فقد قرأنا قوله عز وجل من سورة الفرقان { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ }
{ تَبَارَكَ } معناها : تكاثر و ازداد خير الله عز وجل ، و كلمة { تَبَارَكَ } كما قال العلماء لا تُطلق إلا على الله
فلا يجوز أن يُقال لمخلوق { تبارك فلان } ، فإن هذه الكلمة يُخص بها الله عز وجل { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ }
{ ذَلِكَ } ما هو ؟
اسم الإشارة يعود على ما ذكره الكفار، لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الرسالة أنكروها ، وقالوا { لولا ألقي إليه كنز أو له جنة يأكل منها }
هل عنده مال ؟
هل عنده بساتين حتى يؤتى هذه الرسالة و يُفضل بها على غيرنا ؟
فقال عز وجل { تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا } لو شاء سبحانه وتعالى أن يُعطي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بساتين وقصورا في هذه الدنيا لفعل ، وليس معنى هذه الآية أنه إن شاء الله أعطاه في الآخرة ، لقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يعطي محمدا صلى الله عليه وسلم أعظم الدرجات في الجنة ، لكن المراد هنا { إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ } أي في الحياة الدنيا
{ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } ولكن ما أتى هذا القول إلا من خبث في نفوسهم ، قد انطوت نفوسهم على المكر والخديعة و الكبر وإلا حقائق صدقك يا محمد واضحة ،
ولذا قال تعالى { بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَ أَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا } من كذب باليوم الآخر أعد الله له نارا مُستعرة
ما بعض صفة هذه النار التي وردت في هذه السورة ؟
{ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا } النار تُبرز يوم البعث والنشور وترى ، ترى مَنْ ؟ تري المجرمين ، ترى أهلها
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي ( من أنه يخرج عنق من النار له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يقول لقد وُكّلتُ بكل جبار عنيد وبالمصورين )
إذاً هناك عنق يخرج من هذه النار له عينان وله لسان ، وهذه النار ترى وتبصر { إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا } مع بعد المسافة يسمعون لها صوتا { سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا }
التغيّظ هو شدة الحقد ، والزفير الصوت المزعج ، ولذا وصف الله سبحانه وتعالى بأنه شديد يكاد غيظها أن يقطعها { تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ } وقال تعالى { وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ } أصحاب النار إذا أتوا على هذه النار جثوا على الركب ، ثم يدفعون فيها { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } يعني يوم يدفعون إلى نار جهنم دعا ويساقون إليها بعنف كما قال تعالى { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا } {الزُّمر:71} أي جماعات جماعات ، ثم إذا ألقوا فيها ليست النار على درجة واحدة من العذاب والنكال ، وإنما هم يقاسون حرها وعقابها وآلامها ، ثم من آلامها مكانا إذا وصلوا إليه ضُيق عليهم فيه { وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ } يعني أيديهم غُلت إلى أعناقهم بالسلاسل ثم ماذا يحصل منهم { دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا } دعوا هلاكا
ثم ماذا قال سبحانه وتعالى ؟
{ لَا تَدْعُوا اليَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا } لأنه هذه دعوة منكم وهناك الثبور الكثير المتكرر الذي لا يستحق دعوة واحدة منكم بل عليكم أن تكثروا من الدعاء بالويل والثبور، وشتان ما بين الطائفتين
{ قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ } وليس فيه خير ، ولكن من باب المقارنة كما قال العلماء فالنار ليس فيها خير { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا }
ما معنى { كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا } ؟
معناها : أن المؤمنين في هذه الدنيا يسألون الله سبحانه وتعالى الجنة كما قال تعالى { رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ المِيعَادَ }
وهي أيضا دعوة الملائكة ، فمن مزايا المسلمين أن الملائكة مع كثرتهم ومع قربهم من الله ومع كثرة عبادتهم يستغفرون لهم يدعون الله لهم وهذا دليل على فضل الإيمان وأهله قال تعالى كما في سورة غافر { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ }
وهذا فضل من الله لمن وُفِق إلى الزيادة في دينه
نسأل الله تعالى أن يعيننا على أنفسنا وأن يجنبنا الشر ويقينا منه إنه ولي ذلك والقادر عليه
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم