شرح كتاب التوحيد
( 14 )
[ باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الفوائد على هذا العنوان:
1 ـ أن المؤلف رحمه الله عطف العام على الخاص لأن الدعاء أعم من الاستغاثة، فيكون هذا العطف من باب تبيين عِظم الاستغاثة بغير الله عز وجل .
2 ـ أن الاستغاثة لا تكون إلا من شدة، أما الدعاء فإنه يكون في شدة أو في رخاء، فتكون كل استغاثة دعاء ولكن ليس كل دعاء استغاثة.
3 ـ أنه لا يشترط في الاستغاثة أن تُحِبَ وأن تُعَظِمَ من استغثت به بخلاف الدعاء فلا يكون إلا مع المحبة والتعظيم.
4 ـ أن دعاء غير الله عز وجل لا يجوز أبداً ، والاستغاثة بغير الله عز وجل لا تجوز إلا بأربعة شروط :
أولًا : أن يكون المستغاث به حياً.
ثانيًا : أن يكون قادرا.
ثالثًا : أن يكون موجودا حال الاستغاثة.
رابعًا : أن يعتقد أنه مجرد سبب.
فإن اختل شرط من ذلك فهو شرك، وقولنا يجوز الاستغاثة بالمخلوق بالشروط السابقة هذا يقال عند طلاب العلم فقط لكن عند عوام الناس إذا سئل هل يستغاث بغير الله عز وجل ؟ يقال: لا يجوز أن يستغاث بغير الله عز وجل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقول الله تعالى:
﴿وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس106].
من الفوائد:
1 ـ أن الدعاء عبادة ، لقوله تعالى : ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر60] ﴿عَنْ عِبَادَتِي﴾ يعني عن دعائي، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ» كما في السنن.
2 ـ أن دعوة غير الله عز وجل لا تنفع، وأن ترك دعائه لا يضر، بمعنى أنك لو دعوت غير الله عز وجل ما نفعك ، ولو تركت دعاء غير الله عز وجل لم يضرك.
3 ـ أن الشرك أعظم الظلم، كما سبق ذكره ولذا ختم عز وجل الآية بقوله ﴿فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس106] .
4 ـ أن كشف الضر لا يقدر عليه إلا الله عز وجل ، فيكون هو المستحق للدعاء دون غيره حتى لو كان هذا الضر يسيراً فإنه لا يستطيع أحدٌ أن يكشفه لقوله تعالى بعد هذه الآية ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس] وكلمة «ضُرٍ» نكرة في سياق الشرط فتعم.
5 ـ أن الله عز وجل قال : ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ﴾ [يونس107] فنسب الضر هنا إليه عز وجل من باب بيان قدرته جل وعلا وضعف ما سواه فهو في مقام التحدي .
6 ـ أنه لا راد لقضاء الله عز وجل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقول الله تعالى:
﴿ فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت17] .
من الفوائد :
1 ـ أن المستحق للعبادة هو الذي يَرْزُق، أما من لا يَرْزق فلا يستحقها، ولذا إذا ذُكرت العبادة أو ذكر الأمر بها ذكر في الغالب الرزق، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات 56] قال بعدها: ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ﴾ [الذاريات57]، وكما هنا في هذه الآية ﴿فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾ [العنكبوت 17] ثم قال: ﴿وَاعْبُدُوهُ﴾.
2 ـ أن تقديم طلب الرزق على العبادة في قوله تعالى ﴿فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ﴾ [العنكبوت 17]
يدل على أنَّ الدعاء عبادة ، ولماذا كان الطلب هنا طلباً للرزق ؟
لأن ابن آدم يحرص عليه أكثر من غيره.
3 ـ أن قوله تعالى : ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ﴾ [النساء 5 ] وقوله تعالى:﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ﴾ [النساء 8 ].
لا يدل على أن العباد يَرْزُقُون، إنما هو إعطاء فيما يقدرون عليه وليس هم الرازقين حقيقة وإنما الله عز وجل جعلهم أسباباً إذ لو شاء عز وجل لما أنفق أحدهم مثقال ذرة، ولذا قال جل وعلا: ﴿قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً﴾ [الإسراء100]، ولا يجوز لأحد أن يقول لغني «ارزقني» لأن هذه النصوص إنما جاءت بالإخبار المتضمن أمر هؤلاء المالكين، وليس فيها نصٌ على أنه يجوز أن يقول الفقير للغني ارزقني ، خلافا لمن قال ذلك .
4 ـ أن قوله:﴿ وَاشْكُرُوا لَهُ ﴾ [العنكبوت 17] يدل على أن الرزق يستجلب بشكر الله عز وجل ويبقى بشكر الله عز وجل .
5 ـ وجوب الإخلاص في الشكر لله إذ قال: ﴿وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ [العنكبوت 17]
6 ـ أن ختام الآية بقوله:﴿إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت 17] هذا فيه ذكر للخوف، فإن من خاف ما يكون في اليوم الآخر دعاه ذلك إلى أن يطلب الرزق من الله وأن يخلص له العبادة والشكر.
7 ـ أن ذكر الرزق مع العبادة يدل على أن الرزق يستعان به على عبادة الله عز وجل لا على معصيته فإن استعين به على معصيته كان كفراً بهذه النعمة ، لكن إن استعين به على عبادته كان شكراً ، ولذا فلعل تأخير ﴿وَاشْكُرُوا لَهُ ﴾ [العنكبوت 17] بعد كلمة ﴿وَاعْبُدُوهُ﴾ [العنكبوت 17] وقبلها ابتغاء الرزق ، يدل على ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ﴾ [الأحقاف 5].
من الفوائد :
1 ـ بيان حال المعبودين من دون الله عز وجل وأنهم عن دعاء من عبدوهم غافلون ، وأنهم لا يستجيبون لهم ولو ظلوا يدعونهم إلى يوم القيامة ، وقد قال مؤمن آل فرعون: ﴿وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ(41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ﴾ [غافر].
2 ـ أن المذكور هنا براهين وأدلة قطعية على ضلال من دعا غير الله عز وجل سواء كان : دعاء عبادة أو دعاء مسألة.
3 ـ أن الاستفهام في قوله : ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [الأحقاف 5] استفهام مُشْرَب بالنفي فهو أبلغ من النفي المجرد ، فيراد منه التحدي ، فهنا سؤال ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ ﴾ [الأحقاف 5] ؟
الجواب : لا أحد أضل ممن يدعو من دون الله.
4 ـ أن الإنسان يُعامل بنقيض قصده السيئ ، فإنهم اتخذوهم من دون الله عز وجل أنداداً ليطلبوا منهم النفع لكن الله عز وجل عاقبهم في الآخرة بأن يجعلهم أعداءً وأنهم يتبرءون منهم ومن عبادتهم وهذا كثير في كتاب الله عز وجل .
5 ـ وقوع الحشر وأنه لا محيص عنه ، قال تعالى : ﴿إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً ﴾ [مريم93]
6 ـ أن من لا يستجيب لطالبه كيف يصرف له الدعاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله تعالى:
﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل62].
من الفوائد تحت هذه الآية:
1 ـ التأكيد على أن الضر الذي يصيب المضطر لا يكشفه إلا الله عز وجل .
2 ـ أن ظاهر هذه الآية أن المضطر لا ينكشف عنه ضره إلا إذا دعا الله عز وجل .
3 ـ أن كلمة ﴿اَلْمُضْطَرَّ﴾ دخلت عليها الألف واللام فتعم أي مضطر سواءً كان مسلماً أم كافراً، ولذا قال تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [العنكبوت65]
لكن قال القرطبي رحمه الله كما في تفسيره : ليس ذلك على سبيل العموم فالكافر قد يجاب دعاؤه في حال الاضطرار وقد لا يجاب لقوله تعالى ﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام41] فعلَّق الكشف بمشيئته عز وجل .
4 ـ أن الإعراض عن دعاء الله عز وجل دليل على انعدام تذكر الإنسان وانعدام عقله.
5 ـ أن كلمة «ما» في قوله تعالى: ﴿قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل 62] «ما» زائدة ، تفيد تأكيد قلة تذكرهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وروى الطبراني بإسناده
«أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين، فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله من هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي وإنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللهِ»
من الفوائد:
1 ـ هذا الحديث إن ثبت فإن الاستغاثة بالمخلوق جائزة بالشروط السابقة ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي» هذا من باب سد الذرائع منه صلى الله عليه وسلم ، كما في قصة وفد بني عامر لما قالوا: «أَنْتَ سَيِّدُنَا، فَقَال السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قُلْنَا وَأَفْضَلُنَا فَضْلاً وَأَعْظَمُنَا طَوْلاً. فَقَالَ قُولُوا بِقَوْلِكُمْ أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ وَلاَ يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ»
ومما يدل على ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا : « قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق » ، ومما يدل على جواز الاستغاثة بالمخلوق بالشروط السابقة قوله تعالى : ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾ [القصص15]
وشرع من قبلنا على القول الصحيح من أقوال أهل الأصول أنه شرع لنا ما لم يأتِ شرعنا بخلافه.
2 ـ أن قوله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُسْتَغَاثُ بِي» يحمل على أحد أمرين :
أولا : أن هؤلاء الذين أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ظاهر قولهم هو الاعتماد عليه صلى الله عليه وسلم دون أن يجعلوه سبباً مجردا ولذا قال صلى الله عليه وسلم «لا يستغاث بي»
ثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتأدبوا في اللفظ حتى لا يجرهم إلى الاستغاثة بغير الله عز وجل فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى .
3 ـ أن قولنا : إن الاستغاثة بالمخلوق جائزة بالشروط السابقة لا يعني أنه مستحب، إنما هو لبيان الجواز.
4- أن هذا الحديث ضعفه بعض العلماء لوجود ابن لهيعة فيه، وقد ذكر الهيثمي في المجمع أن ابن لهيعة حسن الحديث، والخلاف في ابن لهيعة معروف عند المحدثين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ