شرح كتاب ( بلوغ المرام )ـ حديث 115
( باب الغسل )
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
فقد قال الحافظ بن حجر رحمنا الله وإياه
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَال : {غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ} أَخْرَجَهُ السَّبْعَةُ.
وعن سَمُرَةَ رضي الله عنه قال رَسُولَ اللّه صلى الله عليه وسلم { مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالغُسُل أَفْضَلُ} رواه الخمسة وحسّنه الترمذي
أمّا بعد
سبق معنا بيان مسألة حكم غسل يوم الجمعة وأنّ الخلاف فيها وقع على ثلاثة أقوال
منهم من قال بالوجوب مطلقاً
ومنهم من قال بالوجوب على من تنبعث منه رائحةٌ كريهة
ومنهم من قال بالسنية المؤكدة
وهذا ما رجّحناه في الدرس الماضي
ومعنا في هذه الليلة حديث سمرة وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم {مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالغُسُل أَفْضَلُ} أخرجه الخمسة
من الفوائد
أنّ هذا الحديث دليلٌ لمن قال بأن الغسل يوم الجمعة سنة مؤكدة
ووجه الدلالة أنّه صلى الله عليه وآله وسلم جعل المفاضلة بين الوضوء وبين الغسل وزاد الغسل فضلاً ولذا قال { ومن اغتسل فالغسل أفضل }
كما لو قلت
زيدٌ أكرم من عمرو
هذا أفعل التفضيل الأصل في أفعل التفضيل أن تكون صفة التفضيل في المفضل وفي المفضل عليه لكنّها تزيد في المفضل أكثر فعمرو عنده كرم وزيد عنده كرم لكنّ الكرم في زيد أكثر كما يقال في مقدمة بعض الكلمات
نبينا محمد أشرف المرسلين
أليس ماعداه من المرسلين شريف ؟
بلى
لكنّه صلى الله عليه وآله وسلم أشرف
وهذه هي القاعدة في أفعل التفضيل لأن أفعل التفضيل له ثلاث مراتب :
المرتبة الأولى
الأصل أن تكون الصفة موجودة في المفضل وفي المفضل عليه كما هنا في هذا الحديث
المرتبة الثانية
أن تكون الصفة في المفضل لا في المفضل عليه ولها أدلة كقوله تعالى {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً }الفرقان24
أفي استقرار أهل النار حسن ؟
لا
فدّل على أنّ الخيريّة والفضل والحُسن إنّما هو في مستقر أهل الجنة بينما أهل النار لا توجد فيهم هذه الصفة
إذن فالصفة هنا وجدت في المفضل ولم توجد في المفضل عليه
المرتبة الثالثة
أن يخلو المفضل والمفضل عليه من الصفة
قول ابن مسعود رضي الله عنه { لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً }
هل في الحلف بالله على وجه الكذب خير ؟
لا
وكذلك الحلف بغير الله ولو على سبيل الصدق ليس فيه خير
هذه هي الأصل في هذه القاعدة وهي مهمة جداً لطالب العلم ولها أمثلة كما بيّنت
ولكن
هذه القاعدة ينطلق من خلالها طالب العلم بحيث لو مرت به آية أو مر به نص يعرف هذا الحكم لكنّ الأصل أنّ الصفة توجد في المفضل وفي المفضل عليه كما هنا فجعل صلى الله عليه وآله وسلم في الوضوء في يوم الجمعة جعل فيه فضلاّ
لكن الغسل أفضل
ومن الفوائد
أن هذا الحديث وهو حديث سمرة رواه عنه الحسن البصري
ولذا أعلّه بعض العلماء
قالوا إنّ هذا الحديث لا يصح
لِمَ ؟
قالوا لأنّ الحديث الذي رواه عن سمرة هو الحسن البصري والحسن البصري لم يسمع من سمرة وإنّما كان الحسن يحدث عن سمرة من المكتوب لا من المسموع
وهذه المسألة فيها ثلاثة أقوال
هل الحسن البصري سمع من سمرة
أم لم يسمع
أو أنّه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة
ثلاثة أقوال
بعض العلماء يقول إنّ الحسن البصري لم يسمع من سمرة وبالتالي إذا لم يسمع فإنّ هناك انقطاعاً يُعلّ به الحديث ولا يصح
وبعض العلماء يقول إنّه سمع منه فقط حديث العقيقة
ودليل سماع الحسن البصري حديث العقيقة من سمرة ما جاء عند البخاري
أنّ الحسن البصري سُئل
أسمعت حديث العقيقة من سمرة ؟
فقال : نعم
القول الثالث : وهو قول المحققين وهو الراجح أنّ سمرة قد سمع منه الحسن فالحسن البصري سمع من سمرة حديث العقيقة وغيره من الأحاديث
ويؤيد هذا أنّ الحسن البصري سكن البصرة وسمرة سكن البصرة ويبعد ألا يسمع الحسن من سمرة وهم في منطقة واحدة لاسيما أنّه صرح بسماعه لحديث العقيقة وبالتالي فإنّ هذا الحديث ثابت .
ومن الفوائد
أنّ معنى من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت
الضمير يعود إلى ماذا ؟
( فبها )
ولذلك يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله لأنه يرى أن غسل الجمعة واجب يقول { فبها يعود إلى ماذا ؟
فيقول كأنّ في المتن قدحاً كما هو القدح في السند عند بعضهم ولكن يُقال
فبها
الضمير يعود على الرخصة
فبها أي الرخصة أخذت ونعمت }
ومن الفوائد
أنّ اللفظ يطلق أو يلفظ به بالتاء { ونعمت } ولا يصح أنّ تقول { فبها ونعمة } وإنّما الملفوظ بالتاء لا بالهاء
ومن الفوائد
أنّه فضّل هنا الغسل على ماذا ؟
على الوضوء
وأيهما الفرض والواجب الذي لا خلاف في وجوبه ؟
الوضوء
بينما الغسل فيه خلاف
فلماذا يفضل المسنون على المفروض ؟
أيمكن أن تكون السنة أفضل من الواجب ؟
لا
لِمَ ؟
لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما عند البخاري فيما يرويه عن ربه عز وجل
{ وما تقرب إلى عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه}
هذا أعظم محبوب لله أن يتقرب العبد لربه بالواجب فإنه إنّ أتى بالمسنون ولم يأت بالواجب فإنه مذموم فيُقال هذه المسألة من المسائل
ولم أر الفقهاء فيما أعلم ذكرها من ضمن تلك المسائل هم قالوا إنّ السنّة أفضل من الفرض في أمور
قالوا الختان واجبٌ عند البلوغ ولكنّه مستحب في الصغر فأصبحت السنّة هنا أفضل من الواجب
قالوا إنّ الوضوء عند إرادة الصلاة فرض لكن عند دخول الوقت سنّة
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ } المائدة 6 فلم تلزم بالوضوء إلا عند إرادة الصلاة لكن عند دخول الوقت سنّة ، هنا أيضا قُدّمَ الغسل الذي هو مسنون في الأفضلية على الواجب الذي هو الوضوء
ولذلك قال بعض العلماء هذه المسائل التي ذكرها ذكر الفقهاء ليست صحيحة
لِمَ ؟
قالوا لأنّ الفرض أفضل من المسنون
واستدلّوا بحديث أبي هريرة { وما تقرب إلى عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه} فنقول ما ذكروه صحيح
ولكن
نقول إنّ السُنة هنا ما فضلت على الفرض لأنها سُنة بحتة
لا
وإنّما هي سُنة تضمنت الفرض فإنه لمّا يتوضأ عند دخول الوقت أتى بالسُنة ومن ضمن هذه السنة الفرض كذلك هنا لمّا اغتسل اغتسل وفي غسله قد تضمن الوضوء وليس معنى ذلك أنّ الغسل المجرد عن الوضوء أفضل من الوضوء بدليل أنّه قال { ومن اغتسل فالغسل }
ال هنا وهذه فائدة أخرى منفصلة
ال هنا العهدية الذهنية لأن ال لها أنواع من بين أنواعها ال العهدية وهي ثلاثة أنواع
1ـ ال عهدية حضورية كقوله تعالى{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } المائدة 3
2ـ ال العهدية الذكرية المذكورة { إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً{15} فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً{16} المزمل15ـ16
تعيدك هذه ال العهدية الذهنية وتعيد ذهنك إلى ما كان عالقاً في ذهنك في الشرع من أنّ الغسل هو الغسل الذي تضمن وضوءاً ومرت معنا ال العهدية الذهنية في الأحاديث السابقة مثل { الماء من الماء } { إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل }
ما هو هذا الغسل ؟
الغسل هنا هو المعهود في الذهن في الشرع
نقول هنا الغسل أفضل لأنّه أتى بالأفضل وزيادة
نقول حتى لا نقع في معارضة من حيث الصورة مع حديث { وما تقرب إلى عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه}
نقول السنة المتضمنة للفرض أفضل من الفرض
لأنّه قد يحرّك في الذهن فيُقال سُنّة أفضل من واجب ، فيكون الفرض دخل في السنة تبعاً
من الفوائد اللغوية
أنّ نعم وبئس فعلان جامدان يراد بأحدهما المدح وهو نِعمَ
ويراد من الأخر الذم وهو بئسَ
ويجوز أن تدخل التاء عليهما كما ذكر هنا قال{ ونعمت } وهذا دليل لمن قال بأنّ نعم وبئس فعلان لدخول التاء
والتاء من علامات الفعل ولذلك قال ابن مالك
بِتا فَعلْتَ وأَتَتْ ويا افْعَلِـيْ | ونُـوْنِ أَقْبِلَنَّ فِعْلٌ يَنْجَلِـي |
يعني فعل ينجلي ويظهر
إمّا بدخول التاء { بتا فعلت} تاء الفاعل
{ واتت تاء} التأنيث
وياء المفاعلة
ونون النسوة.