أما بعد :
مما تلي في هذه الليلة ، قوله تعالى :
{ وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ{ 91 } وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ }الأنعام92
قوله سبحانه وتعالى :
{ وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ }
يعني ما عظَّم الكفارُ الله سبحانه وتعالى حق تعظيمه ، وإلا فإن ابن آدم لو عظم الله عز وجل وعرف قدره ما أقدم على معصيته
ولذلك يقول بعض السلف ” لا تنظر إلى المعصية من حيث هي ولكن انظر إلى عظمة من عصيت ” وتعظيم الله عز وجل لما حلَّ في قلوب الصحابة رضي الله عنهم سطَّر التاريخ لهم أعجب القصص وأعجب الغرائب من التضحية لهذا الدين ، لم ؟
لأنهم علموا عظمة الله جل وعلا ، وعظمة الله سبحانه وتعالى تزاد بالتفكر في مخلوقات الله ، في التأمل في آلاء الله عز وجل ونعمه ، تزاد بالتدبر في آيات الله ، فإن العبد كلما تدبر وتفكر وتأمل كلما زاده ذلك تعظيما لله سبحانه وتعالى
وإذا زادت عظمة الله عز وجل في قلب العبد أحب الله ، ولذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله ” إن مراتب العبادة ثلاثة: المحبة والخوف والرجاء، والمحبة تلقي بالعبد في طريق الله ” فمن سار في طريق الله عز وجل فهو يحب الله ” والخوف يمنعه من أن يحيد عن طريق الله ، والرجاء يقوده إلى أن يصل إلى الله “
ولذلك :
المحبة من أعظم مراتب العبادة ، كيف تحب الله ؟ إذا عظَّمت الله ، كيف تعظم الله ؟ إذا تأملت في آياته ونظرت في مخلوقاته عز وجل ، ولذلك هؤلاء الكفار لو عظموا الله عز وجل ما أشركوا به ، كيف لا يعرف قدر الله والله سبحانه وتعالى يجعل هذه الأرض وهذه السماوات في قبضته يوم القيامة ،ولذا قال في سورة الزمر {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }الزمر67.
ومن صور عدم تقدير الكفار لله سبحانه وتعالى أنهم :
{ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ }
لو كان في غير القرآن ” إذ قالوا ما أنزل الله على بشر شيئا
لكن أتى بـ { مِن } الزائدة من حيث الإعراب ، لكنها من حيث المعنى لها قوة ، من باب التأكيد من هؤلاء على أن الله سبحانه وتعالى ما أرسل رسولا ، وإذا قيل بهذا من أنه جل وعلا لم يرسل رسولا فهذا قدح في الله عز وجل وعدم تعظيم له ، كيف ؟
تصوروا هذا الرسول الذي أتى وسفك الدماء وأخذ الأموال وقاتل الكفار والله عز وجل ينصره وينظر إلى ما يفعل ومع ذلك لم يعاقبه ولم يعذبه ، فدل على أن تيسير الأمر لهذا الرسول وإجازته جل وعلا من أن يفعل هذا الشيء ، دليل على ماذا ؟ دليل على أن الله أرسله ، فمن تعظيم الله عز وجل أن يرسل الرسل
{رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } النساء165.
فأمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم “
{ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى } ما الذي جاء به موسى ؟ التوراة
{ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ }
وصف التوراة بأنها نور وأنها هداية ، وقد وصف الله عز وجل الإنجيل أيضا بأنه نور وهداية { نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ {3} مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ }
{وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } المائدة46.
لو أتانا نصراني – ولا يصح أن نقول ” مسيحي ” لأن كلمة ” مسيحي ” تعظيم له ، لأنه لو قيل إنه مسيحي دل على أنه متبع للمسيح ، ولو كان متبعا للمسيح عيسى ابن مريم لآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك اليهودي لا يقال عنه ” إسرائيلي ” لأن معنى كلمة ” إسرائيلي ” عبد الله ، فهذا من الخطأ ، بل نسمي النصارى كما سموا أنفسهم { وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى } المائدة14 ، واليهود إذا نسبوا إلى إسرائيل فإنهم منسوبون إلى يعقوب عليه السلام ، ويعقوب عليه السلام بريء منهم ، لأنهم ما آمنوا بالنبي عليه الصلاة والسلام .
فلو أتانا واحد من هؤلاء وقال التوراة ذكرها كتابكم بأنها نور وهداية ، وأتانا نصراني وقال إن كتابكم ذكر إن الإنجيل نور وهداية ، فلماذا تكفروننا ؟
فيجاب عن هذا :
بأن التوراة والإنجيل كانت نورا وهداية في أزمانهما ، لكن لما جاء هذا الدين فإنهما ليسا بنور ولا هداية مع وجود هذا الكتاب لاسيما وأن كتبهم قد حرفوها ، ولذلك قال عز وجل
{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } المائدة48 ، فهذا القرآن نسخ ما مضى ، إذاً هي نور وهداية باعتبار ما مضى .
ونحن يجب أن نؤمن بها ونؤمن بأنها نور وهداية قبل التحريف في وقتها لأنه جاءت من لدن رب العالمين سبحانه وتعالى ، لكن لما جاء هذا القرآن انتهى كل شيء ، ألم يصف الله عز وجل الأمم السابقة بأنهم مسلمون ؟ بلى ،
قال تعالى { وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } البقرة132
فنحن يجب أن نؤمن بتلك الكتب ، قال تعالى { لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ } البقرة177، يعني ” يقول شيخ الإسلام رحمه الله “
الإسلام نوعان : إسلام عام وإسلام خاص ، الإسلام العام ما ذكر عن الأمم السابقة ، والإسلام الخاص ما ذكر عن نبينا عليه الصلاة والسلام ، وهذا الإسلام الخاص نسخ الإسلام العام الذي مضى “
ومع أنه عز وجل وصف هؤلاء بأنهم مسلمون إلا أنه سبحانه وتعالى قال في سورة آل عمران { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ } وهو الإسلام الخاص الذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } آل عمران85.
إذاً تلك الكتب هداية ونور في أزمانها ،لكن لما جاء هذا الكتاب العظيم نسخ الكتب كلها .
الكتب “.
ثم قال تعالى :
{ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا }
فاليهود يأخذون من التوراة بعض ما يريدون ويضعونها في قراطيس يعني دفاتر مقطعة حتى يضعوا فيها ما يشاءون من باب أن يحرفوا فيها .
{ وَتُخْفُونَ كَثِيرًا }
من نعت النبي صلى الله عليه وسلم ، وآية الرجم الموجودة في التوراة ، لأنكم تكرهون ذلك .
{ وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ }
سواء كان هذا الخطاب لليهود ، كما قال تعالى
{ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُون } النمل76
أو كما قال بعض العلماء : إن السياق لكفار قريش .
فأنتم في جهل ومع ذلك جاء هذا القرآن وبين لكم ، فدل هذا على أن القرآن هو الطريق الوحيد الذي لا يصل الإنسان إلى ما يريد من العلم إلا عن طريقه .
{ قُلِ اللّهُ }
أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول { الله}
يعني هذا جواب لما سبق :
{ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ }
قل يا محمد – صلى الله عليه وسلم – إذا أنكروا { الله } يعني الله أنزله .
{ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }
{ ذَرْهُمْ } أمر يراد منه الوعيد ، فالأمر هو [ طلب الفعل من الأعلى إلى الأدنى ، لكن قد يخرج هذا إلى معنى آخر ]
كما هنا ” للتهديد “
{ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }
لا لكونهم على حق – لا – وإنما هذا تهديد لهم ، فهم في ضياع ، ويلعبون في هذا الخوف وفي هذا الضياع .
الله عز وجل يذكر اللهو واللعب {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ} الأنعام32 { الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا } الأعراف51 .
فالعب يختلف عن اللهو ، يقول ابن القيم رحمه الله ” إن اللهو متعلق بالقلوب ، وأما اللعب فمتعلق بالجوارح “
ولذا قال عز وجل في سورة الأنبياء { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ } الأنبياء3
واللهو في الكبار أكثر من اللهو في الصغار ، بينما اللعب في الصغار أكثر من اللهو ، ولذا يمكن ألا يمارس الإنسان ألعابا معينة في سن الكبر ، لكن تجد أن قلبه مشغول ، بينما الصغار يلعب وقلبه منشرح .
ولذلك من أعظم ما يكون من اللهو أن يدخل الإنسان في لهو الدنيا ، قال عز وجل { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } التكاثر1 ، وقال عز وجل { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ } الحديد20
تجد بعض الناس عند مليون أو مليونان أو ثلاثة وهو غير مرتاح ، مع أنها تسعده لو أراد أن يسعد نفسه ومن حوله ويتقرب بذلك إلى الله لحصل له ذلك ، لكنه يرى غيره ممن هو قريب له أو زميله له قد فاقه بمليون أو بأقل بقليل أو بأكثر فلا يرتاح .
فقوله عز وجل :
{ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }
يعني أنهم يلعبون في هذا الخوض .
ثم رجع عز وجل إلى الحديث عن القرآن :
{ وَهَـذَا كِتَابٌ }
الإشارة راجعة إلى القرآن ، وأحيانا يقول سبحانه { ذَلِكَ الْكِتَابُ } البقرة2
” هذا ” اسم إشارة للقريب كما يقول أهل اللغة .
” ذلك ” اسم إشارة للبعيد ، أحيانا يشار إلى القرآن بأنه قريب كما في هذه الآية ، وأحيانه يشار إلى القرآن بأنه بعيد { ذَلِكَ الْكِتَابُ }البقرة2، فما الفرق بينهما ؟
الفرق بينهما أنه إذا قال ” هذا ” اسم الإشارة القريب على أن القرآن ميسر وسهل ، قال تعالى {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }القمر17 ، يعني متيسر ليس بصعب ، قريب إلى القلوب متى ما أقدمت عليه ، قريب إلى الفهم متى ما اقتربت العقول منه .
وإذا أتى باسم الإشارة ” ذلك ” الذي يدل على البعد ، فإن فيه دلالة على أن هذا القرآن بعيد وعالٍ من حيث القدر ، ليس بكلام سفساف ، كما قال تعالى {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ }الطارق14، وقال تعالى { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا }المزمل5 .
في بعض الاتصالات ، بعض الإخوان يقول يا شيخ عندي سؤال سهل ؟
يقول ابن القيم رحمه الله ” هذا خطأ أن يقول الإنسان هذا سؤال سهل أو سؤال بسيط ” يقول كيف والله عز وجل وصف القرآن بأنه ثقيل ، ومصدر الأحكام الشرعية من القرآن ، ولذلك بعض الناس إذا سأل ينبغي له ألا يقول هذه العبارة ، هو يمكن يقصد بذلك أنه سؤال سريع، لكن ينبغي للإنسان ألا يصف السؤال بهذا الوصف .
{ وَهَـذَا كِتَابٌ أنزَلْنَاهُ }
هذه أول صفة للقرآن ، فالقرآن منزل غير مخلوق ، لأن الذي تكلم به هو الله سبحانه وتعالى
الصفة الثانية { مُبَارَكٌ }
ما بركة هذا القرآن ؟
إن شئت أن ترى البركة في تلاوته فالحرف بعشر حسنات ، إن شئت أن ترى بركته في رفع الأمراض والأسقام فقل ما تشاء ،إن شئت أن ترى بركته في إراحة النفوس { أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } الرعد28 ، فقل ما تشاء ، ولذلك وصفه الله عز وجل في آيات كثيرة بأوصاف متعددة [ هدى ، رحمة ، بشرى ، كريم ] القرآن كريم ؟ نعم كريم ، لأن الله عز وجل يكرمك به إذا أكرمت هذا القرآن ؟
وكيف تكرم هذا القرآن ؟ إذا قمت بحقه .
الصفة الثالثة { مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ }
يعني مصدق للكتب السابقة ، التوراة والإنجيل بم أتت ؟ أتت بأن الله عز وجل هو الذي يجب أن يعبد وأنه لا يجوز أن يشرك بالله عز وجل ، القرآن جاء مصدقا لتلك الكتب .
إذاً فيه حجج على من كان قبل النبي صلى الله عليه وسلم ممن أدركه ، أدركته اليهود والنصارى فهو حجة عليهم ، لأن هذا القرآن نطق بأشياء اليهود والنصارى يعلمون بها في كتبهم .
{ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا }
{ أُمَّ الْقُرَى } هي مكة ، قال بعض العلماء سميت بأم القرى لأن الأرض دحيت من عندها {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } كيف دحوها ؟ {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا }النازعات31 فيقولون منطلق الدحو من مكة ولذلك صارت أم القرى .
{ وَمَنْ حَوْلَهَا }
من المشارق ومن المغارب ، فدل هذا على عموم نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، فالنبي أرسل إلى قومه وإلى غيرهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي ) ذكر منها ( وكان الرسول يبعث في قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ) {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا }الأعراف158، فهو رسول لجميع البشر .
هل هو رسول للجن ؟
نعم ، ولذلك أتى الجن وآمن من آمن منهم .
{ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ } أي بهذا القرآن ، دل هذا على أن أعظم ما يزيد إيمان المسلم أن يتذكر اليوم الآخر ، ولذلك الله عز وجل إذا ذكر الإيمان به ذكر الإيمان باليوم الآخر ، لماذا ؟ لأن تذكر اليوم الآخر يعطي الإنسان رهبة مما سيلاقيه من العقوبة ، ويعطيه رغبة مما سيلاقيه من النعيم .
وأعظم الشعائر التي تزيد الإيمان ” الصلاة ” ولذا قال عز وجل { وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ }
يحافظ عليها بأركانها وواجباتها وشروطها ، فدل على أن الصلاة تزيد الإيمان ، وكيف لا تزيد الإيمان والنبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند مسلم ( الوضوء شطر الإيمان ) ؟
كيف لا تزيد الصلاة إيمان العبد وقد سماها الله عز وجل إيمانا { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ }البقرة143 يعني صلاتكم لماذا وصف الصلاة بأنها إيمان ؟
لأنها تزيد الإيمان ، وهي عمود الإسلام .
نسأل الله عز وجل لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبيا محمد .