تفسير سورة النازعات من الآية ( 15) حتى ( 26)

تفسير سورة النازعات من الآية ( 15) حتى ( 26)

مشاهدات: 468

تفسير سورة النازعات

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى

{ هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى(15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى(16) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى(18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى(19) فَأَرَاهُ الآَيَةَ الكُبْرَى(20) فَكَذَّبَ وَعَصَى(21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى(22) فَحَشَرَ فَنَادَى(23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى(24) فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الآَخِرَةِ وَالأُولَى(25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى(26)  }. {النَّازعات}.

معاني الآيات

{ حَدِيثُ } :نبأ وخبر موسى عليه الصلاة و السلام .

{ الوَادِ المُقَدَّسِ } : أي المطهر.

{ طُوًى } : اسم لذلك الوادي.

{ طَغَى } : تكبر و تجاوز الحد.

{ تَزَكَّى } :تتطهر من الشرك وأدرانه.

{ فَكَذَّبَ } :خبر الله.

{ عَصَى } :عصى أمر الله.

{ أَدْبَرَ } :تولى .

{ فَحَشَرَ } :جمع.

{ نَكَالَ } :عاقبة.

{ الأُولَى } : الدنيا.

{ لَعِبْرَةً } :لعظة.

من فوائد هذه الآيات

  • أسلوب رفيع من أساليب القرآن إذ أتى بالاستفهام (بهل) لتشويق القارئ.
  • أن الخطاب موجه للنبي عليه الصلاة و السلام ولمن يصح توجه الخطاب إليه.

 

 

من الفوائد

  • أن قصة موسى عليه الصلاة و السلام تكررت في كلام الله عز وجل أكثر من مرة وفي كل موطن تكون هناك فائدة غير الفائدة التي في الموطن الآخر وتكرارها يدل على عظمها بل هي أعظم قصة في كلام الله عز وجل فهي أعظم من قصة يوسف كما قال شيخ الإسلام رحمه الله.
  • الأسلوب التشويقي الذي يكون في كلام الله إذ قال { هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} الاستفهام هنا لتشويق كما في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } {الصَّف:10} .
  • إثبات أحد نوعي الكلام لله عز وجل فإن الكلام نوعان :
    1. نداء.
    2. مناجاة.

فالمناداة بصوت رفيع , والمناجاة بصوت خفيض فهنا فيه إثبات صفة المناداة لله عز وجل وهي أحد نوعي الكلام.

  • أن الربوبية هنا ربوبية خاصة فربوبيته عز وجل لموسى ربوبية خاصة إذ يربي قلبه ويغذيه بالإيمان.
  • تفضل الله حتى على الجمادات إذ يجعل في بعضها من المزايا ما ليس في غيرها كما قال هنا (بِالوَادِ المُقَدَّسِ) يعني المطهر.
  • ان القرآن يفسر بعضه بعضا فكلمة طوى اسم لذلك الوادي المقدس.
  • أن هذه المناداة من جانب الوادي إذ كان هذا الوادي عن يمين موسى عليه الصلاة و السلام كما قال تعال في سورة أخرى { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الوَادِ الأَيْمَنِ فِي البُقْعَةِ المُبَارَكَةِ } {القصص:30} وهذا الوادي قريب من جبل وهو جبل الطور قال تعالى { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } {القصص:46}
  • بيان عظم طغيان وتكبر فرعون إذ تجاوز حده كعبد إلى أن قال { فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى } {النَّازعات:24} .
  • فيه تسلية للدعاة وتشجيع لهم أن يقدموا على دعوة من تجبر وعصى أسوة بموسى إذ ليس هناك أحد أطغى من فرعون ومع ذلك قام بهذه الدعوة منه عليه الصلاة و السلام.
  • توضيح القرآن للأسلوب المناسب لدعوة الغير إذ قال عز وجل لموسى { فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى } {النَّازعات:18} فهذا أسلوبٌ رقيق ولذا قال عز وجل{ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } {طه:44} ولذا لم يقل أن أزكيك و إنما قال أن تزكى .
  • أن العلم يورث الخشية من الله عز وجل وذلك لأن الهداية في قوله تعالى{ وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى } {النَّازعات:19} هداية تبيين وتوضيح فمن أخذ بهذا العلم خشي الله عز وجل ولذا قال عز وجل { إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ } {فاطر:28}.
  • تأييد الله عز وجل لموسى بالمعجزات وهن تسع كما قال تعالى { وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } {الإسراء:101} لكن أعظمها العصا واليد وهما الآية الكبرى من هذه المعجزات التسع والدليل قوله تعالى { قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى(21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى(22) لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الكُبْرَى(23)  }.
  • أن من طمس الله على بصيرته لم تنفعه الموعظة ولم تفد فيه المعجزة والأدلة على هذا كثيرة كقوله تعالى { وَمَا تُغْنِي الآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ } {يونس:101} وقال تعالى { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ } {القمر:5}  ولذا لما رآها فرعون كذب وعصى.
  • أن التكذيب يكون في الخبر والعصيان يكون في الأمر وهذا كثير في كلام الله عز وجل فكذب الخبر وعصى الأمر كقوله تعالى { وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } {القيامة:32} كذب الخبر وتولى عن الأمر وكما قال تعالى { الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى } {الليل:16} و الآيات في هذا كثيرة ويفسر هذه الآية ما في سورة المزمل { إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا(15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا(16) }. {المزمل}. من الرسول الذي عصاه فرعون (موسى).
  • أن من أعرض عن الذكر مصيره أن يدبر ويكون إدباره معه إعراض والآيات في هذا كثيرة منها قوله تعالى { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } {الأنفال:23} ففرعون أدبر عن الإيمان ولم يكتفِ بذلك بل سعى في الإفساد.
  • أن السعي بالفساد الذي أتى به فرعون مبين هنا { فَحَشَرَ فَنَادَى } {النَّازعات:23} وهذه مجملة مفسرة في آيات كثيرة حشر من ؟ ونادى من؟ الجواب:السحرة وجنوده { فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } {الشعراء:38} .
  • بيان أعظم طغيان أتى به فرعون وهو ادعاه الربوبية { فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى } {النَّازعات:24} وقال أيضاً{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا المَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي } {القصص:38}  فهو لم يقل هذا بلسانه مع انضمام اعتقاد القلب لأنه يعرف بقرارة قلبه بأنه ليس رباً و إنما قال ذلك بلسانه كما أخبر عز وجل { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } {النمل:14}. وقال تعالى { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ } {الإسراء:102} .
  • أن فرعون جعل هناك آلهة صغيرة أمر الناس بعبادتها فمن عبدها فقد عبده قال تعالى { وَقَالَ المَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ } {الأعراف:127}
  • أن الله عز وجل يمهل ولا يهمل فمع طغيانه العظيم وإمهاله له عاقبه عقوبة عظيمة في دنياه و في أخراه فأما ما في دنياه فقد قال عز وجل { فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } {الزُّخرف:55} و أما في القبر { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } {غافر:46} و أما في الآخرة فهو يتقدم قومه إلى النار { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الوِرْدُ المَوْرُودُ } {هود:98} .
  • أن بعض العلماء قال إن قوله تعالى { فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الآَخِرَةِ وَالأُولَى } {النَّازعات:25} أي عقوبة كلمته الأخيرة وعقوبة كلمته الأولى فأما كلمته الأخيرة التي بسببها أوقع به هذا العذاب قوله هنا  { فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى } {النَّازعات:24} و أما الكلمة الأولى فهي قوله تعالى إخباراً عنه { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا المَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي } {القصص:38} فبسبب هاتين الكلمتين أوقع الله له هذه العقوبة .
  • أن من طرق تفسير القرآن بالقرآن أن تفسر الكلمة بقرينتها أو بأختها وهذا على الرأي الأول في قوله تعالى { فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الآَخِرَةِ وَالأُولَى } كيف عرفنا أن الأولى هي الدنيا لوجود الكلمة التي قبلها وهي الآخرة. وهذه طريقة من تمعنها وجد كثيراً من الكلمات فسرت بأختها قوله تعالى { وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى } {الضُّحى:8} عائلاً: فقيراً كيف عرفت { فأغنى } مثال آخر { أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى } {البقرة:282} ما معنى أن تضل : أن تنسى. مثال آخر { وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ } {المجادلة:7} ما معنى ولا أدنى: ولا أقل , وعلى هذا فقس.
  • أن القصص القرآنية يراد منها العبرة و العظة ولذا ثلث القرآن قصص يراد منه الاعتبار والاتعاظ مما أحل بالمجرمين ويراد منها التأسي والاقتداء بأهل الخير الصالحين ولذا قال تعالى { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى } {النَّازعات:26} .
  • أن المتأمل فيما يجريه الله عز وجل يورث هذا التأمل الخشية من الله فإذا نظر إلى مساكن هؤلاء المجرمين خشي الله عز وجل قال تعالى { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا } {النمل:52} وقال تعالى { قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجْرِمِينَ } {النمل:69} إلى غير ذلك من الآيات الكثيرات.