شرح بلوغ المرام الدرس 159حديث 183 ( وعن أبي محذورة أن النبي أعجبه صوته … )

شرح بلوغ المرام الدرس 159حديث 183 ( وعن أبي محذورة أن النبي أعجبه صوته … )

مشاهدات: 372

باب الأذان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

183- وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ – رضي الله عنه –

(( أَنَّ اَلنَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – أَعْجَبَهُ صَوْتُهُ, فَعَلَّمَهُ اَلْآذَانَ ))

رَوَاهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرح :

ــــــــــــــ

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

 

أن العجب منه عليه الصلاة والسلام قد مر معنا أن له معنيين ، وهو من حيث اللغة له معنيان :

ــ عجب استحسان

ــ وعجب إنكار

فعجب الاستحسان : كما هو مذكور هنا أن أذان أبي محذورة أو أن صوت أبي محذورة أعجب النبي عليه الصلاة والسلام ومر معنا بالأمس مثال على هذا النوع من نوعي العجب (( كان يعجبه التيمن )) كما قالت عائشة رضي الله عنها

وأيضا مر معنا بالأمس ((  أعجبه أن يجتمع المسلمون على صلاة واحدة )) فلابد لطالب العلم لما يأخذ القاعدة في مثل هذه المسألة ومرت به  الأمثلة ، والأدلة عليها أن يحفظ فيزيد من هذه الأمثلة

أما عجب الاستنكار:  فمثاله قوله تعالى : (( بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12))

 

وأيضا قول الإمام أحمد : “ عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان “

 

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أن صوت أبي محذورة كان صوتا حسنا

فلو قال قائل :

ما الذي أدرى النبي عليه الصلاة والسلام بحسن صوته ؟

هو عليه الصلاة والسلام لما فتح مكة أتى فتية ، ومن بينهم أبو محذورة فجعلوا كما قال العلماء جعلوا يؤذنون من باب السخرية ، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال : (( إن من بين هؤلاء الفتية شابا ذا صوت حسن فأتي به فإذا به أبو محذورة فعلمه النبي عليه الصلاة والسلام الآذان ))

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

 

أن هذا الحديث دليل على ما ذكره الفقهاء من أن مستحبات الآذان أن يكون المؤذن حسن الصوت ، ويضاف إلى هذا الدليل ما مر معنا في سنن أبي  داود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لعبد الله بن زيد (( ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك ))

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

 

أن تعليم النبي عليه الصلاة والسلام لأبي محذورة هنا تعليم مبهم غير موضح قال : (( ” فعلمه الآذان ” ))

ما هي تلك الطريقة التي تعلم بها أبو محذورة من النبي عليه الصلاة والسلام جمل الآذان ؟

مر  معنا من أنه عليه الصلاة والسلام علمه الآذان تسع عشرة جملة  وذلك بترجيع الشهادتين بأن يقول الشهادتين أول ما يقول سرا يسمع نفسه ثم بعد ذلك يعود فيرفع صوته بها ، وهذا الترجيع إنما يكون في الشهادتين كما سلف ثم مما مضى معنا في سنن أبي داود أنه عليه الصلاة والسلام ألقاه بنفسه عليه

لأن قوله هنا ( فعلمه ) يحتمل أن يكون هذا التعليم ليس مباشرة ، وإنما بواسطة فأفادت رواية أبي  داود من أنه تلقى ذلك من النبي عليه الصلاة والسلام

ومما مر معنا أنه وضع عليه الصلاة والسلام يده على ناصيته

وأيضا مما ورد : أنه قال : (( ” علمني النبي عليه الصلاة والسلام الآذان ” )) حرفا حرفا

 

وهنا تأتي فائدة :

 

بما أن كلمة الحرف ذكرت هنا : الحرف هو حافة الشيء وطرفه فما كان طرفا وحافة للشيء عند نهايته يكون حرفا قال الله تعالى : ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)))

 

وأفادت هذه  الرواية من أنه علمه حرفا حرفا تفيد أن الحرف يطلق في اللغة ويراد به الكلمة ويراد به الجملة

 

والدليل : أنه علمه الآذان حرفا حرفا يعني ليس حرفا ، وهو الحرف  الذي يعنى به أهل اللغة ، وإنما كلمة كلمة علمه الأذان كلمة كلمة

 

وبالتالي :

فإن الحرف إذا ورد في اللغة يمكن أن يطلق على الحرف المستقل المبني عند أهل اللغة ، وكل حرف مستحق للبنا كما قال ابن مالك

وأما أن يطلق على الكلمة وربما يطلق على الجملة وربما يطلق على اللغة

 

ولذلك : قوله عليه الصلاة والسلام : ((  إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف )) يعني على سبع لغات ، وهذه السبع مر معنا توضيحها ليست هي القراءت السبع ، وإنما مر معنا ذلك في شرح التوحيد الموسع من أنها على الأصح كما قال ابن مسعود : ” كلمات مختلفة في اللفظ متفقة في المعنى “ كما يقال: [ أقبل ـ هلم ـ تعالى ] كلها ألفاظ اختلفت في الصورة والنطق ولكن من حيث المعنى واحد

 

وهذا القراءت السبع أو العشر على حرف واحد من هذه الحروف  السبعة وهو حرف قريش

 

فإذا كان كذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي :

(( من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف  حرف ولام حرف ميم حرف ))

أيقصد من ذلك الكلمة يؤجر عليها المسلم عشر حسنات أم أن الحرف  الواحد يؤجر عليه المسلم عشر حسنات ؟

 

المتبادر إلى الذهن عند عموم الناس أن المقصود من ذلك الحرف الواحد كما لو قلت ” رب العالمين  ” رب “ فيها مضاعفة إذاً ” رب “ فيها ثلاثون حسنة هذا هو المفهوم العام لدى الناس

 

بعض العلماء يقول لا ليس فيها إلا عشر حسنات لأن المقصود بالحرف هنا : ( من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها  )

 

المقصود من ذلك الكلمة وليس الحرف المبني

 

إذاً فالمسألة فيها خلاف :

 

القول الأول يقول :

المقصود من الحرف الذي يثاب عليه الإنسان بعشر حسنات في قراءته القرآن المقصود الحرف المبني المنفصل الذي له معنى عند أهل اللغة

 

بعض العلماء ويراه شيخ الإسلام يقول : [ إن المقصود من الحرف الكلمة ] فيكون الحرف المذكور هنا هو الحرف  المركب ليس الحرف المنفصل المستقل ، وإنما هو الحرف المركب من حروف فتولد من هذا التركيب من هذا الحرف كلمة لها معنى

 

ونقل ذلك عنه تلميذه ابن مفلح في الآداب الشرعية ، وقال : ” إن شيخ الإسلام يقول لو كان المقصود الحرف المنفصل المستقل لكان عدد الحسنات تسعين حسنة لأنه قال: { الم } الف فيها ثلاثة حروف ، لام فيها ثلاثة ، ميم فيها ثلاثة ، ثلاثة في ثلاثين تسعون ، والحديث نص على ثلاثين حسنة “

فتكون الكلمة ” الم “ عشر حسنات ذلك الكتاب ذلك عشر حسنات الكتاب عشر حسنات

 

القول الأول :

يقول ابن مفلح ويرى أصحابنا يعني أصحاب الإمام أحمد المقصود من ذلك الحرف المستقل المبني

ولذلك قال الإمام أحمد قال : ” يعجبني أن يختار القراءة التي تزيد فيها الحروف حتى يأخذ بكل حرف عشر حسنات فيقول قراءة من يقرأ ( وصى ) و ( أوصى )  أوصى أولى  ( فأزلهما ) ، ( فأزالهما ) أولى  لأن بها حرفا زائدا فيحصل من ذلك الثواب من الله “

 

والذي يظهر : أن الأقرب هو عدم التضييق ، التوسعة لأن فضل الله عظيم ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : ( لا أقول الم حرف )

” ثم فصل قال : ( ألف حرف لام حرف ميم حرف )

 

قال الشوكاني وغيره رحمه الله  : ” فليس المقصود من هذه الحروف هو النطق وإنما المقصود الرسم “

 

ولذلك في رواية أخرى : ( لا أقول الم ذلك الكتاب ولكن أقول الف حرف ولام حرف وميم حرف والذال حرف واللام حرف والكاف حرف )

لكن يعكر على ما قاله الشوكاني : أنه لو قيل بهذا لكان فيه تناقض مع قول  الله  (( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) ))  ” ألم ” أهي كـ ”  الم ” من حيث عدد الحروف ؟ فرق لما تقرأ ” الم ” ” ألم “

 

ولذلك تنبه الشوكاني فقال :” إن المقصود من ذلك الرسم لا  المقصود من ذلك النطق “

فإذاً:

الحرف كما أسلفنا يطلق على الحرف النمفصل المستقل المبني الذي له معنى عند أهل اللغة ويطلق على الكلمة ويطلق على الجملة ويطلق على اللغة .

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــــ

 

بيان فضيلة تعليم الناس الخير فإن النبي عليه الصلاة والسلام استن بنبي الله جبريل عليه السلام  فإن جبريل علمه ثم إن هو عليه الصلاة والسلام علم غيره من الأمة وكذلك الشأن في سلف الأمة

 

إذاً :

إذا كان الناس في حاجة إلى العلم الشرعي مع وجود النبي عليه الصلاة والسلام ومع من  في تلك القرون المفضلة من الخير والفضل وقلة الجهل إذا كانوا في حاجة إلى العلم والتعليم

إذاً :

من جاء بعدهم ولاسيما في زماننا هذا من باب أولى لأن الفاصل في الزمن بين عهدنا وعهد النبوة فاصل طويل والفتن التي تحدث في آخر الزمن  لا يتصدى لها إلا بالعلم الشرعي

فالنبي عليه الصلاة والسلام علم أبا محذورة وأفضل ما يكون من التعليم أن يكون مباشرة تطبيقا

 

ــــــــــــــــــــــــــ

 

الصوت الحسن في الآذان سنة ، وبالتالي فإن من باب الكمال أن يتولى الأذان من هو حسن الصوت لكن لو أنه تولى من هو ليس بحسن الصوت فإنه لا يحق لجماعة المسجد أن يطالبوا بعزله لأنه لم يخل بشرط من شروط صحة الآذان لأن أعظم شروط الآذان أن يكون أمينا فإذا كان أمينا ومحافظا فإن هذا أعظم ما يكون