شرح بلوغ المرام ـ كتاب الصلاة ــ باب المواقيت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
174- وَعَنْ اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: (( لَا صَلَاةَ بَعْدَ اَلْفَجْرِ إِلَّا سَجْدَتَيْنِ )) أَخْرَجَهُ اَلْخَمْسَةُ, إِلَّا النَّسَائِيُّ
وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اَلرَّزَّاقِ: (( لَا صَلَاةَ بَعْدَ طُلُوعِ اَلْفَجْرِ إِلَّا رَكْعَتَيْ اَلْفَجْرِ )).
175- وَمِثْلُهُ لِلدَّارَقُطْنِيّ عَنْ اِبْنِ عَمْرِوِ بْنِ اَلْعَاصِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــ
هذا الحديث بعض العلماء يرى أنه ضعيف والإشارة إلى ضعفه أشار إلى ذلك ابن حجر في التلخيص وهنا لم يشر إلى ذلك ، وإنما ماذا قال : أخرجه الخمسة إلا النسائي وذكر له ما يعضده
ولماذا هو ضعيف عند بعض العلماء ؟
ضعفه لأن مداره على رجل يقال قدامة بن موسى ولكن من صححه يقول إن له متابعات وشواهد ثم إن قدامة بن موسى رجل ثقة صدوق فلا يتأثر الحديث به إضافة إلى ما لديه من شواهد تعضده
وبالتالي فإن هذا الحديث الأقرب أنه صحيح كما قال الألباني وغيره باعتبار الشواهد
من فوائد هذا الحديث :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن هذا الحديث لو صح سنده فإن من يضعفه أظن والعلم عند الله أن الضعف ليس منحصرا في السند عنده وإنما يتعدى ذلك إلى المتن كيف ؟
هذا الحديث في متنه وفي ظاهره يعارض الأحاديث الأخرى الواردة في الصحيحين :
قال عليه الصلاة والسلام : (( لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ))
ومر هذا معنا
وهذا الحديث يفيد أن الصلاة منهي عنها من طلوع الفجر الثاني لا من بعد صلاة الصبح ولم يستثن من ذلك إلا ركعتي الفجر
ولذا ذهب بعض العلماء إلى أن هناك وقتا سادسا للأوقات المنهي عنها
الأوقات المنهي عن الصلاة فيها تطوعا التطوع المطلق مرت معنا
ما هي ؟
من بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس
ومن طلوع الشمس إلى أن ترتفع قدر رمح
وحين يقوم قائم الظهيرة
ومن بعد صلاة العصر حتى تتضيف الشمس للغروب
ومن بداية الشمس للغروب إلى أن يغيب القمر كله
هذه خمسة
السادس هنا : يعني : من طلوع الفجر من حين ما يؤذن لصلاة الفجر لا تصلي تطوعا إلا ركعتي الفجر أي سنة الفجر
فلعل المتن يطعن فيه من هذا الباب
ولكن الصحيح : أنه لا مطعن فيه لم ؟
الحديث باق على ما هو عليه وهو النهي عن الصلاة بعد طلوع الفجر الثاني تطوعا إلا سنة الفجر
لكن هذا النهي على سبيل الكراهة
وبالتالي فإنه من السنة إذا طلع الفجر الثاني يعني إذا أذن لأذان الصبح لا تتطوع ولا تتنفل إلا بركعتي الفجر
لو تطوعت فلا إثم لكنك تركت الفاضل
ولعل والعلم عند الله أن النهي على سبيل الكراهة عن التطوع المطلق بعد طلوع الفجر الثاني من أجل أن تستعد النفوس بطاقتها لصلاة الفريضة
لأنك لو نظرت إلى المستحب في الشرع فيما يخص سنة الفجر السنة فيها التخفيف ، فإذا صليت وتطوعت من غير سنة الفجر حصلت هناك مخالفة للمقصود من تخفيف سنة الفجر
فنخلص من هذا إلى حكم آخر و هو :
أن الأفضل إذا طلع الفجر الثاني أن لا تتطوع لله بأي صلاة إلا سنة الفجر
لكن لو تطوعت فلا كراهة ولا يكون بالتالي هنا وقت سادس للصلاة المنهي عنها وإنما هي خمسة أوقات
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
بيان فضيلة من عرف الروايات وجمعها وهذا مما يمتاز به ابن حجر ومن يقرأ كتابه الفتح يجد أنه فتح من الله لهذا الرجل
وهذا الفتح الذي فتح به على هذا الرجل هو في الحقيقة فتح للأمة فمن أراد الاستفادة علما بروايات الأحاديث وبالرجال وبتوجيه الروايات وبالأحكام الفقهية وبحسن الترتيب فيما يذكره من أحكام وبحسن الأسلوب في الردعلى المخالفين ومن أراد الإلمام الشامل بالمعلومة الحديثية والفقهية التي تخص الحديث فعليه بالفتح
وهذا العمل هو أيضا مما يلحظ على فعل الألباني في كتبه المطولة فإنه يختصر لك العلم بالحديث وبرجاله وبأسانيده وبرواياته مع أنه يستطال عليه وقد استطيل على ابن حجر
وهؤلاء سفهاء في الحقيقة ولو كانوا إن كانوا ينتسبون إلى العلم الشرعي فإنهم في الحقيقة سفهاء فمن لم يعرف قدر هؤلاء الذين قدموا لهذه الأمة هذا التراث العظيم فإذا كان أمثال هؤلاء يستفيدون بمن كان قبلهم فكيف بهؤلاء
ولذلك بعض الناس الآن يقول لا علاقة لي بما قاله فلان في شرحه أو كتبه انا أمامي النص واستنتج فما دل عليه النص آخذ به ولا ألتفت إلى ما قاله هؤلاء الشراح وهؤلاء العلماء
سبحان الله ! أعقلك كعقلهم ؟! أحافظتك كحافظتهم ؟! أفهمك كفهمهم ؟! أإحاطتك بروايات هذا الحديث كإحاطتهم ؟!
فرق كبير
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
ولو شئت أن تصل إلى ما وصل إليه هؤلاء فسر على الدرب الذي سار عليه هؤلاء
أما أن تقول أمامي النص إذاً سهل ما نحتاج
نحن الآن نذكر فوائد ونأخذها مما ذكره العلماء في شتات كتبهم إذاً نحن لا نحتاج إلى مثل هذا الكلام الطويل وإنما نأتي إلى التفسير ونقول تعالوا : (( الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ)) كل يعطي ما عنده نتخبط
هذا الحديث ونقول كل شخص يأتي بما لديه من فائدة نتخبط
والعلم الشرعي لابد أن تنمى فيه ملكة الفهم وملكة الحفظ وإلا لو أخذ بطريقة هؤلاء لكان العلم من أسهل ما يكون فما نحتاج إلى القراءة في كتب المفسرين والمحدثين
نأتي إلى صحيح البخاري وكل واحد يفرغ ما في ذهنه ويحدث التخبط
فأمثال هؤلاء الأئمة لهم قدرهم
النبي عليه الصلاة والسلام قال : (( تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منك ))
هذه سنة الله تلقتها الأمة جيلا بعد جيل ألم يتلقَ الصحابة العلم من النبي عليه الصلاة والسلام ؟
ألم يتلقى التابعون من الصحابة ؟
تابعي التابعين من التابعين وهكذا
ابن القيم كان في أول حياته من المتصوفة فأنقذه الله فهداه بصحبة شيخ الإسلام فظل معه ستة عشر عاما فغيرت تلك السنوات حياته لو ظل على ما هو عليه وابن القيم ما هو ابن القيم لو تأتي إليه بقطع النظر عن علميته لو تنظر إلى فهمه إلى حفظه لوجدت شيئا عجابا ومع ذلك لما من الله عليه بصحبة شيخ الإسلام تغير حاله
ولذلك يذكر ذلك في نونيته ويذكر فضله شيخه شيخ الإسلام عليه
الشاهد من هذا :
أنه لا غنى لأحد عن علم هؤلاء
الإلمام بالروايات يفيد طالب العلم وهذا هو شأن هؤلاء كابن حجر وقبله وقبله
فنص الحديث الأول ( لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين ) ما هما هاتان السجدتان ؟ لم توضح هنا لكن وضحت في الرواية التي بعدها ( إلا ركعتي الفجر )
فدل على أن هاتين الركعتين ما هما ؟ ركعتا الفجر
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
بيان فضيلة سنة الفجر إذ ميزت بأن هذا الوقت من طلوع الفجر الثاني إلى إقامة صلاة الفرض بأن هذا هو وقتها ولا ينبغي أن تشاركها عبادة أخرى من جنسها يعني من جنس الصلاة لكن بالنسبة إلى الذكر أو الاستغفار أو قراءة القرآن فهذا شيء آخر لأن الحديث نص هنا على الصلاة
أيضا هنا تميز في الرواية :
الجملة الأولى ” لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين ”
بعد الفجر قد يفهم منه أنها صلاة الفرض لكن لما أتت الرواية التي بعدها بينت أن المقصود طلوع الفجر الثاني
هذه فائدة لطالب العلم : عليه أن يحرص على لم وجمع الروايات ولاسيما المبتدئ وكما يقال :
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
يعني طالب العلم المبتدئ على أول مشايخه فإن اعتاد في طلبه أول ما يطلب على أنه لا يدع ولا يذر فإنه حينها يرتقي وإذا به في مستقبل أيامه يرى أن معلوماته قد كثرت
ثم هو ينشأ على هذا لو تلقى معلومات أخرى ناقصة أو نقول مقلل فيها إذا بغريزته لم تشبع
وطالب العلم المبتدئ الذي ينشأ أول ما ينشأ على تلقي المعلومة هكذا مجردة دون الإلمام بها هنا لما يأتي إلى شيخ آخر هو بين أمرين :
إما أن يرتقي ويسعد بهذا وإما أن ينصرف لأنه لم يعتد
فالقضية قضية مهمة في هذا الباب وهو أن طالب العلم عليه أن يأخذ العلم بقوة (( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ )) (( خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ))
أخذ الكتاب علم يؤخذ بقوة ، ما يؤخذ بتواني
ولذلك يمكن وهو شيء مشاهد حتى في كتب العلماء السابقين : تجد أن الحديث نأتي مثلا إلى شرح صحيح البخاري لو تأتي إلى شرح ابن حجر وشرح ابن رجب تجد فارقا لكل منهما فضل لكن لما تأت إلى إشباع الغريزة العلمية لديك تجدها عند ابن حجر
تجد أنه يختلف الحال من شخص إلى آخر
الإنسان لما يبدأ يبدأ بقوة لأن البداية هي قوة النشاط
بعض الناس يقول أنا كمبتدئ لا أريد أن أقحم نفسي نقول لا بأس بذلك ولكن المراد من الإتعاب لطالب العلم المبتدئ إذا كان لديك من يعطيك هذا العلم بسلاسة هذا خير حتى لا تحتاج إلى أن تعود مرة أخرى
ربما تكون في مجلس من المجالس وتلقي هذه المسألة على أنك ما شاء الله قد ضبطتها وإذا بشخص يقول هذا الحديث يعارض ما ذكرته وشخص يقول قال كذا إذا بك تحتار وتعيد وضعك إلى الوضع الأسبق من جديد
لكن تلقي المعلومة كاملة ووافية بحيث لا يحتاج طالب العلم
ولاسيما في هذا العصر الآن وسائل التواصل جارفة يعني حتى المسلمات عند الناس يطعن فيها فإذا كانت علمية طالب العلم ضعيفة يسكت ويتعب
ونحن لا ندري ماذا سيكون في مستقبل الأيام يعني إذا ذهب هؤلاء العلماء الكبار ولديهم من العلم الغزير من للأمة بعد الله ؟
للأمة بعد الله من يطلب العلم عند هؤلاء العلماء لأن من أعظم الجهاد أن تنافح عن شرع الله عز وجل
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
أنه عبر عن الركعتين بالسجدتين
ومرت معنا والركعة هي السجدة فدل هذا على أنه إذا عبر عن الكل بجزء منه ، دل ذلك على أن هذا الجزء ركن من هذا الكل وإلا لما عبر عنه لا يمكن أن يحل محله إلا لأن له أساسا في هذا الكل والسجدة من ضمن الركعة فدل هذا على أن السجدة ركن من أركان الصلاة
فإذا عبر عن الكل بجزء منه ، السجدة جزء من الركعة دل هذا على أن المعبر به وهو الجزء دل على أنه واجب ويحتم أن يكون موجودا
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
أن في هذا الحديث دليل للقاعدة الأصولية الاستثناء معيار العموم
يعني لا توقع أي صلاة من طلوع الفجر إلى دخولك في صلاة الفجر إلا سنة الفجر ماعداها فلا هذا هو معنى كلام الأصوليين الاستثناء هو معيار العموم
لو سأل سائل فقال :
قد أدخل المسجد وأنا قد صليت سنة الفجر في بيتي نقول هنا ورد سبب فتصلي تحية المسجد لكن المقصود هنا التطوع المطلق
تصور لو أن شخصا أتى المسجد ولم يصل سنة الفجر في بيته صلى سنة الفجر قال أريد أن أتطوع ماذا عسانا أن نقول له ؟
لا تفعل ، الأفضل ألا تفعل
ولذلك بعض الناس يأتي إلى الفجر وإذا به يصلي سنة تحية المسجد ثم يصلي سنة الفجر يظن أن هذه لا تجزئ عن هذه وهذا ليس بصحيح لأن سنة تحية المسجد ليست مقصودة لذاتها المقصود إشغال بقعة من المسجد فتغني عنها سنة الفجر
فمتى ما أتيتت وصليت السنة الراتبة فإنها تغني عن تحية المسجد
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
أن النهي هنا منصب على الصلاة ما عدا ذلك من العبادات لا يجوز
أيجوز الكلام من بعد طلوع الفجر الثاني إلى إقامة صلاة الصبح ؟
بعض العلماء كره ذلك
وقد جاء عند الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يكره ذلك
وقال إن هذا الوقت وقت تسبيح واستغفار
فلا تتحدث بشيء
وهناك آثار أخرى عن السلف أو عن بعض السلف يرون أنه من طلوع الفجر الثاني إلى أن تدخل في صلاة الفجر أنك لا تتكلم بكلام مباح إلا استغفارا ودعاء
لكن هذا الرأي لاشك أن له وجهة بحيث يشغل الإنسان نفسه في طاعة الله ولاسيما أن هذا الوقت يكون مباركا لكن مما يدل على الجواز وأنه لا كراهة ولكن من حيث الأفضلية لا يفعل إلا إذا دعت الحاجة أو مصلحة
ولذلك تقول عائشة كما في الصحيح قالت : ” كان النبي عليه الصلاة والسلام يصلي ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني وإن كنت نائمة اضطجع “ فدل هذا على جواز الكلام
لكن نقول على المسلم أن يشتغل بالخير وأما فعله مع عائشة أو مع غيرها فللمصالح إما مؤانسة لأهله وإما لمصلحة ما ، وهذا إن دل يدل على فضل من أمسك كلامه ولو عن الكلام المباح
ومن الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــــ
النفي هنا ” لا صلاة “ النفي هنا هو مبني على أسلوب ذكره البلاغيون وهو ورود النهي في أسلوب النفي
قال هنا ” لا صلاة “ والمقصود النهي أي لا تصلوا
فورود النهي في الأسلوب النفي يدل على أن هذا الأمر متأكد فبدل أن يصرح بالنهي فكأنه واقع لا محالة من العبد فلا يليق به أن يصلي وأن يتطوع في هذا الوقت