ))

ولذلك هم الآن ورأيتم في المسالخ ينحرونها وهي باركة يقولون : لما سألت بعضهم يقولون : هي أسهل لنا خيفة من أن تنفلت

لكن السنة : أن تذبح قائمة معقولة يدها اليسرى

وإن ذبحت وهي باركة وقد قيدت فلا إشكال في هذا

لكن السنة هكذا

ولذلك ابن عمر لما رأى رجلا قد أبرك ناقة له لينحرها قال : ابعثها قائمة سنة أبي القاسم عليه الصلاة والسلام

لكن ما هو النحر ؟

النحر ليس كالذبح

النحر : أن تطعن في الوهدة

الوهدة : هي أصل العنق من أسفل مما يلي الصدر بالنسبة إلى الإبل

يعني : أسفل الرقبة مما يلي الصدر لأن طعنها في هذا المقام أسهل لخروج روحها لكن لو أنها ذبحت من أعلى تأخر خروج الدم وخروج الروح وبذلك تتأثر

ولذلك من السنة في الإبل أن تنحر فتطعن والسنة في الغنم : أن تذبح

لكن لو قال قائل :

ما هي السنة في البقر مع أن الشرع سمى البقرة بدنة ؟

ولذلك أظنه جابر وهل هي إلا من البدن لما سئل عن البقر ما هي إلا من البدن

ولذلك سميت الإبل أو البعير بالبدن لأنه بدين

والشاهد من هذا :

البقرة تجزئ عن سبعة في الأضاحي وسبعة في الهدي وسبعة في ذبح الدم في قضية محظورات الإحرام

والإبل كذلك لكن اختلف الحال هنا :

نقول : البقر أشبهت الإبل من حيث إجزاء العدد ولكن أشبهت الغنم من حيث الذبح

فالبقر إذاً يذبح ، والغنم يذبح ، والإبل تنحر

لو قال قائل :

عكس الأمر أتي إلى الغنم وإلى البقر فنحرت طعنت في الوهدة وأتي إلى الإبل فذبحت العكس

يجزئ ؟

يجزئ ، نعم فلو عكس الأمر فلا إشكال في ذلك يجوز أكل ذبح ما يسن نحره والعكس لا إشكال في ذلك

لو قال قائل :

بما أننا في الذبح وذكرنا الذبح لو أن إنسانا وأنا رأيت مقطعا لبعض الحيوانات في الأضاحي تذبح يعني :

يأتي بالساطور حاد وإذا به يأتي إلى الغنم أو إلى البقرة يـأتي إليه بضربة واحدة إلا والعنق قد انفصل عن الجسم ضربة واحدة يجزئ ؟

يجزئ

لو ذبحت من القفا ؟

قلنا الحلق محل للذبح في أي موطن

لكن إن ذبحت من القفا فخلاف

والصواب كما قال شيخ الإسلام قال :

 إذا ذبحت من القفا فخرج الدم الأحمر المعروف فهنا يجزئ  ، خرج الدم المعروف الذي إذا ذبح الحيوان خرج منه الدم الذي يخرج من العرقين الودجين وخرج من المريء والحلقوم فتجزئ

الحكم معلق بهذا الدم المعروف عند ذبحه

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أنه من السنة أن يستعيذ العبد من الصفات الذميمة ولذلك لما قالوا لموسى ((قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً  ))

الهزء صفة حميدة أم ذميمة ؟

صفة ذميمة

 (( قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ))

وهذه هي سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام استعاذ من الصفات الذميمة :

عند مسلم :

كان يستعيذ عليه الصلاة والسلام من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع ومن نفس لا تشبع ومن دعاء لا يسمع

واستعاذ عليه الصلاة والسلام من :

القسوة والغفلة والذلة والمسكنة والشقاء والنفاق  والسمعة والرياء  والكفر

ولذلك موسى عليه الصلاة والسلام استعاذ بالله من أن يكون جاهلا

ومن الفوائد :

أن على المسلم أن ينأى بنفسه عن مقام الجهَّال لأن الإنسان يأنف من أن يوصف بأنه جاهل

لو قيل لأحدنا يا جاهل لا يرضى بهذا

فدل هذا على أن العلم صفة محمودة والجهل صفة مذمومة

وبالتالي فإن أعظم ما يتعلم هو ما يقربك إلى الله تعالى وهو العلم الشرعي

وكل النصوص الشرعية التي جاءت ببيان فضل العلم إنما هي في العلم الشرعي فقط

لكن العلم الدنيوي إذا أريد به أن ينفع إخوانه المسلمين فإنه يؤجر

لكن لتعلم :

أن النصوص الشرعية التي جاءت بالثناء على العلم وأهله إنما المقصود منه هو العلم الشرعي

ومن الفوائد :

أن عدم مطابقة الجواب للسؤال جهل

((إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً ))

يعني : هم سألوا قالوا قتل لنا قتيل نريد أن نعرف من هو قاتله قال : اذبحوا بقرة

فدل هذا على أن الجواب بخلاف صيغة السؤال هو في الحقيقة جهل

لكن هنا :

يجب عليهم أن يذعنوا

لم ؟

لأن هذا هو أمر الله والله لا يأمر بالجهل ولكن هناك حكمة هم لم يتفطنوا لها وذكرت الحكمة

لماذا أمروا بذبح البقرة ؟

ذكرنا هذا بالأمس

لماذا أمروا بذبح البقرة لم يؤمروا بذبح شاه أو بعير ذكرناها

من أجل : أن يمتحن الله ما في قلوبهم لأنهم عبدوا العجل والعجل أصله من البقر فينظر هل هؤلاء بقي حب العجل

(( وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ))

يعني أشربوا حب العجل في قلوبهم بسبب هذا الكفر هل بقي أم  هذا الحب أو لا

ولأن هؤلاء يعني من اتصف بالصفات الرديئة وقلبه ملوث وهذا حتى نراه في أصناف بعض الناس تجد بعض الناس إذا كان قلبه مريضا بالحقد والحسد والغل تجد أنه غير راض لا عن نفسه ولا عن غيره وتجد أنه يبحث عن الزلات تجد أنه متكاسل عن الخيرات والطاعات

ولذلك احرص على نظافة قلبك

اليهود لخبث قلوبهم أمرهم السامري أن يعبدوا العجل ما تريثوا ولا لحظة مباشرة عبدوا العجل

بينما موسى عليه السلام وهو رسول الله ويعرفون أنه رسول الله وأتوا إليه من أجل أن يستعلموا عن هذا القاتل ومع ذلك :

((قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ))

((قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ))

ولذلك أتى السؤال الثالث

لم ؟

لأن القلوب قلوب أولئك ليست مقبلة على الله

ولذلك يحرص المسلم منا لأن مثل هذه القصص لما تذكر في كلام الله ليست من باب أن الإنسان يأخذ ثقافة أو فائدة يحملها في ذهنه وانتهى الأمر

لا ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى ))

يستفيد

يعني هؤلاء وقعوا فيما وقعوا فيه بسبب أن قلبوهم فيها من الخبث ما فيها

ولذلك ترددوا وسألوا هذه الأسئلة بينما السامري وهو عبد وقال إن موسى نسي ربه وذهب ليطلبه وهذا إلهكم فعبدوه

ثم هو ليس بعجل حقيقي

سبحان الله!

انظروا إلى ضعف العقل بل ذهاب العقل إذا ذهب الإيمان

يعني : كل ما يكون الإنسان عاصيا لله كلما يذهب عقله

يعني : عجل من حلي ويعبد من دون الله

بينما هذا أمر من الله بذبح بقرة حية من لحم ودم وعظم ومع ذلك ترددوا

 

ومن الفوائد :

أن الله عز وجل ذكر هنا عن موسى فقال : ((أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ))

إذاً :ما موقفك من الجهل ؟

ما موقفك من الجاهل ؟

الإعراض

ولذلك قال تعالى في أواخر سورة الأعراف :

{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } الأعراف199

هذه الآية قال عنها بعض العلماء هي آية قاعدة الأخلاق من أراد أن يكون على خلق فليتمثل هذه الآية

قاعدة في الأخلاق {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } الأعراف199

نأتي إلى ” خذ العفو “

العفو  : هو ما زاد عن الشيء من قول أو فعل

يعني كما يقول العوام عندنا : خذ المتيسر واترك المتعسر

يعني : لا تدقق ( خذ العفو )حتى من زوجتك حتى من لك حق عليه من أولادك

لا تدقق لا تقول : هذا هو الحق لي ولابد أن يكون كاملا

وحتى ترتاح وحتى يسلم لسانك من السب  والشتم والعيب  والقدح

( خذ العفو )

( وأمر بالعرف )

إذا رأيت إنسانا أو قريبا لك وهذا الشخص قد أخطأ بين له  (وأمر بالعرف ) لكن لا تسلم قد يتلفظ عليك بألفاظ

إذاً  ما الحل ( وأعرض عن الجاهلين )

فيجب أن تتمثل هذه الآية