تفسير سورة ( الغاشية )
الدرس (275 )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــ
تفسير سورة الغاشية….
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آَنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) }
{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } { هَلْ } قال هنا كثير من المفسرين هي بمعنى قد يعني قد أتاك حديث الغاشية، وهي يوم القيامة لأنها تغشى وتغطي بأهوالها أهل الموقف.
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } يعني من أنها ذليلة.
{ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ } يعني أنها مع هذا العذاب عاملة تعمل في النار بالمشاق {نَاصِبَةٌ } يعني تتعب من هذه الأعمال الشاقة، وقيل { عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ } يعني { عَامِلَةٌ } في الدنيا على غير هدى فهي { نَاصِبَةٌ } يعني أنها تتعذب في الدنيا، ثم تتعذب في الآخرة، وهذا لا مانع من دخوله { تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً } { تَصْلَى } يعني تدخل وتقاسي { نَارًا حَامِيَةً } يعني شديدة الحرارة {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آَنِيَةٍ } { تُسْقَى } رغم أنفها { مِنْ عَيْنٍ آَنِيَةٍ } يعني من عين شديدة الحرارة.
{ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ } يعني لما ذكر الماء ذكر هنا الطعام { لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ } وهو ذو الشوك المنتن الكريه.
{ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) } لأن الطعام إما أن يغني من جوع أو يسمن، لكن هذا لا يسمن ولا يغني من جوع، ثم لما ذكر وجوه أولئك الأشرار ذكر وجوه الأخيار { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ } كما قال تعالى { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ } من الفرح والسرور.
{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) } { لِسَعْيِهَا } الذي سعته في الدنيا من الأعمال الطيبة { رَاضِيَةٌ } قد رضيت بهذا الثواب { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } { لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ }.
{ لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً } يعني لا تسمع فيها كلاما لغوا باطلا أو كلمة لاغية { لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً } { لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا }.
{ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } تجري ليس لها أخاديد { فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ } وهي المرتفعة التي يتكأ عليها { وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ } وهي الأكواب التي لا عرى لها { وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ } يعني أنها موضوعة ومصفوفة كثيرة لا يحتاجون إلى البحث عنها { وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ } وهي الوسائد المصفوفة التي يتكئون عليها { وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } وهي البسط الناعمة الجميلة {مَبْثُوثَةٌ} ومنثورة كما قال تعالى { مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ }
{أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)}
{ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ } أين عقولهم حتى يتأملوا إلى عظمة الله وإلى ما خلقه الله
{ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } كيف خلقها الله بهذه الضخامة وكيف ذللها وسخرها حتى يقودها أصغر الأطفال، { وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ } كيف رفعها الله.
{ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ } وهي واضحة وعلامة موجودة ظاهرة لعيونهم وهم يسيرون في الصحاري، { وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } يعني كيف بسطت وكيف مهدت، ولا تنافى هذا مع ماذا؟ من أن الأرض كروية، وقد مر معنا تفصيل لهذه المسألة هل الأرض كروية؟ وهل الأرض تدور أم لا في قوله تعالى { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } بينَّا هناك بيانا واضحا ومفصلا فقال هنا { وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } ومن ثم فإن الله خاطبهم لأنهم بدو يعيشون على هذه الأشياء، ويسافرون، فيقول أنتم إذا سافرتم وإذا ذهبتم عن طريق هذه الجمال لأن من كان ممن يعيش في البادية ماذا يكون؟ إما في سفره على بعيره فنيظر إلى السماء فوقه، وينظر إلى الأرض تحته، وينظر إلى ما أمامه فيرى الجبال، فأتى بهذه الأشياء من باب تذكيرهم، ولذا قال تعالى { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ } يعني ماعليك إلا البلاغ.
{ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } كما قال تعالى { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } يعني لست بمصيطر عليهم حتى تجبرهم على الدخول في الإسلام.
{ إِلَّا } هنا بمعنى لكن، وهذا هو الأرجح من أنه استثناء منقطع، وليس استثناء متصلا { إِلَّا } يعني لكن { مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ } يعني من تولى وأعرض وكفر { إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24)} لأنهم عذبوا في الدنيا.
{ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ } يعني أن المرجع إليه { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } يعني من الذي يتولى حسابهم هو الله.