تفسير سورة النازعات من الآية ( 1) حتى ( 14)

تفسير سورة النازعات من الآية ( 1) حتى ( 14)

مشاهدات: 549

تفسير سورة النازعات

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

سورة النازعات

{ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا(1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا(2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا(3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا(4) فَالمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا(5) } . {النَّازعات}.

معاني الآيات

{ النَّازِعَاتِ } : الملائكة تنزع أرواح الكفار.

{ غَرْقًا } : بشدة وعنف.

{ النَّاشِطَاتِ } : الملائكة تسل أرواح المؤمنين.

{ نَشْطًا } : برفق ولين.

{ السَّابِحَاتِ } : الملائكة تسبح بأمر الله عز وجل حيث أراد وشاء.

{ السَّابِقَاتِ } : الملائكة تسبق إلى أمر الله عز وجل ولا تتأخر عن طاعته.

{ فَالمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا } : الملائكة تدبر أمور الخلق بأمره عز وجل.

من فوائد هذه الآيات

  • اقسام الله عز وجل بالملائكة وهذا يدل على عظمها ورفعة مكانتها فلا يقسم الله عز وجل إلا بعظيم ولله عز وجل أن يقسم بما شاء من مخلوقاته أما الخلق فلا يجوز لهم أن يقسموا إلا بالله عز وجل قال عليه الصلاة و السلام  كما في حديث ابن عمر (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) والأحاديث في هذا كثيرة ويستوي في ذلك الملائكة والأنبياء والأولياء وغيرهم في تحريم الحلف بهم.
  • أن هذه الكلمات فسرت بتفاسير أخرى ولكن أرجحها أنها في شأن الملائكة ولذلك أتى بالفاء لما ذكر النازعات والناشطات والسابحات عقب على ذلك بالفاء المفيدة للترتيب والتعقيب.
  • بيان شدة عذاب الكافرين عند موتهم وهذه بشرى لهم بالسوء كما أن فيها بياناً لمكانة المؤمنين عند موتهم وأنهم يبشرون بالخير ولا أدل من حديث البراء الطويل هذا الحديث بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم ما يصيب المؤمن والكافر عند موته .
  • أن (غرقا) عبارة عن الدخول في عمق الشيء ولذا قال عز وجل { وَالمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ } {الأنعام:93} كما أن النشطى يدل على اليسر ففي حديث البراء (فتخرج روحه كما تخرج القطرة من فيِّ السقاء) أليس في بعض الأحاديث (كأنما نشط من عِقال) يعني تحلل من هذا القيد.
  • بيان سرعة الملائكة في امتثال أمر الله عز وجل { لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } {التَّحريم:6} { لَا يَسْبِقُونَهُ بِالقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } {الأنبياء:27} .
  • أن تدبير هذا الكون عن طريق الملائكة لكنه بأمر الله عز وجل وقد جعل جل و علا لكل ملك ما يناسبه من التدبير فهناك من هو موكل بالريح وهناك من هو موكل بالوحي وهناك من هو موكل بالمطر وهناك من هو موكل بالنفخ في الصور وهذا يعيدنا إلى الفائدة السابقة من ذكر السموات بصيغة الجمع لأننا بحاجة إلى السموات كلها ومن الفوائد أن التأنيث هنا (النازعات, الناشطات, السابحات, السابقات) تأنيث للجماعة والطائفة يعني جماعة وطائفة الملائكة لأن الملائكة ليسوا بإناث فقد نفى الله عز وجل عنهم ذلك.
  • أن القسم يحتاج إلى مقسم به ومقسم عليه أعطيك مثالاً (والله لأذهبن) المقسم به : الله المقسم عليه : لأذهبن. الذي يسمى عند البعض بجواب القسم , هنا فيه قسم حرف القسم (الواو) المقسم به (الملائكة) المقسم عليه: مقدر لدلالة السياق أقسم بالملائكة لتبعثن يا كفار مكة الذين أنكروا البعث أين الدلالة ما بعدها { يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ } {النَّازعات:6}

 

قوله تعالى 

{ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ(6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ(7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ(8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ(9) يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الحَافِرَةِ(10) أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً(11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ(12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ(13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ(14)  }.

 معاني الكلمات

{ تَرْجُفُ } : تضطرب.

{ الرَّاجِفَةُ } : النفخة الأولى.

{ الرَّادِفَةُ } :التي تتلوا الراجفة وهي النفخة الثانية.

{ وَاجِفَةٌ } :خائفة فزعة.

{ خَاشِعَةٌ } : ذليلة.

{ الحَافِرَةِ } :الرجعة مرة أخرى إلى الحياة.

{ نَخِرَةً } : بالية.

{ كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } : رجعةٌ ذليلة خائبة.

{ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } : يعني النفخة الثانية.

{ السَّاهِرَةِ } : الأرض.

من فوائد هذه الآيات

  • بيان أن النفخ في الصور يكون مرتين على الصحيح من أقوال المفسرين فالنفخة الأولى يفزع الخلق ويصعقون ثم يموتون إلا من شاء الله ثم تأتي النفخة الثانية وتكون الحياة قال تعالى { وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ } {النمل:87} الفزعة هنا هي الصعقة المذكورة في سورة الزمر { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ } {الزُّمر:68} وهنا دلالتها  { يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ(6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ } .
  • أن الرادفة فيها معنى القرب من الراجفة لأن الردف فيه دلالة على القرب , وكفائدة لكم إذا فهمت معنى كلمة في كلام الله عز وجل فأنت لا تفهم فقط الآيات بل بهذا المعنى تفسر كلامات مفردة مثال: قال عز وجل { قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } {النمل:72} ردف: يعني قرب وهذه إحدى الطرق في تفسير كلام الله عز وجل وسيأتي معنى في هذا الجزء طريقة أخرى نافعة جداً.
  • أن مجيء الرادفة بعد الراجفة ليس محدداً بزمن في هذه الآية لكن جاء عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال الرسول صلى الله عليه و سلم (بين النفختين أربعون) قيل لأبي هريرة أربعون سنة قال أبيت (رفضت أن أتحدث بشيء لا أعلم به) قيل أربعون شهرا قال أبيت قيل أربعون يوماً قال أبيت. فيكون حديث أبي هريرة أفادنا فائدة أن بين النفختين أربعين.وفائدة أخرى حتى لا تزعجوا أنفسكم بالبحث يقول ابن حجر رحمه الله لما ذكر الآثار بين النفختين هل هي سنة أو جمعة يعني أسبوعاً أو يوماً قال رحمه الله: كل ما ورد ليس بصحيح فيكون القول ما قاله أبو هريرة فهي مبهمة والله أعلم كم بين النفختين.
  • أن الراجفة والرادفة تحتاج إلى ملك ( فَالمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا) من هو هذا الملك اسرافيل عليه الصلاة و السلام كما مر معنا ما معنى الراجفة والرادفة النفخ في الصور أين مر معنا في سورة النبأ.
  • بيان وجل وخوف الكفار في ذلك اليوم إذا جاءت الرادفة والأدلة على هذا كثيرة { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ } {إبراهيم:43} .
  • أن التنوين المذكور في (يَوْمَئِذٍ) يفيدنا بأن هناك قلوباً في ذلك اليوم ليست مثل هذه القلوب وهي قلوب أهل النعيم قال تعالى { لَا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَرُ } {الأنبياء:103} .
  • بيان حال أبصار الكفار في ذلك اليوم وأنها خاشعة ذليلة قال تعالى { وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ } {الشُّورى:45} والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً.
  • بيان استبعاد الكفار لوقوع هذا اليوم وهم في الدنيا لقوله تعالى{ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الحَافِرَةِ } .
  • أن من أسباب إنكارهم لهذا اليوم استبعادهم لقدرة الله عز وجل أن يعيد عظامهم النخرة البالية مرة أخرى وهذا مذكور في آيات كثيرة قال تعالى { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } {يس:78} .
  • بيان استهزاء الكفار بهذا اليوم في قوله تعالى { قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } هذا على وجه الاستهزاء والآيات في هذا كثيرة قال تعالى { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا(77) أَطَّلَعَ الغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا(78) كَلَّا }. {مريم}.
  • بيان سهولة بعث الخلق يوم القيامة{ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } والآيات في هذا المعنى كثيرة قال تعالى { إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ } {يس:53} قال تعالى { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } {الحاقَّة:13} .
  • بيان أن الأرض تكون موجودة يوم القيامة ولكن هل هي على حالها أو بمعنى آخر هل هي نفس الأرض فغيرت معالمها أو أنها أرضٌ أخرى قولان لأهل العلم في قوله تعالى{ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ } {إبراهيم:48} وعلى كل حال فالأمرُ جلل سواء كانت أرضاً من جنس آخر أو هي
    الأرض الأولى فغيرت معالمها.
  • أن تسمية الأرض بالساهرة يدل على أنه لا ليل في يوم القيامة لأن السهر ينبأ عن اليقظة وعدم الليل.