شرح القواعد الأربع
تتمة شرح القاعدة الثانية :
وقول المؤلف :
[[ودليل الشفاعة قوله تعالى :
(({وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال المؤلف رحمه الله :
ودليل الشفاعة قوله تعالى :
(({وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }يونس18
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــــــــــ
ذكرنا ما يتعلق بهذه الآية من فوائد وبقيت بعض الفوائد المتعلقة بآخرها :
قال تعالى ــ وهذا دليل كره المؤلف رحمه الله على الشفاعة وأن الشفاعة التي يطلبها الكفار من غيره عز وجل تعتبر شركا
وإنما كانت شركا لأنه سبحانه وتعالى لما قال : (( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ ))
قال في ختام الآية :
(( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )) يونس18
فختام الآية بقوله :
{ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } وجاء اللفظ بالشرك دون أي لفظ آخر يشير إلى أن ما هم عليه هو الشرك بعينه
كما هو الشأن في الآية الأولى التي دلل بها المؤلف :
على أن القربة إذا طلبت من غيره عز وجل فهي شرك ،
إذاً :
القربة حق محض لله عز وجل
الشفاعة حق لله عز وجل :{ قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً }
لكن لو قال قائل :
ما الدليل على أن هذه القربة في قول الكفار ما دعوناهم ولا توجهنا إليهم إلا لطلب القربة والشفاعة ؟
أنه سبحانه وتعالى قال :
{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }
ختام الآية يدل على أن ما صنعوه هو الكفر إذ قال :{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }
قلنا في قوله تعالى :
{ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }
أن التسبيح :
هو تنزيه الله عز وجل عما لا يليق به وقد أمرنا أن نسبح الله في نصوص كثيرة قال تعالى :
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } الأعلى1
{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ }
فإذا لم يمتثل العبد بهذا الأمر الذي أمر به وهو التسبيح فقد أخبر سبحانه وتعالى أنه سبح في الماضي وسبح في الحاضر وفي المستقبل قال سبحانه
{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ }
{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ }
{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ }
{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال :
( سبحان الله تعالى )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه اللفظة وهي لفظة ( تعالى ) استفادوا منها إثبات علو الله عز وجل وعلو الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1ـــ علو الذات .
2ـــ علو الصفة .
3ـــ علو القهر .
فلابد من إثبات هذه الأنواع الثلاثة للعلو كما هو معتقد أهل السنة والجماعة من غير تحريف ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل وسيأتي في توحيد الأسماء والصفات مزيد حديث في متن كتاب التوحيد والعقيدة الواسطية ،
المؤلف رحمه الله :
لما ذكر هذه الصفات الآية وهي آية القربة لما ذكرها في كشف الشبهات
{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }
قال رحمه الله :
[[ إن هذا الحكم الذي حكم به على كفار قريش ما هو هذا الحكم ؟ ]
الشرك :
ـــــــــــــــــــــــ
ينسحب على من حذا حذوهم في هذه العصور فلا فرق حتى ولو كان من في هذا العصر يصلي ، يزكي ويحج ويصوم ، فإن الحكم عام ، فمن يأتي إلى القبور ويستشفع بها ويجعلها شفعاء له عند الله يأخذ نفس هذا الحكم
لأن كفار قريش ما كانوا يعتقدون أن الأصنام تدبر وترزق أو تخلق أو تحي لا
هم يقولون : [ بأن هذه الأفعال لا يقدر عليها إلا الله سبحانه وتعالى ولكننا نتقرب إليها بالذبح والدعاء والنذر ، حتى تكون شفيعة لنا عند الله ]
كذلك: هو هو ما يصنع في بعض البلدان من الذبح لأهل القبور من دعائهم من النذر لهم فلا يختلفون وإنه لا وجود لهذه العبادات التي تؤدى من صلاة وزكاة وحج لا وجود لها إلا بالتوحيد لأنه هو الأساس وإلا فكفار قريش يحجون ومع ذلك كفرهم الله عز وجل ، واستحل النبي صلى الله عليه وسلم أموالهم وأنفسهم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حكم النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة كحكم غيره ولا يختلف فيمن يأتيه عند قبره ويطلب منه الشفاعة ويتوجه إليه فقد أشرك بالله عز وجل شركا أكبر .
هو عليه الصلاة والسلام أعطي الشفاعة ولكن لا يعني أن تطلب منه
وإنما يطلبها العبد من الله سبحانه وتعالى فيقول : [ أسألك يا الله شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ]
أما أن يأتي الرجل : عند قبره ويقول يا رسول الله اشفع لي فهذا من الشرك .
ولذا :
علي بن الحسين :
لما رأى رجلا يأتي إلى فرجة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو الله فأنكر عليه وقال : ألا أحدثكم بحديث سمعته من أبي عن جدي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( لا تتخذوا قبري عيدا ولا تجعلوا بيوتكم قبورا وصلوا عليَّ فإن تسليمكم يبلغني حيث ما كنتم ))
كما أسلفنا :
أن القربة حق محض لله سبحانه وتعالى والشفاعة حق محض لله سبحانه وتعالى
وبالنسبة إلى حال حياته عليه الصلاة والسلام يختلف عن حال موته:
فالصحابة رضي الله عنهم وهم أفقه الناس علما وأغزرهم ذكاء وأحرصهم على العبادة وأحبهم لنبيهم عليه الصلاة والسلام ما كانوا يأتون إليه ولا يستشفعون به وهم الأسوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنزلت بأحدهم النوازل أو ألمت به الكرب لا يأتيه وإنما يتوجه إلى الله سبحانه وتعالى هذا هو حال الصحابة .
ولو كان هذا الفعل الذي يفعله من في هذا العصر لو كان خيرا ما سبقوا به صحابة النبي عليه الصلاة والسلام
ولذا :
يقول عمر بن عبد العزيز : [ قف حيث وقف القوم أي الصحابة رضي الله عنهم فإنهم عن علم وقفوا ]
أما بعد إحيائه عليه الصلاة والسلام فهذه شفاعة منحها له الله سبحانه وتعالى
ومع ذلك مما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام ليس مالك لها :
لا يأتي فيشفع تلقاءً وابتداءً وإنما يأتي ويسجد لله سبحانه وتعالى ويثني عليه بمحامد ثم يقول له سبحانه وتعالى : (( يا محمد ارفع رأسك وسل تعطى واشفع تشفع ))
والصحابة رضي الله عنهم :
في زمن عمر لما حصلت السنة ، أي القحط ما أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويستشفعون به عند الله أن ينزل المطر ، فهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام لا يملك نفعا ولا يدفع ضرا .
ومن المخالفات عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم :
أن الزائر يأتي وإذا به يقف وقفة خضوع وخشوع أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يقف أمام رب العالمين في الصلاة
وهذا من المخالفات الشنيعة وإنما عليك أن تسلم عليه صلى الله عليه وسلم ثم على صاحبيه
أما الوقوف بهذه الصفة ويزاد عليها في الشناعة أنهم يرفعون أيديهم للدعاء وهم مستقبلوا القبر ، فهذا أيضا أشد وأفظع ، أما إن دعا بعد السلام عليه ، صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه متوجها إلى القبلة وظهره إلى القبر ، فقد استحسنه بعض العلماء ، والذي يظهر أنه ليس بحسن لعدم الدليل ولم نعرف دليلا يدل على هذا .
والأصل في العبادات الحظر والمنع :
ولذا :
المشروع أن يسلم ثم يخرج ولا يدعو إلا إذا ظهر واستبان دليل صحيح صريح فهنا الحجة في الدليل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال رحمه الله :
والشفاعة شفاعتان ، شفاعة منفية وشفاعة مثبتة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــــــــــــــ
شرع رحمه الله في أقسام الشفاعة والشفاعة جاءت في كتاب الله عز وجل مثبتة وجاءت في نصوص أخرى منفية ، فهناك نصوص أثبتت الشفاعة وهناك نصوص أخرى نفت الشفاعة
فهل هناك تعارض بين هذه النصوص التي أثبتت وتلك النصوص التي نفت ؟
سنعرف هذا من كلام المؤلف .
فالشفاعة المنفية :
ما كانت تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله .
وضح رحمه الله الشفاعة المنفية ، هي ما كانت تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله والدليل قوله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ }
البقرة254
هذا الدليل :
دليل على نفي الشفاعة التي لا يقدر عليها إلا الله سبحانه وتعالى
قال في تعريف الشفاعة المنفية :
[[ هي طلب الشفاعة من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ]]
الشفاعة ملك لمن ؟
لله سبحانه وتعالى ، كما قال تعالى { قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً }
وإذا كانت الشفاعة ملك لله سبحانه وتعالى فهو يعطيها من يشاء بشروط
ما هي هذه الشروط ؟
سيأتي توضيحها من قبل المؤلف
حتى نختصر معنى الشفاعة المنفية فنقول :
[[ هي ما عرت وخلت من شروط الشفاعة ]]
دليل الشفاعة المنفية التي خلت من شروط الشفاعة :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ } البقرة254
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ـــــــــــــــــــــــــ
هي منفية عن من لم يتحقق فيه شرطا الشفاعة حتى لاتتعارض النصوص لأن للشفاعة شرطين
يقول ابن مسعود رضي الله عنه : ” إذا سمعت الله عز وجل يقول :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ } فأرع لها سمعك إما أمر تؤمر به أو نهي تنهى عنه ))
هنا أمر أم نهي ؟
أمر بالإنفاق : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ }
وتصدير الآية بنداء المؤمنين يدل على أن الإنفاق يزيد من الإيمان وأن الإنفاق من صفات المؤمنين ، فمن علامات ودلائل الإيمان الإنفاق ،
فهذا الإنفاق يزيد من إيمان العبد :
قال :{ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم }
{ من} هنا / للتبعيض ، فهو لم يأمرنا سبحانه وتعالى أن ننفق كل ما في أيدينا بل أمرنا أن ننفق البعض
قال تعالى :{ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ }
{ العفو } : هو الشيء الزائد
لما ذكر عباد الرحمن قال : {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }الفرقان67
والنصوص في هذا المعنى كثيرة
وهو سبحانه وتعالى يعلم طبيعة ابن آدم لأنه هو الخالق :{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } الملك14
وابن آدم مجبول على الشح وعلى حب المال :
{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ }العاديات8
ولذا :
قال سبحانه وتعالى في أخر سورة محمد :{هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء } محمد38
قبلها قال :{ إِن يَسْأَلْكُمُوهَا } أي كلها :{ إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا }
ثم قال :{ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ }
انظر إلى ختام الآية :
لو أتيت ابن آدم وطلبت منه شيئاً ربما جادت به نفسه في أول الأمر ولو طلبته مرة أخرى لقل هذا الجود ، فطلب مال ابن آدم سبيل إلى إخراج الضغائن والبغضاء والشحناء في النفوس
فهو سبحانه وتعالى أمرنا أن ننفق ماذا ؟
البعض : قال :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم } ليست هذه الأموال أموالكم إنما هي مال الله عز وجل :{ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ }
ومع ذلك من أنفق من هذا المال بعضه وهو ملك لله سبحانه وتعالى يثبه ثواباً عظيماً
ثم قال :{ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيه دلاله على عظم فضل الصدقة والإنفاق وأنها من أسباب النجاة يوم القيامة
ولذا :
قال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم :
(( من أنظر معسرا أو وضع عنه فهو في ظل الله ))
وقال عليه الصلاة والسلام :
(( كل امرئ يستظل في ظل صدقته يوم القيامة ))
ثم قال : { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ } نكرة :
لم يقل من قبل أن يأتي يوم القيامة ، وإنما قال :{ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ }
التنكير هنا : يفيد التعظيم والتهويل هذا اليوم لا بيع فيه ، ما يفتدي أحد من العذاب بماله :
{ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
ثم قال :{ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ } :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخلة :
أي الصحبة والصداقة والمحبة .
{ وَلاَ شَفَاعَةٌ } :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد ذكر هذه الأشياء الثلاثة لأن الإنسان يتوصل في الدنيا إلى ما يريد أو يصرف عنه ما لا يريد إما بالمال أو بالصحبة أو بالشفاعة
قال : { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ }
ختام الآية يدل على أن من طلب الشفاعة ممن لا يقدر عليها إلا الله عز وجل فإنه من الكفار .
كشأن كفار قريش فإنهم يطلبون من الأصنام أن تشفع لهم وهل هذه الأصنام تتحقق في شفاعتها شرطا الشفاعة ؟ لا يتحقق
لم ؟
لأن شرطا الشفاعة :
الشرط الأول : إذن الله للشافع أن يشفع ،
الشرط الثاني : رضاه عن المشفوع له ،
وهل هو سبحانه وتعالى يرضى أن تعبد الأصنام ؟
الجواب / لا ،
قال :{ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ }
قال بعض المفسرين : من رحمته سبحانه وتعالى أنه قال :{ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } لم يقل : ” والظالمون هم الكافرون “
لأن الظلم لا يسلم منه أحد
ولذا :
الصحابة رضي الله عنهم لما نزل قوله تعالى :
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }الأنعام82
قالوا : يا رسول الله أينا الذي لا يظلم نفسه ؟
قال عليه الصلاة والسلام : (( ليس بذاك ، ألم تسمعوا قول لقمان : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }
فالظلم الذي في هذه الآية { وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ } هو الشرك
وسبق أن أعظم الظلم هو الشرك بالله
وقوله هنا :{ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ }
يدل على أن الكفر من أعظم الظلم ، وأن الشرك والكفر شقيقان
ومما يدل على أنهما شقيقان :
أنه عليه الصلاة والسلام قال كما عند مسلم : ( ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ))
ذكر ماذا ؟
الشرك والكفر
وسبق معنا ذكر الفرق بين الشرك والكفر في الأصول الثلاثة .