جاء في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد وسجد معه المسلمون والمشركون فسجود المسلمين أمر طبيعي ، أما سجود المشركين فسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ سورة النجم وقرأ قوله تعالى { أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالعُزَّى } {النَّجم:19} ألقى الشيطان في مسامع الكفار أن الرسول صلى الله عليه وسلم مدح آلهتهم في قوله ” تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى ” فقالوا ” مدح آلهتنا ” فسجدوا
فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو لم يقلها ، وإنما الشيطان أوقع في مسامعهم هاتين الجملتين ” تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى “
وما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قد قالها فإنه ضعيف سندا ومتنا ، سندا لأن فيها من من هو منكر الحديث ، ومن حيث المتن ففيها نكارة ، كيف يذمها في قوله تعالى { أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى } {النَّجم:20} ثم يمدحها ؟!
فدل على أن هذه القصة باطلة لم يقلها النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما الذي جرى أن الشيطان أوقع في مسامعهم هاتين الجملتين فسجدوا معه صلى الله عليه وسلم فشق ذلك عليه صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى – كما قرأنا- قوله { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ }
يعني في قراءته ، فهذه تسلية منه سبحانه وتعالى لرسولنا صلى الله عليه وسلم، فما من نبي ولا رسول أتى فقرأ كلام الله في بعض الأحيان إلا ألقى الشيطان في قراءته ما يزيغ به أهل الباطل
فماذا قال تعالى ؟
قال تعالى { فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آَيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } فدل هذا على أن كلام الله محفوظ ، فالشيطان لما ألقى ما ألقاه رفعه الله سبحانه وتعالى وأبطله وأثبت وأحكم آياته سبحانه وتعالى { وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } له حكمه في كون الشيطان يلقي في قول الأنبياء لما يتلون كلام الله ، يلقي بعض الجمل فتنة واختبارا
ومنها ما قاله تعالى بعد ذلك { لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } أي المنافقون { وَالقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } يعني : الكفار
{ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيد } يعني هؤلاء الكفار يا محمد لفي شقاق ونزاع معك بعيد متناهي فإنهم يريدون إظهار الباطل مع علمهم أنك على الحق
ثم ماذا قال تعالى { وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ } يعني القرآن { أَنَّهُ الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ } يعني القرآن { فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ } أي تسكت وتخضع ، فدل على أن القرآن من قرأه وتمعن ما فيه ، كان ذلك سببا لخشوعه ولخضوعه ولسكونه ولإطراحه بين يدي الله سبحانه وتعالى
فتخبت له قلوبهم { وَإِنَّ اللهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم } هؤلاء هم المؤمنون ، أما الكفار { وَلَا يَزَالُ } أي يا محمد { وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْه } يعني من القرآن
{ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَة } أي ساعة موتهم أو يوم القيامة، كما قال بعض العلماء ، لأنهم إذا جاءهم الموت عرفوا الحق وإذا جاءت تلك الساعة فإن معرفتهم للحق لا تنفع
{ أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيم } وهو يوم بدر فإن الله سبحانه وتعالى نصر رسوله صلى الله عليه وسلم في يوم بدر، فأباد صناديد قريش فسمى الله تعالى يوم بدر بأنه يوم عقيم أي يوم شر لا خير فيه لكفار قريش، وإذا نظرنا عباد الله إلى قوله تعالى { وَلَا يَزَالُ } كلمة لا يزال تدل على الاستمرار، فدل على أن من تدنس بما يسخط الله تعالى واستمر في ذلك فإن التوبة بعيدة منه لأنه قال { وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ } مع وضوح الحجج والبراهين
ولذا ترى بعض الناس قد أنغمس في مستنقعات الرذائل ، بل ربما كما قال ابن القيم رحمه الله إن بعض العصاة ليفعل الذنب بغير لذة ، وإنما أمر اعتاده في نفسه ، واعتادت جوارحه عليه وهذا أمر نسأل الله العافية يدل على طمس البصائر فخليق بالمسلم أن يتعهد قلبه وإيمانه ويحفظ نفسه من الذنوب لأن الذنب كلما أتى على قلب الإنسان وأتى عليه ذنب أخر فإن هذا القلب يصبح عليه الران ، ومن ثم لا يعي ولا يفقه ولا يستجيب لأمر الله سبحانه وتعالى ، والواقع يشهد بهذا ، بعض الناس إذا ناصحته وبينت له الحجج والبراهين والأحداث ، لا يعي ولا يخضع لم ؟
لأنه اعتاد على الغفلة ، فخليق بالمسلم أن يتعاهد قلبه وإيمانه ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح قلوبنا وأحوالنا وأولادنا ونساءنا ، والله أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم