فمما تلوناه في هذه الليلة قوله تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } {الأنبياء:25}
هذه الآية تتحدث عن التوحيد ، ومعلوم شأن التوحيد ، والمقصود بالتوحيد الذي أتت به الرسل صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين هو توحيد العبادة المعروف بتوحيد الإلوهية
فما أرسل الله تعالى الرسل وما أنزل الكتب إلا من أجل توحيد الإلوهية
ولذا كل نبي يأتي يقول لقومه { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ }
قال ذلك إلى نوح إلى قومه { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }
وقال ذلك هود وقال ذلك صالح ، و كذا سائر الأنبياء عليهم السلام
ولذا لو سئلت لماذا أرسل الله الرسل ؟
تقول أرسلهم من أجل توحيد العبادة الذي هو توحيد الإلوهية ، ولذا قال تعالى { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } {النحل:36} فكفار قريش يقرون بتوحيد الربوبية
ولكنهم لا يقرون بتوحيد الإلوهية ، ومع إقرارهم بتوحيد الربوبية فإن الله تعالى حكم عليهم بأنهم كفار، ولقد خلقنا الله في هذه الدنيا من أجل أن نعبده سبحانه وتعالى وحده ، فإذا عبدنا غيره كان العابد لغيره مشركا فالحكمة من خلقنا : العبادة { وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } {الذاريات:56}
ما الذي يصرف الناس عن عبادة الله ؟
الدنيا ، والدنيا لو تأملناها لوجدنا أن الله سبحانه وتعالى قد تكفل لنا بها ، فلما قال تعالى{ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }
ماذا قال بعدها ؟
{ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ } فرزقك مكفول لك { إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا }
ولذا أنكر على من عبد معه إلها أخر { اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } {الرُّوم:40}
انظروا الخلق ذُكر أكثر من مرة وذكر معه الرزق فدل على أن رزقك قد تُكفل به { اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }
ما الجواب ؟ لا – ولذا نزه الله تعالى نفسه { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : (( إن الرزق ليطلب ابن آدم أكثر مما يطلبه أجله ))
إذا كان الإنسان يخاف من قرب الموت فإن رزقه أقرب إليه من موته
ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما عند ابن ماجة : (( اتقوا الله وأجملوا في الطلب )) أي : خففوا من طلب الدنيا (( ولا يحملنكم إبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصيه فإن ما عند الله لا يطلب إلا بطاعته ))
إذاً التوحيد هو حق الله على عباده ، وذلك لما أردف صلوات ربي وسلامه عليه معاذ بن جبل على حمار قال له :
(( يا معاذ فقال : لبيك وسعديك يا رسول الله ، قال أتدري ما حق الله على العباد ؟ وما حق العباد على الله ؟ فقال : الله و رسوله أعلم ، قال : (( حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا ))
أوجب الله تعالى حقا على نفسه تفضلا وكرما منه
ولذا كلام الله سبحانه وتعالى في كتابه كله توحيد ، كله يدعو إلى توحيد { الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ } توحيد { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } توحيد لم ؟ لأن الله سبحانه وتعالى ذكر في كتابه الثناء عليه وهذا توحيد
ذكر سبحانه وتعالى الثناء على من وحده وهذا توحيد ، وذكر سبحانه وتعالى سبيل من وحده وهو الجنة وهذا توحيد
وذكر سبحانه وتعالى ما يكمل هذا التوحيد من الطاعات وذكر سبحانه وتعالى ذم الشرك والمشركين
وذكر سبحانه وتعالى سبيل المشركين وهو النار
وذكر سبحانه وتعالى ما ينقص التوحيد من المعاصي أو ما يحبطه وهو الشرك
ولذا لو قال قائل :
ما التوحيد في قوله تعالى { وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } {البقرة:228} أين التوحيد في هذه الآية ؟
التوحيد هنا أن المرأة لو طبقت هذه الآية والتزمت بها زاد إيمانها وكملت عبادتها
وبالتالي يكمل توحيدها
ولذا يقول ابن أبي العز الحنفي رحمه الله ” كل آية في كتاب الله فهي تدل على التوحيد “
إذاً فمن أشرك بالله تعالى فقد هلك في دنياه قبل أخراه قال تعالى { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }
دل على أن المشرك في هلاك إضافة إلى ما يناله في الآخرة قال تعالى { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ }
وتوحيد الله سبحانه وتعالى لو جلسنا نتحدث عنه لتحدثنا عنه أوقاتا وأزمانا لأن الشرع كله جاء من أجل التوحيد
فلذا خليق بالمؤمن أن يحمي وأن يحفظ وأن يصون نفسه من الشرك ، نسأل الله تعالى أن يحفظ لنا دينا وعقيدتنا وأمننا وأن ينفعنا بهذا القرآن العظيم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم