الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ) أخرجه مسلم .
وللبخاري ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه ) ولمسلم (منه)
ولأبي داود ( ولا يغتسل فيه من الجنابة )
الشرح :
يستفاد من هذا الحديث :
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الاغتسال من الجنابة في الماء الراكد ، وهذا النهي اختلف فيه هل هو للكراهة أم هو للتحريم ؟
فالمالكية يرون أنه للكراهة ، والجمهور وهو الصواب يرون أنه للتحريم ، لأن النهي كما هي القاعدة في الأصول [ النهي يقتضي التحريم ما لم يأت صارف يصرفه من التحريم إلى الكراهة ]
ثم إذا قلنا بأن النهي للتحريم ، هل هو لأجل تنجيسه أم لتقذيره على الآخرين ؟
الصواب / أن النهي من أجل أن الناس يستقذرونه ، إذ لا دليل في الحديث على أن الماء يتنجس بهذا الفعل .
ومن الفوائد :
أن الجمع بين البول والاغتسال ولو لم يكن اغتسال جنابة ، يشمله هذا التحريم ، كما هي رواية البخاري .
ومن الفوائد :
أن النبي صلى الله عليه وسلم أكده بالذي لا يجري ، فدل على أنه خاص به ، أما الماء الجاري فلا يشمله هذا الحكم ، سواء كان قليلا أم كثيرا ، مع أن بعض العلماء ألحق الماء القليل الجاري بالماء الراكد ، ولكن الصواب ما ذُكر لأن الحديث لم يفصل .
ومن الفوائد :
أجمع العلماء على أن المياه المستبحرة الكثيرة المستقرة الراكدة لا يشملها هذا النهي ، لأن الناس لا يستقذرون مثل هذا الفعل مع غزارة هذه المياه وكثرتها .
ومن الفوائد :
أن الجمع بين البول والاغتسال منهي عنه لأن العقل لا يأمر به ولا يقتضيه ، فكيف بإنسان عاقل يبول في ماء راكد ثم يغتسل فيه ؟! فهذا ليس من العقل .
ومن الفوائد :
أن الاغتسال المجرد الذي ليس عن جنابة لا يدخل في هذا الحكم ، فإذا انغمس الإنسان في الماء الراكد للتنظيف من غير بول ، فإن الحديث لم يدل على النهي .
ومن الفوائد :
أن البول في الماء الراكد يشمل فيما لو بال الإنسان فيه مباشرة أو بال في قارورة ثم صب البول في هذا الماء ، فهما سواء ، خلافا للظاهرية الذين قالوا لو أن الإنسان إذا بال في قارورة ثم صبها في هذا الماء فإن الحكم لا يشمله هذا الفعل ، وهذا إخراج للحديث عن مقصوده .
ومن الفوائد :
أنه لو فعل هذا الفعل بمعنى أنه بال في هذا الماء الراكد ولم ينغمس وإنما غرف منه ، فإن الحكم باقٍ وهو التحريم، لرواية مسلم ( منه )
ومن الفوائد :
أن رواية أبي داود تدل على أن الاغتسال من الجنابة في الماء الراكد منهياً عنه ولو لم يسبقه بول ، كما أن البول في الماء الراكد ولو لم يلحقه اغتسال فإنه منهي عنه .
ومن الفوائد :
أن القاعدة الأصولية تقول :[ إن المسكوت عنه قد يكون أولى بالحكم من المنطوق ] فالمنطوق هنا هو( البول ) والمسكوت عنه هو( الغائط ) إذاً يكون الغائط منهي عنه من باب أولى في هذا الحكم .
خلاصة ما سبق / أن النهي يكون داخلا ضمن هذا الحالات الآتية :
أولا : أن يغتسل في الماء الراكد وهو جنب .
ثانيا : أن يبول في الماء الراكد .
ثالثا : أن يجمع بين البول والاغتسال ، سواء كان غسل جنابة أم غسلا مجردا .