تفسير قوله تعالى ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) سورة النساء الآية ( 101 )

تفسير قوله تعالى ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) سورة النساء الآية ( 101 )

مشاهدات: 547

تفسير قوله تعالى

{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ }

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد :

 

تلونا قول الله سبحانه وتعالى في هذا الليلة { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا } النساء101

قوله تعالى  { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ } يعني إذا سافرتم ، سواء كان هذا السفر لتجارة أو زيارة أقارب أو لعبادة شرعها الله سبحانه وتعالى { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ }

 

فذكر سبحانه وتعالى أن القصر معلق بالخوف مع أن القصر يكون في حالة السفر سواء كان هذا السفر سفر خوف أو سفر أمن ، ولذلك سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية لماذا قيدت القصر بالخوف ؟ فقال عليه الصلاة والسلام ( إن هذه صدقة من الله تصدق بها عليكم فاقبلوا صدقته ) فدل هذا على أن قصر الصلاة يكون في حالة السفر سواء كان هذا السفر سفر خوف أو سفر أمن .

 

ويستفاد من هذه الآية الكريمة ما يلي :-

 

أن قوله تعالى { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ } يدل على أن الإنسان متى ما كان مسافرا ويُطلق عليه وصف السفر فإن له أن يقصر الصلاة وبإجماع العلماء لا تقصر إلا صلاة الظهر والعصر والعشاء، فصلاة المغرب لا قصر فيها ، وصلاة الفجر لا قصر فيها ، إنما الذي يقصر الرباعية بأن تكون ركعتين ، فتكون صلاة الظهر والعصر والعشاء ركعتين .

 

ومن الفوائد :

 

أن الإنسان حينما يسفر عن بلده له أن يقصر الصلاة ، إذا أسفر عن بلده وأصبح في الفضاء وترك البنيان خلفه وإن كان يرى البنيان فإن له إذا أراد السفر وقصد مكانا بعيدا سيسافر إليه فلا بأس أن يقصر الصلاة ، بل السنة في حقه أن يقصر الصلاة ، ومن ثم لو أن إنسانا – وهذا كثيرا ما نسأل عنه – لو أن إنسان في مثل هذا العام ، لأنه في الأعوام القادمة لا يدرى ربما يمتد البنيان إلى هذا المكان الذي سأذكره ، وهو [ مطار الملك خالد ] هذا المطار هو خارج عن الرياض ولا يحيط به بنيان ولذلك لو أن الإنسان قصر الصلاة فيه فله ذلك ولو كان صائما فأفطر فله ذلك ، لم ؟ لأن هذا المكان خارج عن بنيان مدينة الرياض ، لكن لو أن البنيان في المستقبل وصل إليه فلا تقصر الصلاة .

 

ومن الفوائد :

 

أن القصر لا يكون إلا في السفر ، لأن الناس يخلطون بين القصر والجمع .

الجمع / أن تجمع بين الصلاتين ، قصرت أم لم تقصر ، ربما تجمع بين صلاتي الظهر والعصر وتصلي الظهر أربعا وتصلي العصر أربعا ، هذا يسمى جمعا .

لكن لو صليت الظهر ركعتين هذا قصر ، يتنبه إلى هذه النقطة ، فالمراد بالجمع أن تجمع بين الصلاتين ، ولربما ألا يكون هناك قصر للصلاة ، فيختلف القصر عن الجمع ، ومن ثم فإن القصر لا يكون إلا في السفر فقط ، ولذا لو أن إنسانا كان مريضا له أن يجمع بين الصلاتين ، إنسان مريض لا يتمكن من أن يتوضأ في وقت كل صلاة ويشق عليه الوضوء ويقول أريد  أن أجمع ، نقول جاءت السنة بالجمع للمريض فأراد أن يجمع بين الظهر والعصر كم يجب عليه أن يصلي الظهر  ؟ أربع ركعات ، لأنه في الحضر لأنه في بلدته ، ويجب عليه أن يصلي العصر أربعا ، لكن لو كان مسافرا فله أن يقصر الرباعية إلى ركعتين .

 

ومن الفوائد :

أن الإنسان ما دام مسافرا وهو قادم من تلك البلدة إلى بلدته ولم يدخل البنيان له أن يقصر الصلاة ، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال ( خرجنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة فكان يقصر الصلاة حتى رجع إلى المدينة ) وعلي رضي الله عنه كما عند البخاري ( كان يقصر الصلاة وكان قد استوطن الكوفة ، فقيل له كيف تقصر وهذه بيوت الكوفة نراها ؟ فقال : لا نزال نقصر حتى ندخلها ) ولذلك لو أن الإنسان أتى من أي مدينة كانت خارج الرياض إلى بلدته الرياض وحلَّ بمطار الملك خالد وحانت الصلاة له أن يقصر الصلاة مع أنه أتى إلى بلدته لأنه لم يدخل في البنيان ، فما لم يدخل في البنيان فإنه ما زال مسافرا .

 

ومن الفوائد :

أن الله سبحانه وتعالى أطلق السفر هنا فدل على أن أي مسافة يطلق عليها سفر فله أن يقصر فيها الصلاة ، إذا كانت هذه المسافة تطلق عند الناس بأنها سفر ولو كانت المسافة ليست بعيدة فإن له أن يقصر الصلاة وأن يستبيح رخص السفر ، لأن الله عز وجل أطلق { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ } .

 

ومن الفوائد :

أنه جل وعلا لما أطلق وقال { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ } دل على أن الإنسان متى ما كان ضاربا في الأرض مسافرا فله أن يقصر الصلاة بغض النظر عن غرضه في هذا السفر ، فلو أنه ذهب مثلا إلى منطقة ما ليتنزه وليرفه عن نفسه ، أله أن يقصر الصلاة ؟

نعم له أن يقصر الصلاة .

ذهب إلى مكة للتعبد ، أله أن يقصر الصلاة  ؟

نعم له أن يقصر الصلاة .

ذهب إلى مكان ما ليزور أقرباءه أو إخوانه أو معارفه له أن يقصر الصلاة .

 

ومن الفوائد :

أن الإنسان متى ما ترك بلدته القديمة واستوطن بلدة أخرى فإن حكم السفر لا يزال باقيا معه ، بمعنى  لو أن إنسانا مثلا في منطقة جنوب المملكة تركها ثم استوطن الرياض هنا بلدته هي الرياض لأنه جعل الرياض وطنا له لو ذهب إلى بلدته الأولى وأراد أن يقصر الصلاة فله ذلك ، ولكن يتنبه إلى أمر وهو أن الإنسان متى ما ذهب إلى أي بلدة ما وكان يسمع النداء فعليه أن يجب المنادي لقول النبي صلى الله عليه وسلم في عموم الحديث ( مَنْ سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر ) لكن لو ذهب إلى قريته ثم ذهب إلى مكان مثلا في خلاء وحانت الصلاة وليس عنده مساجد وأراد أن يصلي فله أن يصلي وأن يقصر الصلاة لأن تلك القرية تركت ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان مستوطنا أول الأمر في مكة فلما ذهب إلى المدنية واستوطنها ورجع إلى مكة كان يقصر الصلاة .

 

ومن الفوائد :

أن الله سبحانه وتعالى أطلق { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ } لم يحدد مدة ما لا أربعة أيام ولا خمسة أيام ولا عشرة أيام وهذا هو رأي شيخ الإسلام رحمه الله أن الإنسان متى ما كان مسافرا فله أن يستبيح رخص السفر من الإفطار في رمضان ومن قصر الصلاة وما شابه ذلك من هذه الأحكام ، وإذا قلنا له أن يقصر الصلاة دل على أنه مسافر وإذا كان مسافرا وكان مثلا في رمضان وأراد أن يفطر يجوز له الفطر .

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .