تفسير سورة هود من الآية ( 61) إلى (83 ) الدرس ( 135)

تفسير سورة هود من الآية ( 61) إلى (83 ) الدرس ( 135)

مشاهدات: 471

﴿ بسم الله الرحمن الرحيـــــــم ﴾

تفسير سورة هود من آية (61) إلى آية (83)

الرقم (135)

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{۞ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} آية 61 هود.

أي وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا وأتى بقوم ثمود بعد عاد لمَ؟ لأن ثمود بعد عاد من حيث الزمن، ولذا في سورة الأعراف كما مر معنا {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ} الأعراف آية 74

{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا } وهو أخوهم من حيث النسب كما مر وليس من حيث الدين { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ } أيضاً شأنه كشأن هود ، وكشأن نوح ، وكشأن النبي ﷺ كما ذُكر في أول السورة دعاهم إلى التوحيد { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ } أصلكم من هذا التراب ومن هذه الأرض باعتبار أبيكم آدم {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} واستعمركم فيها لتعمروها {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} ولذا ماذا قال الله ﷻ عن هؤلاء كما في سورة الشعراء { أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ } { فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } { وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} { وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ } { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ }  الشعراء آية 146-147-148-149 – 150

فقال الله ﷻ هنا : { وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } وتكرر ذلك أيضاً كما في أول السورة وكما في قصة هود عليه السلام مع قومه مما يؤكد ما ذُكر في أول السورة مما ذكرناه من أن العبد لا غنى له عن التوحيد ولا غنى له مع التوحيد عن الاستغفار فقال ﷻ عن صالحٍ عليه السلام { وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } فهو ﷻ قريبٌ وهو قريبٌ من الداعي ولذا قال مجيب يجيبُ من دعا الله ﷻ ولذا مر معنا في سورة البقرة { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ}  ما الذي بعدها ؟ {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} البقرة آية 186

ومر معنا مفصلا في آية البقرة قرب الله ﷻ هل هو قربٌ عام أو قربٌ خاص كما بيّنا ذلك في سورة البقرة {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا ۖ أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} آية 62 هود.

كنّا نرجو قبل أن تأتي بهذا الكلام كنّا نرجو أن تكون ذا عقلٍ ورشد لكن بعد ذلك أصبحت سفيها – فسبحان الله – كيف طمس الله على بصائرهم وهذا شأنُ من؟ شأنُ أهل الضلال وشأنُ أهل الدنيا فإنهم إذا أرادوا أن يغووا أهل العلم فإنهم يقولون له ما كنّا نظّن أنك في مثل هذا الأمر كنّا نظّنُ أنك من العلماء العصريين الذين يتواكبون مع هذه المستجدات في العصر فإذا به يغوونه من حيثُ لا يدري، ومن ثم فليتنبه فإن هذه سُنّة من؟ سُنّة أولئك اللذين فعلوا ما فعلوا وقالوا ما قالوه مع صالحٍ علية السلام {قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا ۖ أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} {وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ} لفي شك في ريب مما تدعونا إليه مريب وأكد الشك بمريب بمعنى أنك جعلتنا فيما تدعوا إليه في شكٍ ذلكم الشك عظُم بنا حتى أصبحنا في تردد مما يدلُ على ماذا؟ على أنهم وصفو دعوته بأن بها شكً وريبَ {وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ}   

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ ۖ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} آية 63 هود.

{ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ } أي أخبروني { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي } من المعجزات والدلائل { وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً } أي تلك النبوة { وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ } لو اتبعتكم فيما قلتم { يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا ۖ } { فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} ما تزيدونني غير تخسيرٍ يعني تتضح الخسارة ، تتضح خسارتكم عندي { فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ} فالخسارة راجعةٌ إليهم ، بمعنى أنكم بهذا الكلام ازددتم واتضحتم خسارة { فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ}.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} آية 64 هود.

{وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ} وبينا ما يتعلق بذلك في سورة الأعراف

{فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} في سورة الأعراف {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} آية 73، عذاب مؤلم وهو قريب فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ}

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

{فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ۖ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} آية 65 هود.

{فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ} ولذا حصل ما حصل من حوار كما قال ﷻ في سورة الأعراف {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ} {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} آية 75 -76-77

فقال الله ﷻ هنا : { وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } { فَعَقَرُوهَا } وذلك بأن شخصاً أمروه وتمالؤا معه كما قال ﷻ { فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ } القمر آية 29 ، ونُسب العقرُ للجميع وهو ذبح تلك الناقة إلى الجميع باعتبار أنهم اتفقوا معه { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ } تمتعوا كما كنتم تتمتعون فيما مضى ، { فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ۖ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } غيرُ مكذوبٌ فيه لأنه وعد الله ، وخبر الله ، وخبر الله لا يتطرق إليه  الكذب { ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ }.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} آية 66 هود.

{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} أمرنا بعذاب هؤلاء {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا} برحمةٍ من الله ﷻ {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} أيضاً هذا نجاةٌ لمن؟ لصالح ومن معه ودل هذا على أن صالحً قد آمن به من آمن من قومه فقال {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} لأن ذلكم العذاب عذابٌ عظيم به الشدةِ وبه الهوان فاجتمع عليهم ماذا؟ العذاب الحسي والعذاب النفسي {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} فهو القوي، العزيز الذي لا يُغلب فمن أراد الله ﷻ أن يُوقع به عذابه فإنه لا يستطيعُ أحدٌ أن يرده {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} آية 67 هود.

قال هنا: {وَأَخَذَ} ولم يقل (وأخذت) لمَ؟ لأن الصيحة تتضمن الصياح {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} الجثوم هو السقوط على الركب وهنا {فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} أي قتلى وصرعى وقال هنا: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} هنا الصيحة، وفي سورة الذاريات قال ﷻ {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ} آية 44، وفي سورة الأعراف {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} آية 91.

فدل هذا على أن العذاب اجتمع بهم رجفة، وصعقة، وصيحة {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ}.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۗ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ} آية 68 هود.

كأنهم لم يبقوا في تلك الديار أبدا، من مرّ بهم وانظروا إلى مدائن صالح وما بها من البنيان الشاهق وما شابه ذلك {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا} كأنه لم يكن هناك قومٌ في هذا المكان {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۗ أَلَا إِنَّ} تأكيد {ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ} ذلكم العقاب بسبب الكفر {أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ} ألا سحقاً وهلاكاً لثمود لمّا كذبوا رسولهم صالحَ عليه السلام.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} آية 69 هود.

{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ} وهذا يدل على ماذا؟ يدل على أن ابراهيم كان بعد صالح وقبل صالح هود وقبل هود نوح عليه السلام {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ} ماهي تلك البشرى التي أتى بها الرسل وهم الملائكة وكم عددهم؟ اختُلف في ذلك فالعلم عند الله، أهم شيءٌ أنهم ملائكة {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ} بشرى بماذا؟ يبشرونه بهلاك قوم لوط ويبشرونه بأن الله ﷻ سيرزقه الولد اسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ} وهذا يدل على ماذا؟ من أن البشرى المذكورة هنا منها هلاك قوم لوط وهذا يدل على ماذا؟ على أن هلاك الظالمين نعمة يُفرح بها ويستبشر بها، ولذا مر معنا في سورة الأنعام {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ} ثم {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الأنعام آية 45

{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا} قالَ سلام، سلموا عليه {قَالُوا سَلَامًا} {قَالَ سَلَامٌ} ومن ثم فإن ابراهيم عليه السلام رد التحية بأحسن منها لمَ؟ لأن قولهم سلاما جملة فعلية، وأما قوله سلام أي سلامٌ مني هذه جملة اسمية، والجملة الأسمية أقوى من الجملة الفعلية فدل هذا على أنه ردّ التحية بأحسن منها { ٰقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ } أي مكث يعني بمجرد أن أتو ذهب لكي يقدم لهم الطعام { فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ} وهو صغير البقر { فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} أي مشوي الذي يُوضع في الحفرة وتُوقد عليه النار ، وفي سورة الذاريات { بِعِجْلٍ سَمِينٍ } آية 26

دل هذا على أنه قدم لهم ماذا؟ العجل السمين الحنيذ ثم قوله {فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} يدل على أن بيت ابراهيم كان ظاهراً يقصده من؟ يقصده الآتون من تلك البقاع ولذا لمّا أتى هؤلاء إذا بالعجل حاضر يعني أنه مُعد من قبل {جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} وهذا يدل على ماذا؟ على كرمِ ابراهيم عليه السلام وعلى الضيافة، ويدل أيضاً على ماذا؟ على أن من الأفضل فيما يتعلق بآداب الطعام أن تقد الطعام إلى ضيوفك لا أن تقول لهم تعالوا إلى هذا المكان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ} آية 70 هود.

{فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ} لما رأى أن هؤلاء الضيوف لا يأكلون من طعامه {نَكِرَهُمْ} استنكرهم لمَ؟ لأن مثل هؤلاء الضيوف إذا قدموا علامة أنهم إذا لم يأكلوا إنما ما أتوا إلا لشر {نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} أحس بهم بخيفة ولذا صرح لهم بذلك كما في سورة الحجر {قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ} آية 52

{وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ} لهلاكهم.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} آية 71 هود.

امرأة ابراهيم عليه السلام سارّة كانت قائمة بخدمة الضيوف أو لغير ذلك

{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} فضحكت يعني أنها ضحكت لمّا علمت أن هؤلاء رسل الله وأنهم أتوا بأمر يتعلق بقوم لوط {فَضَحِكَتْ} وهذا أصح من قول من يقول فضحكت بمعنى أنها حاضت، ولا شك أن من أسماء الحيض الضحك لكن هنا الأظهر من أنه الضحك المعروف، وذلك لأن قوله {فَضَحِكَتْ} لو كانت بمعنى حاضت لكان هناك تقديم وتأخير لأنهم لم يبشروها بعد بالولد حتى تحيض {فَضَحِكَتْ} دل هذا على أنه الضحك المعروف {فَضَحِكَتْ} ولذا ماذا بعدها؟ { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} لمَ؟ لأن اسماعيل عليه السلام ولدٌ لهاجر { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} وهذا أيضاً بشارة إذ إنها ستبقى حتى ترى ابن ابنها ، وهذا من أعظم البشارات { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} وهذا من الأدلة على أن الذبيح اسماعيل ، لو كان الذبيح هو اسحاق لما أُمر بذبحه ، كيف يذبحه وقد بُشر بأنه سيكون من نسل هذا الولد وسيكون من نسله يعقوب ، فدل على أن الذبيح هو اسماعيل – وقد وضحت هذه المسألة مما يقرب من عشرة أدلة في موطنٍ آخر – فقال هنا : { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} آية 72 هود.

{ قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ } هنا يا ويلتى للتحسر والتندم هذا أصلها لكن النساء يقولون هذه الكلمة من باب التعجب فالكلمة هنا من باب التعجب ، ولذا حتى عند بعض نسائنا في هذا العصر إذا تعجبت من أمر قالت يا ويلتي يا ويلتي حصل كذا ، فدل هذا على أن كلمة { يَا وَيْلَتَىٰ } تدل على التعجب وتكون بكثرة عند النساء ، فالمقصود هنا التعجب { قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا } أي هذا بعلي شيخا يعني كيف يكون الولد وأنا عجوزٌ وبعلي هذا شيخ قد تقادم به العمر والسن وقد كبُر في سنه { وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} هذا شيءٌ عجيب أن يحصل الولد في مثل هذا السن ، ولذا ماذا قال ﷻ كما في سورة الذاريات قال ﷻ { فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } الذاريات آية 29

أيضاً وصفت نفسها بأنها مع أنها عجوز هي أيضاً عقيم {قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} والشيخ المراد منه الكبير في السن {إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} آية 73هود.

{ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ } لأن هذا هو أمر الله ولا رادّ لأمره { قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ } رحماته ﷻ ، رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت { عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ } يعني عليكم يا أهل البيت فرحمته ﷻ عليكم يا آل بيت ابراهيم عليه السلام ، وأيضاً بركات الله تتوالى عليكم يا آل ابراهيم { قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ } أهل البيت هذا يدخل فيه من ؟ امرأة ابراهيم فدل هذا على أن الزوجات من آل ومن أهل بيت الرجل، ومن ثم فزوجات النبي محمد ﷺ من آل البيت، فما هو حال الرافضة حينما يعظمون آل البيت ويسبون زوجات النبي ﷺ مع أن زوجاته من آل البيت!

ومن ثم فإن القول الصحيح من أن زوجات النبي ﷺ لا يجوز لهن أن يأخذن من الزكاة لمَ؟ لأن الصدقة لا تحل لآل محمد كما قال ﷺ وثبت عنه {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ} إنه ﷻ {حَمِيدٌ مَّجِيدٌ}.

حميد محمود على أفعاله وأقواله وأحكامه، ومجيد عظيم واسع العطاء، فإذاً لا يُستغرب فيما يتعلق بأمر الله، لأن الله ﷻ هو الحميد والمجيد واسع العطاء، واسع العظمة، فإذاً ما عليكم إلا أن تتعلقوا بالله ﷻ أنه حميدٌ مجيد.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

 

{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} آية 74هود.

{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} لما ذهب عن ابراهيم الخوف، لما أتى هؤلاء الملائكة وقدم إليهم الطعام ونكرهم {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ} البشرى بماذا؟ بهلاك قوم لوط وبهذا الأبن اسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب {وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} يجادلنا مع أنه يجادل الملائكة لكن قال ﷻ {يُجَادِلُنَا} لأن ما أتت به الملائكة هو أمر الله {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} والمجادلة هنا بينها ﷻ في سورة العنكبوت قال ﷻ {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ ۖ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا} آية 31-32

هذه هي المجادلة قال إن فيها لوطا، يعني كيف تعذب وفيها لوط!

{قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا ۚ قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا ۖ لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} آية 32

{يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} آية 75هود.

إن ابراهيم لحليم يتأنى وصبور، لحليم أواه من التأوه وهو الخشوع والبكاء، منيب رجاع إلى الله ﷻ، ومن ثم فإنه لهذه الصفات {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} ولذا مر معنا في سورة التوبة {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} آية 114، فقلت هناك لأواه بمعنى أنه قائمٌ بحق الله وحليم قائم بحق المخلوق فمن رحمته بلوط علية السلام قال هذا القول {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ}.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۖ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} آية 76هود.

أعرض عن هذه المجادلة {إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} بهلاك قوم لوط {وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} فقد حكم ﷻ وعذاب الله لن يُرد.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} آية 77هود.

لما ذهبوا هؤلاء الملائكة، لما ذهبوا من ابراهيم عليه السلام توجهوا إلى لوط في قرية “سدوم” في الأردن، أتوا إليه بعدما مروا على ابراهيم عليه السلام.

{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ} حزن بهم {سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} ضاق بهم صدره ذرعاً لمَ؟ لأنهم ذو جمال وقومه يرغبون في الشباب وفي اللواط فحزن بسبب ذلك { سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا } وفي سورة العنكبوت { وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ } آية 33 ، قال هنا : { سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ }  هذا يومٌ عصيب ، يومٌ شديد لمجيء هؤلاء الضيوف ، وهو لم يعلم أنهم ملائكة ومن ثم فإنه يجوز أن يُوصف اليوم أو تُوصف الساعة على سبيل الخبر لا على سبيل ذم الدهر ولا على سبيل سب الدهر ، يجوز أن يُخبر بذلك كما أخبر لوط ، ولذا فيما حصل من الصحابة رضي لله عنهم لما افتقدوا النبي ﷺ قالوا بتنا بشر ليلة ، بشر ليلة بات بها القوم لكن من سب الدهر لأن الأذى قد وقع فيه مما لا يناسبه فإنه كما قال النبي ﷺ كما ثبت عنه ” قال الله يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار “

إذاً الدهر إن سُب لوجود الأذى أو ما لا يناسب الإنسان كما هو حال بعض الناس يقول ساباً للدهر على اليوم الذي رأيتك فيه أو عرفتك فيه أو والله مثلاً هذا زمن غابر أو زمن سيء أو عصر سيء أو ما شابه ذلك ، إن كان المقصود فقط الخبر فقط من غير أن يكون هناك لومٌ وسب للدهر فيجوز كحال لوط ، لكن إن كان المقصود أن الدهر أو تلك الحال أو تلك الساعة هي التي أوجدت هذا الأذى فهذا كفرٌ بالله ﷻ لأنه جعل مع الله خالقاً آخر فهذا شركٌ بالله ، لكن لو سب الدهر من أجل أن الدهر محلٌ لهذا الأذى أو لهذه المصيبة فهذا محرمٌ ، محرمٌ ومن كبائر الذنوب.

لكن لو أنه أخبر فقط مجرد إخبار فإنه لا بأس بذلك {وَقَالَ هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}.

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} آية 78هود.

{ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } لما علموا { وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } انظر { يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } يتسابقون ويسرعون إليه { وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ } أي من قبل أن يأتوا إلى لوط في دورهم وفي أماكنهم يفعلون اللواط لكن لما علموا بأولئك أتوا { يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } هؤلاء بناتي ، ليس المقصود على الصحيح من أنه عرض عليهم الزواج ببناته لأن بنات لوط عليه السلام لم تكن بذلكم العدد الذي يكون كعدد هؤلاء ، ولذا اُختلف بنات لوط هل كن اثنتين أو أكثر أو ما شابه ذلك ، فدل على أنهن قليل ، وإنما المقصود بنات ماذا ؟ بنات الناس لأن النبي يُعتبر أباً لقومه، يعني تزوجوا بهن وليس المقصود فعل الزنا لا، ولذلك ماذا قال ﷻ: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم} الشعراء آية 166، قال من أزواجكم {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}

{قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} لأن الجماع في الفرج هو محل الحرث ومحل الولادة والنسل وليس الدبر! ولذا قال: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}

{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} أمرهم بتقوى الله أول الأمر لعلهم أن يتقوا عذاب الله فإن لم ينفع {وَلَا تُخْزُونِ} أين الشيم أين العادات الطيبة يعني على أقل الأحوال تلك العادات الطيبة تمنعكم من أن تعتدوا على الضيوف {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} أليس منكم رجلٌ رشيد يُحسن التصرف فيرد قومه عن هؤلاء الضيوف!

{أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ}.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} آية 79هود.

{قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} علمت من أول الأمر أنت تعلم من أننا لا نحبُّ النساء وإنما نحبُّ الرجال {مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} أي من حاجة ومن شهوة {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ}.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ} آية 80هود.

لو أن لي بكم قوة فيما يتعلق بي، لو عندي قوة لدفعتكم عن أضيافي أو آوي إلى ركن شديد كقبيلة أو عشيرة، ولذلك النبي ﷺ كما ثبت عنه في الصحيح قال ” يرحم الله لوطَ لقد كان يؤوي إلى ركنٌ شديد ” يعني يؤوي إلى الله ﷻ وهنا ليس تنقصاً في شأن لوط عليه السلام لا، لوطٌ عليه السلام يعرف أنه يؤوي إلى الله لكن قال تلك المقولة في تلك الحال من أجل ماذا؟ يتمنى أن تكون لديه قوة أو عشيرة حتى يدفع شر هؤلاء عن أضيافه وحتى يعتذر لأضيافه عن ما يفعله قومه، وإلا فالنبي ﷺ كما ثبت في المسند كان يقول في مكة ” من يؤويني حتى أبَّلغ رسالة ربي ” حتى أتى الأنصار وبايعوه، فهذا ليس به عيبٌ للوط عليه السلام وإنما أراد بهذا القول أن يعتذر لأضيافه وأن يرد شر هؤلاء في تلك اللحظة.

{لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ}.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} آية 81هود.

{قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ} أخبروه إن رسل ربك ملائكة لن يصلوا إليك، ولذا ماذا قال ﷻ في سورة القمر {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} آية 37، قال فطمسنا أعينهم فقام جبريل فطمس أعينهم.

فقال ﷻ هنا عن هؤلاء: {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ} فأسر في أول الليل بقطع بجزء من الليل، ولذا ماذا قال ﷻ في سورة الحجر {وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} آية 65، أي حيثُ يأمركم الله إلى أن تخرجوا من هذه القرية {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ} الليل ما هو؟ السحر {إِلَّا آلَ لُوطٍ ۖ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} القمر آية 34

فقال ﷻ هنا: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} إلا امرأتك ليس المقصود على الصحيح من أنه خرج بها فلتفتت فأصابها العذاب لا، وإنما الصحيح من أنه أمره ألا يُخرجها معه لأنها كانت على دين قومه، ولذا ماذا قال ﷻ {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} التحريم آية10

فخانتاهما : أي بالكفر فقال ﷻ هنا : { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ } إنه مصيبها لكفرها ما أصابهم { مَا أَصَابَهُمْ } وقال { مَا أَصَابَهُمْ } مع إنه فعلٌ ماضٍ كأنه قد تحقق لأن أمر الله ووعد الله لوقوع العذاب بهم واقعٌ لا محالة { إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } كأنه كما قال بعض العلماء كأنه استبطأ الوقت يُريد أن يعاجلهم بالعقوبة حتى قبل أن يذهب الليل ويأتي النهار { أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ} آية 82هود.

{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} متى؟ الصبح واستمر هذا العذاب بدايته من الصباح إلى وقت دخول الإشراق ولذا قال ﷻ {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ} الحجر آية 73

 فقال هنا : { فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} قلبها الله ، ولذا قال تعالى : { وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ } النجم 53 ، لما قلبوا فطرة الله فأتوا الرجال دون النساء قلب الله عليهم ديارهم  { فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً } يعني على القرية ، وفي سورة الحجر { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ } الحجر آية 74 ، يعني المطر على القرية وعليهم { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } خلاف بين أهل العلم الصواب الذي تدل عليه الآية التي في سورة الذاريات { مِّن سِجِّيلٍ } من طين كما قال تعالى لما قال ابراهيم لأولئك الملائكة { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ } { قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } { لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ } الذاريات آية 31-32-33

قال {حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ} متتابعة، مسّومة أي معلّمة، هل عليها اسم كل شخص أو علامات معينة؟ خلاف بين أهل العلم ليس هناك دليل، المهم أنها معلّمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

{ ُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ } آية 83هود.

{مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ} من عند الله وعذاب الله ﷻ إذا نزل فهو العذاب الشديد {مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ} {وَمَا هِيَ} أي قرى لوط من الظالمين من ظالم كفار قريش ببعيد يمرون عليها بالليل وبالنهار، ولذا قال ﷻ: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ} {وَبِاللَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} الصافات آية 137-138، يا كفار قريش أو وهذا داخل أيضاً لا تعارض {وَمَا هِيَ} أي تلك العقوبة لمن فعلَ فِعلَ لوط {مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} فينزل بهم مثل ما نزل بأولئك. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

،، تم بحمد الله،،