تفسير قوله تعالى ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله … ) سورة آل عمران ( 180 ـ 181 )

تفسير قوله تعالى ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله … ) سورة آل عمران ( 180 ـ 181 )

مشاهدات: 407

تفسير قوله تعالى :

{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا }

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

  

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد :

من ضمن ما تلونا في هذه الليلة ، تلونا قول الله سبحانه وتعالى :

{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا }

الآية .

 

هذه الآية الكرمية قال بعض العلماء : إنها تتعلق بكتمان العلم ، بمعنى أن على طالب العلم أن يبوح وأن ينشر علمه فإن كتم العلم ولا سيما مع حاجة الناس إليه فإنه داخل ضمن هذه الآية ، كما قال تعالى عن اليهود { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ } النساء37 .

 

وقال بعض العلماء : هي تتعلق بالزكاة ، وكلا القولين تحتملهما الآية ، فإن من منع زكاة ماله فقد أرصد الله سبحانه وتعالى له هذا العذاب الأليم ، قال { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } هذه الآية فسرها النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح فقال ( ما من صاحب مال لا يؤدي زكاته إلا مُثِّل له يوم القيامة شجاعا أقرع ) يعني أن هذا المال يتصور يوم القيامة كأنه ثعبان أقرع أي انحت شعر رأسه من كثرة ما في رأسه من السم

 

– سبحان الله – هذا المال الذي يرغبه ابن آدم ويسعى إليه من جميع الوجوه في هذا الدنيا ويتعب معه وربما يكتسبه من طرق محرمة ، هذا المال يكون عليه وبالا وعذابا يوم القيامة كما أخبر عليه الصلاة والسلام (مُثِّل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان )

إضافة إلى أن شعره قد انحت من كثرة السُّم فإن له زبدا في فمه ، ماذا يصنع بهذا البخيل الذي منع ما أوجب الله سبحانه وتعالى عليه من هذا المال الذي هو حق للفقراء وهو مال قليل قد أوجبه الله سبحانه وتعالى في مالك ، والله وتالله وبالله لو أن أغنياء المسلمين أدوا زكاة أموالهم ما وجدت في الأمة لا فقيرا ولا سارقا ولا عاطلا ولا باطلا  ولا قاتلا ، يصبح الناس في غنى ، فإن حكمة الحكيم سبحانه وتعالى لما أوجبت الزكاة وهي نزر يسير في مال ابن آدم فحكمته تدل على أن هذه الفرضية تقضي على الجرائم ( نعم ) تقضي على الجرائم ، تقضي على الفواحش ، تقضي على القتل ، تقضي على السرقة ، لأن الفقير إذا رأى صاحب المال قد تمتع بهذه الأموال ولم يكن في قلبه رادع إيماني فلربما يسعى إلى سرقته فلربما إذا أراد أن يسرقه ربما قابله صاحبه المال سينافح عن ماله فلربما جرى بينهما قتل ،

 

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم ( اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم )

كيف أهلكهم ؟

قال ( حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) ولذلك لا ترى الجرائم تنتشر في أي مجتمع من المجتمعات إلا وتجد أن هناك تقصيرا في أداء الزكاة .

ماذا يصنع هذا المال الذي تكوّن وتكوَّر على صورة الشجاع الأقرع ، ماذا يصنع به ؟

( يأخذه ) يعني يأخذ صاحبه ( يأخذه بلهزمتيه ) يعني بشقيه ( فيقول : أنا مالك أنا كنزك ) وفي رواية ( إذا بهذا الرجل صاحب المال يهرب منه ، فيتبعه فلا يكاد يدعه حتى يقول خذ هذا مالك ، هذا مالك فإذا أخذه ووضعه في فمه قضمه ) ولذلك عدَّه سبحانه وتعالى فحشا ، منع الزكاة فحش

كما قال بعض المفسرين في قوله تعالى { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء } البقرة268 ، من ضمن هذه الفحشاء أن يحثك على ترك الزكاة .

 

{ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }

ثم أرشد سبحانه وتعالى إلى أمر عظيم ، إلى موعظة ، إلى تذكير لصاحب هذا المال ، خرج إلى هذه الدنيا وليس معه شيء ، حتى ليس معه كساء يكسو به عورته ، لكن الله سبحانه وتعالى رزقه وأعطاه {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } ما عندكم شيء ، فأشار سبحانه وتعالى إشارة إلى صاحب هذا المال أن يتذكر أنه أتى إلى هذه الدنيا وليس معه شيء وأنه سيرحل من هذه الدنيا وليس معه شيء ، ولذلك قال تعالى بعدها { وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ }

{ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا }مريم40

 {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا }

لم ؟

ليتكاثروا في الأموال ؟

ما تكملة الآية ؟

{ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } الكهف7

جعلت زينة ابتلاء واختبارا  ينظر سبحانه تعالى إلى من يطيعه وإلى من يعصيه سبحانه وتعالى .

 

{ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي عالم ببواطن وخفايا وخبايا الأمور جل وعلا ، فإن الزكاة قد يمنعها الإنسان لا يحاسب ، ليس هناك رقيب عليه ، قد يكنز هذا المال ويخفيه ولا يعلم به أحد ، ولكن من يعلم به ؟ الله سبحانه تعالى ، بل إن ولي الأمر لو أنه أرسل الجباة ليأخذوا الزكاة فإن هذا الرجل لو أراد أن يخفي بعض ماله لأخفاه ، لكنه لا يخفى على العليم الخبير سبحانه وتعالى

ولذلك ماذا قال تعالى ؟

{ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } النور33 مال الله ، هو الذي أعطاكه سبحانه تعالى ، ولذلك قال سبحانه وتعالى { وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } .

ثم ذكر سبحانه وتعالى صنفا من الناس منعوا الزكاة بل منعوا الخير عن أنفسهم { لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } لما سمعوا قول الله تعالى { مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } الحديد11 قالوا : ما استقرض منا إلا لأنه فقير ونحن أغنياء – سبحان الله – جرأة ، ضلال ، قلوب مظلمة مسودة وإلا كيف يجرؤ ابن آدم الضعيف إلى أن يقول هذا الكلام !{ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ }

ما السبب ؟

{ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } آل عمران182 ،

فعلى المسلم الذي أعطاه الله عز وجل مالا وعلى المرأة التي أعطاها الله سبحانه وتعالى مالا أن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يخرج زكاة ماله قبل أن يحل به الأجل ويتوفاه الله سبحانه وتعالى ثم يذهب هذا المال الذي جمعه وكنزه ومنع حق الله عز وجل فيه ثم يذهب إلى الورثة ويقابل عذابه ، ولذلك لو أن إنسانا قد جمع أمواله كلها من الربا ومن الأموال المحرمة ثم توفاه الله سبحانه وتعالى وأبناؤه وورثته يعلمون بأن جميع مكاسبه من الطرق المحرمة فإن هذا المال الذي خلَّفه لهم حلال لهم لأنه أتاهم من طريق مباح شرعي وهو طريق الإرث ،فلهم الغنم والربح وعليه الغرم والخسارة والعذاب – نسأل الله العافية – فليتق المسلم ربه سبحانه وتعالى وعليه أن يؤدي زكاة ماله لا سيما بأن الله سبحانه وتعالى لم يطالبنا بشيء كثير .

 

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .