الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أول آية تلوناها في صلاة التراويح هي قوله تعالى فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا } النساء160 الآيات .
الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئا ، فمن حَل به ما لا يلائمه وما لا يناسبه فليعلم أن هذا من ذنب قد اقترفه {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ }الشورى30 لو يؤاخذنا بكل ما فعلناه لهلكنا { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ } فاطر45
لكنه سبحانه وتعالى يبتلي البعض من الناس لعله أن يرجع ويتوب إليه سبحانه وتعالى ، فذكر هنا سبحانه وتعالى أن اليهود قد حلّت بهم نقمة ، وهذه النقمة لم ينزلها سبحانه وتعالى بهم ظلما ، إنما أنزلها بهم عدلا فقال تعالى
{ فَبِظُلْمٍ } أي بسبب ظلم هؤلاء اليهود { فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } هذا هو السبب الأول [ الظلم ]
ما النتيجة ؟
حرّم الله سبحانه وتعالى عليهم طيبات ما أحل لهم ، هي في الأصل مباحة لكنها حرِّمت عليهم بسبب ما جنوا وفعلوا
ما الذي حرِّم عليهم ؟
ما ذكره سبحانه وتعالى في سورة الأنعام { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } كل ذي ظفر من الدواب ومن الطيور التي لها أصابع غير مشققة مثل [ الإبل ] لها خف ليست لها أصابع مشققة ، مثل [ النعامة – الأوز – البط ] وما شابه ذلك ، حرم الله عز وجل عليهم{ كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } هذا فيما يتعلق بذي ظفر { وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا } إذاً حرِّم عليهم في نوع وفي صنف البقر والغنم ( الشحوم )
وهذا يدل على ماذا ؟
يدل على أن أنفس ما يكون في البهائم هي الشحوم ، ولا يقاس عصرنا على تلك العصور السالفة لأننا في عصر قد انتشرت فيه الأمراض بسبب بعض الأكلات وبعض الوجبات ، ولذلك هذا الشحم لا يلتفت إليه ، مع أن القدامى فيما مضى يذكرون بأنهم أول ما يبدؤون يبدؤون بالشحم لنفاسته لأنه يرطب أمعدتهم لأن أمعدتهم جافة ليس فيها شيء ، لكن نحن ولله الحمد نأكل وبطوننا ملئ ، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ علينا هذه النعمة { وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا } واستثنى من شحومهما { إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا } أي الشحم الذي يحمله الظهر { إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا } يعني المصران ، لأن حوايا الإبل يلصق بها ويعلق بها الشحوم { أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ }الأنعام146 بسبب بغيهم .
{ فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}
السبب الثاني { وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا } ثم { وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ } بالرشاوي وبالطرق المحرمة { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا }النساء161
فدل على أن الإنسان يمنع خير الله سبحانه وتعالى عنه بسبب ذنوبه ، ولذلك جاء في الحديث وفيه مقال لكن معناه صحيح ( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه )
ولذلك بعض السلف يقول ( إني إذا أذنبت ذنبا وجدت ذلك في خلق دابتي وزجتي )
يقول : إذا أذنبت ذنبا أجد لهذا الذنب أثرا في أخلاق الدابة التي أركبها وفي أخلاق زوجتي
إذاً بعض البيوت الأسرية التي تنشأ فيها المشاكل بكثرة وتستمر فيها ليحاسب كل من الزوجين نفسه ، سيارتك إذا لم تتلاءم معك فلتعلم أن هناك سببا فيما بينك وبين الله سبحانه وتعالى قد فرطت فيه ،
ولذا ترون مَنْ يتعاطى الربا أو يأكل أموال الناس بالباطل لا تجده في سعادة ولا في راحة ، فكلما ازداد مالا محرما كلما حل به شقاء الله وحلت به التعاسة ، ولذلك يحرص المسلم على ألا يأخذ إلا مالا حلالا طيبا ، ولو كثرت الإنسان في يد الأموال إذا لم تكن أموالا من طرق مباحة فهي وبال على صاحبها
لتعلموا :
أن اليهود في هذا العصر وفي العصور السالفة أنهم أكثر الناس أموالا وأكثر الناس غنى فيما نراه في هذه البنوك الربوية وما شابه ذلك ، ومع ذلك ماذا قال سبحانه وتعالى ؟ { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ } هم أذلاء
{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ } – سبحان الله – ضربت عليهم المسكنة ونحن نرى الأموال في أيديهم ! ( نعم )
{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ } لأن فقرهم بين أعينهم ، ولذلك لم ينتفعوا بهذه الأموال ، ثم من باب العدل ، وهذه قاعدة ينبغي لنا كمسلمين أن نسير عليها بين إخواننا من المسلمين الذين بيننا وبينهم عداء أو مشاكل أو سوء تفاهم أو ما شابه ذلك ينبغي لنا أن نكون منصفين إذا حكمنا على الآخرين ، فإن الله جل وعلا لما ذكر اليهود وما صنعوا وشنع بهم ذكر أن هؤلاء اليهود ليسوا سواء فإن هناك طائفة طيبة
ولذلك قال تعالى { لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا } النساء162
فدل هذا على أن الراسخين في العلم ممن كان من أهل الكتاب فأسلم وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم كـ [ عبد الله بن سلام ] رضي الله عنه ليس كهؤلاء ، وهذه قضية ينبغي لنا أن نسير عليها وهي قضية الإنصاف والعدل مع الآخرين ، ولذلك إذا جرت مشكلة بين شخص وآخر وتُحدث عند هذا الشخص عن هذا الشخص الذي بينه وبينه عداء أتى بكل مساوئه ولم يذكر إيجابياته ، وهذا خطأ لتكن منصفا فيما بينك وبين الآخرين ، ولذلك قال تعالى عن اليهود لَيْسُواْ سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُون }آل عمران113 ، وقال تعالى عنهم من باب الإنصاف والعدل { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ }
القنطار / هو المال الكثير ، لو أعطيت هذا المال الكثير لهذا الرجل لرده إليك { وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً } يعني ملازما له ، تقول يا فلان أعطني حقي ، أعطني ديناري .
فهنا قضية ينبغي لنا أن نسير فيها ، ولذلك كما أسلفت ولا سيما بين الأقارب إذا جرت مشكلة ما أصبح هذا الرجل الذي بينك وبينه مشكلة كأنه في صفحة سوداء ليس له خير وليس منه خير ، وهذا خطأ ، فالواجب عليك أن تعدل حتى مع أعدائك .
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح ، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .