أن الله سبحانه وتعالى بيّن أن هناك من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة ، والسائل هنا هو جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، لما مرض وعاده الرسول صلى الله عليه وسلم في مرضه ، سأله أن لديه مالا ولا يرثه لا والد ولا ولد ، فمعنى الكلالة : هو الذي مات ولا والد له ولا ولد ، سبق معنا وأن بيَّنّا نصيب وقدر الوالدين من الإرث ، كما في أول سورة النساء ، هنا لو توفي الإنسان وهلك ولم يدع لا والدا ولا ولدا ، فكيف يكون الإرث ؟
{ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ } إذاً الأخوة والأخوات يرثون أخاهم شريطة ألا يكون هناك والد ولا ولد ، وقد ذكر سبحانه وتعالى في أول سورة النساء ، قال تعالى
{ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ }النساء12 ، فالكلالة المذكورة في أول سورة النساء ، المراد منها الأخوة لأم ، إذا مات الإنسان وترك وخلَّف إخوة لأم ، هؤلاء الإخوة لأم إن كان فرداً واحدا ، سواء كان ذكرا أو أنثى ، فله السدس { فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ } يعني أكثر من اثنين فلهم الثلث ، حتى لو كثروا ، حتى لو كانوا عشرة أو عشرين ، فإذا كانوا اثنين فصاعدا فلهم الثلث يشتركون فيه ، ذكرهم وأنثاهم على حدٍّ سواء
الذكر والأنثى إذا اجتمعا في الأخوة لأم يرثون الثلث بالتساوي ، فلو خلَّف أخا لأم أو أختاً لأم ، فهنا الثلث ، للأخ نصف الثلث وللأخت نصف الثلث ، هذا فيما يتعلق بأول سورة النساء ، آخر سورة النساء يتعلق بإرث الإخوة الأشقاء من أب وأم ، أو الأخوة لأب إذا لم يوجد هناك إخوة أشقاء ، فإن ترك الميت أختَّا لأم واحدة ، تأخذ السدس ، فإن كانتا اثنتين لأم تأخذان الثلث ، فإن كانا معهما أخ يأخذون الثلث ، هنا في آخر سورة النساء يتكلم الحديث عن الإخوة الأشقاء أو لأب ، إذا وُجد إخوة أشقاء ، فهم المقدمون ، إذا لم يوجدوا فالأخوة لأب ، إذا ترك أختا شقيقة لها النصف ، إن ترك اثنتين فلهما الثلثان ، إن ترك إخوة وأخوات أشقاء ، اجتمع الذكور والإناث
{ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } بخلاف الإخوة لأم ، فإن الذكر يستوي في النصيب مع الأنثى ، ولذلك قال تعالى { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ } تصور لو أن امرأة هلكت عن أخ شقيق ، هنا كم لأخ الشقيق ؟ هي خلَّفت أخا شقيقا واحدا ، كم له من تركتها ؟ الكل { وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ }
{ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ } يعني أختين شقيقتين أو لأب { فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً } أخو وأخوات أشقاء { فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } ثم بيَّن سبحانه وتعالى أنه ذكر هذه الأحكام ووضحها من أجل ألا يضل الناس { يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } أي لكي لا تضلوا
{ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
إذاً ما يسعى إليه في هذا العصر من بعض الصحفيين أو ممن يكتب في المقالات ممن جعل حق الأنثى كحق الرجل في الإرث ، هذا تعدي على حدود الله سبحانه وتعالى ، بل هذا ضلال ، لأن الله سبحانه وتعالى بيَّن { يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } فمن عدل عن هذا الطريق فيكون ضالا ، ولذلك قال تعالى { وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } هو جل وعلا أعلم بما يصلح للبشر وبما لا يصلح للبشر
ثم إن الدعوة التي يدعى إليها من أجل أن تتساوى المرأة مع الذكر في الإرث ، دعوة باطلة ، حتى من حيث العقل ، تصور لو جُعل نصيب الأنثى مثل نصيب الذكر ، هنا فيه فوارق ، منها : من الذي يُنفق أكثر ؟ الرجل أم المرأة ؟ الرجل ، فالمرأة إذا ورثت نصيبها فهو لها ، فإذا تزوجت يجب على زوجها أن ينفق عليها ولو ورثت ملايين ، إذاً مَن الذي يُنفق ؟ الرجل ، ولذلك جعل الشرع له أكثر من نصيب الأنثى ، ولو قال قائل : لماذا سمى الله سبحانه وتعالى الميت الذي لا ولد له ولا والد بالكلالة ؟ سماه كلالة لأنه لم يوجد له عمودا نسب ، عمود النسب الأجداد والأباء ، وهؤلاء الإخوة ليسوا من الأصول ، فأكنهم يكللون الشخص ويحيطون به من كل الجوانب ، فالإخوة ليسوا في عمق الإنسان وفي صلبه ، يعني لم يخرج من صلب ولم يخرج منه أحد من هؤلاء الإخوة ، وإنما هم عبارة عن سياج يحيطون به ويكللونه ، بينما الأولاد يخرجون من صلبه ، وهو خرج من صلب آبائه وأجداده ، هذا معنى الآية باختصار ، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .