تفسير سورة العنكبوت من الآية ( 1 ) إلى ( 45 ) الدرس (199 )

تفسير سورة العنكبوت من الآية ( 1 ) إلى ( 45 ) الدرس (199 )

مشاهدات: 504

بسم الله الرحمن الرحيم

[ تفسير سورة العنكبوت]

من الآية (1) إلى الآية (45)- الدرس (200)

لفضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة العنكبوت

سورة العنكبوت من السور المكية

﴿الم﴾ [العنكبوت: ١] وهذه من الحروف المقطعة ومر معنا توضحيها في سورة البقرة

 

﴿أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُترَكوا أَن يَقولوا آمَنّا وَهُم لا يُفتَنونَ﴾ [العنكبوت: ٢]

يعني أيظن الناس أنهم إذا قالوا آمنا أن الله لا يختبرهم فيكتفون بالإيمان ودل هذا على أن أهل الإيمان أنهم مختبرون وكل على حسب ذلك، ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت عنه: يبتلى المرء على قدر دينه {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} يعني من أن الفتن لا تأتيهم والبلايا والهموم وما شابه ذلك مما لا يناسبهم ولا يلائمهم {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} والاستفهام هنا للإنكار والنفي يعني سيفتنون.

 

 ﴿وَلَقَد فَتَنَّا الَّذينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللَّهُ الَّذينَ صَدَقوا وَلَيَعلَمَنَّ الكاذِبينَ﴾ [العنكبوت: ٣]

{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يعني كما حصل لأهل الإيمان في هذه الأمة من الابتلاء كذلك ليتسلوا بمن قبلهم، ولذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما عند البخاري لما أتاه خباب فقال: (يا رسول الله ألا تستنصر لنا) وهو كان متوسدًا عند الكعبة في أول الأمر فقال: (لقد كان الرجل ممن كان قبلكم يحفر له حفرة، فيوضع فيها ثم يؤتى بالمنشار فينشر نصفين من رأسه إلى أسفله ويمشط بأمشاط الحديد دون لحمه وعضمه لا يصده ذلك عن دينه ولكنكم قوم تستعجلون والله ليتمن الله هذا الأمر) فدل هذا على ماذا؟ على أن من قبلنا فتن في دينه واختبر في دينه، أيضًا قد يأتي الإنسان ابتلاءات فيما يتعلق بدنياه في أولاده في ماله {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} هو عالم عز وجل من حيث الأزل لكن هنا علم يترتب عليه ظهور ويترتب عليه جزاء كما قال عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}[محمد: 31]، {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا } في قولهم آمنا {وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} فيما قالوه من أننا مؤمنون

 {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}

 

 

 ﴿أَم حَسِبَ الَّذينَ يَعمَلونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسبِقونا ساءَ ما يَحكُمونَ﴾

[العنكبوت: ٤]

 {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} لما قال لأهل الإيمان {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} هنا قال: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} يعني ظن الذين يعملون السيئات {أَنْ يَسْبِقُونَا} من أنهم يفوتوننا فلا نعذبهم؟ كلا {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا}

فلا يعجزوننا {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} ساء هذا الحكم الذي قالوه هذا الحكم

حكم سيء {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}

 

 ﴿مَن كانَ يَرجو لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّميعُ العَليمُ﴾ [العنكبوت: ٥]{مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ} كل إنسان سيلقى الله واللقيا عامة للمؤمن والكافر كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}[الانشقاق: 6]، لكن هنا اللقيا الحسنة التي يلقى المؤمن ربه على أحسن حال {مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ} فلا يستعجل ليبقى على دينه وليثبت على دينه {فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} سميع للأقوال وعليم بالأحوال فهو سميع لما يقوله الناس وعالم بأحوالهم فقال الله عز وجل:

 {مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}

 

 ﴿وَمَن جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ العالَمينَ﴾ [العنكبوت: ٦]{وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} نفعه له إن جاهد أعداء الدين إن جاهد نفسه عن الشهوات إن جاهد أعداء الدين إن جاهد أهل البدع والأهواء، {فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} الثواب له {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} كما قال تعالى: {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ}[يونس: 108]، فقال هنا: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} فلا تنفعه طاعة المطيع ولا تضره معصية العاصي {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}

 

  ﴿وَالَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنهُم سَيِّئَاتِهِم وَلَنَجزِيَنَّهُم أَحسَنَ الَّذي كانوا يَعمَلونَ﴾ [العنكبوت: ٧]

سبحان الله يجمع الله لهم بين تكفير السيئات فيزول عنهم ما يسوؤهم ويعطيهم ماذا؟أحسن ما كانوا يعملون

وقوله: {أَحْسَنَ} يدل على أنه من باب أولى يجازيهم بما هو حَسَن {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}

 

﴿وَوَصَّينَا الإِنسانَ بِوالِدَيهِ حُسنًا وَإِن جاهَداكَ لِتُشرِكَ بي ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ فَلا تُطِعهُما إِلَيَّ مَرجِعُكُم فَأُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ﴾ [العنكبوت: ٨]

{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} أي إيصاء الحسنى وهذا يدل على ماذا؟ أوصى الله وأمر الله الناس ببر الوالدين لما ذكر حقه ذكر حق الوالدين وهذا من تفضله عز وجل كما قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء: 23]، فقال عز وجل هنا: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} لأنه أصلا ليس هناك علم لا من حيث الشرع ولا من حيث العقل على الإشراك بالله عز وجل، لكن هنا أُتي بهذه الكلمة من باب التقبيح والتنديد لمن يشرك مع الله عز وجل {وَإِنْ جَاهَدَاكَ} دل هذا على أنهما يجاهدانك يعني فيما لو جاهداك وهذه نزلت كما قال المفسرون وقد جاء ذلك في سنن الترمذي كما ثبت من أن سعدًا رضي الله عنه لما أسلم قالت أمه والله لا أطعم شيئًا ولا آكل شيئًا حتى تكفر بدين محمد فقال يا أمي والله لو كان لكِ مائة نفس خرجت نفسا نفسًا ما كفرت فكلي أو لا تأكلي.

 فمن مجموع ما جاء عند الترمذي وغيره نزلت فيه، وهذه شاملة {وَإِنْ جَاهَدَاكَ} يعني الوالدين {لِتُشْرِكَ بِي} لأن حق الله مقدم على حق المخلوق {لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} ولذلك في سورة لقمان: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}[لقمان: 15]، يعني الإحسان إليهم أحسن إليهم، لكن لا تطع هذين الوالدين في الإشراك بي فقال عز وجل: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فأخبركم بما كنتم تعملون

﴿وَالَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُدخِلَنَّهُم فِي الصّالِحينَ﴾ [العنكبوت: ٩]{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} كرر أيضًا ما يكون لأهل الصلاح والإيمان {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} في جملة الصالحين الذين لهم المكانة العليا في الآخرة {لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ}

 

 ﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَقولُ آمَنّا بِاللَّهِ فَإِذا أوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتنَةَ النّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِن جاءَ نَصرٌ مِن رَبِّكَ لَيَقولُنَّ إِنّا كُنّا مَعَكُم أَوَلَيسَ اللَّهُ بِأَعلَمَ بِما في صُدورِ العالَمينَ﴾ [العنكبوت: ١٠]

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} هذا الصنف الذي قال بلسانه ولكن قلبه ضعيف ليس كأهل الإيمان الصادقين {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} فقال الله عز وجل هنا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ} يعني ابتلي في دين الله من أجل دين الله {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} جعل عذاب الناس كعذاب الله فلا يمكن أن يكون ذلك لم؟ لأن عذاب المخلوق لا يمكن أن يكون كعذاب الله {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}[الأنبياء: 46]، وهذا عذاب مخلوق وهذا عذاب خالق وهذا عذاب مخلوق ناقص، وهذا عذاب خالق كامل، وهذا عذاب ولو كان عظيمًا فهو إلى الزوال لكن عذاب الله لا يُعلم متى ينقطع وإن كان كافرًا، فإنه يستمر هذا العذاب له {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} ولذلك بعض المفسرين قال: هذه من السور المدنية.

وبعضهم قال: لا هي من السور المكية وهؤلاء قوم آمنوا لكن إيمانهم ضعيف

 وإن كان الأول هو الأقرب ولا يلزم إذا قلنا إن السورة مكية ألا يكون في بعضها بعض الآيات التي هي مدنية.

 {وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} يعني أعطونا من الغنائم { أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ} بلى الله أعلم بما في صدور العالمين، ومن ذلك ما في صدوركم لما قلتم آمنا وأيضًا قولكم {وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}

 فإن أخفيتم هذا عن العالمين فهو لا يخفى على الله

 {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}

 

 ﴿وَلَيَعلَمَنَّ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَلَيَعلَمَنَّ المُنافِقينَ﴾ [العنكبوت: ١١]

 لهذا الابتلاء والاختبار علم ماذا؟

علم ظهور للناس وعلم يترتب عليه جزاء، وإلا فالله عالم بما سيصنعون، عالم بنفاق المنافق وإيمان المؤمن قبل أن يخلقه الله

 

﴿وَقالَ الَّذينَ كَفَروا لِلَّذينَ آمَنُوا اتَّبِعوا سَبيلَنا وَلنَحمِل خَطاياكُم وَما هُم بِحامِلينَ مِن خَطاياهُم مِن شَيءٍ إِنَّهُم لَكاذِبونَ﴾ [العنكبوت: ١٢]

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ}

 يعني يقولون: سنتحمل عنكم هذه الخطايا في يوم القيامة؛ اتبعوا سبيلنا -دعاة الشر- {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ} لن يحملوا ذلك {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ} بل إنهم يتبرؤون منهم يوم القيامة كما جاءت بذلك آيات كثيرة {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} في هذا القول وكاذبون في غيره.

 

 ﴿وَلَيَحمِلُنَّ أَثقالَهُم وَأَثقالًا مَعَ أَثقالِهِم وَلَيُسأَلُنَّ يَومَ القِيامَةِ عَمّا كانوا يَفتَرونَ﴾ [العنكبوت: ١٣]

{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} وهي الذنوب سميت أثقالًا لأنها تثقل العبد {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} ممن أضلوهم (من دعا إلى ضلالة)

كما في صحيح مسلم (كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا) {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} من الافتراء والكذب وهذه الآية تكلمنا عنها وما يشابهها عند قوله تعالى: {وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ}[القصص: 78]، يسألون أحيانًا وأحيانًا لا يسألون ذكرنا الجمع بين ذلك في السورة السابقة.

 

﴿وَلَقَد أَرسَلنا نوحًا إِلى قَومِهِ فَلَبِثَ فيهِم أَلفَ سَنَةٍ إِلّا خَمسينَ عامًا فَأَخَذَهُمُ الطّوفانُ وَهُم ظالِمونَ﴾ [العنكبوت: ١٤]

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} ذَكَرَ من؟

أول الرسل نوح عليه السلام؛ تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن كذبوك فأول الرسل كُذِّب وقد مكث فيهم هذه السنوات الطوال.

 {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} لم يقل إلا خمسين سنة فرَّق بينهما؛ قال بعض المفسرين لأنه من حيث الأصل، الأصل أنه يُنَوَّع في الأسلوب ولا يكون تكرارًا إلا إذا كانت هناك حاجة أو دعوة إلى التكرار، لكن إذا لم يكن هناك حاجة فغيَّر بينهما من باب ماذا؟ تغيُّر الأسلوب وهذا يدل على البلاغة.

 {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} الغرق كما مر ذكر ذلك وتفسيره في سورة هود وكما سيأتي في سورة القمر بإذن الله تعالى.

 

 ﴿فَأَنجَيناهُ وَأَصحابَ السَّفينَةِ وَجَعَلناها آيَةً لِلعالَمينَ﴾ [العنكبوت: ١٥]{فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} ممن آمن معه

{وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}[هود: 40]، {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} ولذلك ماذا قال تعالى؟ {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً}[الفرقان: 37]، {وَجَعَلْنَاهَا} ما هي؟ العقوبة التي حلت بهؤلاء وأيضًا يدخل فيه قول من يقول: {السَّفِينَةِ}

السفينة يقولون بقيت زمنا من الأزمان باقية وهذه السفينة {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ}[هود: 44]، يعني على جبل الجودي {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ}

 

﴿وَإِبراهيمَ إِذ قالَ لِقَومِهِ اعبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقوهُ ذلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمونَ﴾ [العنكبوت: ١٦]

{وَإِبْرَاهِيمَ} يعني واذكر يا محمد إبراهيم فإن هؤلاء كفار قريش يقولون نحن على ملة إبراهيم ذكِّرهم بحال إبراهيم إمام الموحدين.

 {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ} يعني إذا وحدتم الله عليكم بتقوى الله فإن تقوى الله مكملة للتوحيد {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} سبحان الله انظر إلى رقة الأسلوب منه قال: اعبدوا الله واتقوه ثم قال: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} ثم قال {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يعني حكموا عقولكم أين علمكم؟ {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

 

 ﴿إِنَّما تَعبُدونَ مِن دونِ اللَّهِ أَوثانًا وَتَخلُقونَ إِفكًا إِنَّ الَّذينَ تَعبُدونَ مِن دونِ اللَّهِ لا يَملِكونَ لَكُم رِزقًا فَابتَغوا عِندَ اللَّهِ الرِّزقَ وَاعبُدوهُ وَاشكُروا لَهُ إِلَيهِ تُرجَعونَ﴾ [العنكبوت: ١٧]

{إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} أي: من أنكم تخلقون إفكًا فتأتون بهذه الأصنام وتسمونها بأسماء افتراءً على الله عز وجل {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ}[النجم: 23]، {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} وأيضًا من الإفك أنكم تخلقون إفكًا بحيث تقولون إن هذه الأصنام تنفع وتضر ولذلك مر معنا قصته عليه السلام لما حاجج قومه في سورة الأنبياء وفي سورة الشعراء {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا} إذًا أين عقولكم؟ كما قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ}[النحل: 73]، {فَابْتَغُوا} أي فاطلبوا عند الله الرزق.

 {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ} أمرهم بالعبادة أيضًا.

 {وَاشْكُرُوا لَهُ} أمرهم بالشكر ولذلك ماذا قال تعالى؟ {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[البقرة: 172]، {وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فمرجعكم إلى الله عز وجل وسيحاسبكم الله.

 

 ﴿وَإِن تُكَذِّبوا فَقَد كَذَّبَ أُمَمٌ مِن قَبلِكُم وَما عَلَى الرَّسولِ إِلَّا البَلاغُ المُبينُ﴾ [العنكبوت: ١٨]

{وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} مثل من؟ كان قبل إبراهيم من؟ قوم نوح وقوم عاد وقوم ثمود {وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} البلاغ والتوضيح البين فأنا رسول من ضمن الرسل {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}

 

﴿أَوَلَم يَرَوا كَيفَ يُبدِئُ اللَّهُ الخَلقَ ثُمَّ يُعيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسيرٌ﴾ [العنكبوت: ١٩]

{أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} هذه الآية {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} إلى قوله: {فَما كانَ جَوابَ قَومِهِ إِلّا أَن قالُوا اقتُلوهُ أَو حَرِّقوهُ فَأَنجاهُ اللَّهُ مِنَ النّارِ } [العنكبوت: ٢٤] هل هذه الآيات كلها من قول إبراهيم أو أن في ثناياها ما يدل على أنه خطاب لكفار قريش؟

وعلى كل حال رجح ابن كثير رحمه الله من أن السياق كله عن إبراهيم {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} دلائل على ماذا؟ على أن الذي يجب أن يوحَّد وحده هو الله عز وجل {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} يبدئ الله الخلق يعني انظروا إلى أي نوع من أنواع الخلق، أصل الخلق تجد مثلا ماذا؟ تجد مثلا الحبة من النبات كيف يبدئها الله عز وجل وينشئها الله عز وجل ثم يعيدها مرة أخرى بعد أن تهلك ويأتي غيرها {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} وأيضًا تدبروا في ماذا؟ في أنفسكم كيف خلقكم عز وجل وأيضًا كما أنه خلقكم فهو سيعيدكم في يوم القيامة {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ} ثم قال: {ثُمَّ يُعِيدُهُ} يعني سيعيدكم {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} هو هين على الله قال عز وجل {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}[الروم: 27]، فقال هنا: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} ولذلك ماذا قال تعالى؟ {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}[لقمان: 28]، {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}

 

 

﴿قُل سيروا فِي الأَرضِ فَانظُروا كَيفَ بَدَأَ الخَلقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ﴾ [العنكبوت: ٢٠]

 {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا} نظر تأمل وتدبر { كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ} يعني تأملوا فانظروا كيف بدأ الخلق وتأملوا في أحوال الخلق {ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ} يعني كما أنشأ الخلق من أول الأمر هو ينشئهم يوم القيامة {ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ليس على هذا الأمر فقط، بل هو على شيء قدير.

 

 ﴿يُعَذِّبُ مَن يَشاءُ وَيَرحَمُ مَن يَشاءُ وَإِلَيهِ تُقلَبونَ﴾ [العنكبوت: ٢١]

أي تَرجِعون إلى الله وهناك في يوم القيامة {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ}

يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ: وهذا يدل أيضًا على ماذا؟ على أنهم في الدنيا من أضله الله عز وجل فهو معرض للعذاب من شاء الله أن يضله ومن شاء أن يهديه فهو معرض لرحمة الله عز وجل {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ}

 

 

 ﴿وَما أَنتُم بِمُعجِزينَ فِي الأَرضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُم مِن دونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصيرٍ﴾ [العنكبوت: ٢٢]

{وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} يعني لن تفوتوننا سواء كنتم في الأرض أو كنتم في السماء فلا أحد يفوتنا سواء كان في الأرض أو في السماء حتى لو كنتم في السماء {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} فإذا أراد الله بكم شيئًا فإنه واقع بكم {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} ليس هناك أحد يتولاكم ويأتي إليكم من نفع ولا نصير يدفع عنكم الضر {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}

 

﴿وَالَّذينَ كَفَروا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسوا مِن رَحمَتي وَأُولئِكَ لَهُم عَذابٌ أَليمٌ﴾ [العنكبوت: ٢٣]

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ} كفروا بآيات الله ولم يؤمنوا بها ولقائه يعني يوم القيامة {أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي} يعني إذا عاينوا العذاب يئسوا من رحمة الله، مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر قال الله عز وجل: سبقت رحمتي غضبي ولذلك نص على الرحمة هنا يعني مع أن رحمته واسعة لكن ليست لهؤلاء لأنهم كفروا، ولذلك ماذا قال تعالى؟ {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}[الأعراف: 156]، هؤلاء كفروا بآيات الله {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يئسوا من رحمة الله ولهم عذاب أليم مؤلم.

 

 

 ﴿فَما كانَ جَوابَ قَومِهِ إِلّا أَن قالُوا اقتُلوهُ أَو حَرِّقوهُ فَأَنجاهُ اللَّهُ مِنَ النّارِ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يُؤمِنونَ﴾ [العنكبوت: ٢٤]

{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} يعني قوم إبراهيم {إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} دل هذا على أنهم تنازعوا هل يقتلونه أم أنهم يحرقونه؟ واستقر الرأي على ماذا؟ على أنهم يحرقونه {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} دل على أنهم أرادوا إحراقه بعدها {فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ} ولذلك ماذا قال عز وجل؟ {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}[الأنبياء: 69]،

{فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ} يعني في قصة إبراهيم وما فيها من العبر {لَآيَاتٍ}

 مع أنها قصة واحدة لكنها لكثرة ما فيها من العبر فهي بمنزلة الآيات

 {لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} لأنهم هم المنتفعون بذلك.

 

 {﴿وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذتُم مِن دونِ اللَّهِ أَوثانًا مَوَدَّةَ بَينِكُم فِي الحَياةِ الدُّنيا ثُمَّ يَومَ القِيامَةِ يَكفُرُ بَعضُكُم بِبَعضٍ وَيَلعَنُ بَعضُكُم بَعضًا وَمَأواكُمُ النّارُ وَما لَكُم مِن ناصِرينَ﴾ [العنكبوت: ٢٥]

{وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يعني أنتم فقط ماذا؟ اتخذتم هذه الأوثان من أجل ماذا؟ المودة التي بينكم؛ كل منكم يجامل الآخر لكن لو قال قائل هم اتخذوها أيضًا من أجل آبائهم ﴿ وَجَدنا آباءَنا كَذلِكَ يَفعَلونَ﴾ [الشعراء: ٧٤] فما الجمع بينهما؟ الجمع بينهما أنهم مرة يقولون نحن نتبع آباءنا، ومرة من أجل المودة التي بينهم فكل منهم يجامل الآخر على الظلم وعلى الكفر {مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} لكن {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ} كل منكم يكفر بالآخر الرؤساء والمرؤوسين، الأتباع والمتبوعين {وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} القادة ومن تبعهم {وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} وقد ذكر الله عز وجل ذلك في آيات كثيرة {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا}[الأعراف: 38] فقال الله عز وجل هنا: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} لكن ما يُفيد هذا {وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ} مثواكم النار {وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}

 

 

﴿فَآمَنَ لَهُ لوطٌ وَقالَ إِنّي مُهاجِرٌ إِلى رَبّي إِنَّهُ هُوَ العَزيزُ الحَكيمُ﴾

 [العنكبوت: ٢٦]

{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} الذي أمن له لوط ولوط عند أكثر المفسرين أنه ابن أخٍ لإبراهيم يعني أن إبراهيم عمه {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} من القائل؟ لوط أم إبراهيم؟ قولان والذي يظهر من السياق من أنه إبراهيم، ولذلك في الآية الأخرى {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الصافات: 99]، وذهبا جميعًا خرجا من العراق لأنهما كانا في العراق إلى الشام، فنزل لوط جهة الأردن في قرية يقال لها سُدوم فقال الله عز وجل {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} العزيز القوي الذي سينصرني وهو حكيم إذ ابتلاني بهذه الابتلاءات ولذلك مما جرى له؛ جرى له مع ذلك الملك {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ}[البقرة: 258]، مرت معنا كان في العراق فخرج عليه السلام مع لوط {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}

 

 ﴿وَوَهَبنا لَهُ إِسحاقَ وَيَعقوبَ وَجَعَلنا في ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالكِتابَ وَآتَيناهُ أَجرَهُ فِي الدُّنيا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحينَ﴾ [العنكبوت: ٢٧]

{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} لما هاجر ولذلك ماذا قال تعالى: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا}[مريم: 49]، {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ} إبراهيم {النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} ما من نبي يأتي بعد إبراهيم إلا وهو من سلالة وذرية إبراهيم وما من كتاب أنزل إلا أنزل على نبيٍ؛ ذلكم النبي من سلالة إبراهيم فانظر إلى كرم الله عز وجل {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا} أعطاه الله الأجر في الدنيا من الثناء الحسن من النصرة من التمكين {وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنِ الصَّالِحِينَ} من جملة الصالحين من الأنبياء الصالحين {وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنِ الصَّالِحِينَ}

 

﴿وَلوطًا إِذ قالَ لِقَومِهِ إِنَّكُم لَتَأتونَ الفاحِشَةَ ما سَبَقَكُم بِها مِن أَحَدٍ مِنَ العالَمينَ﴾ [العنكبوت: ٢٨]

{وَلُوطًا} يعني واذكر يا محمد لوطًا الذي هاجر مع إبراهيم

 {وَلُوطًا} وذكِّر هؤلاء بقصة لوط ذكِّر قومك كفار قريش {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} حتى البهائم حتى ما توجد فيها هذه الرذيلة، ولذلك قال بعض خلفاء الأمة الإسلامية قال: لو لم يذكر الله عز وجل لنا قصة قوم لوط ما كنا نتوقع أن ينزو رجل على رجل أي يعلو رجل على رجل، لأن هذا حتى في البهائم غير موجود {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ}

 

﴿أَئِنَّكُم لَتَأتونَ الرِّجالَ وَتَقطَعونَ السَّبيلَ وَتَأتونَ في ناديكُمُ المُنكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَومِهِ إِلّا أَن قالُوا ائتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقينَ﴾

 [العنكبوت: ٢٩]

{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ} كما في الآيات الآخر {شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ}[النمل: 55]، {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} تأتون إلى الطرق وتأخذون من الناس أموالهم وتجبرونهم على فعل الفاحشة {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ} أي تفعلون اللواط يفعل بعضكم بعضا في ناديكم النادي هو المجتمع الذي يجتمع فيه القوم ولذلك ماذا قال تعالى؟ {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}[النمل: 54]، ولذا قال بعض العلماء من المفسرين وتأتون في ناديكم المنكر من فاحشة اللواط وكانوا يتظارطون في نواديهم ويضحك بعضهم مع بعض وقد قال بعض المفسرين من أنهم كانوا يلعبون بالحمام وعلى كل حال مثل هذا يحتاج إلى دليل، لكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ماذا قال كما ثبت في الحديث الحسن لما رأى إنسانًا يتبع حمامة

 قال: شيطان يتبع شيطانة لم؟

 الحمام إذا رُبِّي من أجل الأكل لا إشكال، من أجل التنمية والبيع لا إشكال، لكن من أجل اللهو؟ هنا الذي يحصل.

 لم قال شيطان يتبع شيطانة؟ لأنها تلهيه وتصرفه عن ماذا؟ عن فعل الخير وعن ذكر الله عز وجل فقال الله عز وجل هنا {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} قالوا هذا على سبيل ماذا؟ على سبيل الاستهزاء انظر سبحان الله هم ردوا عليه بردين من أنهم هددوه {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}[النمل: 56]، وردوا عليه برد آخر دل على انهم كانوا يقولون كذا وكذا {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}

 

﴿قالَ رَبِّ انصُرني عَلَى القَومِ المُفسِدينَ﴾ [العنكبوت: ٣٠]

 هؤلاء أفسدوا أعظم الإفساد {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ}

 

 ﴿وَلَمّا جاءَت رُسُلُنا إِبراهيمَ بِالبُشرى قالوا إِنّا مُهلِكو أَهلِ هذِهِ القَريَةِ إِنَّ أَهلَها كانوا ظالِمينَ﴾ [العنكبوت: ٣١]

{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} كما مر معنا في سورة هود {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}[هود: 69]، ومر معنا فبشروه بمن؟ بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب.

 هنا بعدما بشروه ما الذي جرى؟ أخبروه بأنهم أتوا إلى إهلاك قوم لوط قال هنا {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} بشرى بمن؟ بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب {قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ}

 

 

﴿قالَ إِنَّ فيها لوطًا قالوا نَحنُ أَعلَمُ بِمَن فيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهلَهُ إِلَّا امرَأَتَهُ كانَت مِنَ الغابِرينَ﴾ [العنكبوت: ٣٢]

{قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا} يعني كيف تفعلون ذلك وفيها لوط؟ ولذلك ماذا قال تعالى في سورة هود؟ {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}[هود: 74]

 المجادلة هنا: {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} أي الباقين في العذاب.

 

 

﴿وَلَمّا أَن جاءَت رُسُلُنا لوطًا سيءَ بِهِم وَضاقَ بِهِم ذَرعًا وَقالوا لا تَخَف وَلا تَحزَن إِنّا مُنَجّوكَ وَأَهلَكَ إِلَّا امرَأَتَكَ كانَت مِنَ الغابِرينَ﴾ [العنكبوت: ٣٣]

{وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ} يعني هنا انتقلوا من إبراهيم إلى لوط عليه السلام وهو لا يعرفهم {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ} أن هنا: زائدة للتأكيد {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ}  استاء لما رآهم لأنه لا يعرفهم وخشي عليهم من قومه {سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} ضاق بهم ذرعًا: أي ضاق بهم صدرًا لأن الإنسان إذا حُمِّل شيئًا لا يحتمله ماذا يكون صدره؟ يكون ضيقًا، ولذلك هنا {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} قالوا مأخوذ من ذرع البعير، البعير إذا مشى فإنه يمشي بخطوات بها طول من الذراع فإذا حُمِّل زيادة على ظهره، فإن خطواته تقل لأنه أُثقِل، فالإنسان إذا أُثقِل ضاق صدره {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ} ولذلك ذكر الله عز وجل ما جرى بينه وبين الملائكة وما جرى بينه وبين قومه في سورة هود {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ}[هود: 77-78]، مرَّ هذا، قال هنا: {وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ} لا تخف على ما سيكون في المستقبل ولا تحزن على أمر مضى، ولذلك في سورة هود {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ}[هود: 81]، ولذلك ماذا قال تعالى في سورة القمر  {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ}[القمر: 37]، لأنهم دخلوا عليه {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} قام جبريل فطمس أعينهم فأصبحوا لا يبصرون {وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} أي من الباقين في العذاب.

 

 ﴿إِنّا مُنزِلونَ عَلى أَهلِ هذِهِ القَريَةِ رِجزًا مِنَ السَّماءِ بِما كانوا يَفسُقونَ﴾ [العنكبوت: ٣٤]

{إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ} يعني عذابًا من السماء {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} أي بسبب فسقهم ما هو هذا الرجز؟ الحجارة {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ}[هود: 82]، {إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}

 

 

﴿وَلَقَد تَرَكنا مِنها آيَةً بَيِّنَةً لِقَومٍ يَعقِلونَ﴾ [العنكبوت: ٣٥]

{وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً} تلك الديار؛ ديار قوم لوط فيها آية بينة واضحة تمُرُّ بها كفار قريش {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ-وَبِاللَّيلِ} يا كفار قريش{ أَفَلا تَعقِلونَ}[الصافات: 137- 138]

 {وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً} لكن لمن؟{ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يحضرون عقولهم حتى يستفيدوا

 

﴿وَإِلى مَديَنَ أَخاهُم شُعَيبًا فَقالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّهَ وَارجُوا اليَومَ الآخِرَ وَلا تَعثَوا فِي الأَرضِ مُفسِدينَ﴾ [العنكبوت: ٣٦]

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} ذكر مدين لأن شعيبًا بعد لوط ولذلك ماذا قال شعيب؟ {لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ}[هود: 89]، يقوله شعيب لهم

 {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} أمرهم بالتوحيد {وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ} يعني خافوا اليوم الآخر وهذا يدل على أن ذكر يوم القيامة ليس في دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ حتى في رسالة الأنبياء السابقين {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} ولا تعثوا أي لا تفسدوا أشد الإفساد وكرره من باب التأكيد لاختلاف اللفظين {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}

 

 

﴿فَكَذَّبوهُ فَأَخَذَتهُمُ الرَّجفَةُ فَأَصبَحوا في دارِهِم جاثِمينَ﴾ [العنكبوت: ٣٧] {فَكَذَّبُوهُ} فما الذي جرى؟ {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} الجاثم هو الذي يجثم على ركبتيه يعني من أنه هامد، ولذلك الطير إذا جثم ساقطًا يسقط على وجهه {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}، {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ}[الحجر: 73]، دل على أنه صِيح بهم وارتُجِف بهم أصابتهم الصيحة والرجفة {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}

 

 

﴿وَعادًا وَثَمودَ وَقَد تَبَيَّنَ لَكُم مِن مَساكِنِهِم وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطانُ أَعمالَهُم فَصَدَّهُم عَنِ السَّبيلِ وَكانوا مُستَبصِرينَ﴾ [العنكبوت: ٣٨]

 {وَعَادًا وَثَمُودَ} يعني وأهلكنا عادًا وثمودَ، قبل من؟ قبل شعيب وقبل لوط وقبل قوم إبراهيم {وَعَادًا وَثَمُودَ} وعاد في اليمن وثمود مع طريق المدينة متجهًا إلى الشام {وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ} يا كفار قريش من مساكنهم، تمرونها بتجارتكم إلى الشام وإلى اليمن {وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} تنظرون إلى مساكنهم {وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} أيضًا لا يزين الشيطان لكم أنتم يا كفار قريش أعمالكم {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} يعني عن طريق الحق {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} عندهم أبصار يبصرون لكنهم لا بصائر لهم لم يبصروا الحق فينتفعوا به {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ}

 

﴿وَقارونَ وَفِرعَونَ وَهامانَ وَلَقَد جاءَهُم موسى بِالبَيِّناتِ فَاستَكبَروا فِي الأَرضِ وَما كانوا سابِقينَ﴾ [العنكبوت: ٣٩]

 {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} يعني وأهلكنا قارون وفرعون وهامان.

 وهامان من؟ وزيره، وقارون ﴿إِنَّ قارونَ كانَ مِن قَومِ موسى فَبَغى عَلَيهِم﴾ [القصص: ٧٦]

{وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ} جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ: بالمعجزات والبينات هنا هي المعجزات لأن التوراة أُنزلت بعد إغراق فرعون وهامان {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ} يعني ما كانوا بفائتين من عذابنا، فالله عز وجل بطش بهم {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}[البروج: 12]، {وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ}

 

﴿فَكُلًّا أَخَذنا بِذَنبِهِ فَمِنهُم مَن أَرسَلنا عَلَيهِ حاصِبًا وَمِنهُم مَن أَخَذَتهُ الصَّيحَةُ وَمِنهُم مَن خَسَفنا بِهِ الأَرضَ وَمِنهُم مَن أَغرَقنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظلِمَهُم وَلكِن كانوا أَنفُسَهُم يَظلِمونَ﴾ [العنكبوت: ٤٠]

{ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} وما ظلمهم الله

 {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا} مَن؟ قوم لوط؟ قال به بعض العلماء، والصحيح كما قال ابن كثير لأن السياق يتحدث عمن هو قريب لأن لوطًا ذُكر العذاب لقومه فيما مضى {إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ} [العنكبوت: ٣٤]، {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا} على من؟ على عاد

 {وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ} من؟ ثمود

 {وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ} قارون

 {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} فرعون وهامان، وهذا هو الصحيح في سياق هذه الآيات، {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} لكمال عدله {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} هم الذين ظلموا أنفسهم بأفعالهم

 

 ﴿مَثَلُ الَّذينَ اتَّخَذوا مِن دونِ اللَّهِ أَولِياءَ كَمَثَلِ العَنكَبوتِ اتَّخَذَت بَيتًا وَإِنَّ أَوهَنَ البُيوتِ لَبَيتُ العَنكَبوتِ لَو كانوا يَعلَمونَ﴾ [العنكبوت: ٤١]

{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ} يعني يرجون منهم النفع ودفع الضر، ما حالهم ما مثلهم؟ {كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ} من؟{لَبَيتُ العَنكَبوتِ}  بيت العنكبوت من أوهن؛ فهو لا يقيها الحر ولا البرد وأيضًا بأدنى ما ينفخ الإنسان نفخة إذا به يطير

 فحالكم أيضًا مع هؤلاء الذين جعلتموهم أندادًا مع الله ترجون منهم النفع وتطلبون منهم دفع الضر إنما مثلكم كمثل العنكبوت اتخذت بيتًا.

إذًا حالكم حال وَهَن كحال العنكبوت

 {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ} هذا معلوم عند العالم كله

 {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} دل هذا على أن ما أنتم عليه ضلال {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} لو كانوا يعلمون حقيقة العلم هذا الأمر ما اتخذوا من دون الله أندادًا، وإنما توجهوا إلى الله عز وجل وحده {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}

 

 

﴿إِنَّ اللَّهَ يَعلَمُ ما يَدعونَ مِن دونِهِ مِن شَيءٍ وَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ﴾ [العنكبوت: ٤٢]

{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} هنا إما أن تكون ما:

 ما الموصولية بمعنى الذي؛ يعني: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الذين يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ يعني الله عز وجل مطلع على حال هؤلاء، فيعلم من الذي يدعونه من أصنام أو من أحجار أو ما شابه ذلك

 {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} فلا يخفى عليه شيء

 ويصح أن تكون ما نافية {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ}

 يعلم أن الذي يدعونه ليس بشيء كالعدم لم؟

 لأنه لا ينفع ولا يضر وصفهم بالعدم

 {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}

 الذي يستحق العبودية وهو العزيز لأنه قوي وغالب ولا يُنال بسوء وهو حكيم عز وجل يضع الأمور في مواضعها المناسبة واللائقة بها

 

 

 ﴿وَتِلكَ الأَمثالُ نَضرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعقِلُها إِلَّا العالِمونَ﴾ [العنكبوت: ٤٣]{وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ} من أجل أن نقرب لهم الأشياء؛ نقرب لهم الغائب كأنه حاضر والمعقول كأنه محسوس يشاهدونه، لكن من الذي ينتفع؟ {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ} كما ضرب العنكبوت مثلا {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} يعني ما يعقل هذه الأشياء ولا يفهمها إلا العالمون، ولذلك بعض السلف يقول إذا مر مثلٌ في القرآن ولم أفهمه عزيت نفسي لم؟ لأني لست بعالم.

 كيف؟

 قال: لأن الله عز وجل يقول: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} ثم ماذا قال؟

 

 

﴿خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالأَرضَ بِالحَقِّ إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِلمُؤمِنينَ﴾ [العنكبوت: ٤٤]

{خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} فلماذا لا يتأملون خَلْق السماوات والأرض؟ ما خَلَقها إلا بالحق ما خَلَقها عبثًا {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا}[ص: 27]، خَلَقها بالحق ومن أجل الحق من أجل أن يُعبد الله من أجل أن يُتفكر فيها من أن الذي خلقها هو الله فيُعبد الله عز وجل

 {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ}

من يعتبر بخلق السماوات والأرض من؟ أهل الإيمان

 {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ}

 

 

 ﴿اتلُ ما أوحِيَ إِلَيكَ مِنَ الكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَلَذِكرُ اللَّهِ أَكبَرُ وَاللَّهُ يَعلَمُ ما تَصنَعونَ﴾ [العنكبوت: ٤٥]

{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} لا تلتفت يا محمد إلى هؤلاء اقرأ {مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ} وهذا يدل على عِظَم الصلاة ولذلك كما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم إذا حزبه أمر قال: أرحنا بها يا بلال فلا تلتفت إلى هؤلاء ولا تحزن عليهم

 {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ} أي ما استُفحِش

  {وَالْمُنْكَرِ} يعني ما استُنكِر من حيث الشرع والعقل

 {تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}

لو دخلنا إلى هذه الصلاة بقلوب خاشعة لنهتنا

 ولذلك المحافظ على إقامة الصلاة بأركانها وواجبتها وشروطها تنهاه حتى لو لم تنهَهُ الآن تنهاه في المستقبل.

 ولذلك ثبت في المسند قالوا يا رسول الله إن فلانًا يصلي بالليل لكنه إذا أصبح سرق قال سينهاه ما تقول يعني ما تقوله من إقامة الصلاة

ستنهاه في المستقبل

 {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ: قال بعض المفسرين {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} يعني ذكر الله في كل الأحوال أكبر بحيث يكون الإنسان على صلة بربه بليله وبنهاره وفي جميع أحواله.

 وقال بعض العلماء {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} من ذكركم لله

 لأن الله يجازيكم أعظم الجزاء.

ولذلك في الحديث القدسي في الصحيح قال: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه.

وقال بعض العلماء وهو رأي شيخ الإسلام رحمه الله يقول

وتلك الأقوال لها اعتبارات لا شك في ذلك لكن يقول {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} يقول

الصلاة بها فائدتان:

1- تنهى عن الفحشاء والمنكر.

2- وأيضًا بها ذكر الله وتعظيم الله.

 فيقول: ذكر الله وتعظيم الله حينما يدخل الإنسان في الصلاة أعظم من نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر لم؟ قال: لأنه إذا عظم الله وذكر الله بخشوع في صلاته تولد من ذلك ماذا؟ أنه يحب الله وأنه يخاف الله وأنه يرجو الله، فيحصل من ذلك أنه يتسابق إلى الخيرات

 {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} فلا يخفى عليه شيء من أعمالكم ولو دقت تلك الأعمال.