تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 73 )
قوله تعالى :
{ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ{76}أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ{77} }
البقرة 76 ، 77 ( 2 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفسيرنا في هذه الليلة لقوله تعالى :
((أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{75} وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ{76} أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ{77} ))
من الفوائد :
أن الناس حيال كلام الله عز وجل على ثلاثة أصناف :
ـــ صنف إذا سمع كلام الله عز وجل انتفع به
ــ وصنف إذا سمع كلام الله عز وجل أعرض عنه
ــ وصنف وهو أعظم من هذين الصنفين : إذا سمع كلام الله فهو لم يعرض عنه بل أقدم على تغيير لفظه أو تغيير معناه
أما الصنف الذي إذا سمع كلام الله انتفع به هم :
المؤمنون :
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }الأنفال2
الصنف الثاني :
هم صنف الكفار يسمعون كلام الله لكنهم لا يرعوون إليه لا بقلب ولا ببصيرة وقد جمع الله عز وجل بين هذين الصنفين في سورة التوبة في أواخرها :
قال عز وجل :
((وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{124} وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ{125} ))
وفي سياق الآيات :
((وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا ))
يعني :
لما تنزل سورة إذا بهؤلاء المنافقين ينظر بعضهم إلى بعض أهناك مخرج ومهرب حتى لا يراهم أحد فإن رأوا طريقا ومسلكا هربوا
الصنف الثالث هو المذكور هنا :
وهم اليهود فإنهم سمعوا كلام ومع ذلك لم يعرضوا عنه فحسب بل إنهم أقدموا على تحريفه وإنما وقع التحريف في الكتب السابقة ولم يقع التحريف في هذا القرآن لسبب :
ما هو ؟
السبب :
أن الكتب السابقة أوكل حفظها إلى البشر فدل هذا على ضعف البشر فلا يغتر أحد بقوته ولا بعقله ولا بذكائه ولا بفهمه ولذلك قال عز وجل : ((إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ ))
لكن القرآن تكفل الله بحفظه فقال :
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } الحجر9
ومن الفوائد :
فيه بيان أن التوراة كلام الله كما أن القرآن كلام الله
الإنجيل كلام الله
الكتب السابقة كلام الله
تكلم الله بها كلاما حقيقيا بمعانٍ وبحروف وبصوت (( يسمعون كلام الله )) الذي يسمع هو الصوت
ومن ثم :
فإن هناك تسع فرق ضلوا في كتاب الله :
هل هو من كلامه أم لا ؟
هل هو من كلام البشر أم لا ؟
هل خلق حروفا وأصواتا تعبر عن هذا الكلام أم لا ؟
هل كلام الله معنى في النفس وخلق حروفا ليعبر بها أم لا ؟
كلام لا طائل من ورائه وابن آدم حينما يدخل عقله في شرع الله فإنه يضل
ولذلك معتقد أهل السنة والجماعة :
أن الله يتكلم بكلام له معانٍ وحروف ويُسمَع
وكلام الله عز وجل هو صفة ذاتية يعني هو متصف بها أزلا وأبدا
أزلا يعني : من القدم
وأبدا : فيما يستقبل
ثم هذه الصفة وهي صفة الكلام لله عز وجل هي صفة أيضا فعلية يعني : يتكلم متى شاء إذا شاء جل وعلا
ومن الفوائد :
بيان قبح اليهود :
كيف ؟
حرفوا كلام الله
تأمل معي :
أولا : سمعوا كلام الله وحري بمن يسمع كلام الله عز وجل أن يخشع له قلبه وأن تدمع له عينه وأن تخضع له جوارحه
لكن هؤلاء في قلوبهم مرض
قال تعالى : (( وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ))
فدل هذا على أن المسلم يجب أن يتعاهد قلبه
سمعوا كلام الله
ما الذي بعدها ؟
قال : ( (ثم ))
ثم : تفيد في اللغة العربية الترتيب و التراخي الزمني
يعني : هناك زمان فاصل بين سماعهم لكلام الله وبين تحريفهم لكلام الله
إذاً : هم سمعوا وبعدما سمعوا كلام الله وبعد حين من الزمن أقدموا
وكون الإنسان يقدم من أول وهلة ربما يخطئ ويلتمس له العذر لكن لما تكون عنده مساحة من الزمن فإنه يتريث ومع هذا فإنهم سمعوا كلام الله ثم يحرفونه
انتهى الأمر ؟
لا (( من بعد ما عقلوه )) وفهموه
انتهى الأمر ؟
(( وهم يعلون )) :
الواو هنا حالية يعني جملة حالية حالة كونهم يعلمون أن ما فعلوه هو الحرام الذي يسخط الله عز وجل
ولذلك في آخر آية قرأناها : ((وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ ))
كتاب الله قيل هو القرآن وقيل هو التوراة وكلا المعنيين صحيح
{وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }البقرة101
ومن فوائد هذه الآيات الكريمات :
فيه تسلية للنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضي الله عنهم :
من أن هؤلاء لا يؤمل فيهم خير ولا يرتجى فيهم هداية حينما أقدموا على هذا الفعل وبالتالي فإن في هذا فائدة لنا نحن في هذا الزمن :
ربما أنك تدعو شخصا أو تصادف شخصا أو تنظر إلى شخص وتدعوه وترى منه انصرافا وصدودا فلا تحزن
عليك أن :
تبين الخير والهدى ولكن ثمرة الهداية لست بملزم
ولذلك :
سلى الله النبي عليه الصلاة والسلام في مواطن كثيرة : ((لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ))
ومن الفوائد :
أنه ذكر الصنف الثاني من أصناف اليهود وهم : المنافقون :
((وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا ))
هنا استفدنا فائدة :
كما أن النفاق وقع في العرب وقع في اليهود
أهناك نفاق في النساء ؟
أوقع نفاق في النساء ؟
وقع
وهناك دليل من القرآن :
في سورة والتوبة :
((الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ))
كأننا أول مرة نقرؤها ، لابد أن نتأمل فدل هذا على أنه أعني النفاق يوجد حتى في النساء ووجد في عصر النبي عليه الصلاة والسلام
ومن الفوائد :
أن العبرة ليست بالادعاءات ولا بالأقوال إنما بالحقائق والوقائع
فإنهم يقولون : آمنا كحال منافقي العرب في أول ما ذكر في سورة البقرة :
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ }البقرة8
فالأشياء ليست بالادعاء وإنما بالحقائق
ولهذا كذب الله المنافقين :
((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ ))
الرد : (( وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ )) البقرة8
فدل هذا على أن الإيمان ليس بالقول فقط فلابد في الإيمان من ثلاثة أشياء :
قول باللسان
اعتقاد بالجنان يعني بالقلب
وعمل بالأركان يعني بالجوارح
فإن قيل إن الإيمان قول فقط فهذا هو قول الكرامية :
فهي طائفة ضالة تقول : إن الإيمان تنسب إلى محمد بن كرام السجستاني
تقول : إن الإيمان قول فقط
سبحان الله لو كان قولهم صوابا فسيترتب على هذا أن المنافقين مؤمنون لأنهم يقولون : آمنا {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ }البقرة8
فلابد من القول
ولابد من الفعل ولابد من الاعتقاد
الخوارج :
من يخرج على الولاة يقولون : صاحب الكبيرة خالد مخلد في نار جهنم
تعريف الإيمان عندهم :
مثل تعريف أهل السنة والجماعة :
قول باللسان
واعتقاد بالجنان
وعمل بالأركان
لكنهم يقولون : إن صاحب الكبير ة خالد مخلد في نار جهنم وهو كافر
فإذاً : قولهم هو ضلال مبين
ومن الفوائد :
أن هؤلاء المنافقين من اليهود إذا أتوا إلى الصحابة قالوا : آمنا نحن مؤمنون لكن إذا ذهبوا إلى أصحابهم ورؤسائهم قالوا : نحن مستهزئون
أظهروا الكفر عند رؤسائهم وأصحابهم وأظهروا الإيمان عند الصحابة
ولذلك ماذا قال عز وجل ؟
((وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ ))
((وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ ))
خلا:
الخلوة تكون بمعية تخلو بالشيء أي تكون معه
((وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ ))
إلى : هنا ماذا يكون معناها ؟
معهم
وإذا خلا بعضهم مع بعض
قيل بهذا لأن هناك من أهل اللغة من يبدل الحروف حروفا ولكن الصواب كما قال شيخ الإسلام هو القول الآخر وهو :
أن الحروف تبقى على ما هي عليه وبدل أن نضمن الحروف حروفا نضمن الفعل فعلا
خلا : هنا فعل نضمنه فعلا حتى نثري القرآن ونثري النص
((وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ ))
تبقى على ما هي عليه
إذاً :
ماذا يكون المعنى ؟
نضيف أفعالا أخرى
خلا : تضمن فعلا آخر (( وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ )) يعني إذا انضم بعضهم إلى بعض
وحتى يتضح هذا أكثر :
الله قال في أول سورة الإنسان
{عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً }الإنسان6
العين يشر بها أم يشرب منها ؟
يشرب منها
{عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا }الإنسان6
إذاً :
ماذا عسانا أن نقول ؟
نقول : الباء هنا بمعنى من عين يشرب منها
قيل بهذا
والصواب كما قال شيخ الإسلام :
أن الباء تبقى على ما هي عليه ونضمن الفعل فعلا :
{عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً }الإنسان6
يعني : أن الفعل يشرب ضمن يرتوي : عينا يرتوي بها عباد الله
وعلى هذا فقس
الصحيح :
أنك لا تبدل الحرف حرفا وإنما تضمن الفعل فعلا حتى تأتي معك معانٍ كثيرة
ومن الفوائد:
الحذر من أهل الشر فإنهم قد يظهرون الخير لأهل الخير ثم إذا بهم في خلواتهم يخططون ويتآمرون وكما يصنع في هذا الزمن وفي كل زمن فإن هذه سنة اليهود
فهم يظهرون الود والاحترام لكن إذا خلوا مع أقرانهم ومع أصدقائهم فإنهم يخططون للمسلمين الشر
وهذا هو حال أهل النفاق
ألم يقل الله عز وجل في سورة النساء :
((وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ ))
يعني : نحن نطيعك {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً } النساء81
فدل على أن المسلمين لا يمكن أن ينجوا من شرور هؤلاء إلا بالتوكل على الله عز وجل وأيضا بالاتحاد وبالاجتماع
لأن النفاق اعلموا أن النفاق لا يخرج في مجتمع من المجتمعات إلا وللمسلمين قوة
ولذلك :
ما ظهر النفاق لما كان الإسلام ضعيفا في أوائل هجرة النبي عليه الصلاة والسلام لكن لماقوي الصحابة بدأ النفاق يظهر
وأنتم ترون في هذا المجتمع :
لما ضعف الدين في نفوس كثير من الناس وضربت الفرقة أطنابها بين أهل الخير إذا بأهل النفاق الذين كانوا يتكلون في الباطل إذا بهم في وسائل التواصل يظهرون خبث ما في نفوسهم
لم ؟
لضعف فينا
ومن الفوائد :
أن أهل الشر يتواصون على الشر
ما الدليل ؟
((قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ{76} ))
سبحان الله !
إذا كان أهل الشر يتواصون فيما بينهم على الشر ألا يجدر بأهل الخير أن يتواصوا فيما بينهم بالخير
ولذلك :
ماذا قال عز وجل عن هؤلاء وعن أمثالهم في سورة نوح :
يتواصون بالباطل :
{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } نوح23
وقريش لما أتت إلى أبي طالب لكي تشكو النبي عليه الصلاة والسلام لأنه كان يسب آلهتهم فقال عليه الصلاة والسلام : قولوا كلمة تسودوا بها العرب والعجم قولوا : لا إله إلا الله
قالوا : أما هذه فلا
وقد قالوا قبلها : نقول عشرات كلمات
يظنون أنها أي كلمة لكنهم يفقهون معنى لا إله إلا الله
معناها : أنهم إذا قالوا لا إله إلا الله يعني لا معبود بحق إلا الله
يعني : لا يذبح لغير الله ولا ينذر لغير الله
ولا يطاف إلا لله
ومع ذلك قالوا : {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } ص6
يتواصون بالشر
وقد أمرنا نحن في سورة العصر بأن نتواصى بالحق :
((وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3} ))
ومن الفوائد :
((قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ “))\
قال : (( بما فتح )):
دل هذا على أن العلم فتح وأن من العلم ما هو مكتسب وما هو فتح من الله
إذاً : العلم في أصله فتح
ومن بين العلم علمٌ لا يكتسب بل هو فتح
فتح من الله عز وجل
ولذلك :
عبارة السلف رحمهم الله : ” من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم “
يقول ابن تيمية رحمه الله يقول : الأدلة على هذا كثيرة
{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ } محمد17
((إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى )) الكهف13
والأدلة في هذا كثيرة
الخضر : ماذا قال عز وجل عنه ؟
{فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } الكهف65
دل على أن هناك علما يكتسب
ولذلك :
العلم فتح وإذا فتح على الإنسان بالعلم المكتسب فتح الله عليه فتحا من العلم كل على حسب ما يقدره الله عز وجل له
إذاً :
ما هو هذا الفتح ؟
وما هو هذا العلم الذي عند هؤلاء اليهود ؟
نأتي عليه إن شاء الله على الدرس القادم
ونأتي على بيان الفتح
كلمة الفتح لها معاني في كلام الله نرجئه إن شاء الله إلى الدرس القادم