فقد ذكر الله عز وجل في هذه السورة المباركة سورة الشعراء قصة إبراهيم هذه القصة نقف معها وقفات سريعة { وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ } أي يا محمد اتْلُ على قومك قصة وخبر ونبأ إبراهيم
ما نبأهم ؟ ما قصة إبراهيم مع قومه ؟
{ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ } فبماذا أجابوا ؟ { قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } ومن زيادة الخبث والطغيان على المنكر والشرك زادوه أمرا آخر { فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } يعني : ملازمين وهذه طبيعة ابن آدم إذا استمر في الغي يكاد لا يخرج منه إلا بإذن الله عز وجل ، فإنهم تعالوا وصرّحوا بالإثم والعدوان وقالوا { نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } ومع ذلك فنظل لها عاكفين وقولهم { فَنَظَلُّ } دل على أن عبادتهم لهذه الأصنام كانت بالنهار فكانوا يداومون على عبادتها في النهار
فحاورهم إبراهيم عليه السلام محاورة من له عقل إن كانت لهم عقول فقال لهم كما في سورة الأنبياء { فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ }
وقال لهم {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} {الأنبياء:67}
هنا ماذا قال ؟
{ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ } أصنام هل يستجيبون لكم أو ينفعونكم ؟ أو يضرونكم ؟ هل هناك ضر على افتراض أنكم تركتم عبادتهم ؟ لا – فكان جوابهم ألا مضرة ولا منفعة ولا سماع لهم لدعائهم وإنما هو أمر درجوا عليه ونشأوا عليه { قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } من باب التقليد الأعمى
كما قال تعالى { بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ } يعني :على عقيدة { وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ }
فأجابهم عليه السلام { قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ } يعني ممن سبقكم { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي } وهذا ما يجب أن يكون عليه المسلم ، يجب عليه مع توحيده أن يتبرأ من الشرك و أهله
ولو قال إنسان أنا مسلم ولا أتبرأ من اليهودية ولا النصرانية ، ولا أقول إنهم على خطأ ولا أقول إنهم لا على صواب ولا على خطأ نقول قد كفرت بالله فالنبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم قال (( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم دمه وماله وحسابه على الله ))
لابد أن يكفر بما يعبد من دون الله
ولذا إبراهيم إمام الموحدين عليه السلام قال { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ العَالَمِينَ } أي إلا رب العالمين الذي أعبده
ويمكن كما قال بعض العلماء : ” إنهم كانوا يعبدون هذه الآلة ويعبدون الله معه ، فمع عبادتهم لله عز وجل على هذا القول كانوا يعبدون هذه الأصنام فكانوا مشركين ، فالتوحيد يجب أن يكون خالصا لله عز وجل { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ العَالَمِينَ }
العالم : هو كل ما سوى الله ، كل ما سوى الله فهو عالم ، ومن دلائل أنه رب العالمين أنه { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ }
وهذا يدل على أن المخلوق دائما في حاجة إلى الهداية ، أحوج لها من الطعام والشراب
ولذا نقول في كل ركعة { اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ } لم ؟ لأن حاجتنا إلى هداية الله أكثر من حاجتنا إلى الطعام والشراب
ما الذي بعدها ؟
{ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } لماذا أتت هذه الآية بعد الآية التي قبلها ؟
مثلما قال الله عز وجل { وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }
ما الذي بعدها ؟
{ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ }
يدل هذا على ماذا ؟
يدل على أن رزقك قد تُكفل به وما عليك إلا أن تعبد الله فإذا عبدت الله أطعمك وسقاك بل كلما عبدت الله واتقيت الله وتقربت إليه زاد رزقك والخير عليك قال تعالى :{ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } ثم ما الذي بعدها ؟
الإنسان في هذه الدنيا لا يكون على خير أبدا ، لابد أن تعتليه أمور تنغص عليه معيشته وحياته { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }
لِمَ لمْ يقل أمرضني مع أن المرض والعافية من الله ؟
لم يقل أمرضني تأدبا مع الله ، كما كان في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : (( و الشر ليس إليك )) مع إن الأشياء كلها من الله إلا أنه لم ينسب المرض إلى الله تأدبا مع الله عز وجل كما قال أيوب
{ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } {الأنبياء:83}
ولو أن المخلوقين مما أُبتلي بمرض تعلق بالله وتذكر هذه الآية وتأملها حق التأمل لشفاه الله من مرضه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين إذا رقى مريضا قال : (( اللهم رب الناس أذهب البأس اشف أنت الشافي شفاءً لا شفاء إلا شفاؤك لا يغادر سقما ))
ثم ما الذي بعدها من دلائل قدرة الله عز وجل { وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ }
ولذا الرجل الذي حاج إبراهيم في ربه قال تعالى { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللهُ المُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ }
فماذا قال ؟
قال أنا أحيي وأميت ، الأمر سهل أتي بإنسان قد حُكم عليه بالموت فعفى عنه فيكون بذلك حياة له ، فحاججه إبراهيم بأمر أعظم { قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ المَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ }
ثم ما الذي بعدها ؟
{ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ } إبراهيم عليه السلام يطمع بمعنى : يرجو من الله أن يغفر له خطيئته
فدل هذا على ماذا ؟
دل على أن العبد مهما قام بالعمل الصالح واتقى الله فإن عليه أن يرجو الله وأن يخاف من الله
ثم طلب إبراهيم من ربه النبوة والحكمة وأن يأتيه النبوة ويلحقه بالصالحين أي ممن سبقه من الأنبياء وطلب من الله أن يجعل له ثناءً باقيا إلى قيام الساعة فيمن يأتي بعده { وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآَخِرِينَ }
لسان هنا معناه الثناء لِمَ ؟
لأن اللسان هو آلة الثناء { وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ } دعا لأبيه قبل أن يعلمه الله عز وجل بأنه سيموت كافرا
{ وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } الخزي الحقيقي ليس في الدنيا وإنما يكون في الآخرة
ولذلك عباد الله الصالحون ماذا يقولون ؟ يقولون { وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَاد } ولا تخزني يوم يبعثون
{ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ } يوم لا ينفع مال ولا بنون ، نحن نحرص على الأموال وعلى الأولاد في هذه الدنيا وهذان متلازمان لماذا نحرص على المال ؟
من أجل البنين وإذا كان لدينا مال وليس لدينا بنون حرصنا على طلب البنين فهما متلازمان
ولذا المال والبنون زينة الحياة الدنيا ولكن مع تلك الزينة لا تنفع يوم القيامة وإنما ينفع العمل الصالح { إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } من سلم الله قلبه من الشرك والشك وسائر الخبائث من أمراض القلب ، ولا شك أن إبراهيم أتى ربه بقلب سليم ويدل ذلك قوله تعالى { وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }
نسأل الله عز وجل أن يُسلّم قلوبنا ويطهرها من الأدناس والأرجاس ، والله أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم