شرح كتاب ( بلوغ المرام ) ـ الدرس 33 حديث 36
( باب الوضوء )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
( أما بعد )
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما — في صفة الوضوء قال :
ثم مسح صلى الله عليه وسلم برأسه ، وأدخل أصبعيه السباحتين في أذنيه ، ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه )
أخرجه : أبو داود ، والنسائي ، وصححه ابن خزيمة .
( من الفوائد )
أن الراوي هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، وهو حديث ” عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده “
وقد مرَّ معنا في السنن الكلام الفصل حول قبول ” عمرو بن شعيب عن أبي عن جده “
وأن المحدثين تنازعوا في ذلك ، فمنهم من قبله ، ومنهم من ردَّه ، ومنهم من فصَّل فقال ” إن صح السند إليه فإن الحديث يكون صحيحا ”
وهذا ما عليه الأئمة المحققون من أهل الحديث ، فالحديث يؤخذ به .
( ومن الفوائد )
أن فيه بياناً ” لصفة مسح الأذنين ”
فابن حجر رحمه الله لما ذكر مسح الرأس أردف بذكر هذا الحديث ليبين أن الأذنين تمسحان أيضا مع الرأس ، وأورد هذا الحديث في بيان صفة مسح الأذنين ، وهو إدخال السباحتين في صماخي الأذنين ، فيمسح غضاريف أذنيه الباطنة بالسباحتين ، وأما ظاهر أذنيه مما يلي الرأس فإنها تمسح بالإبهامين .
( ومن الفوائد )
أن السبَّاحة سميت بهذا الاسم لأنه يسبح بها .
وتسمى بالسبابة : لأنهم كانوا فيما مضى يشيرون إليها إذا أرادوا السبَّ والشتم .
( ومن الفوائد )
أن فيه فائدة بلاغية ستأتي معنا – إن شاء الله تعالى – أنه قد يطلق الكل ويراد منه الجزء ”
فأطلق الأصابع والمقصود منها الأنامل ، لأن الأصابع لا تدخل في الأذنين ، إنما الذي يدخل الأنملة ، وهي جزء من الأصبع ، كما قال عز وجل :
{ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم }البقرة19
يعني الأنامل .
( ومن الفوائد )
أن هذا الحديث لم يتعرض فيه لمسح الأذنين ، أهو بالماء الذي مسح به الرأس أم بماء آخر ؟
ظاهر هذا الحديث يدل على أنه مسح الأذنين بنفس الماء الذي مسح به الرأس.
وهناك من العلماء من يرى : أنه يأخذ ماء جديدا للأذنين .
وسيذكر ابن حجر رحمه الله بعد خمسة أحاديث حديثا يتعلق بهذه المسألة ، وبين رحمه الله المحفوظ من هذه الأحاديث .
( ومن الفوائد )
هل مسح الأذنين فرض أ م غير فرض ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة :
فبعضهم قال : إن مسحهما سنة وليس بفرض ، لم ؟
قالوا : لأن الله عز وجل لم يذكرهما ، قال تعالى {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ }المائدة6
ولأن : الأذنين ليستا من الرأس ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول في سجوده :
( سجد وجهي للذي خلقه وصوَّره وشق سمعه وبصره )
فأضاف السمع إلى الوجه .
ويقولون : ما ورد من حديث ( الأذنان من الرأس ) فإنه حديث ضعيف .
القول الثاني : ” أن مسح الأذنين فرض ” باعتبار أنهما من الرأس للحديث المذكر آنفا ، فمنهم من صححه ومنهم من ضعفه .
وهو وإن كان ضعيفا على القول بتضعيفه فإن له ما يؤيده من أن ( الأذنين من الرأس ) وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بيَّن فضل الوضوء قال :
( وإذا مسح رأسه خرجت خطاياه من أذنيه )
فدل على أن مسح الرأس يحط الذنوب إلى أن يكون منتهى خروج الذنوب من الأذنين ، فدل على أنهما من الرأس .
أما دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في السجود ؟
فيقال : إن السمع يختلف عن الأذن ، ولذا العلماء يفرقون بين السمع وبين الأذن في قضية الديات ، فلو أن شخصا اعتدي على أذنه ففيها نصف الدية ، فإذا اعتدي على الأخرى ففيها نصف الدية ، بينما السمع لو اعتدي عليه فذهب السمع وبقيت الأذنان ففيه دية كاملة “
ففرق بين السمع وبين الأذن .
( ومن الفوائد )
أن “ مسح الأذنين بالماء تطهير لها حسيا ومعنويا ” .
أما الحسي : فهو مكان لمجمع الأوساخ .
وأما المعنوي : فإن السمع طريق إلى الوقوع فيما حرَّم الله عز وجل ، فكان من المناسب أن يمسح بهذا الماء حتى تخرج ذنوب هذا السمع .
( ومن الفوائد )
أن “ هذه الصفة المذكورة في مسح الأذنين سنة “
ولذا لو مسح الأذنين بأي طريقة كانت فقد حصل المقصود .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .