تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 74 )
قوله تعالى :
{ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ{76}أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ{77} }
البقرة76 ، 77 (3 )
الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فمازلنا في ذكر الفوائد المتعلقة بقوله تعالى :
{ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ{76}أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ{77} }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الله عز وجل بين أنه فتح على اليهود فتوحات وأعظم هذه الفتوحات هو العلم والعلم نعمة وإذا أعطي الإنسان هذه النعمة فإن هذه النعمة إن لم يضعها حيث ما يرضي الله عز وجل ويرضي رسوله عليه الصلاة والسلام وإلا صارت نقمة عليه
وهذا ما يسميه العلماء بعلماء السوء فعلماء السوء :
هم الذين يحرمون الحلال ويحلون الحرام ، ومن حرم الحلال أو أحل الحرام ففيه شبه بعلماء اليهود
ولذلك :
لماذا غضب الله على اليهود ؟
بينما في النصارى قال هم ضالون كما في أواخر سورة الفاتحة :
(( غير المغضوب عليهم )) هم اليهود (( الضالون )) هم النصارى كما بين ذلك النبي عليه الصلاة والسلام عند الترمذي من حديث عدي
لم ؟
لأن من علم الحق فتركه فإنه يكون مغضوبا عليه بينما النصارى صاروا ضالين باعتبار أنهم عبدوا الله على غير علم
ولذلك جاءت عبارة بعض السلف قال :
” من ضل من علماء هذه الأمة فيه شبه باليهود ومن ضل من عباد هذه الأمة ففيه شبه بالنصارى “
هؤلاء فتح الله عليهم وكما ذكر عز وجل من أنهم يعلمون ان هناك رسولا سيأتي
ولذلك :
كانوا يقولون : للأنصار قبل أن يقدم النبي عليه الصلاة والسلام يقولون : سيأتي نبي وإذا أتى هذا النبي قاتلناكم تحت لوائه
فلما أتى هذا النبي من الذي ظفر بهذا ؟
هم الأنصار
حتى ظفر الأنصار بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام قبل قومه قريش
وهذا إن دل يدل على أن نعمة الله عز وجل لا يمكن أن يتحكم بها أحد
ولذلك :
رد الله على اليهود في مواطن كثيرة :
((قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) آل عمران73
وفي أواخر سورة الحديد :
((وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ))
ولذلك في سياق آيات سورة البقرة :
(({وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ ــ ما هو ؟ القرآن ــ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ )) ــ وهم يقولون للأنصار سيبعث نبي وسنقاتلكم معه ــ
(( وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ }البقرة89
لمَ أخفوا وصف النبي عليه الصلاة والسلام ولماذا كتموه وحرفوه ؟
اقرأ ما بعدها :
((بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ))
من أجل أن تبقى لهم رئاستهم
والله لو أن ملوك الدنيا في عصر النبي عليه الصلاة والسلام أسلموا لظفروا بخيري الدنيا والآخرة
ولذلك كتموا صفة النبي عليه الصلاة والسلام فكان بعضهم يقول لبعض لما يسأل بعض أقرباء هؤلاء اليهود يسألونهم عن هذا النبي أو وصفه كما هو في التوراة :
قالوا : نعم
فإذا رجعوا إلى الآخرين :
((قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ{76} )
وقال هنا : ((بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ ))
والفتح :
في القرآن يأتي بمعنى القضاء والفصل :
(( رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ )) الأعراف89
يعني : افصل واقضِ
ويأتي الفتح في القرآن بمعنى : النصر :
((إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ ))
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا هنا عن هؤلاء :
((لِيُحَآجُّوكُم بِهِ ))
الحجة في اللغة العربية :
هو الكلام المستقيم الذي لا اعوجاج فيه
لأنه يحتج بهذا الكلام على المخطئ ولذلك الحجة في اللغة العربية :
هو الكلام المستقيم الذي لا اعوجاج فيه
ولذلك :
ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام : ((تركتكم على المحجة البيضاء ))
ما معنى المحجة البيضاء ؟
المحجة : الطريق الواضح المستقيم
(( ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ))
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــ
أن اللام المذكورة هنا في : ((لِيُحَآجُّوكُم بِهِ ))
لام العاقبة :
يعني : ما معنى لا م العاقبة ؟
اللام لها معان في اللغة
يعني : قالوا لهم : ((قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ )) فتكون العاقبة لهم عليكم
ولهذا نظائر :
قال عز وجل عن موسى : ((فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ))
هل التقطوه من أجل أن يكون موسى عدوا وحزنا لهم ؟
لا يمكن أن يقدموا على هذا لكن هم التقطوه بقضاء من الله وقدر من أجل أن تكون العاقبة لهؤلاء هو الحزن والهم الذي يصيبهم إذا لم يستجيبوا لدعوة موسى عليه السلام
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن هناك محاجة ومخاصمة ستكون يوم القيامة بين أهل الحق وبين أهل الباطل
ولذلك قال هنا : (( لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ ))
ولذلك:
في سورة الزمر :
((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ{30} ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ{31} ))
فإذاً
ليتهيأ كل ظالم ومظلوم وكل محق وكل من هو على باطل ليتهيأ إلى هذا النزاع بينه وبين خصمه يوم القيامة عند من ؟
عند رب العالمين
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إثبات الجزاء والحساب وأن الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان الستة وأن اليهود يعرفون أن هناك يوم القيامة لكنهم لم ينتفعوا بهذا العلم
لم ؟
لأنهم لم يستعدوا له
وفي هذا دليل على أن الإيمان باليوم الآخر مما توارثته اليهود عن أنبيائهم بل إن اليوم الآخر مذكور في كتب الأنبياء السابقين
لأن بعض الفلاسفة ممن أتى في عصر المسلمين فيما مضى يقولون :
بإنكار اليوم الآخر ويقولون : ما أتى بذكر الإيمان باليوم الآخر إلى محمد عليه الصلاة والسلام يقولون : ما أتى به إلا محمد عليه الصلاة والسلام
س / أريد آية من القرآن على أن نبيا ذكر يوم القيامة ؟
لو أتاك واحد متفلسف وقال : لم يذكر اليوم الآخر إلا محمد
ماذا تقول له ؟
الأدلة كثيرة :
من بينها قول الله تعالى : {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ } العنكبوت36
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال هنا : (( أفلا تعقلون ))
ومرت بنا فائدة لغوية :
أن همزة الاستفهام إذا أتى بعدها حرف العطف فإن همزة الاستفهام لها الصدارة لها صدارة الكلام
وإتيان حرف العطف يدل على أن هناك معطوفا ومعطوفا عليه
فكيف تعرب هذه الجملة ؟
قلنا فيما مضى :
أنه يقدر بين همزة الاستفهام وبين حرف العطف جملة تناسب المقام :
(( أفلا تعقلون ))
وهذه قاعدة خذها في كل شيء :
(( أفلا تذكرون ))
(( أفلا يؤمنون ))
(( أفلا تتفكرون ))
قاعدة :
انظر إلى السياق ولتأت بجملة تضعها بين الاستفهام وبين حرف العطف تناسب المقام
(( أفلا تعقلون ))
من حيث السياق هنا : أجهلتم فلا تعقلون
أين همزة الاستفهام ؟
قبل جهلتم أجهلتم
أجهلتم فلا تعقلون
وبعض العلماء يقول : لا نقدر وإنما نقدم الفاء ثم همزة الاستفهام فنقول أصل الكلام : فألا تعقلون
لكن الأول هو الأنسب والأحسن فيما هو أقرب من قولي أهل اللغة في هذا
ولذلك :
هذه لها أمثلة كثيرة :
قول النبي عليه الصلاة والسلام لما قال لمعاذ كما في الصحيحين : ” أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله ؟
قال : الله ورسوله أعلم
قال : حق الله على العباد : أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وحق العباد على الله : ألا يعذب من لا يشرك به شيئا
فقال معاذ : يا رسول اله أفلا أبشر الناس
أفلا : همزة هنا وحرف العطف أتى هنا (( أفلا أبشر الناس ))
وعلى هذا تؤخذ جملة تناسب السياق
ومن الفوائد:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
بيان فضل التعقل
والتعقل فضله يظهر فيما يقوله الإنسان وفيما يفعله فلا يقدم على قول إلا بعد أن يحسب له ألف حساب ولا يقدم على فعل إلا بعدما يعرف ما مآلات هذا الفعل الذي سيقدم عليه
وبالتالي فإنه إذا فعل أو قال أصاب لكن إن فعل من غير تعقل أو قال من غير تعقل فإنه سرعان ما يندم
ولذلك :
من هو سريع الغضب
نقول : فلان سريع الغضب لكن ما أطيب قلبه !
يعود بسرعة :
لأنه لم يثريث فلماذا يوقع نفسه في هذا الأمر ؟
تصور مع طيبة هذا القلب لو تريث لو تعقل كان خيرا
وهنا :
قضية التعقل ينبغي أن تؤخذ في كل زمان وفي كل مكان
يعني :
نحن في هذه السنة والسنة التي قبلها معنا هذه الهواتف الذكية
هذه الوسائل سبحان الله !
ربما يصل للإنسان رسالة مباشرة نسخ لصق إرسال
لا يتفطن فيما بعد يعرف أن هذه الرسالة فيها مضار إما دينية أو دنيوية فيندم
ولذلك :
العقل :
التابع للشرع له فضل
العقل له فضل إذا كان تابعا للشرع
أما إذا كان العقل معزولا عن الشرع فإنه الوبال على صاحبه
ولذلك:
أهل الكلام فيما مضى لما أدخلوا عقولهم في شرع الله من غير ما تربط هذه العقول بما قاله الله وقاله رسول الله عليه الصلاة والسلام ضلوا ضلالا مبينا
ولذلك يقول ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى يقول :
” إن نظرنا إلى أهل الكلام بعين القدر رأينا أنهم أعطوا ذكاء ولم يعطوا زكاء في القلوب وأعطوا عقولا ولم يعطوا فهوما “
إذاً :
لا يمكن أن يكون لك فهم راق عال إلا بشرع الله
ولذلك :
من أراد السعادة وأراد العلم وأراد قوة الفهم وأراد قوة استحضار المعلومة
من أراد الخير كله فعليه بشرع الله علما وتعلما وتحاكما واستشفاء وقل ما تشاء
ولذلك :
وردت أحاديث في بيان فضل العقل :
ولتعلموا وهي قاعدة كما قال ابن القيم وقال غيره من أئمة المسلمين
قالوا : إنه لم يرد حديث في فضل العقل
وحديث ( أن أول ما خلق الله العقل ) حديث لا يصح
إذاً :
العقل يحمد متى ؟
إذا كان مربوطا بشرع الله عز وجل
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــ
أنه جل وعلا قال بعد ذلك :
((أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ{77} } ))
(( أَوَلاَ يَعْلَمُونَ ))
الهمزة للاستفهام الواو عاطفة نفس ما ذكرنا
فيكون السياق :
أضلت عقولهم ولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون
يعني :
لو خفي هذا الأمر على النبي عليه الصلاة والسلام وعلى أصحابه أفيخفى على علام الغيوب
هؤلاء ليست عندهم عقول من أن من يسير ويتحرك ويقف حسب ما يرضاه الآخرون من البشر فإنه يكون ضالا في أفكاره في أقواله في أفعاله
لكن من كان يلتمس رضا الله ولا يلتفت إلى رضا المخلوقين فيما يقول وفيما يفعل فإن العاقبة الحسنة له
ولذلك هم يريدون الدنيا ولما أرادوا الدنيا فإنهم لا ينطلقون ولا يتوقفون إلا حسب ما يحقق لهم المصلحة الدنيوية\
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه جل وعلا نقل السياق
الآن السياق فيما مضى سياق خطاب ثم هنا سياق غيبة قال :
((أَوَلاَ يَعْلَمُونَ )) لم يقل أولا تعلمون
هذا سياق غيبة
انتقال وهذا يسمى في اللغة العربية بالالتفات
وهذا له فائدة وموجود في كتاب الله وفي سنة رسوله عليه الصلاة والسلام
وهو مفيد لم ؟
يعني :
كأن السياق انتقل من السياق الأول إلى السياق الثاني من الخطاب إلى الغيبة من أنهم قوم لا يعبأ لهم ولا يؤبه بهم لأنهم لا يفقهون فكأنه أعرض عن حالهم وانتقل إلى أسلوب آخر
فهؤلاء لا يستحقون أن يسار معهم على سياق واحد من الخطاب
والفائدة الثانية فيما يخص الالتفات :
أن القرآن ينقلك وينقل عقلك وقلبك من شيء إلى آخر
وهذا يدعوك إلى ماذا ؟
يدعوك إلى أن تمعن النظر فيما تقرأ من كلام الله عز وجل
فإذا تمعنت في السياق الأول ثم إذا بالسياق في نفس القصة ينتقل إلى أسلوب آخر
تقول : سبحان الله! لماذا انتقل ؟
وبالتالي يدعوك هذا السياق إلى أن تحضر قلبك وعقلك
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــ
إثبات علم الله عز وجل بالكليات والجزئيات
لأن هناك طائفة ضلت من القدرية تقول : إن الله يعلم الكليات العامة لكن الجزئيات من هذه المعلومات لا يعلمها
تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
ولذلك:
يقولون : إن الأمر أُُنف يعني مستأنف يعني ما يعلم الله على قولهم تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا يقولون : لا يعلم الله بالشيء إلا بعدما يحدث
ولذلك :
أدركهم ابن عمر فقيل له : إن قوما يقولون إن الأمر أنف فقال رضي الله عنهما قال : والذي نفس ابن عمر بيده لو أنفق أحدهما مثل جبل أحد ذهبا ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر خيره وشره
ثم استدل بحديث النبي عليه الصلاة والسلام :
(( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ))
فالله جل وعلا يعلم كل شيء
ومن الفوائد:
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن علمه جل وعلا يرتبط برحمته في مواطن كثيرة: ((رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً ))
وهذا يدل على ماذا ؟
يدل على أن كل من اتسع علمه اتسعت رحمته
ولذلك رحمته وسعت كل شيء
لم ؟
لأن علمه وسع كل شيء
فمن اتسع علمه اتسعت رحمته
تصور :
بعض الناس يأتون ويسألون الناس أموالهم أنت لا تدري عن حالهم تجهل حالهم وبالتالي أحيانا تعرض ولا تعطيه وأحيانا من العلامات الظاهرة يكون لديك معلومات خفيفة فتعطيه ما قل
تصور :
لو أنك تعلم بحاله علم اليقين
كيف يكون العطاء ؟
على قدر العلم سترحمه أكثر إذا كنت موقنا أنه محتاج
انظروا :
ولذلك جل وعلا رحمته مبنية على علم بعض الناس عنده رحمة لكن ليست مبنية على علم وبالتالي فإنه يصيبه الضرر
تصور :
لو أن ابنك الصغير بلغ سبع سنين أو عشر سنين وفي فصل الشتاء قلت لا أوقظه لصلاة الفجر مع شدة البرد رحمته هذه رحمة مبنية على جهل
هل هي رحمة محمودة ؟
لا
إذاً :
الرحمة الكاملة المحمودة هي المبنية على علم وبقدر ما يتسع علمك بقدر ما تتسع رحمتك
ولذلك:
النبي عليه الصلاة والسلام ماذا قال جل وعلا عنه ؟
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } الأنبياء107
لأنه يحب عليه الصلاة والسلام بما يعلم مما علمه الله أن الناس بحاجة إلى ان يؤمنوا بالله عز وجل
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
لو قال قائل :
ما الدليل على أن الله يعلم الجزئيات والكليات ؟
من هذه الآية ؟
الدليل (ما) الموصولية
الاسم الموصل في اللغة العربية يفيد العموم
وهنا ما موصولية
فهي قاعدة :
الاسم الموصول يفيد العموم
يعلم الذي يسرون والذي يعلنون
يعني : كل ما عظم وصغر
وأعطيكم مثالا :
في أول سورة البقرة :
(( مثلهم ))
جمع أم مفرد ؟
جمع
((مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً ))
قال : (( الذي )) هنا لم يقل : ” الذين “
لم ؟
لأن الاسم الموصول يفيد العموم
{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } البقرة17
(( ذهب الله بنورهم ))
فالاسم الموصل يفيد العموم
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنه قال جل وعلا هنا : (( يعلم ما يسرون وما يعلنون ))
قدم السر قبل العلانية
لم ؟
لأن الأصل أن السر هو أسبق من العلانية
متى تعلن ما في قلبك ؟
قبله السر
إذاً :
لأن السر أسبق من العلانية والله جل وعلا عنده السر والعلانية سواء {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } الملك13
لأنه بعد ما قال لما قال : ((وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ )) قال : (( إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )) الملك13
يعني : ما هو أخفى
{وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى } طه7
كما قال جل وعلا في أول سورة طه
وقد يتنوع السياق عند علم الله فقد يقدم السر ثم العلانية وقد يقدم عندعلم الله العلانية ثم السر
كما في سورة الأعلى : {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى } الأعلى7
لكن في أواخر سورة البقرة هنا :
((لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ ))
قدم هنا الإبداء العلانية
لم ؟
لأن الله عز وجل لا يحاسبك إلا على ما أظهرته أما ما في قلبك فإنه لا حساب عليك
ولذلك :
قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح : (( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ))
ما أحسن كلام الله !