تقريب شرح السنة لعامة الأمة [ صحيح البخاري ] ـ باب كيف كان بدء الوحي ـ الحديث الثالث والرابع

تقريب شرح السنة لعامة الأمة [ صحيح البخاري ] ـ باب كيف كان بدء الوحي ـ الحديث الثالث والرابع

مشاهدات: 450

بسم الله الرحمن الرحيم

الشيخ زيد البحري تقريب شرح السنة لعامة الأمة ـ صحيح البخاري –

26/3/1446هـ

باب كيف كان بدء الوحي

الدرس الثاني ـ الحديث الثالث – والرابع

———————————-

ثم ذكر البخاري الحديث الذي يليه: قال: حَدَّثـَنَا يحَيىَ بْنُ بُكَيرْ الشامي المِصري.

قال: حَدَّثـَنَا اللَّيْثُ وهو الليث بن سعد المصري، من الفقهاء، من الأعلام، سبحان الله قد قيل: إنه مثل الإمام مالك أو يفوقُه، لكن الذي نفع الإمام مالك: نفَعَه بعد الله طلابُه.

عَنْ عُقَيْلٍ: هو عقيل بن خالد الأيلي المَدَني.

عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وهو محمد بن مسلم الزّهري، واسع الاطِّلاع، وهو رحمه الله أغلاطُه قليلة مع سعة اطلاعه وحِفظه سبحان الله، وهو مدني طبعًا، وكان قريبًا من خلفاء بني أمية، لكن كما قيل: إن الدراهمَ والدنانير عند الزهري أحقر من ماذا؟ مِن البَعر، لا يراها شيئًا.

عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: رضي الله عنه.

عَنْ عَائِشَةَ: رضي الله عنها وهي خالتُه.

أُمِّ المُؤْمِنِينَ: وهذا يدل على فضيلة وعِظَم فائدة تلَقّي العلم من أهل البيت لمن هو عالمٌ فيه، فإن الوصولَ إليه سهْل بخلاف الغريب.

ولذلك وفِّق عروة كثيرًا ما كان يروي عنها رضي الله عنها. 

أَنَّهَا قَالَتْ: [أَوَّلُ مَا بُدِئَ به]: هي تحكي الآن عن بداية الوحي للنبي عليه الصلاة والسلام، والمذكور في هذا الحديث: من أن أهله، وأن زوجته خديجة، وعائشة رضي الله عنها لم يتزوج بها النبي عليه الصلاة والسلام إلا بعد ما ماتت خديجة؛ دل هذا على ماذا؟

على أن عائشة رضي الله عنها تلقّت هذا الحديث من غيرها، ولذلك مراسيلُ الصحابة مقبولة، لأنهم عدول لو لم يذكروا من رووا عنه، ولذلك ابن عباس رضي الله عنهما كان صغيرًا، وكان يروي الأحاديث مع أنه لم يسمع من النبي ﷺ مباشرة إلا ما يقرُب أو يزيد من عشرين حديثًا أو ما يقرب من ذلك.

قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ.

قَالَتْ: مِنَ الوَحْيِ، دل هذا على أن رؤيا الأنبياء وحي من الدلالة هنا،

ولذلك لما أمِرَ إبراهيم عليه السلام في المنام أن يذبح ابنَه إسماعيل مع أنها رؤيا منام نفّذَها، لأن رؤيا الأنبياء وحي.

ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك قالت: ما أظن أن الله سينزل فيَّ قرآنًا يتلى، ولكن كنت أظن أن الله سيُري النبي عليه الصلاة والسلام رؤية، فدل هذا على أن رؤيا الأنبياء وحي.

قالت: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِن الوَحْي الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، الصالحة وليست الفاسدة، فهي صالحة باعتبار أنها حقيقة، ولذلك في رواية “الرؤيا الصادقة” والصدق ما هو؟

هو الإخبار بالواقع.

فقالت: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ؛ تأكيدًا وتوضيحًا من أجل ألا يظن أن الرؤيا رؤية في اليقظة، لأن الأصل في الرؤية رؤية العين في اليقظة.

فقالت: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا: مهما كانت هذه الرؤية.

إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ: أي: وضوح الصبح؛ ليس بها أضغاث ولا متغيرات.

ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ، الخلاء عن قومِه في غار حِراء.

قالت: حبب إليه، سبحان الله التوفيق من الله عز وجل، حُبب، إذا حببت إليك الطاعة، وحبب إليك الخير، فهذه نعمةٌ من الله أكرمَك بها؛ لأنها شاقة، فإذا أعانك الله على الطاعة، هذه نعمة، يحببها إليك نعمة أعظم.

ولذلك ماذا قال عز وجل؟

{وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيكُمُ الإيمانَ وَزَيَّنَهُ في قُلوبِكُم} [الحجرات: 7]

قالت: ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ، من المُحبِّب؟ واضح؛ هو الله عز وجل.

 

وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ، يخلو هو بنفسه، وليس يخلو بالله أو مع الله، فيتنبه بعض الناس يقول: في الاعتكاف خلوة، لا، ولذلك كان يقول عن الاعتكاف عليه الصلاة والسلام “كنتُ أجاور هذه العشر”، ولذلك بعض العلماء حرم أن يقال: فلان خلا مع الله، أو هو يخلو بالله، وبعضهم كره ذلك.

المهم هذا اللفظ فيما يتعلق بالله ما يقال، فيتنبه لمثل هذا، يعني يُلتزم بالمصطلحات وبالألفاظ الشرعية.

 

[وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ] من أجل؟ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- من القائل؟

ج/ الزهري أحد رواة الحديث، يوضح التحنث، والتحنث يدل على التعبد سواء كان لله أو لغير الله، لكن هنا لله عز وجل، ولذلك ماذا قال عن الكفار؟

{وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 46] يعني على الشرك؛ يعني يتعبدون الشرك.

-وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ، يعني أكثر من ليلة.

قال هنا: الليالي؛ هذا يدل على فضيلة العبادة في الليل، انظروا وفِّق عليه الصلاة والسلام قبل أن يأتيه جبريل إلى أنه يهجر عبادة الأوثان، وأيضًا أن يكون تعبده بالليل.

ولذلك ما نزل عليه الوحي إلا بالليل، الدليل: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185]

ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ: أي قبل أن يرجع إلى أهله، سبحان الله ولذلك قال هنا دل على أن هذه الخلوة منه عليه الصلاة والسلام، وأنها محبوبة إليه أنه كان ملتزمًا بها لا يريد أن يفارقها، لكنه يعود لسبب، ولذلك هنا قال: قبل أن يَنْزِع إلى أهله، والنزع هو الجذب بقوة.

قال: قبل أن يَنْزِع إلى أهله يعني إلى زوجته خديجة، فيطلق على الزوجة أهل، {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] والأدلة كثيرة جدًا.

وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ: يتزود من الطعام، وانظروا وُفِّق عليه الصلاة والسلام إلى أن يفعلَ السبب، وهو أن يأتي بالطعام.

ولذلك غُلاة الصوفية في الأزمان السابقة كانوا يذهبون في الصحراء دون أن يتزودوا! يقولون نحن متوكلون على الله.

[وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ]: الحق ما هو؟

ج/ الوحي؛ دل هذا على أن القرآن حق، وأن التوحيد الذي جاء به القرآن حق.

حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ، عن طريق من؟

ج/ عن طريق جبريل، ومجيء جبريل حق.

حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ: هذا تأكيد إلى موطن مجيء الوحي.

ولذلك أكَّدت قالت: وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ يعني لم يأتِه في مكان آخر.

 

فَجَاءَهُ المَلَكُ: وهو جبريل عليه السلام.

فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»، ما هنا نافية، وهذا هو الصحيح، لأنه أتى بالباء الزائدة في كلمة (قارئ) يعني ما أُحسِن القراءة، هو ينفي وبالفعل، قال تعالى:

{وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48].

قَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»، قَالَ: “فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي” التغطية هو الستر والكتم.

“حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ” الجهد التعب والمشقة، يعني هي تُلفظ (حتى بلغ مني الجَهْدُ) يعني: الجَهدُ وصل إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وتُنطق (حتى بلغ مني الجَهْدَ) يعني: من أن الجَهدَ كأنه مفعولٌ به؛ لِعِظَمِ ما أصابه عليه الصلاة والسلام.

قال: ثُمَّ أَرْسَلَنِي: دل على أن هذه التغطية تغطية ضَم؛ من أنه ضمه إليه.

ولذلك قال: ثُمَّ أَرْسَلَنِي، والتغطية تدل على المشقة، ولذلك مر الحديث السابق:

 “أحيانًا يأتيني مِثل صلصلةِ الجرس، وهو أشدُّه عليَّ” ثقيل {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5].

 

فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ: أيضًا هذه نافية، وبعضهم يقول هي استفهامية يعني في المرة الثالثة قال: ماذا اقرأ؟ 

مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} [العلق: 1-3]»: هذا يدل على أن سورة العلق هي أول ما نزلت من القرآن لكن ليست كاملة، إنما نزل أوائلها، لأنه سيأتي معنا من أن أول سورة نزلت {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1].

 

 فرجع بها رسول الله ﷺ: انظروا فرجع بها دل على أنها لم تفُته، من أنه أتقنها وحفظها من أول مرة.

ولذلك قالت: فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أي: بالآيات السابقات:

 {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 1-2].

فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ: يرجف: يعني يضطرب، فؤاده: الفؤاد أدق من القلب، يعني أخص من القلب، ولذلك قال عز وجل في تعذيب الكفار: {تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ} [الهمزة: 7]، {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} [القصص: 10].

فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وهذا يدل على أهمية الزوجة الصالحة، فإن بها الأُنس المعنوي، والأُنس الطارئ، إذا طرأ على الإنسان ما هو مَخوف.

فَقَالَ: “زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي” أي: غطوني؛ وكررها عليه الصلاة والسلام لعِظَمِ ما وقع له؛ إذ إن هذا الشيء لم يكن معتادًا، وهذا أيضًا يدل على أن الخائف بحاجة إلى الغطاء.

فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، وهو الفزع.

فَقَالَ لِخَدِيجَةَ: ما أجمل أن يكون لدى الإنسان إنسان يبوحُ له بما يقع له، وخصوصًا في الشدائد، ولذلك ضربت خديجة رضي الله عنها أروعَ الأمثلة في مثل هذه المقامات، والتي بها على نساء الأمة ولا سيما في هذا الزمن أن يقتدين بها.

فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: الخبر السابق مما جرى له مع جبريل.

قال: “لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي” أمْر ليس بأمر مألوف.

قال: “خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي” للعلماء في هذه أقوال كثيرة، لكن الأقرب: أنه خشِيَ على نفسه الموت أو المرض.

فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا، كلا أداة ردع، كلا في أصلها كلمة ردع وزجر، وهي لم تُرِد أن تردَعه وأن تزجره لا، هنا بمعنى النفي، أو تكون بمعنى حقًا أي: حقًا والله،

 فنفت ما خشيَه عليه الصلاة والسلام على نفسه.

قالت: كلا: ثم أكدت أنه في عافية وسلامة بالقسم، ويجوز الإنسان أن يحلف وإن لم يُستحلف للتأكيد على شيء مهم كما فعلت خديجة رضي الله عنها، وأحاديث كثيرة منه ﷺ في الحلف مع أنه لم يُستحلف.

فقالت: وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا: الخزي هو العار والفضيحة، والتي بها يكون الإنسان أصابه الضرر.

 

وقالت: “مَا يُخْزِيكَ” لأنه أمر غير مألوف، فكون الإنسان يأتيه شيء ليس مألوفًا هنا سيُعاب من قِبَل الناس، لو تغيرت أحوالُه العقلية أو الجسدية أصبح محل أنظار الناس.

قالت: مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا: وأكدت ذلك بالأبدية، وفي رواية ضُبطت – وإذا ذكرتْ فقلت في رواية، لا يلزم أن تكون في البخاري، طبعًا هذه في البخاري، لكن لا يلزم أن تكون من باب الاختصار، أن تكون في البخاري أو في مسلم، قد تكون في مسلم أو في البخاري أو في غيرهما من كتب الأحاديث – .

قالت: “لا يُحزِنُك” من الحزن فنفت عنه الخزي والحزن؛ والسبب هي لم تأتِ بهذه الكلمات من جَرّاء عاطفة أو هوى لا، هناك أمور دلت على أنه ﷺ من أحسن الناس في أخلاقه قبل أن يبعث.

إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، هذا يدل على ماذا؟

يدل على أن صلة الرحم سبب من أسباب ذهابِ الحزن وعدم الخزي، والأحاديث في صلة الرحم كثيرة سبحان الله، وهذا يدل على أن صلة الرحم موجودة بين العرب قبل الإسلام، لكن فرطوا فيها، إلا من رحم ربي، وصلة الرحم تشمل بالقول، بالفعل، بالمال، الكلمة، وسيأتي لها أحاديث إن شاء الله.

 

وَتَحْمِلُ الكَلَّ: الجملة السابقة بها رحمة منه عليه الصلاة والسلام في قلبه بأقربائه.

قال هنا: وَتَحْمِلُ الكَلَّ، الكَل هو الضعيف على وجه العموم من قريب أو بعيد، ولذلك قال عز وجل: {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ} [النحل: 76] فمن كان ضعيفًا، فإنه ﷺ يحمله ويحمل أعباءه، وفي هذا منه تخفيف على الضعفاء.

وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ: الكسب هو تحصيلُ الشيء، المعدوم أي: وتَكسب المعدوم من معانيها:

– طبعًا هي ضُبِطت وتُكسِب المعدوم، لكن الضبط الأرجح (وتَكسِب المعدوم) بمعنى: أن غيرك يريد كسْبَ ما هو عائدٌ عليه بالنفع، وأنت تكسب وتبحث عن الفقير المُعدَم من أجل أن تعينَه، وهذا على ضبط (وتُكسب المعدوم) لكن على ضبط (وتَكسب المعدوم) يعني: أنك تكسبُ المالَ الذي لا يستطيع غيرُك أن يكسبه، وهذا مما يُمدح به في الجاهلية عند العرب، وهذا واضح لما تولّى تجارةَ خديجة رضي الله عنها ربِحت أرباحًا كثيرة.

 وأيضًا (وتَكسب المعدوم) يعني أنك تعطي الشيء الكثير لمن هو مُعدَم، وهذا يدل على ماذا؟

على الكرم وعلى وقايته من الشح نفسُهُ ﷺ -حتى وهو قبل الإسلام- ذات قناعة.

 

وَتَقْرِي الضَّيْفَ: أي: تقوم بواجبه، ولذلك قال حاتم الطائي:

 وَمَا الْخِصْبُ لِلْأَضْيَافِ أَنْ يَكْثُرَ الْقِرَى (يعني الطعام الذي يُقدَّم) وَلَكِنّمَا وَجْهُ الْكَرِيمِ خَصِيبُ

 فهو أيضًا من هو قادمٌ وغريب يقوم بإكرامه.

 

 ثم لما كان ما سبق خصال منفردة: تصل الرحم، وتحمل الكل، وتَكسِب المعدوم، وتقري الضيف، وأيضًا تتضمن ماذا؟

بذْل النفع والخير؛ أتت بجملة عامة تشمل ما سبق، وأيضًا من أنه صاحب مواقف.

قالت: وَتُعِينُ بماذا؟ بمال، بقول، بكلمة، بشفاعة.

[وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ] النائبة: هي الحادثة التي تقع بالإنسان، لكن ليس كل إعانة على نائبة تكونُ مدحًا، قد يكون الإنسان في نائبة شر، ولذلك خصصت قالت: وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ: وليس الباطل سبحان الله التوفيق من الله عز وجل لرسوله عليه الصلاة والسلام.

 

فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ:

 هي لمّا آنسَتْه بتلك الجمل أرادت أن تؤكد له من طريق غيرها أن كلامَها صحيح، وأنه على خير، ولن يُخزى أبدًا، لكن لم تأتِ به لأيِّ أحد، وإنما لمن هو معروفٌ بالعقل وبالديانة.

ولذلك لم تتباطأ رضي الله عنها، فَانْطَلَقَتْ: لأن الأمر أمر يُحتاج فيه إلى سرعة، وهذا يدل على ماذا؟

يدل على أن الإنسان إذا أتاك وهو في مِحنة لا تتباطأ في رفْعِ ما أصابه، لأنه بحاجة إلى مُسارَعة في هذا الأمر، ولا يحتمل التسويف.

 

حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ: فهي تلتقي معه من حيث النسب.

 

وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، أيضًا هذا مُوَفَّق ورقة بن نوفل، لم يكن كحال قريش مثل: زيد بن عمرو لما ذهب يبحث عن الدين قالوا له -كما سيأتي معنا في صحيح البخاري هنا – فقال: ليس هناك دين تسلم به من عذاب الله إلا دين إبراهيم دين الحنفية، فصدع بها عند الكعبة، فورقة تنصر.

[تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ]: وذِكْر هنا في الجاهلية، لأن هذا من بقايا دين الأنبياء، لكن لو يأتي أحد يتنصر في الإسلام ماذا قال عليه الصلاة والسلام عند مسلم؟

” وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ” لكن هنا قالت: في الجاهلية.

ويستفاد منها أيضًا: أن مَن لم يكن آباؤه وأجداده على دينِ أهل الكتاب، ثم دان بدين النصارى أو اليهود قبل الإسلام، فإنه يأخذ حكمَهم، وهذا يفيد بفائدة فيما يتعلق بذَبْحهم، وليس له آباء وأجداد من أصل يهودي أو نصراني هل يحل أم لا؟

ج/ يحِل وقد نص على ذلك شيخ الإسلام رحمة الله عليه، وسيأتي له حديث إن شاء الله تعالى.

 

وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، أي باللغة العبرانية.

فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ: هنا بيان من أن العرب ليسوا بأميين كلِّهم، يعني لا يقرؤون ولا يكتبون بدليل ما ذُكر هنا، فكان يكتب، وإنما سميت بالأمية باعتبار الغالب.

ثم قالت: هو يكتب، لمَ؟

لأن القرآن يسَّره الله وسهله للحفظ، ولذلك أبقاه اللهُ عز وجل، لكن الكتب السابقة صَعْبٌ حِفظها، ولذلك قال الله عز وجل: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} [المائدة: 44] يعني أمِروا بحفظه، لكن ليس مُسهلًا لكل أحد، ولذلك ضاع، وهنا ماذا قالت؟

[وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا] الشيخ هو الذي تقدم به السن، لكن إذا زاد في ذلك وصِف بالكِبَر، ولذلك أخوة يوسف قالوا: {إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا} [يوسف: 78].

 

وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ: هنا بيان لحاله، وليس هذا من الغيبة، وإنما هو لبيان حاله.

وذِكر ما يتعلق بالجاهلية لم يُذْكَر حينها حكم غيبة فيما يتعلق بهذا الأمر.

وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: قالت لورقة.

يَا ابْنَ عَمِّ: هناك رواية “أي عم” وهي عند مسلم، لكن هو ابن عمها، لكن لعلها قالت هذه الكلمة من باب التوقير بدلالة ما سبق من جُمل.

وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ:

 هو يلتقي مع النبي عليه الصلاة والسلام في أحد أجداده من حيثُ النسب، هي قالت: اسْمَعْ مِنَ ابْنَ أَخِيكَ: من أجل أن تُحرِّص وأن تحث ورقة على الاهتمام بشأنه، لمَ؟

لأنه قريبٌ لك (اسْمَعْ مِنَ ابْنَ أَخِيكَ) فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: كلامه موافق لكلامها.

فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ وهذا يدل على ماذا؟

يدل على أنه أمر غريب، لم يقل ماذا وقع لك أو ماذا حدث لك؟

ماذا تَرَى؟ وهذا يدل على ماذا؟

يدل على فِراسة ورقة، مع أنه أعمى.

فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ:

 الناموس: صاحبُ السر؛ ويقصد بذلك جبريل.

هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى:

لماذا ذَكر موسى، لم يذكر عيسى كما قيل مع أنه ورد ذكر عيسى؟

فإذًا يكون هذا من باب التنويع مرة قال: هذه، ومرة قال: هذه، والذي يقصر الأمر على ما جاء عند البخاري:

قال: لأن ما جاء في دين موسى أشمل وأعم، ولذلك قال عيسى عليه السلام: {وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} [الزخرف: 63]، { وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 50].

 

يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا: التوفيق من الله عز وجل، يعني الهمم تختلف، شيخ كبير وأعمى يتمنى أن يظفر بالخير الذي سيأتي النبي ﷺ من أجل أن يتحصل على الثواب، وأمنيته مأجورٌ عليها، ولذلك رآه النبي ﷺ من مجموع الآثار أنه في الجنة.

يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا: الجذع: هو الشاب القوي من البهائم، لأن مثل تحمل هذه الأعباء يحتاج إلى قوة، وتحمل في سبيل الأذى، لكن قد يقول قائل:

 لماذا تمنى شيئًا وهو مستحيل أن يقع، يتمنى أن يكون شابًا هذا مستحيل؟!

ج/ الأمنية هنا أراد بها من أن نبوة وصدق رسالة محمد ﷺ 100% مائة بالمائة واقعة، وهذا طمأنة له.

 

يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، وتشبيه الإنسان نفسه بالبهائم الأصل المنع، إلا لغرض كريم واضح كما هنا، أراد بذلك لا أن يكون كالبهيمة، لا لم يرد ذلك، وإنما أراد من حيث القوة، ولذلك سيأتي معنا إن شاء الله في صحيح مسلم لما كان نكاح المتعة جائزًا قال بعض الصحابة ” فتلقتنا فتاة مثل البكرة” البكرة هي الناقة الشابة القوية.

 

يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا: ثم أتى بأمنية أخرى، يعني هو تمنى أن يكون شابًا فيها، ولذلك انظروا قال:

 يَا لَيْتَنِي فِيهَا: الضمير يعود لهذه الرسالة، ثم لمّا كان رجوعه من الشيخوخة إلى سن الشباب؛ لما كان مستحيلًا تمنى أن يكون حيًا {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].

ولذلك قال: لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ: إذ للماضي يعني وقعت، لم يقل إذا فيما يستقبل؛ دل هذا على أنه واقع لا محالة من إخراجه؛ سبحان الله وقد أُخرِج.

ولذلك في الرواية الأخرى مما يدل على أن (إذ) أريد بها تحقق الوقوع “حين يخرجك قومك”

 فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟”، استبعاد من حيث الواقع أن يُخرج لهذا السبب، لم يأتِ بسبب يقتضي أن يخرجوه، ولذلك أتى بهمزة الاستفهام، وأتى بعدها بحرف العطف الواو، لأن هناك جملة يعني أَبَعْدَ وضوح الحق مخرجي؟: “أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟” وهذا يدل على ماذا؟

يدل على أن أشد ما يحزن الإنسان أن يُخرج من بلده، ولذلك يجب على الناس أن يحافظوا على أوطانهم؛

ولذلك جمع الله عز وجل بين القتل، وبين إخراج الإنسان من بلده مما يدل على أن إخراج الإنسان من بلده كأنه قَتْلٌ له، {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} [البقرة: 84] والنصوص كثيرة.

ولذلك قال: “أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟”، يعني لو أخرجني غيرهم لكان يمكن أن يكون سببًا، لكن أتيتُ لهم بالخير “أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟”، قَالَ: نَعَمْ، انظروا الحق لا يتغير ولا يتبدل على مر الأزمان، ما بنى ورقة كلامَه إلا على حق.

الدليل هو الدليل، الحق هو الحق في كل زمان، فبنى ورقة هذا الكلام على أصل سابق.

فقَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، لمَ؟

لأن من يأتِ بالحق، الحق يُخالف الباطل والهوى، فإذا نُهوا الناس عما تريده أهواؤهم عادَوا من جاء به.

ولذلك في رواية “إلا أوذي، فهو تمهيد له من أنه يصبر على الأذى، وأي أذى؟

ذكر له ورقة؛ وهذا يدل على حكمة ورقة، ذكر له أعظم الأذى وهو:

 الإخراج، لأن ما دون الإخراج أهون.

لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ، وقال: رجل مما يدل على أن النبوة في الرجال لا في النساء

 {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} [يوسف: 109]

بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ: ويستفاد من هذه أن أتباع الرسل الذين يتبعون سبيلهم في دعوة الناس إلى الحق، سيصيبهم مثل ما أصاب الرسل، إلا من عصمه الله عز وجل، ويسر الله له الأمر، ثم ماذا قال؟

مما يدل على حبه للخير.

قال: وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ: والإدراك هو اللحاق بالشيء، وأتى بالإدراك لأن عنده غلبة ظن من أنه لن يدركَه.

قال: وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ: يعني يومك الذي تدعو فيه.

أَنْصُرْكَ نَصْرًا وقال: نصرًا مفعول مطلق للتأكيد على أنه نصر حقيقي.

ثم وصفه، مُؤَزَّرًا: أي: قويًا مأخوذ من الأزر {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} [طه: 31]

أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، لكن لم يبقَ ورقة، لكن الإنسان بنيته الطيبة يصل.

ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ أي: يلبث.

وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ، يعني بعد نزول الآيات السابقات، ومجيء النبي عليه الصلاة والسلام مع خديجة لورقة.

وَفَتَرَ الوَحْيُ: الفتور هو معناه السكون، سكون الشيء من غير ذهاب.

ولذلك يقال: الإنسان به فتور؛ يعني أنه قل نشاطه، هنا الفتور بمعنى الانقطاع،

 وَفَتَرَ الوَحْيُ أي: انقطع الوحي.

 

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ابن شهاب هو ابن شهاب الزهري العالم المتقن، وسبق بالدرس السابق أن ذكرتُ شيئا من مناقبه.

قال: وَأَخْبَرَنِي الواو هنا معطوفة على ما سبق، يعني هو يقول: أخبرني عروة بكذا فيما مضى من ذكره.

ثم قال: وَأَخْبَرَنِي أيضًا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: بن عوف هو ابنٌ للصحابي الجليل.

أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ، قَالَ: وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: “بَيْنَا”

 يعني: النبي عليه الصلاة والسلام، هو يحدث عن النبي ﷺ مما جرى له بعد انقطاع الوحي.

قال: “بَيْنَا هي بمعنى بينما أصلها بين باء، ياء، نون، ثم أشبعت الفتحة فكانت ألفًا، فتنطق بَيْنَا ويضاف إليها الميم بينما.

“بَيْنَا أَنَا أَمْشِي ” عليه الصلاة والسلام.

” إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ “: صوت من السماء هذا غيرُ مألوف.

قال: فَرَفَعْتُ بَصَرِي، فَإِذَا المَلَكُ: من هو؟ جبريل عليه السلام.

الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ: وفي هذا بيان جواز الجلوس على الكرسي، ولذلك النبي ﷺ جلس عليه، لما أتاه رجل وهو يخطُب قال رجل لا يعلم ما دينه، فنزل ﷺ، وأُتِيَ بكُرسي فجلس عليه، فالكراسي الجلوس عليها يعني مِن الزمن السابق.

جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ:

 الرعب هو الخوف، هنا التأثير ليس كالتأثير السابق،

ولذلك من جرّب الشيء، ولو مرة واحدة هانت عليه المرة الثانية، فلم يكن حالُه كحال ما ذكره ابن شهاب عن عروة عن عائشة فيما سبق ذكره.

قال: فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فيما مضى قال: “خشيتُ على نفسي”

قال: فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي” فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 1- 2] إِلَى قَوْلِهِ: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5].

ولذا بعضُ العلماء يرى أن أولَ ما نزل من الوحي سورة المدثر، ولكن الصحيح جمعًا بين القولين من أن أول ما نزل هي الآيات الأُوَل من سورة العلق، وأما المدثر فهي إما أنها نزلت السورة كاملة أو أنها أولوية نزول سورة المدثر بحسبه، كيف؟ يعني أول ما نزل بعد انقطاع الوحي.

 

فَحَمِيَ الوَحْيُ: تدفق واشتعل، ولذلك من باب التأكيد وَتَتَابَعَ، يعني تكاثر الوحي بعد ذلك.

 

قال البخاري: تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، التِّنِيسي المِصري.

وَأَبُو صَالِحٍ، المصري وهو كاتب لليث بن سعد، تابع مَن في هذا الحديث؟

أول شيخ للبخاري، يحيي بن بُكَير.

وَتَابَعَهُ هِلاَلُ بْنُ رَدَّادٍ، الطائي عمّن؟

عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ يُونُسُ، يونس بن يزيد القُرشي.

وَمَعْمَرٌ: معمر بن راشد اليماني رحمه الله.

“بَوَادِرُهُ” يعني: يونس ومعمر لم يقولا (فرجع بها يرجف فؤاده) هنا ما الذي يرتجف؟

البوادر “بَوَادِرُهُ” يعني: رجع ﷺ، واللحمة التي بين المنكب والعنق التي تضطرب إذا فزع الإنسان أصبحت ترتجف.

 وبهذا ينتهي هذا الحديث.